Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل دخلت الثروة النفطية في الصراع الدولي بالقرن الأفريقي؟

يرى مراقبون أن تنوع اتفاقات التنقيب مع أنقرة وواشنطن يزيد المنافسة ويذهب آخرون إلى أنه قد يكون مصدراً للتوترات

ناقلة جنود مسلحة تسير في مقديشو، 15 مارس 2024  (أ ف ب)

ملخص

اكتشاف ثروات القرن الأفريقي قد يعزز احتمالات تفعيل أو تجميد الصراعات الدولية بالمنطقة، والأمر رهين الإدارة الرشيدة للمصالح في الاتفاقات المبرمة

أثار إعلان الصومال توقيع اتفاق في مجال الطاقة مع تركيا لاستخراج النفط من الأولى جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، خصوصاً أن الإعلان جاء في ضوء البيانات الناتجة من عملية المسح التي كشفت عن أن الموارد النفطية الاحتياطية للصومال تقدر بأكثر من 30 مليار برميل، وهي التوقعات التي تضع البلاد في الترتيب السادس في قائمة الدول ذات أكبر احتياطات نفطية في العالم.

وتشمل الصفقة التي توصل إليها استكشاف واستغلال وتطوير وإنتاج النفط في "المناطق البرية والبحرية في الصومال"، فيما أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار أن بلاده ستبدأ الحفر في أعماق البحار بحلول عام 2025، مؤكداً أن تركيا أصبحت شريكاً للصومال منذ عام 2011، عندما زار مقديشو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصارت أنقرة تتعاون مع الصومال منذ ذلك الحين في مجالات مختلفة.

الاتفاق الجديد

الامتيازات الممنوحة لشركات التنقيب المشهورة، مثل "شل" و"إكسون موبيل" اللتين لا تزالان تحتفظان بحقوقهما ومناطق عملياتهما في البر والبحر الصومالي، على رغم أن أعمالهما ظلت معطلة نتيجة الفوضى الأمنية.

وكانت شركة "إكسون" نشرت تقريراً تؤكد فيه "أن الصومال يعد آخر الفرص المتبقية لموارد الطاقة البحرية غير المكتشفة في العالم، إذ يحوي وفق الدراسات على المليارات من براميل النفط التي قد توفر فرصاً مالية واقتصادية هائلة للصومال والمستثمرين". 

من واقع الاتفاقيات التي وقعتها مقديشو مع أنقرة دخل النفط في لعبة الصراع الدولي بمنطقة القرن الأفريقي عموماً والصومال تحديداً، بخاصة في ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة وحال الاستنفار الذي تمثله الحالة الأمنية في مضيق باب المندب وحوض البحر الأحمر.

فهل تعزز الاكتشافات الجديدة للنفط في الصومال حالات الاستقطاب الدولي بالمنطقة بالتالي تسهم في تصاعد التوتر أم من المرتقب أن تكون أرضاً مشتركة للتوافق بين مختلف القوى الدولية ذات المصلحة والموجودة بالمنطقة عبر القواعد العسكرية الدائمة؟

النفط والاستقرار

يرى الباحث الاقتصادي عيدي محمد، أن الصومال ظل يعاني ويلات الحروب وموجات الجفاف لأربعة عقود مع هشاشة الإمكانات الاقتصادية إذ تجاوزت موازنة الدولة لعام 2024 مليار دولار بقليل، وسط تلقي البلاد 67 في المئة منها مساعدات خارجية.

ووفق البنك الدولي، فإن عدد سكان الصومال تجاوز 17 مليون نسمة خلال 2021، يعيش نحو 70 في المئة منهم تحت خط الفقر، ويقدر إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنحو 12 مليار دولار، في حين أن نصيب الفرد فيه 756 دولاراً. وأشار إلى تطلع البلاد لبدء عمليات التنقيب للخروج من نفق الفقر والمجاعة.

 

وأشار الباحث إلى أن ثمة اتفاقات وقعتها الصومال مع عدة شركات دولية أهمها "كوستلاين إكسبلوريشن" الأميركية خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2022 لاستخراج النفط في سبعة مربعات (نحو 35 ألف كيلومتر مربع) إلى الوسط والجنوب من عمق الساحل الصومالي، وغالب التوقعات ترجح الشروع في العملية نهاية هذا العام.

ويؤكد عيدي، ألا تناقض بين تلك الاتفاقات والاتفاق المبرم مع الطرف التركي، إذ إن الامتيازات والتراخيص تتعلق بمناطق محددة لكل طرف، كما أن تنويع الشراكة الدولية للتنقيب عن النفط يعلي من المنافسة الاقتصادية وقد يسهم في توفير الوقت لإنجاز الإنتاج النفطي، بخاصة أن الشركات الغربية ذات الامتياز لم تشرع في عمليات الحفر والتنقيب لظروف أمنية، موضحاً أن دخول منافسين جدد قد يحفزها للبدء.

ويرى أنه من المرجح أن يسهم إنتاج النفط في الصومال إلى استقراره مما سينعكس على المنطقة ككل، مؤكداً أن شح الموارد المالية ووقوع المنطقة تحت خط الفقر والحاجة أسهم بصورة واضحة خلال نصف القرن الماضي في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وأشار إلى أن المخاوف المترتبة عن اكتشاف النفط في الصومال وإمكانية تصاعد الصراعات الدولية في المنطقة يبدو أقل احتمالاً من بقاء المنطقة تحت خط الفقر والحاجة. 

غياب البيئة الآمنة

من جهته يذهب المتخصص الاقتصادي يحيى عامر إلى أن ثمة إشكاليات قانونية تشوب الاتفاق الذي سبق توقيعه بين الحكومة الصومالية وبعض الشركات الأجنبية من عدة أوجه، أهمها غياب البرلمان الحقيقي الذي يحق له دستورياً المصادقة على هذا الاتفاق، فضلاً عن أن توقيعه تزامن مع الأوضاع الأمنية المتدهورة في البلاد، علاوة على أن عدداً من خبراء البنك الدولي أعربوا عن اعتقادهم أن الاتفاقات افتقدت اتخاذ الإجراءات الصحيحة، مما قد يؤثر سلباً في مشروع إعفاء الديون عن الصومال.

يضيف عامر، في مقالة نشرها بإحدى الصحف المحلية، أن الحكومة الصومالية تحاول الخروج من الأزمات الاقتصادية والسياسية، خصوصاً بعد الأزمة الأخيرة مع إثيوبيا، والوضع في البحر الأحمر من خلال عقد صفقات امتيازات بترولية في حين أنها لا تملك القدرة الكافية لتدوير أعمال الحفر والتنقيب، إذ إن الهدف مجرد ترويج لاتفاقيات بهدف تحسين صورتها أمام الرأي العام بالبلاد وترويج أنها تحقق إنجازات كبرى.

وأكد أن الإنجاز الأكبر ينبغي أن ينصب على تحقيق الأمن والسلام اللذين يعدان شرطين أساسيين لأي استثمارات خارجية أو داخلية، وفي ظل غيابهما لا يمكن التعويل على توقيع اتفاقيات لا تتحقق على أرض الواقع، مشيراً إلى تجربة توقيع عدة شركات أميركية لعقود الامتيازات منذ عام 2011، وعلى رغم مرور أكثر من عقد ونصف على التوقيع فإنها لم تتمكن من مباشرة أعمالها، وبعضها انسحب من الصومال لعدم قدرة الدولة على توفير البيئة الحاضنة للاستثمار.

صراع القوى الدولية 

من جانبه، يرى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي بيهون غيداون، أن أهم معضلات المنطقة تتعلق بغياب سياسات التنمية المستدامة، وعدم القدرة على استغلال الموارد والثروات الطبيعية، التي تتمتع بها المنطقة، إذ عطلت الحروب المتكررة مسيرة التنمية وأوصدت الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية لما يقارب نصف قرن. 

يضيف أن الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع بها المنطقة لتموضعها على أحد أهم الممرات الملاحية في العالم جعلها مطمعاً للقوى الدولية المتصارعة تاريخياً، وأشار إلى أن الألفية الجديدة خصوصاً في عقدها الأول فتحت نوافذ جديدة للتوجه نحو اقتصادات السوق، لا سيما بعد التحولات التي حدثت في إثيوبيا وإريتريا وكينيا وجيبوتي، مضيفاً أن إعادة هيكلة منظمة "إيغاد" مثلت بادرة لآمال تنموية عريضة إلا أن الحرب الحدودية الإريترية- الإثيوبية (1998-2000) عطلت المشروع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد غيداون أن إثيوبيا تعد من أكثر دول القرن الأفريقي التي عقدت شراكات اقتصادية مع الولايات المتحدة والصين في آن واحد، لإحداث توازن في مسار الاستثمارات الأجنبية بالمنطقة. إلا أن غالب تلك المشاريع يواجه صعوبات مالية واقتصادية لارتفاع كلف الإنتاج والتصدير لأسباب تتعلق بكون إثيوبيا دولة حبيسة تعتمد على دول الجوار في عمليتي الاستيراد والتصدير.

ويرى غيداون أن للخلافات السياسية بين قادة المنطقة دوراً رئيساً في الحالة الاقتصادية المتردية نتيجة غياب سياسات التكامل الاقتصادي والتجاري، مما يقلل من فرص جذب الاستثمارات الكبرى، في إشارة إلى الخلاف الصومالي الإثيوبي المستجد حول المنافذ البحرية كأحد تمظهرات غياب سياسات التكامل. 

وينوه بأن ثمة صراعاً دولياً محتدماً بين القوى الغربية والصين لاستغلال موارد المنطقة، بما في ذلك الموقع الجغرافي المتقدم، فضلاً عن المشاريع الاستثمارية المتعلقة باستكشاف الثروات كالنفط والمعادن.

وأضاف أنه من المرجح أن تمثل الاتفاقيات التي أبرمها الصومال مع الجانب التركي مصدر تهديد جديداً مع القوى الغربية لا سيما الولايات المتحدة، إذ تحاول الصومال الاعتماد على الخبرات التركية في استكشاف النفط، خصوصاً بعد شعورهم بأن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إثيوبيا في صراعها مع الصومال.

 

وأشار إلى أن الحكومات الصومالية السابقة وقعت اتفاقات مع شركات أميركية لاستكشاف الموارد النفطية في البحر والبر الصومالي، بالتالي فإن إقحام شركات تركية منافسة سيعزز من فرضيات الصراع بين المصالح التركية والأميركية. وذهب إلى أن اكتشاف النفط من المفترض أن يمثل عاملاً مساعداً للاستقرار الإقليمي، إلا أن السياسات المتبعة من قبل مقديشو تشي بتعزيز فرضيات الصراع.

وسلط الباحث الضوء على الخلافات الإريترية مع الولايات المتحدة، إذ ترتبط الأولى بعلاقات متقدمة مع روسيا، وتسعى إلى إقامة قاعدة ارتكاز عسكري روسي على شواطئها في البحر الأحمر، مما قد يعزز من فرضية الصراع خصوصاً في ظل وجود عسكري غربي كبير في جيبوتي.

الإدارة السياسية الفاعلة

في المقابل، رأي الباحث عبدالقاسم علي أن الحديث عن إنتاج النفط في الصومال سابق لأوانه، مشيراً إلى أن توقيع اتفاقيات مع شركات أجنبية لا يعني شروعها في التنقيب أو الإنتاج، وفي حين يقر وجود دراسات مسحية تؤكد وجود احتياط نفطي كبير في الصومال، إلا أن الوضع السياسي والأمني يمثل عائقاً أمام مشاريع هذه الشركات.

وأشار إلى أن إحدى استراتيجيات الحكومة الحالية يتمثل في سعيها لنشر قوات دولية في الصومال يتعلق بحماية مناطق التنقيب ومنشآت الشركات الأجنبية، وذلك خاضع لمدى تجاوب المجتمع الدولي مع طلبات مقديشو، لا سيما بعد توقيعها لاتفاق مع الحكومة التركية.

ويرى الباحث أن الثروات الطبيعية، خصوصاً البترول ومشتقاته قد تمثل عاملاً مهماً لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسهم في إضفاء أهمية خاصة من قبل القوى الدولية تجاه المنطقة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، إلا أن ذلك خاضع للتعاطي المحلي مع تلك القوى، ومدى إدراك صانع القرار السياسي لهذه الأبعاد، ومدى قدرته على اتباع سياسات توازن بين مصالح البلد والمصالح الأجنبية المتصارعة. 

ويختم بأن اكتشاف الثروات في المنطقة خصوصاً البترول في الصومال والذهب في إريتريا، قد يعززان احتمالات تفعيل أو تجميد الصراعات القائمة بشكل متساو، فهناك عدد من المناطق في العالم تشهد صراعات دامية بسبب الثروات، فيما الثروة أيضاً قد تمثل عاملاً مهماً لتجميد الصراعات وتقاسم المكاسب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير