Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يقدم "عام الانتخابات" للقارة السمراء؟

هل تتجه أفريقيا نحو أنظمة استبدادية راسخة نسبياً أم تستعيد أوراق الاعتماد الديمقراطية؟

امرأة تدلي بصوتها أثناء تصويتها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2019 في نيجيريا (غيتي)

ملخص

عدد سكان البلدان الأفريقية التي ستجري انتخابات خلال عام 2024 يزيد على 310 ملايين نسمة، منهم 58 في المئة أو أكثر من 180 مليون شخص سيكونون مؤهلين للتصويت

تشكل الانتخابات هذا العام في نحو 20 دولة أفريقية علامة فارقة يتحدد وفقاً لها المشهد السياسي والاقتصادي في القارة السمراء، مما يمكن أن يجعله عاماً صاخباً.

ولا تبعد أفريقيا عن الصورة الشاملة في العالم حيث ستشهد أكثر من 70 من دوله انتخابات هذا العام أيضاً، وسيتوجه أكثر من نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات الرئاسية والعامة.

إلا أن هناك إشارات تحذير من أن غالب هذه الدول ستشهد تحولات سياسية قد تكون معرضة للاضطراب وأخطار جيوسياسية وهزات اجتماعية نتيجة الصراع السياسي بين المؤيدين للانتخابات ومناهضي التغيير الديمقراطي، لا سيما أن عدداً كبيراً من دول القارة اجتاحتها انقلابات عسكرية.

وعندما تحاول هذه الدول الاتجاه نحو ترسيخ الديمقراطية تكون في حاجة إلى تقييم أولي يتعلق بمدى جديتها، وهل هي انتخابات حقيقية أم شكلية، بحسب ما تغذيه تصورات أحزاب المعارضة حول نزاهتها، أو أن يحدث تزويرها فعلاً، ومدى جودة النظم الناتجة من هذه العملية وملاءمتها لتحقيق الحكم الرشيد؟

ومع ما تفرضه الانتخابات من فرصة واسعة لتحقيق الاستقرار السياسي في القارة الأفريقية، تنادي أصوات كثيرة بألا يغض الطرف عن التحديات التي تواجه دول القارة وحكوماتها للوصول إلى هذه النتيجة، على رغم ما يعتمل داخل القارة وفي محيطها من توترات سياسية متصاعدة.

من الدول التي ستنعقد انتخاباتها هذا العام في إطار مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي بعد انتهاء جزر القمر من انتخاباتها، هناك بوتسوانا وموريشيوس وموزمبيق وناميبيا وجنوب أفريقيا.

وفي منطقة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد"، ستكون انتخابات كل من إثيوبيا والصومال وجنوب السودان. وفي شمال أفريقيا ستعقد انتخابات كل من موريتانيا والجزائر وليبيا وتونس.

أما في منطقة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، فبعد انتهاء الانتخابات في السنغال، سيكون إجراء الانتخابات في بوركينا فاسو وغانا وغينيا بيساو ومالي. أما في وسط أفريقيا فهناك تشاد ورواندا.

ولا تخلو هذه المجموعات من تعرض بعض دولها لتأجيل الانتخابات بحجج عدة، منذ تفشي جائحة كورونا، مروراً بالانقلابات، والتغييرات الدستورية.

إضفاء الشرعية

على رغم أن العدد الكبير للدول الأفريقية التي ستخوض انتخابات هذا العام لا يعني حجم المنافسة الانتخابية بالضرورة، فإن مجرد خوضها بدأ في جذب اهتمام العالم لطبيعة التنافس، وحداثة القارة بالتجارب الديمقراطية الراسخة.

وأوردت مؤسسة "مو إبراهيم للحوكمة" في أفريقيا أن "عدد سكان البلدان الأفريقية التي ستجري انتخابات خلال عام 2024 تزيد على 310 ملايين نسمة، منهم 58 في المئة أو أكثر من 180 مليون شخص سيكونون مؤهلين للتصويت". وأضافت المؤسسة أن "موريشيوس لديها أعلى نسبة من السكان المؤهلين للتصويت نحو 80 في المئة، وفي تشاد ومالي سيكون أقل من 50 في المئة من السكان مؤهلين للتصويت، نظراً لأن معظم السكان في البلاد أقل من 18 عاماً".

 

وقالت الباحثة في مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية في المملكة المتحدة سونالي كامبيون "لعبت الهيئات الانتخابية المستقلة التي أنشئت في التسعينيات دوراً مهماً في التعميق المبكر للقيم الديمقراطية في جميع أنحاء أفريقيا، ومع بدء معظم البلدان في توسيع نطاق الحقوق والحريات وتعزيز سيادة القانون، قامت هذه الهيئات بتنسيق الانتخابات المتعاقبة متعددة الأحزاب". وأضافت "قد يكون أداؤهم ضعيفاً أو غير متناسق، لكن الانتخابات أصبحت روتينية ومقبولة كوسيلة ضرورية لإضفاء الشرعية على السلطة السياسية. ومع ذلك، فقد ثبت أن تعزيز المكاسب الديمقراطية الأوسع في القارة أكثر صعوبة". وأوضحت كامبيون "منذ منتصف العقد الأول من القرن الـ 21، أصبحت الرياح المعاكسة أقوى. يشير مصطلح [التراجع الديمقراطي] إلى تفريغ المؤسسات والحقوق والممارسات الديمقراطية من قبل الحكومات المنتخبة. وقد قامت المنظمات البحثية التي تقيس الديمقراطية بتتبع الانخفاضات عبر مؤشرات ديمقراطية متعددة في أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم".

التمكين "الأسود"

وتسود في العالم الثالث وأفريقيا خصوصاً حالة من عدم الثقة في الانتخابات والعملية المعقدة نحو التغيير إلى الديمقراطية، نسبة لتلاشي الثقة في الحكومات والأحزاب السياسية، فتبرز أجسام وأفكار مناهضة لها. وقد لا يقتضي ذلك أن تعلن هذه الكيانات عن مناهضتها للعملية الديمقراطية برمتها، وإنما قد تظهر كمعترضة على الوسيلة، وتتمثل في شكل عداء تجاه السلطة حتى لو كانت حريصة على قيام الانتخابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتسهم البيئة الاجتماعية والاقتصادية في تغذية هذه المشاعر، فعادة ما يحمل الناخبون على عاتقهم قضايا مثل غلاء الأسعار والتضخم والبطالة والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وقضايا المساواة والعدالة والسلام والأمن، ضمن علاقة نظم الحكم بهذه المبادئ، وغيرها.

ومن بين عدالة هذه القضايا المطلبية، والممارسة السياسية، تبرز الشعبوية وتهيئ التربة للحراك الثوري الذي يتسع للتواقين إلى الحرية والعدالة، مثلما يشمل أصحاب الأفكار المتطرفة، ويحتوي اليمينيين مثلما يتسع لأهل اليسار.

ولم تسلم من هذه الثنائيات حتى البلدان الديمقراطية الراسخة نوعاً ما مثل جنوب أفريقيا. وفي ذلك بين الأستاذ في كلية "كينغز" لندن مارتن بلوت تآكل الدعم لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا بأن "جزءاً من المشكلة يكمن في أن الحزب ظل في السلطة لفترة أطول مما ينبغي، واستنفدت أفكاره، وهو يفقد تماسكه. وواصل جاكوب زوما التمسك بعضويته السابقة في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، على رغم خلافاته معه، ثم دعمه حزباً سياسياً منافساً هو حزب أومكونتو وي سيزوي حديث التشكيل". وتابع بلوت "لقد أفسح الوعد بتفكيك عدم المساواة العرقية التي فرضها نظام الفصل العنصري المجال أمام تحول متعمد نحو التفاوت الاقتصادي. وقد عمل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي كان ذات يوم رمزاً للتحرر، على تعزيز نخبة سوداء تتمحور حول القادة السياسيين، مما أدى إلى اتساع فجوة الثروة. لقد أدت أنماط الحياة الفخمة للطبقة الحاكمة، إلى جانب سياسات مثل [التمكين الاقتصادي الأسود]، إلى زيادة عدم المساواة الطبقية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الجريمة".

مركزية انقلابية

من جانبه، أصدر الاتحاد الأفريقي بياناً ذكر فيه عزمه إرسال بعثة لمراقبة الانتخابات العامة في دولة جنوب أفريقيا في الـ29 من مايو (أيار) الجاري. وأضاف الاتحاد "تتألف البعثة من 60 مراقباً على المدى القصير بما في ذلك ثلاثة خبراء انتخابيين من الفريق الأساسي، من المقرر أن يراقبوا الانتخابات في الفترة من الـ 21 من مايو إلى الثالث من يونيو (حزيران) المقبل. وسيقود البعثة رئيس كينيا السابق أوهورو كينياتا".

وأورد الاتحاد الأفريقي أهداف بعثته في "تقديم تقارير محايدة أو تقييم لجودة الانتخابات العامة بما في ذلك مدى استيفاء إجراء الانتخابات للمعايير الإقليمية والقارية والدولية للانتخابات الديمقراطية، وتقديم توصيات لتحسين الانتخابات المقبلة بناءً على النتائج، وإظهار تضامن الاتحاد الأفريقي ودعمه للانتخابات في جنوب أفريقيا وعملية التحول الديمقراطي لضمان أن إجراء انتخابات ديمقراطية وذات صدقية وسلمية يسهم في توطيد الحكم الديمقراطي والسلام والاستقرار في البلاد".

وفي ما يتعلق بانتخابات دول القارة الأخرى، قال المدير الإقليمي لشرق وجنوب أفريقيا للجنة المساءلة الانتخابية ماكدونالد ليوانيكا إن "عام الانتخابات المكثفة هذا يقدم لأفريقيا فرصة لاسترداد أوراق الاعتماد الديمقراطية، وإظهار ما إذا كانت القارة تتجه نحو أنظمة استبدادية راسخة نسبياً مع وجود جيوش مسيسة كأطراف فاعلة في التسويات السياسية، أو نحو ترسيخ الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة". وتابع ليوانيكا "بالنسبة إلى الأولى، فإن البلدان التي شهدت ثورات وانقلابات، أخيراً، مثل تونس ومالي وأرض الصومال وجنوب السودان وتشاد، ستختبر قدرتها على نجاح الانتخابات. وستكون هذه البلدان باستثناء تونس مثيرة للاهتمام بصورة بخاصة لأنها تقع وسط وشرق وغرب أفريقيا ومنطقة الساحل التي ظهرت باعتبارها [مركزية انقلابية]، مع حدوث تسعة انقلابات عسكرية منذ عام 2021". ووصف المنطقة بأنها عبارة عن برميل بارود سياسي، مليئة بعدم الاستقرار. وأكد أن هذه الانتخابات والاستجابات المصاحبة للنزاعات الحتمية "ستظهر رياح الانتخابات والديمقراطية السائدة، وستحدد ما إذا كانت أفريقيا ستظل منطقة راكدة انتخابية وديمقراطية أم ستظهر نفسها على أنها الأمل الجديد لفاعلية الانتخابات وعودة الديمقراطية، وأن تكون بمثابة اختبار لالتزام القارة وشعبها بالانتخابات وإرساء الديمقراطية". 

 

ومع انشغال العالم بالانتخابات الأميركية، لكن هناك توقعات بأن تكون أفريقيا المنخرطة الآن في تقويم الانتخابات منطقة "حافلة بالأحداث" أيضاً خلال الفترة القريبة المقبلة.

واتفقت المؤسسات المعنية بالديمقراطية في أفريقيا، على وضع بعض الشروط الأساس لنجاح الانتخابات وفقاً للمعايير الديمقراطية، أولها زيادة المشاركة الانتخابية للشباب في أفريقيا وانتخاب مزيد منهم في مناصب السلطة السياسية. وثانيها تعزيز دور بعثات مراقبة الانتخابات التي سيؤدي نشاطها إلى زيادة الضوابط والتوازنات داخل العمليات الانتخابية المحلية. أما الشرط الثالث، فيجب على الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية اتخاذ تدابير وقائية صارمة واستجابات حاسمة للممارسات الانتخابية غير الديمقراطية التي قد تسبب اضطرابات مدنية وعدم استقرار سياسي في القارة خلال 2024.

تحديات الانتخابات

أما في ما يتعلق بالتحديات التي تواجه نجاح العمليات الانتخابية في أفريقيا فقد أوردت مؤسسة "مو إبراهيم" أنه "على رغم أن أهلية الناخبين في أفريقيا المجمع عليها مرتفعة للغاية، فمن غير المرجح أن يتمكن جميع هؤلاء من التصويت، لأن ذلك سيعتمد بصورة كبيرة على قدرة الأشخاص على التسجيل للتصويت. وفي أفريقيا، هناك ما يقرب من 500 مليون شخص ليس لديهم إثبات هوية، أي ما يعادل ثلث السكان. ومن بين 180 مليون ناخب مؤهل، إذا لم يكن لدى ثلثهم بطاقات هوية، فهذا يعني أن 60 مليوناً من الممكن استبعادهم من العملية الانتخابية". وأضافت المؤسسة "لا يزال الوصول إلى مراكز الاقتراع وأمنها وسلامتها يمثل تحدياً كبيراً لدى الناخبين. وفي الجولة الأخيرة من استطلاعات الرأي، أعرب المشاركون من البلدان التي ستجري انتخابات عام 2024 عن عدم قدرتهم على تحديد موقع مركز الاقتراع الخاص بهم. وفي موريشيوس وغانا، ذكر أكثر من 80 في المئة ممن شملهم الاستطلاع أنهم لم يتمكنوا من العثور على مركز الاقتراع الخاص بهم، بالتالي لم يصوتوا في انتخاباتهم الأخيرة".

وفي سياق التحديات قال الرئيس السابق للجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في نيجيريا أتاهيرو جيجا "شرعنا في تحديد ما إذا كان التراجع الديمقراطي قد أضعف هيئات إدارة الانتخابات في أفريقيا. ومن المنظور المهني في إدارة الانتخابات والدعم الانتخابي الدولي، فإننا نرى أنه من المهم فهم السياق الذي تعمل فيه الهيئات الانتخابية، كما أنها حيوية في تطوير استراتيجيات تعزيزها". وأضاف جيجا، "لقد وجدنا أن هيئات إدارة الانتخابات الأفريقية تواجه اليوم تحديات معقدة ليست مجرد نتاج التراجع الديمقراطي، بالتالي فإن زيادة فاعليتها تتطلب نهجاً أوسع بكثير لحماية استقلالها، وبناء قدراتها، وتشجيع جميع أصحاب المصلحة على دعم عملها".

وتابع رئيس اللجنة الانتخابية النيجيرية السابق "استعرضت دراستنا أداء هيئات إدارة الانتخابات في 48 دولة أفريقية بين عامي 2012 و2022. وقد تم تسجيل ذلك في مجموعة بيانات تصورات النزاهة الانتخابية التي أنتجها المشروع النزاهة الانتخابية". وقال أيضاً "كانت نتيجة تحليل البيانات أن استقلالية الهيئة الانتخابية هو مقياس أضيق مقارنة بتلك الواردة في مجموعة بيانات تصورات النزاهة الانتخابية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير