Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحالفات القبلية تهدد بتمزيق حاضنة "الدعم السريع" بدارفور

ترحيب واسع باتفاق توصيل المساعدات الإنسانية لجنوب كردفان واصطفاف قبلي وعسكري مع ذروة الصراع حول مصير الفاشر

حركات السلام المسلحة تعلن نية الوحدة مستقبلاً في ملتقى البركل (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

 يتنامى الاصطفاف القبلي إلى مزيد من التعقيدات وتوسيع رقعة القتال والمواجهات داخل الإقليم وتفتيت مكوناته الإثنية بما يهيئ الأوضاع للانجراف نحو حرب أهلية.

مع تزايد الاحتقان والتوتر وتعقد الأوضاع العسكرية والإنسانية داخل إقليم دارفور، وعلى وقع التهديدات التي تتعرض لها مدينة الفاشر آخر عواصم إقليم دارفور التي يسيطر عليها الجيش، نشطت عمليات الاستقطاب وحمى التحالفات والتكتلات السياسية والعسكرية، ولا سيما ذات الطابع القبلي، في ظل تزايد المخاوف من أن تؤدي تلك التحالفات وعمليات الاصطفاف القبلي المتنامي إلى مزيد من التعقيدات، وتوسيع رقعة القتال والمواجهات داخل الإقليم، وتفتيت مكوناته الإثنية بما يهيئ الأوضاع للانجراف نحو حرب أهلية.

استقطاب واصطفاف

وتحت وقع الاستقطاب الحاد وسط قبائل دارفور بعد أن أعلنت كثير من قيادات قبائل وسط وشمال وشرق السودان دعمها للجيش في حربه المستعرة مع قوات "الدعم السريع"، إلى جانب زعماء قبائل كبرى في عدد من ولايات غرب السودان، أبرزها قبيلتا "المحاميد" شمال دارفور والحمر في ولاية غرب كردفان، في مقابل إعلان المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية الذي يضم قيادات أهلية من قبائل البني هلبة والترجم والهبانية والفلاتة والمسيرية والتعايشة والرزيقات بولاية جنوب دارفور في وقت سابق دعمه ومساندته لقوات "الدعم السريع".

وكان لافتاً إعلان زعيم قبيلة المحاميد رئيس مجلس الصحوة الثوري في إقليم دارفور الأسبوع الماضي دعمه ومساندته للجيش والوقوف مع الدولة السودانية، وظهر هلال مخاطباً حشداً من المقاتلين ورجالات قبيلة المحاميد، أكبر بطون قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية التي ينحدر منها كذلك ابن عمه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات "الدعم السريع"، ليعلن وقوفه مع الجيش والدولة والوطن ومؤسساته السيادية.

ويعتبر موسى هلال، الأب المؤسس لما عرف بميليشيات الجنجويد التي تكونت من قبائل عربية في دارفور عام 2003، وقاتلت مع الجيش ضد الحركات المسلحة، وتحولت لاحقاً إلى قوات حرس الحرس الحدود، ثم "قوات الدعم السريع" بموجب قانون الدعم السريع عام 2013.

ورداً على موسى هلال أعلن عدد من كبار ذات القبيلة "المحاميد" في مؤتمر صحافي بمدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور تبرؤهم من توجهات هلال وعدم تفويضهم للرجل لمثل ذلك القرار، مشيرين إلى أن القبيلة تمثل أكثر من 75 في المئة من قوات "الدعم السريع"، فكيف تنضم إلى الجيش الذي سيطرت عليه جماعات متشددة تقتل أبناءنا وتمثل بهم.

 

تحالفات الوسط والشمال

وسبق مجلس شورى قبيلة الزغاوة الجميع في دعمه للجيش بسبب الاتهامات بالمجازر العرقية التي ارتكبتها قوات "الدعم السريع" في حق منسوبيها بولاية غرب دارفور.

وحذر تيار داخلي يحمل اسم "تنسيقية قبيلة الرزيقات" ذات الأصول العربية التي تنتمي إليها غالبية قوات وقادة قوات "الدعم السريع" من التشويه الذي تعرضت له صورة القبيلة أمام السودانيين بتحميلها مسؤولية الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها قوات "الدعم السريع"، فضلاً عن الموت بالجملة الذي يتعرض له أبناؤها من الشباب في المعارك.

وعطفاً على تحالفات دارفور أعلنت قيادات أهلية في الولاية الشمالية عن تكوين حلف أهلي أطلق عليه "حلف الكرامة" يضم 17 مكوناً أهلياً بولايات الشمالية وشمال كردفان والخرطوم لدعم ومساندة الجيش في مواجهة ميليشيات "الدعم السريع".

