Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كم فلسطينياً قتلت؟ شهادات الإسرائيليين العائدين من غزة

منهم من كان يتضامن مع أهالي القطاع ويرفض قتلهم وآخرون شعروا بالارتياح من مشاهد الموت وتمتعوا بالدمار

هناك من يعتقد أن القصص المروعة والحقيقة الكاملة ستتكشف بعد انتهاء القتال (أ ف ب)

ملخص

هناك أيضاً من كان قبل حرب غزة مربياً يرد خلال النقاش مع طلابه على قولهم "يجب قتل جميع العرب" بأن "هذا كلام قاله النازيون"، وعندما عاد قام بتعديل لهجته.

"فور اتخاذ قرار التوغل البري في غزة شعرنا جميعاً في الكتيبة بنشوة وفرح، بعد الإذلال في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لكن سرعان ما فقدنا شعور النشوة هذا عند وقوع الحادثة الأولى للكتيبة بعد أقل من أسبوع من التوغل، إذ تعرضنا لكمين. لم نعلم كيف حدث ذلك، لقد ركبت عبوة ناسفة على إحدى الدبابات، ومن ثم أطلق عليها صاروخ مضاد للدبابات، فقتل ضابط وأصيب البقية. لقد كانت تلك صفعة لكل الكتيبة".

هذا ما جاء في مونولوغ للجندي أور شنايبرغ، من القدس، الذي عاد من القتال في غزة، ووثقت صحيفة "هآرتس" في ملحق خاص شهادته مع ثمانية آخرين، وتم عرضها كمونولوغ روى فيه الجنود أحداثاً من القتال وعن وضع الغزيين والدمار الحاصل وما حدث بعد عودتهم لبيوتهم.

 

 

والجنود هم من يمين الخريطة السياسية الإسرائيلية ويسارها أيضاً، فمنهم من كان يتضامن مع فلسطينيي غزة ويرفض قتل المدنيين، ومنهم من شعر بالارتياح من مشاهد القتل والدمار الكبير وتمتع بحرق بيوت الفلسطينيين.

بدأت حروب الحكي

هناك أيضاً من كان قبل حرب غزة مربياً يرد خلال النقاش مع طلابه على قولهم "يجب قتل جميع العرب" بأن "هذا كلام قاله النازيون"، وعندما عاد قام بتعديل لهجته. ومن بين الجنود من حظي بزيارات ودعم إسرائيليين خلال رقوده في المستشفى بعد إصابته الخطرة في الحرب، وإثر شفائه عاد للتظاهر ضد الحكومة ليجد نفسه مهدداً من زواره في المستشفى من الإسرائيليين الذين وصفوه بـ"النازي"، وما بين هذا وذاك ثمة من عاد يعاني وضعاً نفسياً صعباً ويقضي وقته في البكاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حقائق كثيرة تتكشف يومياً في إسرائيل حول ما واجهه الجيش في غزة، وشهادات حول قتل مدنيين وأطفال وسرقة بيوت فلسطينية، وهناك من يعتقد أن القصص المروعة والحقيقة الكاملة ستتكشف بعد انتهاء القتال.

وإزاء انعكاسات القتال على جنوده من مصابين وغير مصابين، والارتفاع في حالات المرضى النفسيين بينهم، اضطر الجيش الإسرائيلي إلى إقامة قسم خاص للعلاج النفسي للجنود، وهذا بحد ذاته يعكس جانباً مما واجهه الجنود خلال القتال وبعد إصابتهم.

في مونولوغات الجنود العائدين من غزة حقائق غير كاملة، خصوصاً للقصص التي تطرقوا إليها خلال اقتحامهم البيوت الفلسطينية ومواجهات الجموع الهاربة من بيوتها.

مثل العصور الوسطى

أور شنايبرغ، الذي قاتل في غزة قديماً كضابط احتياط قبل التحاقه بالقتال فيها حالياً كان ناشطاً من يسار الخريطة السياسية، لكنه عندما دخل غزة أراد الانتقام، وكغيره كان هذا الانتقام دافعاً قوياً وضع الأطفال والنساء في غزة نصب عينه، حارقاً ومدمراً البيوت وهي فارغة من دون أي مقاتلين أو حتى أثرهم.

