Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تدفع الضغوط الغربية قطر لطرد "حماس"؟

الأردن وتركيا وعمان وجهات بديلة للمكتب السياسي للحركة ومراقبون: الموافقة الأميركية شرط لاستضافتها

إسماعيل هنية في الدوحة أثناء تلقيه العزاء في مقتل ثلاثة من أبنائه (رويترز)

ملخص

تزامناً مع جولات التفاوض بوساطة قطرية - مصرية – أميركية، والتي لم تسفر عن تهدئة أو إطلاق الرهائن الإسرائيليين، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول مطلع على تقييم تجريه الحكومة القطرية قوله إن الدوحة قد تغلق المكتب السياسي للحركة، كجزء من مراجعتها لدورها كوسيط في الحرب بين إسرائيل والحركة الفلسطينية

تثبت وقائع الحرب في غزة يوماً بعد يوم أن واقع حركة "حماس" لن يكون كما كان قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإلى جانب الضربات الإسرائيلية المكثفة التي أثرت في قدرات الحركة العسكرية فوق وتحت أراضي القطاع، تحيط الشكوك بمدى إمكانية استمرار عمل القيادة السياسية للحركة من المكتب السياسي الذي تحتضنه العاصمة القطرية الدوحة منذ عام 2012، بعد ورود عديد من التقارير الإعلامية الغربية التي تحدثت عن مراجعة قطر لاستضافة قادة الحركة على رغم النفي المتكرر لذلك من جانب قياديين في "حماس".

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، شن مسؤولون إسرائيليون حملة انتقادات واسعة ضد قطر واتهموها بدعم "حماس" التي قادت الهجمات التي أودت بحياة نحو 1200 إسرائيلي وخطف 240 آخرين، فوزير المالية بتسلئيل سموتريتش وصف الدوحة بأنها "عرابة حماس" وحملها مسؤولية "المجازر" التي ارتكبتها الحركة في حق الإسرائيليين، وفق تدوينة على موقع "إكس".

كذلك نقل الإعلام الإسرائيلي عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله لأسر المحتجزين إنه يدرك أن قطر قادرة على الضغط على "حماس" لأنها تمولها، كما لم تشكر إسرائيل قطر علناً على دورها في التوصل إلى الهدنة التي كانت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على رغم أنها كانت أحد الوسطاء إلى جانب مصر والولايات المتحدة، كما انتقد أعضاء في الكونغرس الأميركي استضافة قطر المكتب السياسي لـ"حماس"، ومنهم الديمقراطي ستيني هوير الذي طالب قطر بقطع تمويل الحركة وطرد قادتها، مطالباً حكومته بمراجعة علاقاتها مع الدوحة إن لم تقم بذلك.

الرد القطري بدأ مبكراً، فبعد ثلاثة أسابيع على شن الحرب في غزة، نشر سفير قطر لدى الولايات المتحدة الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني مقالاً بصحيفة "وول ستريت جورنال"، أكد فيه أن فتح مكتب سياسي للحركة في الدوحة تم بطلب من واشنطن، نافياً رعاية أو تمويل الحركة. وأشار إلى أن وجود المكتب السياسي للحركة في الدوحة يمثل قناة مهمة للتواصل، ولا ينبغي الخلط بين استضافة المكتب وتأييد الدوحة الحركة الفلسطينية.

وكررت الدوحة هذه الرسالة مراراً على لسان مسؤوليها، ومنهم المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري الذي صرح في فبراير (شباط) الماضي بأن اتهام بلاده بتمويل "حماس" هي "اتهامات فارغة"، مؤكداً أن المساعدات للأسر الفلسطينية في قطاع غزة كانت تصل مباشرة إلى العائلات، بعلم وتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر.

استضافة مشروطة

لكن تحويل الضغوط والاتهامات الغربية إلى فعل بدا أنه أقرب إلى التحقق في الأسابيع الأخيرة، بخاصة بعد تصريحات رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الشهر الماضي، حول أن الدوحة ستعمل على تقييم وساطتها بين "حماس" وإسرائيل، بسبب "إساءة استخدام هذه الوساطة وتوظيفها لمصالح سياسية ضيقة"، وتبعت ذلك تقارير إعلامية غربية عن تفكير الدوحة في طرد المكتب السياسي للحركة من أراضيها.

وعلى رغم عدم تأكيد الدوحة تلك التقارير، فإنها رهنت استمرار المكتب السياسي لـ"حماس" بمدى فائدته لجهود الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك خلال مؤتمر صحافي للمتحدث باسم الخارجية القطرية، وهو موقف لم يكن معتاداً من الدوحة.

وتزامناً مع جولات التفاوض بوساطة قطرية - مصرية – أميركية، والتي لم تسفر عن تهدئة أو إطلاق الرهائن الإسرائيليين، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول مطلع على تقييم تجريه الحكومة القطرية قوله إن الدوحة قد تغلق المكتب السياسي للحركة، كجزء من مراجعتها لدورها كوسيط في الحرب بين إسرائيل والحركة الفلسطينية، وأشار إلى أن مراجعة قطر دورها سيتأثر بكيفية تصرف إسرائيل و"حماس" خلال المفاوضات.

طلب أميركي

كما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مسؤول أميركي أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن طلب من رئيس وزراء قطر طرد قادة "حماس"، إذا استمرت الحركة في رفض مقترحات صفقة الرهائن، وأشارت إلى استعداد الدوحة القيام بذلك، وهو ما يتشابه مع مضمون تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في وقت سابق.

في المقابل، نفى عضو المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبو مرزوق في تصريحات سابقة لـ"اندبندنت عربية" وجود أي طلب قطري من المكتب السياسي للحركة بمغادرة الدوحة، مضيفاً أن "ظن إسرائيل بأن تغيير واقع الحركة في دولة قطر سيؤثر في قرارها بالمفاوضات مجرد وهم، فهي مسألة لا تشكل ضغطاً علينا".

ويعد الكاتب المصري المتخصص في الشأن الخليجي أسامة عجاج أن نقل مكتب "حماس" من الدوحة ما زال في إطار التكهنات، مضيفاً أن ذلك ضمن الضغوط التي تحاول إسرائيل ممارستها على قطر بدعم غربي، في ظل رغبة بنيامين نتنياهو في تصدير أزماته السياسية ورغبته في عدم إتمام صفقة التبادل إلى الداخل القطري، ودعوته إلى ممارسة ضغوط قطرية على الحركة للقبول بشروطه.

وأشار عجاج إلى تحريك تل أبيب عدداً من نواب الكونغرس للهجوم على الدوحة ومطالبتهم بإعادة النظر في علاقات بلادهم معها، بينما الجانب القطري حاول تخفيف الضغوط عليه عبر التصريحات التي خرجت على لسان رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبدالرحمن بأن بلاده ستعيد النظر في دورها بالمفاوضات في صفقة التبادل.

دور قطر

أضاف عجاج أن استمرار "حماس" في الدوحة أو نقل مكتبها لن يكون خصماً من القدرات الدبلوماسية للدوحة، فهناك حاجة إليها في المرحلة المقبلة ما بعد نهاية الإعمار واستثمار خبراتها في هذا المجال. وذكر أن دور قطر في الملف الفلسطيني كان بدعم دولي وإقليمي.

وكان دخول الدوحة على خط القضية الفلسطينية، للمرة الأولى عام 2006، بعد فوز "حماس" الساحق في الانتخابات البرلمانية، وبموافقة وتنسيق مع أطراف دولية، بخاصة واشنطن وعدم ممانعة إسرائيلية، وتطور وجود الحركة حتى انتقل مكتبها السياسي بالكامل إلى الدوحة بعد الأزمة السورية في مارس (آذار) 2011، وقد شهدت الأعوام الـ13 السابقة تنسيقاً بين الأطراف الثلاثة (قطر وإسرائيل وأميركا)، ضمن وجود قطر في غزة من خلال مشروع إعادة الإعمار في عام 2014 والدعم القطري المالي الذي كان يقدم لصرف مرتبات الموظفين عبر تل أبيب.

وبحسب تقديرات لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فقد حولت قطر 1.1 مليار دولار إلى "حماس" بموافقة إسرائيل بين عامي 2012 و2018، وكشف تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أيام، النقاب عن وثيقة تعود إلى عام 2018، توضح أن نتنياهو طلب من قطر مواصلة تمويل "حماس"، وسبقه تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي شجع، لسنوات، الدعم القطري المالي لغزة و"حماس"، لكن مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية يعتقدون الآن أن الأموال كان لها دور في نجاح هجمات السابع من أكتوبر، لأن التبرعات سمحت للحركة بتحويل بعض موازنتها الخاصة نحو العمليات العسكرية، وفق الصحيفة الأميركية.

بدوره، استبعد المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله خروج قيادات حركة "حماس" من قطر قبل الإفراج عن آخر أسير إسرائيلي بحوزة فصائل المقاومة الفلسطينية. ورأى أن المزاعم المتداولة عن خروج "حماس" من قطر، قد تفهم لأمرين، الأول نوع من الضغط الأميركي على قطر لإجبار "حماس" على ترك الأسرى وإنهاء الحرب مع إسرائيل، أو اعتبار الأمر جزءاً من الضغط القطري على إسرائيل لأنه عند خروج "حماس" من بلادها ستنتهي طاولة المفاوضات بين الطرفين ويظل ملف الأسرى عالقاً. وأضاف عطا الله أن قطر نجحت خلال نوفمبر الماضي في إطلاق عدد من الرهائن الإسرائيليين ضمن خطة الهدنة التي أبرمت بالتنسيق مع واشنطن وتل أبيب، وأكد أن وجود مكتب "حماس" في قطر ضروري ولا يمكن التفريط فيه لإنهاء أزمة الأسرى.

ومع احتمال خروج المكتب السياسي لـ"حماس" من قطر، ثارت التكهنات حول وجهته التالية، إذ استبعد عجاج العودة إلى دمشق أو الانتقال إلى بيروت، لاعتبارات تخص أمن قادة "حماس"، معتبراً أن الحركة ليس أمامها سوى تركيا أو الجزائر، لكنه يعتقد أن هناك صعوبة لدى واشنطن في الاعتماد عليهما لخلق قناة اتصال لاعتبارات تتعلق بمواقفهما من القضية الفلسطينية.

تركيا وجهة بديلة

واعتبار تركيا البديل الآمن لقيادات "حماس" دعمته الزيارة التي قام بها رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إلى أنقرة، في أبريل (نيسان) الماضي، إذ استقبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي كانت أول زيارة منذ اندلاع الحرب، وتمت خلالها مناقشة تطورات الصراع مع إسرائيل.

لكن المحلل السياسي التركي طه عودة اعتبر أن تخوفات تركيا من الضغوط الإسرائيلية الأميركية سيجعلها تفكر ملياً قبل الإقدام على خطوة استضافة مكاتب "حماس" على أراضيها، فهي لا ترغب في نسف علاقاتها مع واشنطن في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة بالمنطقة، وقال عودة إن أنقرة تحاول قدر الإمكان لعب دور الوسيط بإيعاز من واشنطن، مشيراً إلى حراك تركي قوي يظهر في تصريحات الرئيس التركي، لكن الدور التركي ليس فعالاً بقدر الدور المصري القوي لاتصال القاهرة بجميع الأطراف المعنية، واصفاً الدور التركي بأنه "مكمل للدور المصري" استناداً لعلاقات "حماس" بأردوغان، ولفت إلى أن تركيا تسعى إلى إعادة العلاقات مع الأطراف كافة بسبب مشروع غاز شرق المتوسط، مشيراً إلى توتر العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل.

سلطنة عمان كانت من بين الدول التي طرحت كمقر بديل لقيادات "حماس"، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وقالت مصادر عربية للصحيفة إن قيادة الحركة اتصلت في الأيام الأخيرة مع دولتين اثنتين في الأقل في المنطقة، إحداهما سلطنة عمان، في شأن ما إذا كانتا منفتحتين على فكرة انتقال قادتها السياسيين إلى أي منهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العودة للأردن

وبرزت العاصمة الأردنية عمان كوجهة لقادة "حماس"، بعد تصريح لموسى أبو مرزوق، الشهر الماضي، أن الأردن سيكون الوجهة المقبلة للمكتب السياسي للحركة في حال غادرت قطر.

وكانت عمان العاصمة الأولى التي استضافت المكتب السياسي للحركة في تسعينيات القرن الماضي، وهناك تمت محاولة اغتيال رئيس المكتب السابق خالد مشعل عام 1997، لكن العملية فشلت وسلمت إسرائيل الترياق للأردن لعلاج مشعل من السم.

ورأى رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات أن تناول مسألة انتقال قيادات الحركة من قطر، في الوقت الحالي، ضمن سياسة تهديدات تقودها واشنطن للضغط عليها للتنازل عن شروطها وتخفيف حدة مطالبها خلال التفاوض مع إسرائيل، وقال إن الولايات المتحدة تعد "حماس" "حركة إرهابية"، لكنها مضطرة إلى التعامل معها، فالمشهد في غزة الآن بين إسرائيل والحركة التي تتحكم واقعياً في مصير القطاع، لذا فهي مضطرة إلى التفاوض معها، وأضاف أن واشنطن لديها استراتيجية واضحة تتلخص في ترك نافذة للتفاوض مع "الأعداء" أو إيجاد وسيط ينقل رسائلها (قطر) إلى "حماس"، ضارباً المثل بمكاتب "طالبان" في الدوحة ومكاتب "حماس" في الأردن حتى عام 1999.

ولا يستبعد المتخصص في مجال العلوم السياسية مسألة انتقال "حماس" ونقل مكاتبها من قطر إلى عمان أو الأردن على سبيل المثال، مضيفاً أن أي دولة عربية لا تستطيع السماح انتقال الحركة أو استقبالها إلا بموافقة أميركية لأنها تتحكم بالملف الأمني في الإقليم ككل وتقرر ما هو مناسب.

التفريط في النفوذ

وأضاف أنه بعد انتهاء الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 هناك مفاوضات في شأن إقامة الدولة الفلسطينية وشروطها ومتطلباتها، لذلك واشنطن تقيم إلى أي مدى تستفيد من بقاء "حماس" في قطر أم الأفضل نقلها إلى دولة أخرى، ورأى أن خروج الحركة إلى الدول التي تدخل تحت لواء ما يسمى "محور الممانعة" مثل إيران أو اليمن، تكون بذلك الولايات المتحدة فرطت في ورقة مهمة وفقدت نفوذها على "حماس". وأشار إلى أن الولايات المتحدة لن تفرط في نفوذها على الحركة بسهولة، لافتاً إلى أن الدوحة حالة مثالية لواشنطن بتوفر المال والنفوذ الإعلامي إضافة إلى استضافتها "حماس" و"طالبان" وأكبر القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط على أراضيها "وهو جوهر الفكرة والنفوذ الأكبر على قطر من واشنطن".

أما عن "حماس"، فتستفيد ببث رسائلها من خلال قطر وقناة "الجزيرة" التي تتمتع بمتابعة من الشارع العربي أجمع، إضافة إلى أهمية قطر في خطة إعادة إعمار غزة عقب انتهاء الحرب "الأموال القطرية لا غنى عنها" بعد الدمار الذي شهده القطاع وقدرته الأمم المتحدة بـ40 مليار دولار. ولفت إلى أن استمرار الحركة في قطر يعتمد على نجاح صفقة وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين، إضافة لسعي واشنطن إلى منع إسرائيل من اجتياح رفح ما يعني مشاهد دموية، ويؤثر في فرص نجاح بايدن في السباق الانتخابي المقبل تزامناً مع احتجاجات طلاب الجامعات الأميركية واشتعال الشارع قبيل انتخابات الرئاسية.

وتأسست الحركة تزامناً مع الانتفاضة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 1987، وبدأ جناحها العسكري حينذاك "المجاهدون الفلسطينيون" بقيادة الشيخ صلاح شحادة عملياته العسكرية ضد إسرائيل في 1989، وبعد عام شكلت رسمياً جناحها العسكري "كتائب عز الدين القسام" في مايو (أيار) عام 1990.

وفي مطلع التسعينيات من القرن الماضي، أسست مكتبها السياسي الذي استضافته العاصمة الأردنية حتى عام 1999، إذ أغلقته حكومة عمان بسبب ما سمته ممارسات غير قانونية، فانتقل قادة "حماس" إلى دمشق، لكن مع اشتعال أحداث الثورة السورية عام 2011 توترت علاقة الحركة مع نظام الرئيس بشار الأسد، حين قررت الحركة دعم المقاومة وقطع العلاقات مع نظام الأسد، فأغلق الأخير مكاتبها في دمشق لتتوجه الحركة إلى قطر التي تستضيف مكتبها السياسي منذ عام 2012.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير