Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التأثير الديني "ورقة رابحة" في الانتخابات الرئاسية الأميركية

لماذا تبدو حظوظ الرئيس السابق دونالد ترمب هذه المرة أوفر مع التيارات الإنجيلية في حين يتعرض الرئيس جو بايدن لهجوم قاس من الكنيسة الكاثوليكية؟

الحضور الديني في السيسات الداخلية الأميركية وخصوصا الانتخابات له تأثير كبير (أ ب)

ملخص

تبدو قضية المعتقد الديني والإيماني للرئيس المنتخب، مسألة مهمة وحاسمة، لا سيما أن جميع البالغين في الولايات المتحدة، تقريباً، يقولون بأنه من المهم أن يكون هناك رئيس يعيش حياة أخلاقية ومعنوية، ويقول نصفهم، تقريباً، إن من المهم أن يكون لدى الرئيس معتقدات دينية قوية، والعهدة على استطلاع لـ"رويترز".

على عتبات الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، يرتفع في الأفق تساؤل مهم، بل ومثير، عن الدور الذي يلعبه العامل الديني في الداخل الأميركي، وهو ليس قاصراً على المسيحية فحسب، بل يشمل كذلك اليهودية والإسلام، وربما أتباع الأديان الوضعية من الآسيويين بنوع خاص.

هل سيكون لهذا العامل حضور وتأثير فاعل هذه المرة، كما كان في مرات سابقة؟

تبدو علامة الاستفهام غريبة، ذلك أن الولايات المتحدة بحكم دستورها دولة علمانية، تحرص كل الحرص على الفصل بين الدين والدولة، ولا تجرى الانتخابات أبداً برسم ديني أو إيماني.

 لكن هذا على صحته، لا يدفع بعيداً القول إن أميركا برمتها مؤمنة حتى النخاع، إلى الدرجة التي يقال معها إنها "بلد الرب"، وربما هذا راجع إلى هجرة "البيوريتانيين"، أو الأطهار، الذين فروا من جحيم التعصب الدوغمائي في أوروبا القرون الوسطى، ووجدوا الملاذ والملجأ في الأرض الجديدة، تلك التي أطلقوا عليها أرض كنعان، تيمناً بهجرة بني إسرائيل من أرض مصر إلى أرض فلسطين القديمة.

كيف ستمضي الانتخابات الرئاسية المقبلة على صعيد التيارات الدينية والإيمانية أول الأمر؟ وتالياً هل مسألة تدين كل مرشح من المرشحين للرئاسة تمثل فارقاً عند الاقتراع للمواطن الأميركي؟ ثم لماذا تبدو حظوظ الرئيس دونالد ترمب، هذه المرة، أوفر مع التيارات الإنجيلية، في حين يتعرض الرئيس جو بايدن لهجوم قاس من الكنيسة الكاثوليكية، التي ينتمي إليها بصورة رسمية؟ وفي كل الأحوال يظل هناك قلق من أن يؤدي انقسام مسيحيي أميركا في داخلها إلى تعميق الشرخ المجتمعي الحادث في الجدار الأميركي عرقياً ومجتمعياً، وعليه فإن أكثر ما يخشاه عقلاء الولايات المتحدة اليوم تنامي النزعات الدينية ذات الملامح والجذور الأصولية، وهو أمر كفيل بتهديد مستقبل هذا البلد الإمبراطوري.

التأثير الديني هل يفقد حضوره؟

في منتصف مارس (آذار) الماضي، وجد استطلاع لمركز "بيو" الشهير في الداخل الأميركي، أن 80 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة يقولون إن دور الدين في الحياة الأميركية يتقلص، وهي نسبة عالية عن أي وقت مضى.

ويفيد الاستطلاع بأن معظم الأميركيين الذين يقولون إن تأثير الدين آخذ في التقلص ليسوا سعداء بذلك، غير أن الأرقام لا تكذب، فهناك 49 في المئة يعدون أن تراجع تأثير الدين هو أمر سلبي، في حين يرى ثمانية في المئة فقط أن تأثير الدين يتزايد، ويعدون ذلك أمراً إيجاباً.

وفي الاستطلاع عينه، نجد نحو نصف البالغين في الولايات المتحدة يقولون إنه من المهم جداً، أو إلى حد ما، بالنسبة إليهم أن يكون لديهم رئيس لديه معتقدات دينية قوية، حتى لو كانت تلك المعتقدات مختلفة عن معتقداتهم.

وبصورة عامة، هناك علامات واسعة النطاق على عدم الارتياح تجاه مسار الدين في الحياة الأميركية، ولا يقتصر عدم الرضا هنا على الأميركيين المتدينين فحسب، بل إن عديداً من الأميركيين المتدينين وغير المتدينين يقولون إنهم يشعرون بأن معتقداتهم الدينية تضعهم على خلاف مع الثقافة السائدة، ومع الناس من حولهم، ومع الجانب الآخر من الطيف السياسي.

هل المنطلقات الدينية تسبب صراعاً مجتمعياً أميركياً داخلياً؟

بحسب الاستطلاع، فإن 48 في المئة من البالغين في الداخل الأميركي، يرون أن هناك "قدراً كبيراً" أو "بعض الصراع" بين المعتقدات الدينية والثقافة الأميركية السائدة مقارنة بـ42 في المئة في عام 2020.

على الجانب الآخر، يفضل 42 في المئة من المستطلعة آراؤهم تجنب مناقشة دور الدين على الإطلاق، أما 72 في المئة من البالغين غير المنتمين دينياً، أولئك الذين يعدون دينياً ملحدين أو لا أدريين أو "لا شيء على وجه الخصوص"، فيقولون إن المسيحيين المحافظين ذهبوا بعيداً في محاولة السيطرة على الدين في الحكومة والمدارس العامة، بينما 63 في المئة من المسيحيين يقولون الشيء نفسه عن الليبراليين العلمانيين.

لكن وعلى رغم هذا التراجع فإن من المرجح أن يلعب عنصر الدين دوراً كبيراً في اختيارات الناخبين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مثلما فعل في السنوات السابقة، على رغم التحول العام بعيداً من القناعات الدينية الخاصة، الأمر الذي نراه في تكثيف الخطاب الديني على الساحة السياسية.

هل الغد شبيه بالأمس؟ وإذا كان ذلك كذلك فما المحددات التي ستمثل اتجاهات التصويت والاقتراع برسم ديني عما قريب؟

ثلاثة اتجاهات رئيسة في 2024

يقدم لنا رئيس قسم التاريخ في جامعة "مونتانا" بولاية مونتانا الأميركية البروفيسور توبين ميلر شيرر، وهو مؤرخ ومؤلف كتاب أخير يستكشف دور الدين في الحركات السياسية مثل المناهضة للإجهاض، ثلاثة اتجاهات رئيسة ستحدد توجهات الاقتراع في انتخابات الرئاسة 2024، وهي كالتالي:

-خطاب نهاية الزمان: لقد لعب هذا الخطاب، لفترة طويلة، دوراً بارزاً في السياسة الأميركية، والواقع أن القادة الأميركيين عملوا على حشد أتباعهم من خلال الخطاب المروع منذ نشأة البلاد، ومنذ أن وصف "البيوريتاني" جون وينثروب أميركا، للمرة الأولى، بأنها "مدينة على التل"، وأن على العالم أن يقتدي بها.

في إعلانه في أواخر 2022 عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الأميركية، أكد ترمب أن "الشوارع المليئة بالدماء في مدننا كانت عظيمة ذات يوم، وهي بالوعات لجرائم العنف اليوم"، في مقارنة لا تخطئها العين بين مدينة فوق جبل والحال اليوم.

كما اعتمد بايدن على صورة المعارك النهائية، وفي خطاب ألقاه في قاعة الاستقلال بفيلادلفيا في الأول من سبتمبر (أيلول) 2022، قال إنه وأنصاره يخوضون "معركة من أجل روح هذه الأمة".

-التفويض الإلهي: منذ تأسيس الجمهورية، ادعى عديد من القادة السياسيين الأميركيين التفويض الإلهي، وأكدوا أن الله هو الذي أرشد تأسيس المؤسسات الديمقراطية في البلاد، بدءاً من الانتخابات الشعبية إلى توازن السلطات في الدستور. وبغض النظر عن نتيجة انتخابات عام 2024، فإن التحول من الادعاءات التاريخية بالسلطة الإلهية للديمقراطية إلى السلطة الإلهية لتحدي الديمقراطية أمر واضح بالفعل.

-التفوق الأبيض والقومية المسيحية: في الولايات المتحدة، كانت الهويات الدينية والعرقية متشابكة منذ نشأة البلاد، على رغم التعبير عنه أيضاً بصور أكثر دقة ونظامية، خلال أواخر القرن الـ20 وأوائل القرن الـ21، قدم العنصريون البيض ادعاءات أكثر وضوحاً بالفضل الإلهي من جانب الأشخاص البيض بصورة عامة، والأشخاص المتحدرين من أصل شمالي على وجه الخصوص.

في هذا السياق، ظهرت مناشدات التفوق الأبيض في الكونغرس الحالي، وفي ربيع عام 2023، رفض 26 عضواً في لجنة الرقابة والمساءلة بمجلس النواب التوقيع على خطار بايدن التفوق الأبيض.

وفي كل الأحوال، يمكن القطع أن هذه الاتجاهات ستستمر في صورها الحالية، وربما ستنتقل إلى أشكال جديدة، أو ستحل محلها استراتيجيات بلاغية لم تصور بعد، فيما الأمر الأكثر يقيناً، هو أن الدين والسياسة سيستمران في التفاعل.

هنا يطل تساؤل بعينه من نافذة التحليل: هل يربط الناخبون بين الرئيس وفكرة تدينه من عدمها؟

الرئيس المنتخب وقناعاته الإيمانية

تبدو قضية المعتقد الديني والإيماني للرئيس المنتخب مسألة مهمة وحاسمة، لا سيما أن جميع البالغين في الولايات المتحدة، تقريباً، يقولون بأنه من المهم أن يكون هناك رئيس يعيش حياة أخلاقية ومعنوية، ويقول نصفهم، تقريباً، إن من المهم أن يكون لدى الرئيس معتقدات دينية قوية، والعهدة على استطلاع لـ"رويترز".

وفي حين أن عدداً أقل من الأميركيين يريدون رئيساً يشاركهم دينهم، فإن معظمهم يريدون رئيساً يدافع عن الأشخاص الذين لديهم معتقداتهم الدينية.

وبحسب الاستطلاع المقدم، فإن 13 في المئة من البالغين الأميركيين يعتقدون أن بايدن متدين جداً، بينما يقول 41 في المئة إنه متدين إلى حد ما، فيما يقول 44 في المئة إنه ليس متديناً للغاية أو ليس متديناً على الإطلاق.

و44 في المئة يعتقدون أن ترمب متدين جداً، بينما 25 في المئة يصفونه بأنه متدين إلى حد ما، و68 في المئة يقولون إنه ليس متديناً جداً أو ليس متديناً على الإطلاق.

ما مدى أهمية الدين والأخلاق في الرئيس؟

هذا التساؤل طرحه مركز "بيو" مرة أخرى، ومرة ثانية رجح البالغون فكرة أنهم يريدون رئيساً يعيش شخصياً حياة أخلاقية ومعنوية، أكثر من القول إن الرئيس يجب أن يمتلك سمات دينية معينة.

ومع ذلك لا يزال عديد من الأميركيين يبحثون عن رئيس يتعامل مع الدين بطرق مختلفة.

هنا يبرز البروتستانت الإنجيليون البيض كأكثر من يهتمون ويدافعون عن الأشخاص الذين لديهم معتقداتهم الدينية بنسبة 91 في المئة، ومن لديه معتقدات دينية قوية بنسبة 73 في المئة، ومن لديه المعتقدات الدينية نفسها مثل الناس الخاصة بهم 70 في المئة. كما يقدر البروتستانت السود والبروتستانت من أصل إسباني، عموماً، كل هذه الصفات الدينية في الرئيس أكثر من الأميركيين الآخرين المنتمين إلى دين ما.

وبينما يقول عدد قليل من الأميركيين اليهود إن من المهم أن يكون هناك رئيس يشاركهم معتقداتهم الدينية، فإن الغالبية العظمى تعتقد أن من المهم، إلى حد ما في الأقل، أن يدافع الرئيس عن الأشخاص الذين لديهم معتقداتهم الدينية، بنسبة 82 في المئة.

رؤية الأميركيين لتدين ترمب وبايدن

ينتمي الرئيس بايدن إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، فيما المرشح الجمهوري الحالي الرئيس السابق ترمب من أصول بروتستانتية، وتحديداً الفرع المشيخي، على رغم أنه يقدم نفسه عادة بأنه مسيحي لكن غير طائفي.

هنا تبدو فكرة قناعات بايدن وترمب مهمة للغاية في محاولة تحديد اتجاهات الاقتراع المقبلة.

مرة جديدة تبدو الأرقام هي الحاكمة، والعهدة على مركز "بيو"، في آخر استطلاعات رأي له منتصف الشهر الماضي 2024.

ويبدو نحو ثلثي البالغين (68 في المئة)، يعتقدون أن ترمب "ليس متديناً للغاية"، أو "ليس متديناً على الإطلاق"، فقط ثلاثة من كل 10 يقولون إن المرشح الجمهوري ترمب "متدين جداً، بنسبة أربعة في المئة، أو "إلى حد ما" بنسبة 25 في المئة.

على النقيض من ذلك، تنظر غالبية طفيفة من الأميركيين إلى بايدن على أنه إما متدين للغاية، (13 في المئة)، أو إلى حد ما، (41 في المئة)، وهذا أقل بنسبة 10 نقاط مئوية عما كانت عليه الحال في مارس 2021، ولكنه لا يزال أعلى من نسبة الذين يقولون الشيء نفسه عن ترمب.

بالمقارنة مع معظم المجموعات الدينية الأخرى، من المرجح أن ينظر البروتستانت السود إلى بايدن على أنه متدين إلى حد ما في الأقل.

وعلى النقيض من ذلك يقول 70 في المئة من البروتستانت الإنجيليين البيض إن بايدن ليس متديناً جداً أو ليس متديناً على الإطلاق، وتقول نسبة مماثلة من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية الشيء نفسه، (69 في المئة).

ومن المرجح أن ينظر البروتستانت والجمهوريون الإنجيليون البيض أكثر من غيرهم من البالغين في الولايات المتحدة إلى ترمب على أنه متدين إلى حد ما في الأقل، ومع ذلك، يقول نصف الإنجيليين البيض، (49 في المئة)، والجمهوريين، (48 في المئة)، إن ترمب ليس متديناً جداً أو ليس متديناً على الإطلاق، على أن هناك في واقع الأمر مساحة مغايرة للتحليلات السياسية عن استطلاعات الرأي على أهميتها، ربما تغير من النتائج المتوقعة، وبخاصة في ظل إخفاقات بعينها تنتظر بايدن، وانتصارات مغايرة، غالب الظن ستكون من نصيب ترمب، شرط أن يمضي إلى نهاية السباق الانتخابي، وعدم حدوث طارئ جسيم يعوق ترشحه، وهذا حديث آخر.

بايدن المغضوب عليه كاثوليكياً

منتصف شهر أبريل (نيسان) الجاري، وخلال تأمل جرى في قلب كاتدرائية "مريم العذراء"، في أبرشية ساغيناو بولاية ميشيغان الأميركية، وصف رئيس الأساقفة الكاثوليكي روبرت عروس الرئيس بايدن بأنه "كاثوليكي غبي لا يفهم الإيمان "، وبدا هذا التصريح صادماً ومثيراً، فكيف لرئيس الأساقفة غروس أن يصف رئيس البلاد بمثل هذا الوصف القاسي؟

في تبريره قال غروس "ليس لدي أي غضب تجاه الرئيس، أشعر بالأسف عليه، لست غاضباً منه، إنه مجرد غبي"، ولم يكن غروس غافلاً عن توجهات بايدن، ومنها دعمه حقوق الإجهاض، الأمر الذي أثار غضب عديد من الأساقفة الكاثوليك في الداخل الأميركي وفي الخارج.

وقال غروس ضمن رؤيته للرئيس الكاثوليكي إنه يظهر الجهل، بمعنى عدم المعرفة، وهذا ليس غباء بطريقة مهينة، إنه غباء بمعنى أنه لا يعرف حتى كيف يفعل الأشياء.

وتقدم تعليقات غروس حول عقل الرئيس وإيمانه الشخصي مثالاً جديداً على الانتقادات التي وجهها بعض الأساقفة الكاثوليك الأميركيين مراراً وتكراراً ضد بايدن منذ انتخابه في نوفمبر 2020.

هل من مشكلة حقيقية بين بايدن وكاثوليك أميركا؟

مؤكد أن ذلك كذلك، لا سيما أن وعد بايدن "بحماية" حقوق الإجهاض، يتعارض مع توجهات المؤتمر الأميركي للأساقفة في نوفمبر 2023، بإعطاء الأولوية، مرة أخرى، لـ"التهديد بالإجهاض"، باعتباره "أولوية قصوى" في التوجيه السياسي للأساقفة للناخبين الكاثوليك في انتخابات الرئاسة 2024.

وبلغ حد الخلاف أن كثيراً من الأساقفة المحافظين الصريحين أرادوا أن يعلن مؤتمر الأساقفة، في عام 2021، أن السياسيين الكاثوليك مثل بايدن لا ينبغي أن يحصلوا على المناولة (سر الإفخارستيا)، إذا كانوا يدعمون حقوق الإجهاض، وغالباً ما ينتقد عديد من هؤلاء الأساقفة أنفسهم بايدن على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أعربوا عن رفضهم الشديد في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 عندما التقى البابا فرنسيس مع بايدن في الفاتيكان.

وحتى الأساقفة الذين يعدون معتدلين استخدموا، في بعض الأحيان، المنتديات العامة لانتقاد الرئيس الذي يحضر القداس يوم الأحد، وأيام الالتزام المقدسة.

وخلال ظهوره في الـ31 من مارس في برنامج "واجه الأمه"، الذي تبثه شبكة "سي بي أس" صباح الأحد، وصف الكاردينال ويلتون غريغوري، من واشنطن العاصمة، الرئيس بايدن بأنه "كاثوليكي في الكافتيريا".

فهل ازدادت الغضبة من بايدن؟ وهل هي مرشحة بالفعل للازدياد من كاثوليكيي أميركا، وغالب الظن من أنصار التيار الإنجيلي، بسبب حدث معين جرى أخيراً؟

مؤكد أن احتفال بايدن بيوم "المتحولين جنسياً"، في يوم "عيد الفصح" نفسه، بحسب التوقيت الغربي، أمر أدى إلى احتقان كبير وخطر لدى عموم مسيحيي أميركا الذين اعتبروا أن الأمر كان بمثابة إهانة للإيمان المسيحي في عموم أميركا بصورة عامة. وفي الـ30 من مارس الماضي كذلك، شارك غروس منشوراً وصف فيه الأسقف جوزيف ستريكلاند بايدن بأنه "روح ضائعة".

وعلى رغم أن البابا فرنسيس عزل ستريكلاند المعروف بمواقفه الرافضة للشذوذ والمثلية، ولوثيقة فرنسيس الأخيرة المعروفة باسم "البركات الصغيرة"، فإنه من الواضح جداً أن هناك تياراً عريضاً في كاثوليك أميركا بات يعارض بايدن بقوة.

ووفقاً لبيانات مركز "بيو" في استطلاع جرى في أواخر فبراير (شباط) الماضي، فإن 35 في المئة فقط من كاثوليك أميركا لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه بايدن، بينما 64 في المئة منهم لديهم وجهة نظر سلبية تجاه الرئيس الحالي.

ويبلغ عدد كاثوليك الولايات المتحدة نحو 24 في المئة من سكانها، ومن هذا المنطلق العددي فإنه يرجح أن يكون لهم وزن متميز، هذا العام، في انتخابات نوفمبر، وغالب الظن أن رؤاهم في المرشح الجمهوري دونالد ترمب، ستغير كثيراً جداً من الأوضاع لصالحه، إذ إن معظمهم (54 في المئة) لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الرئيس السابق، وحال تصويت هؤلاء لترمب، إلى جانب أنصار التيار الإنجيلي اليميني، فإن من الوارد جداً أن يكون النصر حليفاً لترمب، الأمر الذي يطرح علامة استفهام مهمة للغاية في سياق هذه القراءة "كيف ولماذا بات الإنجيليون يدعمون ترمب على هذا النحو المثير؟".

ترمب واستعادة أميركا لله

لعله من اليسير جداً الربط بين شعار "أميركا أولا"، ذلك الذي رفعه الرئيس ترمب خلال ولايته الأولى، وفكرة روح أميركا المتدينة والساعية نحو استعادة مكانتها بين أمم وشعوب العالم، وبخاصة من فوق الأرضية الثيولوجية، أي تلك التي تقوم على الرؤى الدينية والإيمانية.

أحد أفضل العقول الأميركية التي تناولت هذا الموضوع، وتفكك ميول التيار اليميني الإنجيلي لانتخاب ترمب، المتخصص في علم الاجتماع في جامعة "أوكلاهوما" بالولايات المتحدة البروفيسور صموئيل إل بيري، وصاحب مؤلفات عدة في هذا الإطار منها كتاب "استعادة أميركا من أجل الله"، وكتاب "العلم والصليب"، وغيرهما من الكتب المهمة.

في مارس الماضي وجه إل بيري سؤالاً إلى عينة وطنية من الأميركيين عمن يعتزمون التصويت لهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومن بين الناخبين الإنجيليين البيض الذين عرفوا أنفسهم بأنهم جمهوريون، قال 53 في المئة منهم إنهم سيصوتون لصالح ترمب، وأقل من واحد في المئة سيصوتون لجو بايدن، مما يعني أن غالبية الإنجيليين الأميركيين سيصوتون لصالح ترمب، وكان ذلك في مارس 2023.

وبحلول سبتمبر الماضي، كان الإنجيليون البيض يتحدون، مرة أخرى، حول ترمب، وعندما سألهم إل بيري عن تفضيلاتهم الأساسية، قال 555 منهم إنهم سيصوتون لصالح ترمب، والأهم من ذلك أن هذه النسبة كانت متطابقة بين أولئك الذين يحضرون الكنيسة شهرياً في الأقل والحاضرين الأقل تكراراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل تغير شيء ما عند أنصار هذا التيار؟

المؤكد أن وراء احتشاد الإنجيليين ضد ترمب مرة أخرى، هو أنهم ليسوا مناصرين فحسب، بل محاربون ثقافيون ما زالوا يشعرون بأنهم يتعرضون للهجوم الثقافي والعرقي.

هنا يتداخل كثير من عوامل السياسة مع الدين، وتعود المخاوف من تغيير التركيبة السكانية في غير صالح الرجل الأبيض، وهذا أحد أهم الأوتار التي يعزف عليها الرئيس السابق والمرشح الحالي ترمب.

لم يعد سراً أن أنصار هذا التيار اليميني المسيحي في الداخل الأميركي، يرون ترمب ملكهم المحارب، وقد وصف الصحافي تيم ألبرتا صاحب العقلية الإنجيلية البيضاء، المشهد الأميركي الحالي بأن "البرابرة على الأبواب، ونحن في حاجة إلى برابرة لإبعادهم"، وعليه، فإنهم لا يرون فحسب، بل يطالبون بأن يكون ترمب هو البربري القادر على الدفاع عن حدود أميركا، كي لا تسقط مثلما سقطت روما القديمة في منتصف القرن الخامس الميلادي أمام قبائل "الوندال".

على أن المدهش في مشهد ترمب وعلاقته مع التيارات الدينية المسيحية والإنجيلية تحديداً، هو أنه يتحول يوماً تلو الآخر من مجرد مرشح لمنصب سياسي ولو كان الأول في الدولة، إلى رمز ومصلح ديني، بل إن الأمر وصل به حد تشبيه ما يلاقيه من محاكمات ومضايقات بما جرى للمسيح من قبل اليهود، في غزل واضح وصريح لهذا التيار المثير للجدل في الداخل الأميركي.

هنا تبدو قدرة ترمب على تحويل شغف مؤيديه إلى تقوى أمراً بالغ الأهمية لفهم كيف يظل الزعيم الجمهوري بلا منازع على رغم عشرات الاتهامات الجنائية الموجهة له.

خلال ما يشبه العظة الأقرب إلى الحديث الانتخابي، ومن على منبر "الكنيسة المعمدانية" الأولى في دالاس، تكلم ترمب مخاطباً بضعة آلاف من المؤمنين الإنجيليين بالقول "هذا البلد لديه منقذ ومخلص، إنه ليس أنا، بل شخص أعلى مني بكثير".

لم يعد سراً أن هناك رؤية يمينية متنامية تنظر إلى ترمب في الداخل الأميركي اليوم بالعين نفسها التي ترى بها أبطال الإيمان في العهد القديم مثل "قورش" ملك فارس، ذلك الذي أعاد بني إسرائيل من السبي البابلي مرة أخرى إلى فلسطين.

وتقول ماري زيري، وهي وسيطة عقارية تجارية من لونغ آيلند، حضرت مؤتمر العمل السياسي المحافظ في فبراير الماضي خارج واشنطن العاصمة "لقد اختاره الرب بالتأكيد. إنه لا يزال على قيد الحياة على رغم أن كل هؤلاء يلاحقونه، وأنا لا أعرف كيف أشرح ذلك بخلاف التدخل الإلهي".

أما أندريانا هوارد، 67 سنة، التي تعمل بائعة طعام في أحد المطاعم في ولاية كارولاينا الجنوبية فتقول "لقد صلبوا ترمب بأسوأ مما صلبوا المسيح".

أي انتخابات رئاسية تنتظر أميركا بهذا الانقسام الديني قبل السياسي؟

المزيد من تقارير