كما قرر اتحاد عموم دار قبائل البديرية بولاية شمال كردفان تأكيد دعمه للجيش في مواجهة ميليشيات "الدعم السريع" دفاعاً عن الأرض والعرض، مناشداً الأجهزة الأمنية القيام بواجبها في بسط الأمن والاستقرار وتأمين الموسم الزراعي بالمنطقة، وتوسيع الرقعة الأمنية لتشمل أرجاء محلية شيكان، ونحن نعينها على ذلك.

اختراق جديد

وعلى صعيد التقارب المفاجئ بين الجيش وحركة تحرير السودان شمالاً في جنوب كردفان غير الموقعة على اتفاق السلام، اتفق عضو مجلس السيادة نائب القائد العام الفريق شمس الدين كباشي مع رئيس الحركة عبدالعزيز الحلو، قبل يومين عاصمة جنوب السودان (جوبا)، على إيصال المساعدات لمناطق الحكومة والحركة في جنوب كردفان بشكل فوري، وتوقيع وثيقة للعمليات الإنسانية خلال أسبوع.

وقال بيان لمجلس السيادة إن اللقاء بحث الأزمة السودانية واتفق على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية في كل من مناطق سيطرة الحكومة والحركة بشكل فوري، ومن المنتظر أن يجتمع الجانبان خلال أسبوع للتوقيع على وثيقة تسهيل العمليات الإنسانية في تلك المناطق، ووجد الاتفاق ترحيباً رسمياً وشعبياً واسعاً ووصف بأنه خطوة جريئة تمثل اختراقاً مهماً في الملف الإنساني ومستقبل العملية السياسية، وبداية لعمل جاد بين الطرفين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار مراقبون إلى أن الاتفاق قابل للتطوير في اتجاه  تحالف أمني وسياسي وعسكري كامل بين الجيش والحركة ينخرط بموجبه "الجيش الشعبي للحركة" في القتال ضد قوات "الدعم السريع"، ولا سيما في منطقة جبال النوبة جنوب كردفان.

وكان الحلو توعد قوات "الدعم السريع" من مغبة استهداف أبناء النوبة، إثر تصاعد الخلافات بينه و"الدعم السريع" واتهامه لها بخوض حرب عرقية ضد أبناء النوبة.

تهديدات ومخاوف

وفي السياق يرى الباحث في الشؤون الأمنية موسى نورالدين أن التحالفات الجديدة تتقاطع فيها السياسة والقبيلة والتكتيكات العسكرية، وتشكل إفرازاً  مباشراً للتهديدات الجدية والموقف المصيري الذي تتعرض له مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، ويهدد سقوطها بوقوع كل الإقليم في قبضة "الدعم السريع"، مما يقضي على كثير من آمال قبائل الإقليم ذات الأصول الأفريقية وانحسار نفوذها هناك.

ووصف نور الدين التحالفات القبلية العسكرية والسياسية الوليدة بأنها تهدف بشكل رئيس إلى إضعاف وخلخلة صفوف مقاتلي "الدعم السريع" باختراق وتقسيم الولاءات القبلية والجغرافية لتلك القوات، ضمن محاولات تفكيكها من الداخل عبر التأثير في مواقف القادة القبليين بصورة تؤثر في  الروح المعنوية والوضع العسكري، وتؤثر مباشرة في مجرى العمليات الميدانية.

ويرجح الباحث أن يحقق دعم رئيس مجلس الصحوة الثوري وزعيم المحاميد، وتحالفه مع الجيش مكاسب كبيرة له على الأرض، إذ يتيح له التمدد تلقائياً في مساحات ومناطق جغرافية في عمق حاضنة قوات "الدعم السريع" الاجتماعية والجغرافية، فضلاً عن سهولة الإمداد البشري واللوجيستي في مقابل قطع الطريق أمام أي تمدد جديد لقوات الدعم السريع في شمال دارفور.

 

ولفت النظر إلى أنه على رغم استباق قيادة "الدعم السريع" للجيش في عمليات التحشيد القبلي وتوسعه إنشاء تحالفات عشائرية وفرت له رصيداً بشرياً من المقاتلين من طريق التجنيد القبلي والجغرافي بواسطة عدد من القادة والزعماء القبليين هناك، لكن مع تحالف "مجلس الصحوة" بدأت عمليات انسلاخ المقاتلين التابعين له من "الدعم السريع"، مما يهدد كل مكاسبه السابقة فضلاً عن الميزات الميدانية الجغرافية التي يحققها ذلك.

وعلى الصعيد ذاته أعلنت 10 من الحركات المسلحة المشاركة في ملتقى جبل البركل نهاية الأسبوع الماضي، وعلى رأسها حركتا "تحرير السودان" (مني أركو مناوي) و"العدل والمساواة" (جبريل إبراهيم)، على تعزيز العمل المشترك، بينها وصولاً إلى توحدها مستقبلاً وبناء عقد اجتماعي بين مكونات دارفور لتحقيق التعايش السلمي.

وأكد إعلان البركل الصادر عن الملتقى الالتزام بوقوف الحركات إلى جانب الجيش كمؤسسة وطنية وبقية مؤسسات الدولة الشرعية، لمنع انهيار الدولة السودانية عبر العمل المدني والعسكري، والتواصل مع الفعاليات السياسية والاجتماعية والأهلية والمقاومة الشعبية بغرض التعبئة العامة من أجل استعادة المدن التي تقع تحت سيطرة ميليشيات "الدعم السريع"، وإعادة إدخالها في النظام الإداري للدولة.

حمى التحالفات

وعلى الصعيد ذاته حذر المتخصص في فض النزاعات بشير الأمين حران من مخاوف جدية من أن تنعكس حمى التحالفات القبلية على خلخلة النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وتكريس الجهوية ليس فقط  من قبائل متباينة، ولكن داخل القبيلة الواحدة هناك بعض القبائل الكبيرة عانت انقسامات في الولاء بين الطرفين، مثل قبيلة المسيرية التي تعتبر المكون الثاني بعد قبيلة الرزيقات في قوات الدعم السريع، منوهاً إلى أن ذلك ربما يصبح شرارة لاحتكاكات جديدة تهدد بتصدعات وإشعال صدامات ومواجهات داخل القبيلة الواحدة.

وأشار حران إلى النشاط الكبير الذي تقوم به الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش في استقطاب منسوبي القبائل في إطار حملة الاستنفار والمقاومة الشعبية، وقد نجحت بالفعل في كسب تحالفات وولاء قادة سياسيين وزعماء حركات وعشائر ورجال إدارة أهلية في  دارفور، أمثال كبر ومنى مناوى وجبريل إبراهيم وموسى هلال زعيم  قبيلة المحاميد ابن عم (حميدتي) وغريمه وقائد مجلس الصحوة الثوري.

وشدد حران على تهديدات من أن يؤدي تمادي الطرفين المتحاربين في خلق تحالفات عسكرية ذات طابع قبلي مع قادة أهليين في دارفور إلى تعبئة القبائل ضد بعضها بعضاً، إذ إن معظم القبائل التي تدعم الجيش إما لها سابق ثأر مع "الدعم السريع" أو مدفوعة بمخاوفها من سيطرة الميليشيات العربية في مواجهة قبائل "الزرقة" ذات الأصول الأفريقية.

 

المقاومة الشعبية

بدوره أوضح الأمين العام للمقاومة الشعبية هشام نورين أنه من المتوقع أن تسهم التحالفات بين الأطراف الوطنية في دحر الميليشيات وتحرير إقليم دارفور، بوصفه عملاً يرجى فيه اشتراك الجميع بما في ذلك الحركات غير الموقعة على "اتفاق جوبا" لسلام السودان.

وأوضح نورين أن المقاومة الشعبية تعكف على تصور عملي يضمن مشاركة الجميع، وفق رؤية إستراتيجية تتضمن تعزيز الثقة  بين كل الأطراف في لجم وكبح الميليشيات، ليس فقط في تحرير وحماية دارفور بل في كل البلاد، مشيراً إلى أن موقف القوات في دارفور والمقاومة الشعبية  يبدو أقوى ويتوقع معه بدء تشتت وانهيار قوات الميليشيات المتمردة.

وفي الأثناء تحاصر حشود عسكرية متزايدة مدينة الفاشر عاصمة الإقليم وشمال دارفور التاريخية ومركز سلاطين الفور التي تبعد نحو 800 كيلومتر من الخرطوم.

ومن داخل المدينة وصف الجنرال نمر محمد عبدالرحمن، والي الولاية السابق، الأوضاع في الفاشر بأنها غاية في التأزم، ومن المتوقع  نشوب القتال بين الجيش و"الدعم السريع" والأطراف الموالية لكل منهم في أية لحظة، وكل المؤشرات تشير الي قرب وقوع المعركة في المدنية.

وأعرب عبدالرحمن عن أسفه لتوقف كل الجهود الأهلية والمجتمعية بسبب خروج بعض الحركات من موقف الحياد، فيما لم تعد لجنة الوساطة المجتمعية قادرة على التحرك.

ومنذ أعلنت القوة المشتركة للحركات المسلحة الموقعة على السلام التخلي عن الحياد والانحياز إلى الجيش في الـ 16 من نوفمبر (تشرين الثاني)  2023 تصاعدت المواجهات بشكل كبير بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر، تسعى من خلاله الأخيرة إلى السيطرة على عاصمة الإقليم وفرض هيمنتها عليه كله.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير