Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التوجيه السياسي لرأس المال دفع الاستثمار إلى التراجع

انسياب التدفقات عبر الحدود في انخفاض على المستوى العالمي والدول النامية أكثر معاناة

تراجع الإقراض المصرفي العالمي للدول التي صوتت مع روسيا في الأمم المتحدة بنسبة 20 في المئة (أ ف ب)

ملخص

ربما يكون الاستثمار الأجنبي المباشر هو الأكثر تضرراً من بين أشكال انسياب رؤوس الأموال عبر الحدود في السنوات الأخيرة

تركز التعليقات والتحليلات التي تتناول تأثير الاضطرابات والتوترات الجيوسياسية حول العالم، من الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في الولايات المتحدة والصين إلى حرب أوكرانيا وحرب غزة، في الأضرار على التجارة العالمية والعولمة الاقتصادية عموماً، هذا بالطبع فضلاً عن الخسائر الاقتصادية المباشرة نتيجة الحروب والتدمير، إلا أن هناك جانباً مهماً لا تلقى عليه الأضواء وهو حركة رؤوس الأموال بصورة حرة عبر الحدود ما بين دول ومناطق العالم.

منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009 تراجع انسياب رؤوس الأموال عالمياً، لكنه لم يتعاف منذ ذلك الحين، وزاد من وتيرة تراجع الاستثمارات العابرة للحدود بصورة عامة زيادة التوترات الجيوسياسية، خصوصاً منذ عام 2018، كما يشير تحليل موسع لمجلة الـ"إيكونوميست" في عددها الأخير.

ينطبق ذلك على مراكز الاستثمار للأفراد والمؤسسات والإقراض المصرفي من البنوك والاستثمار الأجنبي المباشر من الشركات.

ويشير تحليل المجلة إلى أن حديث المسؤولين الأميركيين الذي يحاول التقليل من تأثير إجراءاتهم تجاه الصين في حركة رؤوس الأموال ليس منطقياً، أما تبرير تلك الإجراءات بأنها لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي وأنها "تستهدف قطاعات معينة" لا يجعل منها عاملاً أساسياً في عرقلة انسياب رؤوس الأموال ومصدراً لاضطراب السوق الحر حول العالم.

الاستثمار الأجنبي المباشر

إلى ذلك، ربما يكون الاستثمار الأجنبي المباشر هو الأكثر تضرراً من بين أشكال انسياب رؤوس الأموال عبر الحدود في السنوات الأخيرة، إذ يشهد الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعاً مضطرداً حول العالم، ليس هذا فحسب، بل إن وجهته تتغير ليس طبقاً لقواعد السوق وأساساته ومتطلباته، وإنما لاعتبارات جيوسياسية، إذ أصبحت السياسة تحكم توجه رأس المال، بالضبط كما يتضح بشدة من قيود الولايات المتحدة على الاستثمارات في الصين.

ومع أن الدول التي ليست لها انحيازات سياسية في الصراعات الجيوسياسية المختلفة قد تستفيد من توجيه السياسة لرأس المال، إلا أن ذلك لا ينطبق تماماً على الدول النامية المنخفضة الدخل، ربما يكون أيضاً الحد من تدفقات رؤوس الأموال بقوة عاملاً مهماً في تقليل أخطار انسياب رأس المال العابر للحدود.

 إلا أن زيادة حدة التباعد بين الكتل الجيوسياسية في السنوات الأخيرة سيؤدي إلى جعل العالم أكثر فقراً من المعتاد، كما خلص تحليل الـ"إيكونوميست".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلاحظ أن التراجع الكبير في الاستثمار الأجنبي المباشر بدا واضحاً مع زيادة حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترمب.

وبحسب دراسة للاقتصاديين في صندوق النقد الدولي العام الماضي فإن الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي انخفض من نسبة 3.3 في المئة إلى نسبة 1.3 في المئة في الفترة من 2018 إلى 2022.

وبعد بداية الحرب في أوكرانيا مطلع عام 2022 تراجع الإقراض المصرفي العالمي للدول التي صوتت مع روسيا في الأمم المتحدة بنسبة 20 في المئة، بينما هوى إقبال المستثمرين أفراداً ومؤسسات على ديون تلك الدول بنسبة 60 في المئة.

المواقف السياسية

وفي تحليل لنحو 300 ألف عملية استثمار في الفترة ما بين 2003 و2022، وجد اقتصاديو صندوق النقد الدولي انخفاضاً سريعاً في انسياب الأموال إلى الصين عقب تصاعد الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة في 2018.

ومنذ ذلك العام حتى سنة 2022 انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين في القطاعات التي اعتبرت "استراتيجية" بنسبة 50 في المئة، وفي تلك الفترة انخفض أيضاً الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أوروبا وبقية دول آسيا. أما الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الولايات المتحدة فلم يشهد أي انخفاض، وإن لم يشهد زيادة أيضاً.

وفي الدراسة نفسها، قارن الاقتصاديون بين انسياب الاستثمار الأجنبي المباشر في الفترة من 2015 إلى 2020 والفترة من 2020 إلى نهاية 2022، كانت النتيجة انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً بنسبة 20 في المئة، مع تباين معدلات الانخفاض بين الدول والمناطق المختلفة حول العالم.

ولدى مقارنة التغير في اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر وأنماط التصويت في الأمم المتحدة على قضايا تتعلق بالتوترات الجيوسياسية في العالم، وخلصت الدراسة إلى زيادة انسياب الاستثمار الأجنبي المباشر بين الدول ذات المواقف السياسية المتشابهة وأن التقارب الجيوسياسي يتقدم كثيراً على القرب الجغرافي والعوامل الأخرى.

والمفترض، بحسب قواعد السوق الحرة، أنه كلما كانت القيود أقل على انسياب رؤوس الأموال كانت كلفة الاستثمار والإقراض عبر الحدود أقل، وهدف حرية انسياب رؤوس الأموال هو الإسهام في تراكم الثروات وتحسين الوضع الاقتصادي العالمي بصورة عامة.

ومنذ نهاية القرن الماضي تطورت العولمة المالية بصورة واضحة، فقد ارتفع نصيب تلك التعاملات العابرة للحدود من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من نسبة 115 في المئة عام 1990 إلى نسبة 374 في المئة عام 2022، إلا أن حساب الفوائد على الاقتصاد العالمي واقتصادات الدول والكتل يصعب تقديرها وما إذا كانت تتناسب مع تلك الزيادة في انسياب رؤوس الأموال أم لا.

انقساماً جيوسياسياً

ومنذ نهاية العقد الماضي أصبح واضحاً أن هناك انقساماً جيوسياسياً واضحاً، في القلب منه أميركا بأكبر اقتصاد في العالم والصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم. ومع أن هناك بعض الدول الصاعدة تحاول أن تقف في وضع حياد بينهما، لتستفيد من انسياب الاستثمارات من كليهما، إلا أن معظم الدول تضطر إلى اتخاذ مواقف منحازة لهذه الكتلة أو تلك ما يحرمها من الاستثمارات من الكتلة الأخرى.

وتواجه الدول النامية المنخفضة الدخل مشكلة أكبر في هذا الوضع، حتى لو تمكنت من الحياد في القضايا الجيوسياسية، إذ إن تلك الدول تعاني أصلاً من تراجع معدلات الادخار التي تمكنها من مواصلة خطط التنمية من دون الاعتماد على انسياب رؤوس الأموال من الخارج، سواء في صورة اقتراض أو استثمار أجنبي مباشر.

ومع الانخفاض الواضح والمستمر في معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر تزيد مشكلات تلك الدول النامية، خصوصاً أن الاستثمار الأجنبي المباشر لا يعني فحسب توفير التمويل لمشروعات تنموية، إنما يسهم أيضاً في توطين الخبرات عبر عمل الشركات الأجنبية المستثمرة في هذا البلد أو ذاك.