Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المقابر الجماعية... "وأد" الإنسانية الغائب عن الملاحقة الدولية

لا يوجد نص قانوني لتعريف الحفر المنظم لمواراة دلائل "الإبادة البشرية" على رغم توقيع نحو 153 دولة على اتفاقيات منع الجريمة

قالت المفوضية الأممية لحقوق الإنسان إنه تم انتشال 283 جثة من مقبرة جماعية في مستشفى ناصر بقطاع غزة (أ ف ب)

ملخص

انتشل العاملون في وزارة الصحة الفلسطينية جثث نحو 310 أشخاص من ثلاث مقابر جماعية قرب مستشفى ناصر، دفنتهم الجرافات الإسرائيلية خلال أسبوع واحد.

أعلنت دول الاتحاد الأوروبي عن تشاؤمها ومفاجآتها وقلقها وغير ذلك من التعابير الدبلوماسية في لغة المجاملات السياسية، وذلك بسبب اكتشاف مقابر جماعية في باحات المجمعات الطبية التي اجتاحها الجيش الإسرائيلي منها مستشفى الشفاء وناصر في غزة.

وفي بداية الأسبوع، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إنه شعر بالذعر من تقارير عن وجود مقابر جماعية هناك تحتوي مئات الجثث. وطالب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بإجراء تحقيق دولي في "المقابر الجماعية" التي عثر عليها في القطاع.

ودانت دول مجلس التعاون الخليجي ارتكاب جرائم الحرب في قطاع غزة من دون رادع، وآخرها اكتشاف مقابر جماعية في مجمع ناصر الطبي، واعتبرت الخارجية السعودية أن "إخفاق المجتمع الدولي في تفعيل آليات المحاسبة لن ينتج عنه سوى مزيد من الانتهاكات وتفاقم المآسي الإنسانية والدمار".

وانتشل العاملون في وزارة الصحة من مستشفى ناصر من ثلاث مقابر جماعية على الأقل تم العثورعليها في الموقع نحو 310 جثث لفلسطينيين دفنتهم الجرافات خلال أسبوع واحد.

ووفقاً للسلطات في غزة، فإنه يفترض أن أكثر من سبعة آلاف قتيل فلسطيني ما زالوا تحت الأنقاض، وبحسب التقارير التي تلقتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فقد انتُشلت 283 جثة من مقبرة جماعية في مستشفى ناصر، تم التعرف على 42 منها.

 القانون الدولي

والمحاسبة التي تطالب بها معظم الدول الأوروبية والعربية والسلطات الفلسطينية في المجازر الجماعية والمقابر الناتجة عنها تستند إلى القانون الدولي في اتفاقية 1948 في شأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ومنذ إقراره بات التاسع من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام بدءاً من 2015 يعرف باسم اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة.

وكانت الاتفاقية العالمية لمنع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها حددت لأول مرة جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي، وجاء في ديباجتها أن الإبادة الجماعية قد ألحقت بالبشرية خسائر فادحة في جميع فترات التاريخ وأن التعاون الدولي مطلوب لتحرير البشرية من هذه الآفة الشنيعة، وصادقت 153 دولة على هذه الاتفاقية حتى اليوم.

 

 

وتتضمن اتفاقية الإبادة الجماعية الالتزام ليس بتنفيذ العقاب على ارتكاب الجريمة وحسب، بل ومنعها بشكل حاسم، وكان لاتفاقية الإبادة الجماعية في السنوات الـ75 التي تلت اعتمادها، دور مهم في تطوير القانون الجنائي الدولي، وفي محاسبة مرتكبي هذه الجريمة، وبحسب أرشيف الأمم المتحدة القانوني لا تزال الإبادة الجماعية تشكل تهديداً في عالم اليوم، ولا يزال سكان العالم حتى اليوم عرضة لمخاطرها.

مقابر إجرامية 

المقبرة الجماعية هي قبر يحتوي على جثث بشرية متعددة قد يتم أو لا يتم التعرف عليها قبل الدفن، وعرفت الأمم المتحدة المقبرة الجماعية الإجرامية بأنها موقع دفن يحتوي على ثلاث أو أكثر من ضحايا الإعدام.

وعادة ما يتم إنشاء المقابر الجماعية بعد وفاة أو قتل عديد من الأشخاص ويتم دفن الجثث بسرعة لمخاوف تتعلق بالإعلام أو بنشر الجريمة على الملأ، وقد تظهر المقابر الجماعية خلال النزاعات الكبرى مثل الحرب والجريمة المنظمة، وكذلك في المجاعة أو بعد وقوع وباء أو كوارث طبيعية.

وفي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المؤرخة في الـ11 من ديسمبر 1946، أعلن أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن، وقد ألحقت في جميع عصور التاريخ خسائر جسيمة بالإنسانية.

وجاء في المادة الأولى "تصادق الأطراف المتعاقدة على أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، فهي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها". وحددت المادة الثانية أن هذه الاتفاقية تعني أياً من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.

أما المادة السادسة فجاء فيها أن الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة يحاكمون أمام محكمة متخصصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.

تاريخ من الدفن

كان الدفن الجماعي في مقابر جماعية ممارسة شائعة في روما القديمة، حيث كان يتم إلقاء النفايات وجثث الفقراء في مقابر جماعية، وفي باريس أدت ممارسة الدفن الجماعي إلى قيام لويس الـ16 بإزالة المقابر الباريسية ووضعها في أنفاق المدينة لتشكيل سراديب الموتى التي احتوت على آلاف الجثث والهياكل العظمية، قبل أن يبدأ الدفن خارج حدود المدينة في ما يعرف الآن بمقبرة بير لاشيز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل ذلك بقرون قليلة تم اكتشاف مقبرة جماعية تحتوي على ما لا يقل عن 300 جثة لضحايا الغزو المغولي لمدينة كييف الروسية في عام 1238، واكتشفت المقبرة خلال أعمال التنقيب في 2005 .

وكانت حرب الـ30 عاماً في القرن الـ17، عنوان الصراع الديني الأكثر دموية في أوروبا، وفي معركة لويتزن تم دفن 47 جندياً لقوا حتفهم في مقبرة جماعية، وكانت معظم الجثث تدل على صدمة قوية في الرأس.

وكذلك تم اكتشاف عديد من المقابر الجماعية الناتجة عن الحروب النابليونية وتم حفر مقابر جماعية للتخلص السريع من الجنود الموتى والخيول النافقة بعد نهبها من الجنود اللوجيستيين، وفي حال عدم توافرهم كانت الجثث تترك لتتحلل أو يتم حرقها، ووجدت مقابر كثيرة تؤكد ذلك في جميع أنحاء أوروبا.

في العصر الحديث كانت الحرب الأهلية الإسبانية الأشهر في مخلفاتها من المقابر الجماعية التي بلغ عددها أكثر من 2000 مقبرة جماعية معروفة في جميع أنحاء إسبانيا ضمت ما يقدر بنحو 500 ألف شخص بين عامي 1936 و1939، ولا تزال عمليات استخراج الجثث جارية، وتجرى هذه العمليات على أساس المعلومات المقدمة في شهادات الشهود والأقارب إلى جمعيات ومنظمات تسهم في تعافي الذاكرة المجتمعية.

في الحرب بين الكوريتين قتل ما يقرب من 200 ألف مدني في بداية الحرب ودفن معظم هؤلاء في مقابر جماعية سواء في كوريا الشمالية أو الجنوبية، وخصوصاً جثث الذين اتهموا بالتعامل مع الدولة الأخرى في كل من البلدين، وفي 1956 استخرجت عائلات الثكلى والقرويين كثيراً من الجثث متحللة وغير معروفة الهوية، ودفنت كل جثة مستخرجة في "قبر مجهول" خاص بها في مقبرة بجزيرة جيجو.

في تشيلي بأميركا اللاتينية وقع الانقلاب ضد الرئيس سلفادور أليندي في الـ11 سبتمبر من (أيلول) 1973، وحاصر الجيش مدينة سانتياغو، وبعد اجتياح المدينة كانت الجثث وفيرة في الشوارع وفي نهر مابوتشو، إذ أشارت التقديرات إلى أن آلافاً من الأشخاص أعدموا أو اختفوا بين عامي 1973 و1990 في تشيلي، ودفنت الجثث المجهولة الهوية في مقابر جماعية تحمل علامات كشف عنها أخيراً.

وفي الـ24 من مارس (آذار) 1976 أصبحت الأرجنتين تحت "السيطرة التشغيلية للمجلس العسكري للقادة العامين للقوات المسلحة"، وأدت الديكتاتورية الجديدة إلى انتشار العنف على نطاق واسع مما أدى إلى عمليات إعدام وضحايا.

ومن المعروف وجود ثلاث مقابر جماعية في مباني الشرطة والجيش الأرجنتينية رغم أنه تم التخلص من جثث أخرى من خلال حرقها عن طريق إسقاطها جواً فوق المحيط الأطلسي. وأشارت التقديرات إلى أن ما يقرب من 15 ألف أرجنتيني اغتيلوا في ذلك الانقلاب، وبدأت عملية استخراج أكبر مقبرة جماعية في الأرجنتين في مارس 1984 في مقبرة سان فيسنتي في قرطبة.

وبعد حرب فيتنام تم اكتشاف عديد المقابر الجماعية في خريف 1969 في مدينة هوي وحولها، وكان من بين الضحايا المدفونة في مقابر جماعية مسؤولون حكوميون ومدنيون أبرياء ونساء وأطفال تعرضوا للتعذيب والإعدام، وفي بعض الحالات دفنوا أحياء.

الإبادة الجماعية في رواندا وكمبوديا

بدأت الإبادة الجماعية في رواندا بعد وفاة الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا في السادس من أبريل (نيسان) 1994، وشكل الأعضاء المتطرفون في حكومة الهوتو حكومة موقتة في زمن الحرب، ودعوا إلى إبادة السكان "التوتسي" والمعارضين السياسيين "الهوتو"، واستمرت الإبادة الجماعية 100 يوم وأسفرت عن مقتل ما يقرب من مليون شخص.

ولجأ الشعب الرواندي إلى أماكن التجمع مثل الكنائس والملاعب، وفي سبتمبر 1994 تجمع ما يقدر بنحو ستة آلاف شخص في كنيسة كيبوي الكاثوليكية التي سرعان ما حوصرت بالمدنيين المسلحين والشرطة والدرك، وتعرض من كانوا بالداخل للهجوم بمجموعة متنوعة من الأسلحة بما في ذلك القنابل اليدوية والبنادق والسواطير، وتم دفنهم جميعاً في مقابر جماعية، وتم اكتشاف ما لا يقل عن 40 ألف جثة في بحيرة فيكتوريا.

 

 

وفي الإبادة الجماعية الكمبودية حددت فرق رسم خرائط المقابر الجماعية التابعة للأمم المتحدة 125 مرفقاً من مرافق سجن "الخمير الحمر" دل عليها القرويون بأنها مقابر جماعية، ورغم أن معظم الجثث تحللت في هذه المقابر فإنه تم جمع عدد كبير منها من دون تحديد هويتها، وشيدت متاحف لها لإجراء طقوس الصلاة التي كانت ممنوعة لسنوات في كمبوديا، وقد عرف العالم بأكمله عملية "الإفناء المقصود" التي قام بها هؤلاء المسلحون العقائديون.

أوكرانيا والحرب الروسية

في الأول من أبريل 2022، بعد الانسحاب الروسي من بعض المدن والبلدات الأوكرانية تم نشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهر سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وبحلول التاسع من أبريل بدأ محققو الطب الشرعي الأوكرانيين انتشال الجثث من مقابر جماعية، مثل كنيسة أندراوس الرسول، وعُثر على 116 جثة في مقبرة جماعية بالقرب منها.

وصرح نائب عمدة ماريوبول سيرهي أورلوف في التاسع من مارس 2022 بأن ما لا يقل عن 1170 مدنياً في المدينة قتلوا منذ بدء الحرب الروسية ودُفن الموتى في مقابر جماعية.

وفي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ذكرت أوكرانيا أن ما لا يقل عن 25 ألف مدني قتلوا في ماريوبول، وتم اكتشاف 10300 مقبرة جماعية جديدة، قدرت وسائل إعلام عدد القتلى الحقيقي بأنه قد يصل إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير