Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب الإسرائيلية تلغي موازين الطبقات الاقتصادية في غزة

تخسر السلطة الفلسطينية 19 مليون دولار يومياً فيما تقدر "الأمم المتحدة" كلفة إعادة إعمار القطاع بـ 40 مليار دولار وتتوقع تراجع الناتج المحلي 27 في المئة

 اقتصاد قطاع غزة خسر من حجمه خلال الربع الأخير من العام الماضي نحو 81 في المئة (أ ف ب)

ملخص

تشير التقديرات الأولية إلى أن إنتاج القطاعات الاقتصادية في الضفة الغربية خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب الإسرائيلية على غزة فقد ما 27 في المئة

يواصل الاقتصاد الفلسطيني النزف جراء الحرب المستعرة منذ سبعة أشهر، إذ توقعت منظمة الأمم المتحدة انكماش الاقتصاد الفلسطيني 26.9 في المئة، بعد سبعة أشهر من الحرب في قطاع غزة وارتفاع معدل الفقر، وخلص تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (أسكوا)، أول من أمس الخميس، إلى استمرار معدل ارتفاع الفقر في الأراضي الفلسطينية إلى 58.4 في المئة.

واندلعت الحرب في غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023  بعدما أسفر هجوم "حماس" في إسرائيل عن مقتل 1170 شخصاً، بحسب تعداد لوكالة "الصحافة الفرنسية" يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية، ورداً على الهجوم شنت إسرائيل حملة قصف مدمرة وعمليات برية في قطاع غزة أسفرت عن مقتل 34596 شخصاً، معظمهم مدنيون، وفق حصيلة وزارة الصحة التابعة لـ "حماس"، كما أدت العملية الإسرائيلية إلى تدمير جزء كبير من قطاع غزة، وفقاً للوكالة الفرنسية.

وتعليقاً على ذلك قال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر في بيان إن "كل يوم إضافي تستمر فيه هذه الحرب يفرض كلفاً باهظة ومتفاقمة على سكان غزة وجميع الفلسطينيين"، مضيفاً "هذه الأرقام الجديدة تحذر من أن المعاناة في غزة لن تنتهي عندما تنتهي الحرب"، محذراً من "أزمة تنموية خطرة" ناجمة عن الخسائر الفادحة خلال فترة قصيرة من الزمن.

التراجع سيصل إلى 29 في المئة
وقدر البرنامج أن يتضاعف الفقر في حال استمرت الحرب تسعة أشهر مقارنة بمستويات ما قبل النزاع، في حين سيصل التراجع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 29 في المئة.

وأورد تقرير للبنك الدولي نشر في مطلع أبريل (نيسان) الماضي أن الحرب بين إسرائيل و"حماس" تسببت بأضرار تقدر بنحو 18.5 مليار دولار في البنية التحتية في غزة، تعادل 97 في المئة من الناتج المحلي للضفة الغربية وغزة معاً عام 2022، فيما يغطي تقرير الأضرار الفترة من بداية النزاع في السابع من أكتوبر 2023 وحتى نهاية يناير (كانون الثاني) 2024.

كلفة إعادة الإعمار تصل إلى 40 مليار دولار

في غضون ذلك قدرت الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار قطاع غزة بما يتراوح ما بين 30 و 40 مليار دولار نتيجة حجم الدمار الهائل وغير المسبوق فيه بعد سبعة أشهر من الحرب، وقال الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري خلال مؤتمر صحافي أول من أمس في عمّان، إن "إعادة الإعمار في قطاع غزة قضية مكلفة للغاية وستستغرق وقتاً طويلاً"، مشيراً إلى أن "كلفتها تبلغ نحو 18 مليار دولار، بحسب ما التقطته الأقمار الاصطناعية من دمار"، مستدركاً "لكن هذه ليست القيمة النهائية على الأرض".

المهمة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية

وأضاف الدردري أن "تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأولية لإعادة بناء كل ما دمر في غزة تتجاوز الـ30 مليار دولار وتصل إلى 40 مليار دولار"، مشيراً إلى أنها "مهمة لم يسبق للمجتمع الدولي أن تعامل معها منذ الحرب العالمية الثانية".
وذكر أنه "جرى بحث تمويل إعادة الإعمار مع دول عربية، وهناك إشارات إيجابية للغاية حتى الآن"، من دون أن يعطي تفاصيل أخرى.
وتبع الدردري أن الاعتماد على "الأطر التقليدية لإعادة البناء يعني أن الأمر قد يستغرق عقوداً من الزمن، والشعب الفلسطيني لا يملك رفاهية تلك العقود"، وقال "لذلك فمن المهم أن نقوم بسرعة بإسكان الناس في سكن كريم وإعادة حياتهم الطبيعية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية خلال الأعوام الثلاثة الأولى بعد وقف إطلاق النار".

37 مليون طن من الركام

وكرر الدردري أن "إجمال الركام حتى الآن في غزة يصل إلى 37 مليون طن"، معتبراً أن الرقم هائل ويتصاعد يومياً، وآخر البيانات تشير إلى أنه يكاد يبلغ 40 مليون طن.
وأضاف، "72 في المئة من الأبنية السكنية دمرت كلياً أو جزئياً، بينما التنمية البشرية في غزة بكل مكوناتها من صحة وتعليم واقتصاد وبنى تحتية تراجعت 40 عاماً".
واعتبر الأمين العام المساعد للأمم المتحدة أن "المرحلة الأخطر هي أن يتوقف إطلاق النار"، مستدركاً "لسنا جاهزين لذلك ولا بد من أن نكون جاهزين ومستعدين لتوفير السكن الموقت الكريم وإزالة الركام والتعامل مع آلاف الجثامين تحت الركام".
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإضافة إلى عملية إعادة الإعمار تحدث المسؤول الأممي عن الآثار النفسية للحرب على السكان المدنيين، قائلاً إن "تقديراتنا لعدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية نفسية هو 400 ألف شخص، وهذا التقدير في حده الأدنى".
من جانبه قال نائب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا" منير تابت في المؤتمر إن "الدمار هائل ومخيف"، مضيفاً أن "القطاعين التعليمي والصحي دمرا بصورة شبه كاملة"، مشيراً إلى أن الاقتصاد في قطاع غزة خسر خلال الربع الأخير من العام الماضي 81 في المئة من حجمه".
وتابع، "الوضع صعب جداً وحجم الدمار البشري والبني التحية غير مسبوق ويتطلب منا جهوداً غير مسبوقة".

إلى ذلك تكبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر في الإنتاج تقدر قيمتها بـ2.3 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 19 مليون دولار يومياً لا تشمل الخسائر المباشرة في الممتلكات والأصول، خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب على غزة، وفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في مارس (آذار) الماضي.

وأشار الجهاز إلى أن معظم منشآت القطاع توقفت عن ممارسة نشاطها الاقتصادي نتيجة الدمار الجزئي أو الكلي، موضحاً أن إجمال عدد المنشآت التي توقفت عن الإنتاج أو تراجع إنتاجها يبلغ 80 ألف منشأة في فلسطين.

 وعلى إثر ذلك فأن غالبية العمالة في قطاع غزة والتي يقدر عددها بنحو153 ألف عامل تعطلت، باستثناء العاملين في قطاعي الصحة والإغاثة الإنسانية.

غزة تخسر 86 في المئة من إنتاجها

وتشير التقديرات الأولية إلى أن إنتاج القطاعات الاقتصادية في الضفة الغربية خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب الإسرائيلية على غزة فقد ما 27 في المئة، مقارنة مع المعدل الطبيعي للإنتاج بخسارة تقدر بنحو 1.5 مليار دولار، كما خسر قطاع غزة نحو 86 في المئة من إنتاجه الطبيعي، خلال الفترة نفسها، أي ما يعادل 810 ملايين دولار، مما سينعكس سلباً على الإيرادات العامة في فلسطين.

وتعليقاً على ذلك قال المحلل الاقتصادي الفلسطيني عادل سمارة إنه "في المفهوم العلمي لا يوجد اقتصاد فلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي"، موضحاً في تصريحات صحافية أن "هناك تبادلاً غير متكافئ، واقتصادنا ملحق بالاقتصاد الإسرائيلي وبالقوة".

ويحكم الاقتصاد الفلسطيني "بروتوكول باريس" الموقع في أبريل عام 1994 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، في إطار اتفاق "أوسلو-2" أو "اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة" الذي وقع في الـ 24 والـ 28 من سبتمبر (أيلول) عام 1995، وينظم العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ستة قطاعات رئيسة، وهي الجمارك والضرائب والعمالة والزراعة والصناعة والسياحة والصادرات والواردات، بصورة تعطي إسرائيل صلاحية التحكم بالحدود الخارجية وضرائب الاستيراد والقيمة المضافة.

الإنتاج في الأراضي الفلسطينية محدود

وأضاف سمارة أن "الإنتاج في الأراضي الفلسطينية محدود للغاية و غير قادر على توفير فرص عمل للفلسطينيين"، مشيراً إلى أنه يعتمد بصورة كبيرة على إسرائيل لتشغيل اليد العاملة الفلسطينية"، ومؤكداً أن "هذا الأمر أيضاً توقف منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة"، واصفاً ذلك بـ "التبعية الطوعية"، إذ إنه لا خيار للعمال إلا بالعمل داخل إسرائيل، وقائلاً إن "الاقتصاد الحقيقي لأية دولة يجب أن تكون له مواقع إنتاج اقتصادية وصناعية وزراعية توفر العمل لأبنائها".

وتبلغ فاتورة أجور الموظفين العموميين نحو 160 مليون دولار شهرياً يضاف إليها 120 مليون دولار أخرى تمثل أجور المتقاعدين،
فيما تمر تجارة الفلسطينيين مع دول أخرى عبر الموانئ البحرية والجوية الإسرائيلية أو عبر المعابر الحدودية بين السلطة الفلسطينية والأردن ومصر والتي تسيطر عليها إسرائيل أيضاً، بل وتستخدم العملة الإسرائيلية (شيكل) في الأراضي الفلسطينية.

وعقب هجوم السابع من أكتوبر 2023 أوقفت إسرائيل تسليم السلطة الفلسطينية كامل المبلغ العائد لها من الرسوم الجمركية، متذرعة بأن المال يستخدم من أجل تمويل حركة "حماس" التي تسيطر منذ عام 2007 على قطاع غزة، وتعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية".

وتجمع إسرائيل الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية في مقابل واردات الفلسطينيين على السلع المستوردة وتسميها "أموال المقاصة"، بمتوسط شهري يبلغ 220 مليون دولار.

وفيما تعتمد السلطة الفلسطينية على أموال المقاصة من أجل دفع رواتب موظفيها، فمن دونها فلن تكون قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه فاتورة الأجور ونفقات المؤسسات الحكومية.

وإلى جانب المبلغ المقتطع المخصص لغزة تقتطع إسرائيل ما تقول إنها ديون شهرية على الفلسطينيين لمصلحة شركات مياه وكهرباء ومستشفيات وغرامات وأقساط قرض حصلت عليه الحكومة الفلسطينية من إسرائيل، في مقابل ما تقدمه الحكومة الفلسطينية للجرحى والأسرى من مخصصات بمجموع كلي مقداره 60 مليون دولار، وبذلك يكون إجمال الاقتطاع من أموال المقاصة قرابة 135 مليون دولار شهرياً.

القطاع أصبح طبقة واحدة تعاني الفقر

من جهته قال المتخصص في الشأن الاقتصادي الفلسطيني محمد أبو جياب إن الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة حولت مجتمع القطاع إلى طبقة واحدة تعاني الفقر أو الفقر المدقع، ودمرت 80 في المئة من قطاع الزراعة و90 في المئة من قطاع الصناعة، موضحاً في تصريحات صحافية التأثيرات الاقتصادية للحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ ما يزيد على 200 يوم على القطاع المحاصر، وقال إن "الجيش الإسرائيلي دمر خلال هذه الحرب كل شيء على المستوى الاقتصادي، ولم تعد هناك قدرة إنتاجية واحدة، ولم تتبق حتى طبقات اقتصادية في القطاع".

وأشار أبو جياب إلى أن "الحرب دمرت الطبقتين العليا والوسطى وتمت تسويتهما بالفقراء، فالقطاعات الصناعية التي دمرتها الطائرات والدبابات الإسرائيلية تحول أصحابها وعمالها إلى فقراء"، لافتاً إلى أن الطبقة الوسطى التي كانت تقتات من خلال القطاعات الصناعية والإنتاجية والزراعية انضمت اليوم إلى طبقة المسحوقين والفقراء في قطاع غزة".

تعطل 90 في المئة من الإنتاج الزراعي

وأكد أبو جياب أن البنية التحتية الاقتصادية لقطاع غزة مدمرة كلياً، وعلى مستوى المدن الصناعية والقطاعات الإنتاجية، قائلاً إن "التدمير الإسرائيلي الممنهج عطل نحو90 في المئة من الإنتاج الزراعي في القطاع، وتوقفت القطاعات الصناعية بالكامل بينما دمر أكثر من 90 في المئة من مكونات البنية الصناعية التحتية من مصانع وطاقة وغيرها".