"كما في العصور الوسطى"، هكذا أور وصف جانباً من مشاهد الفلسطينيين في غزة، مضيفاً "عند المعبر الإنساني من شمال إلى جنوب القطاع، أو ما يسمى بـ(البالوعة)، كان هناك طابور من آلاف الفلسطينيين، مثل عرض في حديقة اليركون (حديقة واسعة في إسرائيل تقام بها مهرجانات ضخمة)، وصلوا على ظهور الحمير والعربات. أذكر عربة كان يجرها طفل وعليها شخصان بالغان. لقد شعرت كأنني في العصور الوسطى. كل شيء مدمر في كل مكان، والطريق لم يعد معبداً بل أصبح رمالاً مخلوطة بالزجاج، بعض الأطفال حفاة وجميعهم يسيرون وهم يرفعون العلم الأبيض بيد، وبطاقة هوية في اليد الأخرى".

 

 

قبل أن يعبر عن مشاعره من هذه المشاهد حرص أور على القول إنه "يساري"، لكنه أضاف "حتى تلك اللحظة عندما دخلت إلى غزة أردت أيضاً الانتقام. كنت أنظر إلى فتيات صغيرات حفاة يركضن على الزجاج الذي كسرناه. أفهم جيداً أن الفرق الوحيد بينهن وبين الفتيات في رمات غان هو أنهن ولدن هنا وأولئك ولدن هناك. في وقت لاحق من اليوم نفسه تحدثت إلى مقاتل من وحدة أخرى، وهو متدين قومي يعيش في مستوطنة وصوت لبن غفير. أخبرته أن من المحزن رؤية الفتيات، فأجاب ’المحزن هو القتل وما تعرضنا له. لا مبرر لنا، علينا أن ندخل ونستوطن هنا، وإذا لزم الأمر سيمتن كجزء من الحرب‘".

بالكاد رأينا أعداء

ويواصل وصف مشاهد أخرى بينما يقتحمون مناطق في غزة، "في أماكن عدة رأينا القرود تخرج من حديقة حيوانات مدمرة. رأينا أيضاً قن دجاج مهجوراً وقد مات الدجاج من الجوع والعطش. لقد كان خطراً صحياً مع رائحة قوية، لذلك قررنا دفنها بجرافة D9 تابعة للجيش ترافقنا في نشاطاتنا. رأينا كثيراً من الحيوانات، لكننا بالكاد رأينا أعداء. في الأقل لم نرهم في شمال قطاع غزة.

ويتابع أور، "عندما أبلغونا بقرار الدخول إلى خان يونس فكرت كم ستكون جميلة، لكنني سرعان ما أدركت أننا في فيلم مختلف تماماً، فالمدينة كلها مهدمة، قضينا الوقت في القتال والمعارك. لم نتمكن من النوم. كل يوم هناك جرحى، وكما تسميها وسائل الإعلام معارك شرسة".

 

 

ويسرد هذا الجندي عديداً من المعارك التي خاضتها كتيبته والكمائن التي نصبت لهم وإصاباته الخطرة، "مجموعة من الجنود كانوا في مهمة البحث عن فتحة نفق فوجدوا 12 طفلاً وثلاث نساء. أبلغوا القائد عبر جهاز اللاسلكي، لكنه طلب منهم استمرار التفتيش، فمن غير المعقول أن هناك فقط نساء وأطفالاً. أثناء البحث رصدوا حائطاً من الجبص، وعندما كسروه وجدوا خلفه أربعة رجال وصبي يبدو أنهم كانوا هناك لفترة طويلة. كانت معهم معدات تابعة للجيش الإسرائيلي، واتضح أنهم من وحدة الاستخبارات في ’حماس‘. كانت مهمتي أن أحضر محققاً خاصاً لأسرى حرب للوصول إلى المكان. توجهت إليه على بعد أمتار قليلة منا، وعندما خرجت من الدبابة لأفتح الباب الخلفي ليدخل لم أعد أدري ماذا يحدث. رأيت رجلاً يركض نحونا حاملاً قذيفة ’آر بي جي‘. ليس لدي طريقة للرد، لأن المدفعية في الجهة الثانية من الدبابة، وأنا من دون أسلحة، هربت لأفتح الباب الثاني فرأيت شخصاً يركض باتجاهي يحمل ’آر بي جي‘. كان شعوراً يشبه الحلم السيئ، تهديدات وخطر من كل زاوية، ولا يمكنك القيام بأي شيء".

كمن يبتلع سكيناً

يصف أور حالته عندما وقع في كمين وأصيب، "كنا نسير في قافلة نضحك في ما بيننا داخل الدبابة وكذلك عبر جهاز اللاسلكي مع الجنود في دبابة ثانية. وفجأة من مكان ما شعرت بانفجار يهز المكان وكان بجانب الدبابة. لم أتمكن من إنهاء السؤال ’ماذا حدث؟‘ حتى اندلعت نيران غير عادية من داخل الدبابة. نحن مع معدات حماية لتجنب القناصة، لكن ليس لمواجهة وضع كهذا، لم أعد قادراً على التنفس. شعرت وكأنني أبتلع سكيناً. لم أستطع فتح عيني، شعرت وكأن حبة نقانق ساخنة خرجت من الشواية تدخل إلى فمي وتمزقه. فهمت أنني أحترق ويجب أن أخرج من هناك، لكني واجهت صعوبة كبيرة في فتح باب الدبابة، وبعد دقائق طويلة وعيناي مغلقتان من الإصابة فتحت الباب، بصعوبة، وعندما أخرجت نصف جسدي، انفجرت علبة ذخيرة كانت معنا. كانت الدبابة كلها تحترق، اعتقدت أن الجميع ماتوا".

 

 

ويضيف "كنت وسط خان يونس، كان هناك مخربون من حولي، وما يدور في ذهني هو أنني أفضل أن يطلقوا النار علي أو اختطافي على احتراقي داخل الدبابة، وفجأة بعد دقائق شاهدت دبابة لوحدة عسكرية أخرى تتجه نحوي. اتضح أن السائق لم يفقد وعيه، واعتقد هو أيضاً أن الجميع ماتوا فأخرج رأسه من فتحة الدبابة وضغط على الغاز ليهرب من هناك. كنت مستلقياً على الأرض وأدركت أن الدبابة على وشك أن تصعد علي بطرفها الشمالي، لم يكن لدي وقت للوقوف لذلك دحرجت نفسي، لكن الدبابة أصابتني في رأسي واستمرت بالسير. كنت غير مسلح، جريح، أسود بالكامل، أصابعي محروقة وكل اللحم بالخارج، لم يكن أمامي سوى النهوض والركض، كانت قوة ’غوني‘ أمامي، وصوبوا بنادقهم لإطلاق النار علي. صرخت بأنتي جندي معكم وفقط الخوذة ساعدت في عدم إطلاق النار، فعلموا أنني من الجيش".

عدت لأكون نازياً

الجندي شباينرغ وصل إلى المستشفى في حال خطرة نتيجة حروق وإصابات في الرأس ومختلف أنحاء جسمه، واختار في مونولوغه حول وجوده في المستشفى أن يصف الجانب السياسي - الاجتماعي الذي ولدته هذه الحرب في إسرائيل. فقال "أنا ناشط سياسي من الجانب الأيسر للخريطة، لذلك أنا معتاد في الغالب على وصفي بالنازي عند مشاركتي في المظاهرات وأعمال الاحتجاج التي سبقت الحرب ضد الحكومة. في المستشفى فجأة وصل إلي شباب التلال (شباب المستوطنين الذين يضعون في أولويات مهماتهم الاعتداء على الفلسطينيين والانتقام) لدعمي وتقويتي على جراحي، وتحدثوا معي باحترام، وهنا ظهرت تلك الوحدة بين الإسرائيليين، التي كانت شعاراً في بداية الحرب وفي ذروتها عندما كنت مصاباً. لكن بمجرد إطلاق سراحي وعودتي للمظاهرات تغير التعامل 180 درجة. أول يوم أتلقى تهديدات بالقتل مرة أخرى، يصفونني بالنازي وأيضاً (مخرب أسوأ من ’حماس‘). الأشخاص ذاتهم الذين أظهروا لي كل الاحترام، يهددون اليوم بكسر عظامي".

كم فلسطينياً قتلت؟

في مونولوغ لجندي آخر وصف الكمائن التي وقعوا بها بالـ"خطرة، فلا لأحد يعلم من أن يأتي القصف والرصاص، كلما وصلت إلى مكان لإنقاذ جندي ترى نهراً من الدماء حولك".

أمير شميدت هو مربي في مدرسة إعدادية بمستوطنة "موديعين"، بعد شرحه ما واجهه في القتال قال بكل صراحة، "منذ بداية الحرب وحتى اليوم وأنا غير قادر على التوقف عن البكاء. لم أعد كما كنت".

وأسهب في شرح ما ألحقه الجيش من دمار داخل البيوت الفلسطينية، "كان الدمار في كل زاوية. عندما كنا ندخل البيوت للبحث عن الأسلحة كنا نقلب الخزائن ونخرج جميع الملابس ونحطم الأسرة وندمر الجدران. كان الأمر صعباً بالنسبة إلي. كنا نطلق قنابل يدوية أو قذيفة أو تأتي جرافة لتهدم الجدران. لم ندخل من الباب، ولكن أولاً وقبل كل شيء ندمر".

 

 

وأضاف "في البداية كان من الصعب علي الدخول إلى غرف الأطفال، لكن كلما دخلت أكثر أصبح لامبالياً بالمطلق. البيوت التي كنا نقضي فيها وقتاً طويلاً كنا ندمرها كلياً فور خروجنا منها، خلال وجودنا كنا مضطرين إلى إبقاء البيوت مظلمة، كان الرعب كبيراً بسبب أصوات الرصاص التي لم تتوقف، لم ننم، كنا نقضي الوقت خائفين".

لدى عودته بعد القتال لمهمته كمعلم في المدرسة لم يعد ذلك المربي الذي يمنع طلابه من تأجيج شعارات قتل العرب وحرقهم، "عندما كانوا يقولون لي قبل حرب غزة ’يجب قتل جميع العرب‘ كنت أرفض ذلك وأقول لهم إن كلاماً كهذا قاله النازيون، وكنت أثقفهم على عدم كراهية الغير، لكن بعد عودتي من غزة أصبح الوضع أكثر صعوبة، لم أعد أمنعهم من قول ذلك، بل كان أول سؤال لهم لي ’كم فلسطينياً قتلت؟‘".

ارتياح الدمار

الجندي يشاي راين من القدس كان أهم ما حاول إبرازه هو ما خلفه الجيش من دمار في غزة، وهو ما اعتبره انتصاراً، بل "شعرت بارتياح كبير مع هذا الدمار"، هكذا يقول في حديثه بعد أن وصف مقتل عدد من جنود وحدته في كمين.

"أحد أيام السبت صعدت قوتنا على عبوة ناسفة وقتل جنديان على الفور. بعد ساعتين قتل شخصان آخران وجرح 10. ليست لديك سيطرة ولا تعرف من أين ومتى يقع الحدث، وقع كثير من الأحداث على بعد 200 متر مني. ذات مرة فاجأنا المخربون ووقعت مواجهات بيننا وأصيب الجنود بطلقات نارية، لكن الفلسطينيين نجحوا في الفرار".

عكست مونولوغات الجنود أعمال التخريب وحرق البيوت، كما عبرت شهادات جنود آخرين عادوا من غزة عن رضاهم وتمتعهم بالهدم والتدمير.

أمير شيفر الذي قاتل في وحدة مشاة، اعتبر حرق البيوت أسهل ما يمكن تنفيذه، بل كان ممتعاً للجنود، "ربما من يسمع هذا يزعجه، ولكن حرق البيوت والأماكن كان يرضي الجنود. يكفي حرق كنبة حتى يلتهب البيت كله"، مضيفاً "كان أكبر حريق في مستودع خشبي كبير مليء بألواح الخشب حتى السقف، فبدلاً من مسح المستودع بأكمله للتحقق من عدم وجود أسلحة، قام الجنود بإحراقه ثم ذهبوا إلى مسافة بعيدة ليشاهدونه. إنه ممتع".

المزيد من تقارير