Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اشتداد معارك السيطرة على مدينة "الفاشر" السودانية

مسيرات تقصف مقراً للجيش بولاية نهر النيل وتحذيرات من موجة عنف طائفي في عاصمة شمال دارفور التي تعج بالنازحين

هي آخر مدينة رئيسة في إقليم دارفور الشاسع غرب البلاد التي لا تخضع لسيطرة قوات "الدعم السريع" (أ ف ب)

ملخص

يقول سكان ووكالات إغاثة ومحللون إن القتال من أجل السيطرة على الفاشر، وهي مركز تاريخي للسلطة، قد يطول أمده ويؤجج التوترات العرقية التي ظهرت في الصراع الذي دارت رحاه في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 في المنطقة ويمتد عبر حدود السودان مع تشاد.

أطاحت الهجمات التي وقعت حول مدينة الفاشر السودانية بالهدنة التي كانت تحميها من حرب مستعرة منذ عام، مما أدى إلى تحذيرات من موجة جديدة من العنف الطائفي وأخطار إنسانية على 1.6 مليون من السكان المتكدسين في عاصمة ولاية شمال دارفور، في حين قال شهود إن طائرات مسيرة تقصف مدينة شندي السودانية بولاية نهر النيل، مستهدفة مقراً للجيش.

والفاشر هي آخر مدينة رئيسة في إقليم دارفور الشاسع في غرب البلاد التي لا تخضع لسيطرة قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية، واجتاحت قوات "الدعم السريع" وحلفاؤها أربع عواصم ولايات أخرى في دارفور العام الماضي، وتم إلقاء اللوم عليها في حملة من عمليات القتل ذات الدوافع العرقية ضد الجماعات غير العربية وغيرها من الانتهاكات في غرب دارفور.

ويقول سكان ووكالات إغاثة ومحللون إن القتال من أجل السيطرة على الفاشر، وهي مركز تاريخي للسلطة، قد يطول أمده ويؤجج التوترات العرقية التي ظهرت في الصراع الذي دارت رحاه في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 في المنطقة ويمتد عبر حدود السودان مع تشاد.

ماذا نفعل؟

وتضم الفاشر ما يقدر بنحو نصف مليون شخص نزحوا خلال هذا الصراع السابق، عندما قام الجيش، بمساعدة الميليشيات العربية التي أصبحت في ما بعد قوات "الدعم السريع"، بإخماد تمرد الجماعات المتمردة غير العربية.

ونزح نحو نصف مليون شخص إضافي إلى المدينة خلال الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في العاصمة الخرطوم في أبريل (نيسان) 2023، مع وصول التوترات المستمرة منذ فترة طويلة في شأن دمج القوتين إلى ذروتها.

ومع امتداد الحرب إلى أجزاء أخرى من البلاد، توسط القادة المحليون لإبرام اتفاق هدنة في الفاشر، إذ اقتصر وجود قوات "الدعم السريع" على المناطق الشرقية من المدينة، بينما ظلت الجماعات المتمردة السابقة على الحياد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن هذا الترتيب انهار بعد أن سيطرت قوات "الدعم السريع" على بلدة مليط هذا الشهر، مما أدى إلى حصار الفاشر فعلياً.

ويقول شهود إن الجيش عزز الإمدادات والقوات، بما في ذلك من خلال إنزال جوي لقاعدته في المدينة، على عكس ما حدث في عواصم الولايات الأخرى حيث فر الجنود بسرعة.

وقالت جماعتان متمردتان سابقتان بارزتان، هما "جيش تحرير السودان" بزعامة مني مناوي، و"حركة العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم، إنهما ستتصديان أيضاً لقوات "الدعم السريع".

ويشعر عديد من غير العرب في الفاشر بالخوف، وقال محمد قاسم وهو أحد السكان (39 سنة) لـ"رويترز" عبر الهاتف، "لا ندري ماذا نفعل. الفاشر خطرة والخروج من الفاشر أخطر".

قرى مدمرة

وقال إسماعيل خريف، الناشط في مخيم أبو شوك للنازحين في المدينة، إنه حتى قبل انهيار الهدنة، أدت المناوشات المتفرقة إلى مقتل أكثر من 220 شخصاً في الفاشر العام الماضي.

وأضاف أن الاشتباكات التي وقعت في الـ16 من أبريل الجاري خلفت 18 قتيلاً في الأقل، ويقول هو وسكان آخرون إن إطلاق النار والقذائف، بما في ذلك من طائرات الجيش الحربية أصاب المنازل.

ومنذ بداية الشهر، تم تدمير ما لا يقل عن 11 قرية في ضواحي الفاشر، وفقاً لصور الأقمار الاصطناعية التي حصل عليها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة "يال". وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 36 ألف شخص نزحوا.

 

 

وألقى ناشطون محليون ومتحدث باسم "جيش تحرير السودان" اللوم على قوات "الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها، التي عرف عنها استخدام الحرق العمد في هجمات سابقة، بما في ذلك في غرب دارفور. وقال ناشطون إن الناجين من الهجمات أبلغوا عن مقتل نحو 10 أشخاص، وإن المهاجمين استخدموا إهانات عرقية.

ونفت قوات "الدعم السريع" مهاجمة الفاشر، وقالت إنها حرصت على إبقاء الاشتباكات بعيدة من المدنيين في المدينة، واتهمت الجيش والفصائل المتحالفة معه بمهاجمتها على مشارفها. ونفت القوات في السابق مسؤوليتها عن العنف العرقي في دارفور.

ولم يرد الجيش على الفور على طلبات بالتعقيب.

وقال عوض الله حامد مدير منظمة "براكتكال أكشن" في دارفور لـ"رويترز" من المدينة التي لا يوجد بها سوى عدد قليل من العاملين في المجال الإنساني الدولي، إن الفاشر نفسها لم تعد بها مياه جارية أو خطوط كهرباء عاملة منذ عام، مضيفاً أن مستشفى عاماً واحداً فقط يعمل، بينما يكتظ النازحون بالمدارس والمباني العامة.

وقال جيروم توبيانا، المتخصص في شؤون دارفور ومستشار منظمة "أطباء بلا حدود" الخيرية، إن القتال الشامل "يهدد بالفعل بتعقيد وصول المساعدات الإنسانية، في وقت تظهر البيانات المتاحة أن الفاشر تعاني أزمة غذائية خطرة للغاية".

اتساع الصراع

منذ بدء الحرب، لم تدخل سوى كميات صغيرة من المساعدات إلى الفاشر، وهي القناة الوحيدة التي وافق عليها الجيش للشحنات إلى أنحاء أخرى من دارفور. ويقول السكان إنه على رغم أن الأسواق تعمل، فإن سيطرة قوات "الدعم السريع" على الطريق الرئيس تسببت في ارتفاع أسعار الوقود والمياه والسلع الأخرى.

كما أثارت التوترات وأعمال العنف الأخيرة حول الفاشر مخاوف في شأن اتساع رقعة الصراع.

وتنحدر الجماعات المتمردة السابقة التي تقاتل إلى جانب الجيش من قبيلة الزغاوة التي تمتد عبر الحدود إلى تشاد، ويعتبر الزعيم التشادي محمد إدريس ديبي أحد أعضائها.

ويقول محللون إن مصادمات تنشب منذ أمد طويل بين القبائل العربية وغير العربية مثل الزغاوة حول الأراضي والموارد القيمة في دارفور.

 

 

ومما يزيد الأمور تعقيداً دخول القوات التابعة لموسى هلال، وهو قائد عربي بارز من أوائل العقد الأول من القرن الـ21 ومنافس لقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، على رغم انتمائه إلى القبيلة نفسها. وأكد متحدث باسم "مجلس الصحوة الثوري" تسجيلاً مصوراً لهلال وهو يخاطب القوات في شمال دارفور يوم الإثنين الماضي، لكنه قال إن من السابق لأوانه القول ما إذا كانت القوات ستنضم إلى القتال في الفاشر أو في أي مكان آخر.

وقال يوناس هورنر، وهو محلل سوداني مستقل، "حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية وقوات ’الدعم السريع‘، فإن الأمر أكبر من ذلك. ثمة حسابات يجري تسويتها وتوترات تتجدد".

ويتبادل طرفا حرب السودان (الجيش و"الدعم السريع") التي اندلعت في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بشكل مستمر عمليات القصف المدفعي، فضلاً عن وقوع معارك بينهما خلال اليومين الماضيين في الأجزاء الشرقية والشمالية من المدينة، مما تسبب في نزوح أكثر من 36 ألف شخص بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، وهو ما دفع إلى تصاعد القلق الدولي على مصير 800 ألف مدني يعيشون في الفاشر، إضافة إلى إعاقة توزيع المساعدات الإنسانية في منطقة باتت بالفعل على شفا مجاعة.

فوضى عارمة

وقال رئيس مجلس أمناء "هيئة محاميي دارفور" الصادق علي حسن إنه "في حال لم يتوصل إلى تدابير عاجلة في شأن الأحداث الجارية في الفاشر تقوم بها المكونات المدنية والأهلية المحلية، ومن خلالها التوصل إلى التزامات جادة تجبر أطراف الحرب العبثية الدائرة في دارفور، وهي قيادة الجيش و’الدعم السريع‘ والحركات المسلحة، على التوقف الفوري عن التصعيد العسكري أولاً والبحث في سبل إيقاف الحرب، فإن مآلات الأوضاع في مدينة الفاشر ستقود إلى الحرب الأهلية الشاملة في دارفور، التي ستكرس لواقع جديد يتمثل في انتقال الحروب الأهلية إلى مناطق البلاد الأخرى التي لا تزال حتى الآن تراقب المشهد، مستدركاً "لكن في تقديري أن التحدى الحالي هو أن الأطراف جميعها فقدت السيطرة على قواتها، وأصبحت هناك مراكز قوى تفعل ما تريد ولا تتحسب لأية عواقب لحرب أهلية باتت راجحة".

وتوقع أن تشهد الفاشر فوضى عارمة "لأن جنود أطراف الحرب وعتادها تتمركز داخل المدينة ولا تمتلك السيطرة عليها، لذلك لن تكون لأية جهة واحدة الغلبة في هذه المدينة كما حدث في ولايات دارفور الأخرى، بل ستعم الفوضى".

 

 

وتابع حسن "هذا الوضع المتأزم بسبب التناقص الحاد في الغذاء وعدم توافر الأدوية المنقذة للحياة سيخلف مزيداً من التشرد الداخلي واللجوء الخارجي والمعاناة المتزيدة، فضلاً عن تعميق الأحساس لدى المواطن العادي بأنه لا توجد أجهزة لدولة أو قيادة لها".

ورأى أن القوة المشتركة المكونة من بعض الحركات المسلحة لحماية المدنيين في مناطق الغقليم المختلفة هي مجرد مسميات، فمن المفترض أن يكون بينها التنسيق المشترك في أعمالها وأنشطتها لتأمين الأمن، ولكنها ليست كذلك بل تتصارع وتختلف في أبسط الأمور، بخاصة المتعلقة بالأموال والمرتبات.

ولفت رئيس مجلس أمناء "هيئة محامي دارفور" إلى أن كل أطراف الحرب لديها تحالفات، فالجيش و"الدعم السريع" وأعوانهما يمثلان قطبان متوازيان تتوزع بينهما بقية الحركات المسلحة والميليشيات، بيد أن حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور قد تكون الوحيدة بين الحركات التي لها موقف مستقل بها عن الطرفين المتحاربين، وبشكل عام لا يمكن التعويل على غالبية الحركات، بخاصة أن قياداتها أصبحوا لوردات الحرب.

حيطة وحذر

في السياق أوضح المستشار الإعلامي لرئيس حركة "تمازج" السودانية عثمان عبدالرحمن سليمان، أن "الشاهد في الأمر أن قوات "الدعم السريع" تدير المعارك سواء في الفاشر وغيرها، وهي على درجة عالية من الحيطة والحذر، وهنا نقصد مراعاة أوضاع المواطنين من ناحية إنسانية ومسؤولية تاريخية مع التركيز على الهدف الأساس وهو دك معاقل العدو".

وأكد سليمان أن قوات الجيش الموجودة في الفاشر لا تستطيع الصمود أمام قوات "الدعم السريع"، لأن الأخيرة تسير وفق استراتيجيات محكمة في القتال لتحقيق انتصاراتها، وهو أمر كشفت عنه ساحة المعارك سواء في دارفور والجزيرة والخرطوم وغيرها، منوهاً إلى أن التعامل ميدانياً مع وضع الفاشر يختلف عن بقية المناطق لاعتبارات كثيرة، بخاصة إذا نظرنا إلى وضع هذه المدينة الإنساني بعد أن اتخذ الجيش سكانها دروعاً بشرية.

 

 

وبين أن القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة التي اختارت القتال لصالح الجيش أصبحت في مأزق كبير بعد أن صرفت النظر عن مهماتها التي جاءت من أجلها، ومن المتوقع ألا تحرك ساكناً في هذه الحرب.

وأشار إلى أن خروج بعض الحركات المسلحة عن الحياد "كارت خاسر" لا تأثير له في أرض الواقع، وهي بهذه الخطوة تكون وضعت نفسها في مأزق وانخرطت في معترك سيفقدها ما تبقى من قواتها.

النهج الليبي

من جهة أخرى أفاد مساعد حركة جيش تحرير السودان (المجلس القيادي) أسامة مختوم، أن "تطورت الأوضاع في الفاشر تتسارع بشكل غير عادي بعد أن تأكد لقوات ’الدعم السريع‘ استحالة السيطرة على العاصمة الخرطوم كاملة ومدن أخرى، فأصبحت نواياها هي الانفراد بإقليم دارفور وتطبيق النهج الليبي للضغط على الحكومة السودانية، وكل هذا جعل حياة الناس في خطر بعد الأخطار المميتة التي تعرض لها المدنيون من ’الدعم السريع‘ في بقية مناطق سيطرتهم، وللأسف كل منطقة سيطرت عليها تلك القوات يغادرها المدنيون حفاظاً على أرواحهم".

وأضاف مكتوم "لن تصمد الفاشر إلا بمقاومة قوى الكفاح المسلح لمخطط الاحتلال والتغيير الديموغرافي الذي بدا واضحاً في دارفور، وها هي الحركات المسلحة بدأت تتعامل مع القوات الغازية بحسم، وبكل تأكيد أن المدينة ستصمد وتكون عصية على تنفيذ ذلك المخطط".

وزاد أن "تحرك القوة المشتركة لبسط الأمن في الإقليم جاء بمباركة جميع السودانيين، والآن جنود تلك القوة معنوياتهم عالية وهم يقومون بحماية الوطن والمواطن، وسينجحون في وقف زحف وتقدم قوات ’الدعم السريع‘، بل وإحداث فارق واضح في ميدان المعركة لصالح القوات المسلحة"، لافتاً إلى أن الحركات المسلحة خرجت من الحياد مكرهة بسبب الاعتداءات المتكررة من تلك الميليشيات المرتزقة على المدنيين، بالتالي لن يكون هناك حياد في ظل عمليات النهب والسرقة واغتصاب النساء والإساءات العرقية والتطهير، فكل من يقف على الحياد بعد هذه الممارسات هو خائن لمشروع التحرير العريض".

وأردف مساعد حركة جيش تحرير السودان (المجلس القيادي)، "لقد واجه مواطنو الفاشر أوضاعاً كارثية، بخاصة أن المدينة ظلت محاصرة لفتره طويلة من قوات ’الدعم السريع‘ التي كانت تقوم بالاستيلاء على المؤن والمعونات الإنسانية في الإقليم الغربي، مما جعل حياه المدنيين أكثر بؤساً، فالمعارك الدائرة الآن بين قوى الكفاح المسلح و’الدعم السريع‘ ستزيد هذه الضائقة، لكن بعد تطهير الفاشر من ’الدعم‘ ستتحول حياة المواطنين إلى أمان ونعيم".

المزيد من متابعات