Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مونوبوز" مسرحية المرأة العصرية الهاربة إلى نفسها

بيتّي توتل تعالج أمور الحياة العائلية الضاغطة والعلاقة الزوجية

بيتي توتل وجاك مخباط في مسرحية "مونو بوز" (خدمة الفرقة)

ملخص

تعالج مسرحية "مونو بوز" للكاتبة والمخرجة بيتي توتل، هموم الحياة اليومية التي تعيشها المرأة بصفتها زوجة وأماً وعاملة في الوقت نفسه. وتؤدي توتل دور المرأة الهاربة إلى نوع من العزلة، محاولة استعادة انفاسها والتفكير في ظروفها.

تعود الكاتبة والمخرجة والممثّلة اللبنانيّة بتّي توتل إلى خشبة المسرح بعمل جديد عنوانه "مونو بوز" أو « Mono pause » في لعب واضح وذكيّ على الكلام. فبعد مسرحيّات تتناول قضايا اجتماعيّة تركّز على شؤون المرأة والعائلة والهجرة والوضع اللبنانيّ الداخليّ مثل "باسبور رقم 10452" و"الأربعا بنصّ الجمعة" و"آخر بيت بالجمّيزة" و"فريزر"، تقدّم بتّي توتل عرضاً جديداً يشاركها في تأديته الممثّل والطبيب جاك مخباط.

سنّ اليأس... سنّ الرجاء

من المتعارف عليه أنّ سنّ اليأس لدى المرأة هو المرحلة العمريّة التي تصاب فيها بنوبات حرّ وتقلّب مزاجيّ ومشاكل في النوم وتعب شديد واكتئاب وقلق. ويبدو أنّ عبارة سنّ اليأس لم تعد محبّذة كثيراً اجتماعيّاً ونفسيّاً، فهي بذاتها تصيب المرأة بالإحباط لتقدّمها في العمر، فجاء من اعتمدوا تسمية هذه المرحلة بسنّ الرجاء بدلاً من سنّ اليأس. أمّا بالفرنسيّة فالكلمة المناسبة لهذه الحالة الجسديّة البيولوجيّة الطبيعيّة هي كلمة « ménopause ».

تختار بتّي توتل أن تعتمد هذه الكلمة مينوبوز عنواناً لمسرحيّتها إنّما بتعديل حرف واحد ليصبح العنوان "مونو بوز" في لفتة إلى هذه السنّ، إنّما أيضاً إلى حالة المرأة التي ترغب في الرحيل عن كلّ شيء والاختفاء لتستعيد ذاتها. فمونو تعني فرداً واحداً مفرداً أو كياناً واحداً وحيداً يتفرّد بالكلام والحركة والوجود، أمّا "بوز" فهي تعني فترة راحة واستراحة وابتعاد عن الضغط والعمل. من هنا، يصبح العنوان انعكاساً متلائماً تمام التلاؤم مع مضمون العمل الذي يدور حول امرأة في أربعينيّاتها، تقرّر أخذ استراحة من عملها وعائلتها وضغوط حياتها لتنعزل في  قرية بحمدون، بعيداً عن كلّ ما يثير قلقها وإحباطها وتعبها. تبتعد بتّي توتل عن المدينة بصخبها وتختفي من دون علم أو خبر، في محاولة منها للتركيز على نفسها والهرب من كلّ ما يشكّل مصدر توتّر لديها. تختفي المرأة عند بتّي توتل وكأنّها تمتحن عائلتها ومجتمعها، وكأنّها تحاول أن تستعيد ذاتها ووجودها باختفائها.

تهرب المرأة كذلك لدى بتّي توتل من الوطن وانهياراته الكثيرة، تهرب من الوضع الاقتصاديّ المتردّي والوضع السياسيّ الفاسد والوضع الاجتماعيّ المتوتّر. فهل من ملاذ؟ ومن الجدير ذكره أنّ حالة المرأة التي تنقلها بتّي توتل لا تتوقّف على المرأة التي بلغت سنّ اليأس/ الرجاء فقط، بل هي حالة كلّ امرأة عاملة هي في الوقت نفسه، زوجة وأمّ وامرأة مستقلّة حقّقت ذاتها. فهذه المرأة دائماً ما تحتاج إلى دقيقة لنفسها، لحظة ابتعاد واختفاء تلتقط فيها أنفاسها وتستعيد قوّتها لتعود إلى حلبة الصراع والمقاومة والقيام بشؤون عائلتها، وهي أنثى أقوى وأجمل.

تهرب بتّي توتل إلى بيت صديقتها مها في قرية بحمدون، لكنّها لا تتوقّع أن يكتشفها "أبو خالد" صاحب المطعم الوحيد في المنطقة، رجل ظروفه تعاكس ظروفها. فبينما تهرب هي من زوجها وولديها وطلباتهم التي لا ترحم ولا تتوقّف، ولا تأخذ حاجاتها بعين الاعتبار، يعيش "أبو خالد" وحيداً بعد أن تركته زوجته ورحل عنه خالد ابنه الوحيد. فهل يكون الاختفاء سبيلاً إلى التواجد؟

الحرّيّة المكبّلة

تتوقّف بتّي توتل عند موضوعات شائكة وشيّقة في عرضها الذي تشبّعه برمزيّات متماسكة. لكنّ أكثر ما يلفت الجمهور هو قدرتها التمثيليّة فهي تجسّد بثقة وأريحيّة دور المرأة الغاضبة تارة والحزينة تارة أخرى، تجسّد المرأة التي تبحث عن نفسها تارةً، والمرأة التي تقرّر أن تعاقب عائلتها بكلّ صرامة وحزم تارة أخرى. تجسّد بتّي توتل تقلّبات المرأة المزاجيّة، وتتمكّن بنجاح من نقل حدّة الهبّات الساخنة التي تصيبها بحيث تكرّر في مواضع كثيرة "مي، مي، صرت مي... فياضانات مي". ويمكن الحديث كذلك عن أداء جاك مخباط الطبيعي ، بحركة جسده الممسوكة وتعابير وجهه المرافقة للحوار بذكاء وقدرة على الإضحاك مع المحافظة على رباطة جأشه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك ساهم ديكور المنزل الداخليّ في منح الممثّلين المساحة الحميمة الضروريّة ليفضيا بمكنونات صدرهما، هما اللذان يعانيان من كون المحيطين بهما لا يرونهما. فامرأة بتّي توتل تؤدّي في عائلتها دور الطاهية والسائقة ومدبّرة المنزل والمعلّمة والمربّية والعاملة، ويُترك كلّ ما له علاقة بما تحبّه وما تريده وما تحتاجه جانباً، بينما أبو خالد رجل لا يراه أحد ولا يفتقده أحد في غيابه، لا زوجته تريده ولا ابنه يوافق على رؤيته. وكأنّ هذين الكائنين متروكان من المجتمع والبشر والعائلة، وكأنّهما غير موجودين وحضورهما كغيابهما لا يؤثّر في أحد.

توظّف بتّي توتل تشابيه واستعارات ثاقبة ومضحكة في عرضها، وتوظّف عامل الإضحاك لتخفّف من قسوة الواقع. تتمكّن من نقل حالة كلّ أمّ معاصرة تنازع لتتمكّن من القيام بشؤون عائلتها من دون تقصير، فتُمحى على حساب عائلتها وأبنائها وزوجها. لكنّ توتل تقع أحياناً في فخّ الوعظ والإطالة الرومنطيقيّة غير الضروريّة والتي كان يمكن الاستغناء عنها، بخاصّة تلك التي تسلّط الضوء على بتّي توتل وحدها وتخلق حالة من توقّف العرض لتقول الشخصيّة جملاً كان يمكن بثّها في النصّ بشكل أسلس.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة