Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة زمن "الرجل القوي" إلى واجهة السياسة

كيف تتجلى صورته في الدوائر الأكاديمية ونظريات الأفكار ومن أين يكتسب جاذبيته؟

حب الرؤساء الأقوياء ولو كانوا طغاة أو مستبدين سيظل متاحا لدى الشعوب (مواقع التواصل)

ملخص

على الكوكب زمرة من "الرجال الأقوياء" الذين يفرضون أنفسهم على الساحة غير عابئين بجيوش المفكرين الرافضة أو مؤلفات العلماء المنددة بفكرة "الرجل القوي" وبين النقيضين حقيقة مفادها عودة "الرجل القوي"

في الدوائر الأكاديمية وعلى المنصات الإعلامية المعروفة برصانتها وفي دوائر المفكرين والكتاب والساسة معتنقي الأيديولوجيات الرزينة الحصيفة الراسخة في تاريخ النظريات وفلسفة الأفكار، يعدون نموذج "الرجل القوي" في السياسة سلطوية جائرة، وصورة من صور الحكم الاستبدادي القائم على الكاريزما والسيطرة أكثر من الكفاءة وحسن الإدارة.

في هذه الأوساط، يغلب التعامل مع "الرجل القوي" من منطلق ما لا يجب أن يكون. فالرجل القوي حتى لو قاد بلاده للرخاء، وحقق لنظامه البقاء، وضمن لشعبه الأمان والاستقرار، يظل آفة سياسية وعلة إنسانية ونقيصة محورية.

محور اهتمام العالم

محور اهتمام العالم منصب هذه الآونة على "الرجل القوي" دون أن يدري. لو كان الرئيس الأميركي جو بايدن رجلاً قوياً لحقق لأميركا وجوداً أفضل في صراع الشرق الأوسط، ولحقق إنجازاً في أوكرانيا، ولقلل من إجازاته التي تطغى على مسؤولياته.

ولو كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رجلاً قوياً لكان المحتجزون لدى "حماس" في بيوتهم، ولما سمح لوزراء حكومته من المنتمين لليمين المتطرف بتوجيهه وتطويعه. ولو كان المستشار الألماني أولاف شولتز رجلاً قوياً، لما التزم الصمت أمام تلال المشكلات الداخلية في بلاده والخارجية، والتي كان يتوقع أن يكون لألمانيا القوية دور أكبر فيها. ولو كان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك رجلاً قوياً لما تمسك بحل ترحيل المهاجرين إلى رواندا، ولما انخفضت شعبية حزب المحافظين، ولما ترك منظومة الرعاية الصحية تسير من سيئ إلى كارثي.

كارثية الأوضاع في مناطق عدة في العالم، من حروب وصراعات هنا إلى أزمات بطالة ورعاية اجتماعية متردية وتضخم متفاقم وفقر متصاعد هناك، وأزمة مناخ وهجرة ونزوح وفجوات شاسعة بين الطبقات هنا وهناك، تدفع بـ"الرجل القوي" إلى صدارة المشهد، إن لم يكن علناً في قصور الرئاسة وتحت قباب البرلمانات وقاعات الدرس في الجامعات وشاشات الإعلام، فبين الجموع والحشود التي باتت تعد خلاصها ونجاتها في يد "رجل قوي" يتمنوا ظهوره.

فجر التاريخ

ظهر مصطلح "الرجل القوي" منذ فجر التاريخ، بدءاً بـ"الرجل القوي" القادر على الصيد وتأمين القبيلة ضد الأعداء، مروراً بـ"الرجل القوي" الذي يكون إمبراطوريات ويغزو أخرى ويرسخ حكمه، وانتهاء بـ"الرجل القوي" الذي يغزو دولة مجاورة لتأمين موارد إضافية أو فرض سطوة عسكرية ويفرض قواعد بلاده ومصالحها على دول في مشارق الأرض ومغاربها ولا يلتفت لقرار مجلس أمن هنا أو شجب محكمة دولية هناك أو تظاهرات شعبية منددة بأفعاله هنا أو هناك.

 

 

أستاذا العلوم السياسية بريان لاي ودان سلاتر يعرفان الرجل القوي بأنه زعيم سياسي استبدادي. ينتهج الرجل القوي – في رأيهما - صورة من صور الحكم الاستبدادي الذي يميز الديكتاتوريات بأنواعها. وحكم هذا الرجل القوي يختلف عن الحكم الديكتاتوري لحزب الأقلية، وحكم الحزب الاستبدادي، وحكم الديكتاتوريات العسكرية.

في قبضة رجل قوي

وبحسب "المركز الأوروبي للدراسات الشعبوية" فإن الرجال الأقوياء غالباً ينخرطون في انتهاكات حقوق إنسان وحروب أهلية، لا سيما إن كانوا قادمين من مؤسسات عسكرية، ويكونوا أكثر عرضة لبدء صراع مسلح بين دولهم وآخرين.

وبينما عديد من دول العالم واقعة في قبضة "رجل قوي"، وأخرى تعاني أو تتأثر بسياسات عابرة للحدود لـ"رجل قوي" لا يمت لها بصلة، وبينما الدوائر الأكاديمية والثقافية والتنظير الفلسفي والسياسي منشغلة بشجب نموذج "الرجل القوي" وداعية إلى قوة العقل وقوة المنطق وقوة النفس التي تسمح بقواعد وأسس النقد والمعارضة، فإن ميلاً عالمياً شعبياً متزايداً يجنح إلى "الرجل القوي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الكوكب زمرة من "الرجال الأقوياء" الذين يفرضون أنفسهم على الساحة غير عابئين بجيوش المفكرين الرافضة، أو مؤلفات العلماء المنددة بفكرة "الرجل القوي". وبين الاتجاهات الرافضة والميول المحبذة، حقيقة مفادها عودة "الرجل القوي".

مقاس الرئيس القوي

الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصص في مجال العلوم السياسية عمرو الشوبكي أكد تنامي هذه العودة، التي قد تكون مرتكزة على رغبة شعبية. في مقال عنوانه "الرجل القوي" (2022) كتب أن كثيرين يبحثون عن قيادة الرجل القوي، وأنه بحث لا يقتصر على العالم العربي، لكنه تشهده الدول والمجتمعات الغربية والشرقية على حد سواء.

يقول الشوبكي إن صورة الرجل القوي التي سادت في القرون الوسطي، من محاربين أشداء وملوك وقادة استموا بالشجاعة وأسسوا لإمبراطوريات كبرى دامت قروناً تعود لتطل، برأسها. وأضاف، "وجدنا قادة في القرن الماضي، وكذلك في الألفية الثالثة وصلوا للسلطة على اعتبار أنهم مخلصون. ووجدنا منهم زعماء الكوارث الكبرى مثل هتلر الذي وصل بآلية ديمقراطية إلى حكم ألمانيا، وروج بأنه سيعيد لبلاده كرامتها، وسيبني نهضتها الجديدة، ولكنه سرعان ما أدخل ألمانيا والعالم في الحرب الأكثر بشاعة في تاريخ البشرية من حيث عدد الضحايا وحجم الدمار الذي خلفته.

 

 

وهناك زعماء التحرر مثل الجنرال ديغول الذي ارتدى ثوب مخلص فرنسا من الاحتلال النازي، وكان نموذجاً للزعيم القوى الذي خلص بلاده من الفوضى وفشل الأحزاب والنظام البرلماني، وأسس الجمهورية الخامسة التي فصلت على مقاس "الرئيس القوي".

ومن العالم العربي، ذكر الشوبكي نموذج الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي نال شعبية هائلة باعتباره بطل تحرر وطني في مواجهة الاستعمار، واعتبره كثر قادراً على تحقيق طموحاتهم، وإنقاذهم من الفقر، واستعادة كرامتهم، كما تصوروا.

رجال البطولات الكبرى

تصورات كثيرة تعتري مفهوم "الرجل القوي". الشوبكي يرى أن المفهوم حالياً لم يعد مقتصراً على رجال البطولات الكبرى والتحررات الوطنية، إلخ، ولكن بات يشمل نماذج غير تقليدية.

ورأى في تجربة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مفهوماً حديثاً للرجل القوي المعاصر. وصل إلى السلطة في عام 2017 وهو في الـ40 من عمره، ومن خلال حزب سياسي "فرنسا إلى الأمام" أسسه قبل عام من انتخابه مستغلاً أخطاء المعسكرين اللذين هيمنا على الحياة السياسية في فرنسا منذ تأسيس الجنرال ديغول الجمهورية الخامسة عام 1958، وهما يمين الوسط الديغولي، واليسار الاشتراكي. كما اعتبر الرئيس الأميركي السابق والمرشح المحتمل دونالد ترمب نموذجاً لـ"الرجل القوي" غير التقليدي، "فقد ارتدى صورة الرئيس القادم من خارج المشهد السياسي التقليدي، ويرفض الطبقة السياسية والإعلام. واعتبر نفسه من خارجها. فهو رجال مال وأعمال وليس رجلاً سياسياً، وتصرف كتاجر أكثر منه رئيساً"، لكن ظل ترمب – ولا يزال - يروج لنفسه باعتباره "الرجل القوي".

الرجل القوي تاجر

وسواء تصرف "الرجل القوي" كتاجر أو مقاتل أو مدافع، لا يمكن إنكار تنامي السعي الشعبي الباحث عنه. وتكاد لا يذكر المسمى حالياً، إلا ويستدعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سواء كان استدعاءً على سبيل الإشادة أو من باب التنديد.

لا يمر يوم دون أن يشهد الإعلام، وبالطبع الساحات السياسية الرسمية الغربية، تنديداً بـ"الرجل القوي" بوتين.

 

 

"الرجل القوي الذي لا يمكن التنبؤ به؟ بوتين يتبنى الصورة بعد عامين من حرب أوكرانيا"، "بوتين... الرجل القوي الضعيف"، "مكانة بوتين كرجل قوي على مستوى العالم"، "هل هز هجوم موسكو صورة بوتين الرجل القوي؟"، "صورة بوتين الرجل القوي تتضح أمام شعبه"، "كيف سيخرج بوتين الرجل القوي من حربه في أوكرانيا؟"، "رجل روسيا القوي يبني نجاحاته على ضعف الغرب"، "الطريقة الوحيدة لتوقيف الرجال الأقوياء مثل بوتين هي عدم السماح لهم بالظهور"، "نادي المعجبين بالرجل القوي بوتين يتوسع"، "لماذا يستمر الرجال الأقوياء مثل بوتين و(رئيس الوزراء الهندي ناريندرا) مودي و(الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان في الفوز في الانتخابات؟".

العناوين اليومية

العناوين اليومية عن "الرجل القوي" – بوتين وغيره - تتعامل مع الفكرة باعتبارها سقطة وغلطة وعثرة. واقع الحال يشير إلى توجه شعبي معاكس بدأ على استحياء قبل نحو عقدين، ويسير من قوي إلى أقوى مطالباً بالأكثر قوة من الرجال.

ومن الرجال والنساء من فوجئ بأن فئات عريضة في المجتمع الأميركي تعد الرئيس الأميركي السابق والمرشح المحتمل دونالد ترمب مصنف "رجلاً قوياً" بالمعنى الإيجابي.

الكاتب الأميركي المتخصص في الشؤون الخارجية إيان بريمر رصد ملامح العودة إلى عصر الرجل القوي في مقال مطول في مجلة "تايم" (2018). تحت عنوان "وصلنا إلى عصر الرجال الأقوياء. وإليك ما يعنيه ذلك بالنسبة لك"، كتب أن انتهاء الحرب الباردة أدى إلى ما بدا إنه بداية عصر جديد من القيم الليبرالية الصاعدة، عصر تنتصر فيه الديمقراطية وسيادة القانون والأسواق المفتوحة إلى الأبد.

ما لم تخطط له الليبرالية

ويبدو أن رياح المجريات والتحولات أتت بما لم تخطط له القيم الليبرالية. يقول بريمر إن مصاعب عدة اعترت قادة دول كبرى وصفهم بأنهم ظلوا يتغنون من كتاب الصلاة هذا، في إشارة إلى القيم الليبرالية التي لا تعتمد على الرجل القوي، بقدر اعتمادها على القيم الليبرالية والديمقراطية القوية.

من المستشارة الألمانية السباقة أنغيلا ميركل التي هوت شعبيتها كثيراً بسبب ملف اللاجئين، إلى ماكرون الذي يواجه تظاهرات شعبية وطلابية غاضبة وغيرهما، تتاح لمثل أولئك القادة أن يختاروا بين اللجوء إلى سياسات متطرفة لحماية حصتهم في الأصوات الانتخابية، أو التمسك بالمبادئ الليبرالية في الاستجابة للضغوط الشعبية.

ويشير الكاتب إلى أن "الأقوياء لا يواجهون معضلة الاختيار. هم عادة الذين يمارسون هذا الضغط، ولا يتركونه للقواعد الشعبية، كما تسمح لهم أنظمتهم بحماية مصالحهم عبر تغيير قواعد اللعبة السياسية بحسب الحاجة. وليس هناك ما جعل القيام بذلك أسهل من التقدم التكنولوجي".

"نحن" و"هم"

وتطرق بريمر إلى ثورة الاتصالات وتمكين الشعوب تقنياً، والتي أسهمت إلى قدر كبير في اتساع الفجوة في المفاهيم بين "نحن" و"هم". يقول "كان لثورة الاتصالات تأثيرها كذلك في الدول الديمقراطية. على منصات السوشيال ميديا والقنوات الإخبارية، يعتمد النجاح على قدرة مزودي أو مقدمي المعلومات على تحقيق أكبر قدر ممكن من التفاعل، أو على مقدار وقت يمضيه المستخدمون في المتابعة، إضافة إلى كمية المعلومات التي يتشاركونها". ويؤكد أن "مزودي المعلومات يستهدفون قطاعات أيديولوجية وسياسية وديموغرافية بعينها. هذه المجموعات تستقبل محتوى معلوماتياً مختلف الرؤى والتوجهات حول العالم، هذا التباين أدى إلى اتساع الفجوة بين "نحن" و"هم"، وأول من يجي مثار هذا التباين واتساع الفجوات بين الناس هم "الرجال الأقوياء".

 

 

ويعد الكاتب ترمب نموذجاً للرجال الأقوياء الذي جنوا ثماراً – وربما يعاود الجني في المستقبل الانتخابي القريب - لهذه الفجوة بين "نحن" و"هم". يقول "هو (ترمب) مثل عديد من هؤلاء القادة (الرجال الأقوياء). يعرف جيداً ما يريد أنصاره سماعه. هو دائم الإشارة إلى "هم" و"نحن"، وليس أدل على ذلك من تعهده وقت رئاسته ببناء "جدار جميل كبير".

واديان مختلفان

الأصوات والأقلام والتحذيرات والتنديدات الأكاديمية والإعلامية الهادرة من نماذج مثل ترمب "الرجل القوي" في واد، ونتائج استطلاعات الرأي في أميركا في واد. في الـ21 من أبريل (نيسان) الماضي، وبحسب مجلة "إيكونوميست" البريطانية، حاز ترمب 44 في المئة من تأييد الناخبين، في حين نال بايدن 43 في المئة.

ووفق موقع "ستاتيستا" المتخصص في قياسات الرأي العام، أبدى 8 بين كل 10 روسيين تأييدهم لسياسات بوتين، كما أشارت الاستطلاعات إلى ارتفاع شعبيته في فبراير (شباط) الماضي بتسعة في المئة مقارنة بسبتمبر (أيلول) 2022، وقت أعلن التعبئة الجزئية للبلاد.

المثاليات والواقع

بلاد عدة حول العالم تجد نفسها في معضلة بين ما تفرضه مثاليات القيم الليبرالية الديمقراطية من قوة القانون والمؤسسات لا قوة الرجال، وبين ما تظهره أرض الواقع من ميل شعبي – وفي أقوال أخرى شعبوي - للرجل القوي لا النظام أو المؤسسات أو القيم القوية.

عمرو الشوبكي في مقاله يحذر من الترويج لنموذج الرجل أو الزعيم القوى. لماذا؟ لأنه يرى "أنه ينطوي دائماً على مخاطرة، ففيه الصالح والطالح. هناك من استغل هذه الرغبة الشعبية في البحث عن الرجل القوي في مواجهة الفوضى وسوء الأداء وأسس لتجارب فشل دفع ثمنها شعبه، وهناك من أسس لتجارب نجاح اقتصادي وسياسي كانت البلاد في حاجة لها".

ويظل مكمن الخطورة في أن "الرجل القوي" لا يأتي بشهادة ضمان تضمن تجنب الفشل وتفادي الديكتاتورية والانصراف عن الاستبداد.

في محاولة لفك لوغاريتم ميل كثيرين لـ"الرجل القوي" على رغم المعرفة المسبقة بالآثار الجانبية الخطرة – وربما المميتة - لهذا النموذج، تنطلق دراسة عنوانها "جاذبية الزعماء المستبدين" نشرتها دورية "أخلاقيات العمل" (جورنال أوف بيزنس إثيكس) (2021) من ثلاث أفكار يؤمن بها كثر.

الفكرة الأولى هي أن الرجل القوي يكون قادراً عادة على القيام بمهمة الحفاظ على سلامة مجموعته أو شعبه بصورة أفضل. والثانية هي إن اتباع رجل قوي فكرة منطقية وواقعية بعيدة من أحلام ومثاليات لا وجود لها على أرض الواقع. والثالث هي أن نماذج الرجال الأقوياء غالباً تكون مستعدة للقيام بالأعمال المطلوبة، حتى لو كانت قذرة.

تسمي الدراسة ميل كثيرين – ولو كان غير معلن - بتفضيل زعيم أو قائد يتسم بالجرأة لدرجة القسوة، والقوة ولو تحولت إلى شح في الرحمة بأنها "غريزة"، وهي غريزة تتحول إلى قناعة أو تضعف بفعل عوامل ثقافية وتربوية ودينية واجتماعية وأسرية.

السمات السبع

السمات السبع التي تحددها الدراسة لهذا "الرجل القوي" هي، الاستبداد أو الانفراد بالرأي، والانتهازية، والغطرسة، والسيطرة، والقدرة على التلاعب بالكلمات والأفعال، والغرور، والأنانية، إضافة إلى سمة ثامنة لا تجمع كل الرجال الأقوياء، ألا وهي الصوت العالي.

التفسير الأول لتفضيل البعض للرجل القوي هو أنه يقدم نموذجاً للقائد المثالي، وهذا يتأثر بدرجة كبيرة بالثقافة والتربية والخبرات. وفي رحلة البحث أو اختيار قائد، يختار الناس النموذج الأقرب لما يتواءم وما نشأ عليه، وفي كثير من الأحيان تلعب القوة – باعتبارها صفة بالغة الإيجابية - دوراً رئيساً في تحديد الاختيار.

والتفسير الثاني يرتكز على أسس أخلاقية، وهي نظرية منسوبة لعالم النفس الاجتماعي الأميركي جوناثان هايدت. تقول النظرية إن البشر يقيمون جودة أي شيء، بما في ذلك القيادة، بناءً على معايير فردية تضع الحاجات الفردية في الصدارة، ثم تأتي معايير المجتمع وقياس مقدار الوفاء بحاجاته. لذلك، فإن هذه الأسس أحياناً تدفع الأفراد والمجتمعات لتعد الرجل القوي أكثر جاذبية وكفاءة، بسبب الاستعداد للدفاع عن الأفراد والمجموعة، ولو تطلب ذلك خروجاً على القيم أو المبادئ.

 

 

ويعد التفسير الثالث هو الأقرب إلى الاتجاه المتزايد في السنوات الأخيرة نحو الرجل القوي. كثر باتوا ينظرون إلى ما يجري حولهم وأحوال العالم باعتبارها خطرة للغاية، وتمثل تهديداً لهم ولأسرهم. وقد يدفعهم ذلك لاختيار أو الرضا برجل قوي يحكمهم وينقذهم، على رغم خشونته وتسببه في مشكلات مع دول أخرى أو تعارض تصرفاته مع قيم عظمى. في حالات الاختيار بين السلامة والقيم، يختار كثر الأولى.

تبدو الاختيارات غريبة إلى أن يعرف سببها. حينئذ، يبطل العجب، وربما يتطور إلى رفض ومعارضة. في العام الذي ولد فيه محمود سائق التوك توك، أعدم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الذي يعد أشهر من اكتسب لقب "الرجل القوي". محمود اختار صورة صدام حسين وهو يدخن السيجار ليلصقها على مركبته. لا يعرف محمود كثيراً عن صدام حسين باستثناء إنه "كان رئيس العراق، وأنه كان قوياً، وأنه كان مكروهاً، لكنه لم يكترث، ولم يسع لأن يكون محبوباً لأن القوة أهم من المحبة". محمود ليس متأكداً إن كان صدام حسين على قيد الحياة أم أنه توفي، لكنه متأكد من أنه "رجل قوي" وهو يحب الأقوياء، وجده أخبره أن صدام حسين رجل قوي، وكل ما يقوله جده معلومة مؤكدة.

حب الأقوياء، ولو كانوا طغاة أو مستبدين أو تسببوا في مشكلات مزمنة، ربما له علاقة بالضعف، أو الخوف، أو المعلومات المنقوصة، أو خليط من كل ما سبق. والمسألة عرض وطلب. وما دام الرجل القوي مطلوباً، سيظل النموذج متاحاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات