Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعركة ضد التلقيح الاصطناعي تدمر عائلات ولا تحمي الأطفال

قضت المحكمة العليا في ألاباما بأن الأجنة المجمدة التي خضعت لعلاجات الإخصاب تتمتع بالحماية القانونية شأنها شأن سائر الأطفال في الولاية، وقد أدى هذا القرار إلى إقفال بعض مراكز العلاج مخافة من التبعات القانونية المترتبة، الأمر الذي يؤثر في توفر هذه الخدمة ال

في العادة، لا تطرح على والديك أسئلة حول تكوينك، فالحال أن الجواب أحيانا قد يكون صادماً (آي ستوك)

ملخص

نساء خضعن لعملية تلقيح اصطناعي يكشفن كيف يفاقم حكم ولاية ألاباما الأضرار النفسية والعاطفية والجسدية عليهن.

في سن المراهقة، تكون على بينة بسيطة حول كيفية مجيئك إلى العالم. وفي العادة، لا تطرح على والديك أسئلة حول تكوينك. أنا شخصياً في الأقل، لم أطلب هذا النوع من الإيضاحات، ذلك أنني لم أكن على استعداد لمواجهة هذا القدر العظيم من الحرج.

مرت السنوات وكبرت، وكل ما عرفته هو أن أمي وأبي حاولا لفترة طويلة من الزمن أن يرزقا بطفل، لذا عندما أدلت جدتي التي تناهز السبعين من العمر بدلوها في تعليق عابر حول أن توأماً لي كان يشاركني رحم والدتي، حسبت أنها واحدة من نكاتها المعتادة. جدتي غريبة الأطوار ومختلفة لا شك، ولكنها لا ريب مثال عن الجدة الكلاسيكية.

كنا في السيارة على الطريق السريع 405 يوم أخبرت أمي بما أفضت به جدتي، فما لبثت أن تجمدت في مكانها. وإذ سألتها ما الخطب، تمهلت ثم توجهت إليَّ قائلة: "كنت أنوي أن أخبرك بالحقيقة عندما أصبح مستعدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى وقع الصدمة التي عصفت بي تابعت أمي كلامها، وقد بدت عيناها باهتتين ومشوبتين بحزن وأسى عميقين. أشارت إلى مبنى مررنا به تواً قائلة: "انظري، إنها العيادة التي اعتدنا أن نقصدها... إنه المكان الذي كان شاهداً على مراحل تكونك".

والحق أنني جئت إلى هذه الدنيا بمساعدة التلقيح الاصطناعي (أو الإخصاب في المختبر) In vitro fertilisation كما يسمى (اختصاراً "آي في أف" IVF)، وكان ذلك في أواخر تسعينيات القرن الـ20. كان إجراء طبياً مرهقاً استغرق أربع سنوات من عمر أبي وأمي، كما أوضحا لي في وقت لاحق. وعرفت أن هذا الشكل من المساعدة الطبية على الإنجاب، يزيد في الغالب من احتمالية إنجاب أطفال توائم بنسبة تراوح ما بين 20 و30 في المئة، وقد حدث ذلك في حالتي، غير أنني وحدي نجوت دونما توأمي إثر مضاعفات واجهتها أمي بعد مرور أربعة أشهر من الحمل.

مجيئي إلى هذه الحياة، بما انطوى عليه من أحداث، يملأ قلبي أمي وأبي بالفرح ولكنه أيضاً لا يخلو من طعم المرارة. كان فقدان توأمي خسارة قاسية بالنسبة إليهما، وحتى بعد مضي عقود من الزمن، ما زالت عيونهما تغرورق بالدموع عندما يتحدثان عن تلك التجربة. لكن في كل محادثاتي معهما، تجدهما متأكدين من حقيقة واحدة تقول إنه لولا التلقيح الاصطناعي، لما كنت أنا موجودة هنا أصلاً.

ليست هذه الحقيقة حكراً عليَّ وحدي. لولا الاستعانة بتكنولوجيا الإخصاب في المختبر، لما كتبت الحياة لأكثر من 8 ملايين طفل في الولايات المتحدة. في الواقع، نحو اثنين في المئة من الولادات المسجلة في البلاد تحققت بفضل التلقيح الاصطناعي، أي ما يمثل طفلين من كل 100 طفل يولدون في الولايات المتحدة، وذلك وفق "مركز الخصوبة" في "جامعة كولومبيا".

ولكن في وقت سابق من العام الحالي، واجه استخدام التلقيح الاصطناعي هجوماً غير مسبوق.

في فبراير (شباط) الماضي، قضت المحكمة العليا في الولاية الأميركية ألاباما، وفي حكم تاريخي، بتصنيف الأجنة المجمدة [بعد الخضوع لعلاجات الإخصاب بالمساعدة الطبية] كأطفال بموجب قانون الولاية. وقد جاء هذا الحكم بعدما اختار ثلاثة أزواج، إثر تدمير أجنتهم المجمدة من دون قصد في أحد المراكز المتخصصة بالإخصاب الاصطناعي، أن يتقدموا بدعاوى قضائية ضد المنشأة تتهمها بالقتل غير المتعمد. أحدث هذا القرار صدمة عارمة في مختلف مراكز التلقيح الاصطناعي، إذ ساور الجهات المعنية بتقديم هذه الخدمة خوف من أنها ربما تواجه قريباً الملاحقة القضائية بسبب الإجراء المعمول به عادة، والمتمثل في حفظ الأجنة بالتبريد وتخزينها وفي التخلص منها وتلفها [لأسباب عدة من بينها مرور سنوات كثيرة على تجميدها أو أن تكون زائدة على الحاجة أو قرار المرأة بوقف العلاج...]. توقفت أكبر ثلاثة مراكز للتلقيح الاصطناعي في ألاباما عن تقديم هذا العلاج للوقت الراهن مخافة أن تواجه ربما تهماً جنائية في هذا الشأن، بينما أعلن في وقت سابق من الشهر الجاري أن مركز "موبايل إنفيرمري الطبي" في مدينة موبايل، علماً أنه عيادة التلقيح الاصطناعي التي تواجه الدعاوى بالقتل غير المتعمد، سيوقف خدمات التلقيح الاصطناعي في نهاية العام الحالي.

على ما يبدو، يمثل الحكم المذكور آنفاً هجوماً آخر على الحقوق الإنجابية منذ إلغاء القرار الصادر في قضية "رو ضد وايد" [ورما ماكورفي المعروفة بالاسم القانوني المستعار جين رو ضد المدعي العام المحلي في مقاطعتها هنري وايد] في يونيو (حزيران) 2022، علماً أنه كان نافذاً طوال ما يربو على 50 عاماً [1973] وكان يضمن الحق في الإجهاض على مستوى البلاد.

لذا، فوجئ البعض عندما سارع المشرعون في ولاية ألاباما، وعدد منهم نواب جمهوريون، إلى إقرار مشاريع قوانين من شأنها أن توفر الحماية لخدمات التلقيح الاصطناعي في الولاية. وفي مارس (آذار) الماضي، وقعت حاكم ولاية ألاباما، كاي آيفي، علماً أنها عضو في الحزب الجمهوري، على مشروع قانون يضمن الحماية القانونية لعيادات الإخصاب في المختبر. أما مجموعة "إيغل فورم" Eagle Forum المحافظة في ألاباما فأصدرت بياناً حثت فيه المشرعين على "تجنب التشريعات المتسرعة أو غير المدروسة التي ربما تشكل انتهاكاً مباشراً لدستورنا، وللتعريف الواضح للحياة البشرية". إريك جونستون من جهته الذي يترأس "التحالف المؤيد للحياة" في ألاباما والمحامي الذي ساعد في صياغة قوانين مكافحة الإجهاض في الولاية الأميركية، قال إنه وزملاءه يدعمون سن تشريع يسمح بعمل خدمات التلقيح الاصطناعي مرة أخرى.

وفي خضم موجات الغضب التي أثارها الحزبان الجمهوري والديمقراطي ضد المحكمة العليا في ألاباما في شأن التلقيح الاصطناعي، سرعان ما أصبح واضحاً أن التشريع الذي كان يهدف بداية إلى التراجع عن حقوق الإجهاض في الولاية قد أسفرت عنه نتائج عكسية، مما أفضى إلى تأثير مضاعف يتهدد ملايين الأسر المنغمسة في رحلة العلاج بالتلقيح الاصطناعي.

ومعلوم أن هذا العلاج [التلقيح الاصطناعي] نفسه يشكل أحد الإنجازات التي سطرها الطب الحديث، وقد تحققت أول ولادة ناجحة لطفل عبر الإخصاب في المختبر في عام 1978. ولدت لويز براون في مستشفى دكتور كيرشو الريفي في رويتون، في إنجلترا، من طريق علاج طوره علماء وظائف الأعضاء باتريك ستيبتو، وجان بوردي، وروبرت جي إدواردز، الذي حاز جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب في عام 2010 لمساهماته الرائدة في الإخصاب الاصطناعي. وقد توفي زميلاه قبل سنوات.

في الواقع، منذ ولادة أول "طفل في أنبوب اختبار" [لويز براون] بفضل الثلاثي المذكور، عمل متخصصو الخصوبة على صقل وتطوير الإجراء الأساس الذي ابتكره هؤلاء الرواد ليكون في متناولنا الآن ما يسمى "دورة التلقيح الاصطناعي" IVF cycle، والأخير إجراء طبي متعدد الخطوات يبدأ بحقن المريضات لأنفسهن بهرمونات محفزة للمبيضين. وفي المرحلة التالية، يجمع المتخصص البويضات من المبيضين، ثم يصار إلى تخصيبها بالحيوانات المنوية على طبق "بتري" في المختبر. بعد ذلك، تنقل هذه الأجنة إلى رحم المرأة. ومن هذ المرحلة فصاعداً، يكون على النساء والأطباء انتظار النتائج، مترقبين التصاق الجنين ببطانة الرحم لدى المرأة، في تطور يشير عادة إلى الحمل.

ولكن مع ذلك، ما زال التلقيح الاصطناعي محاطاً بوصمات عار ومفاهيم خاطئة كثيرة، من قبيل أن هذه العملية تكلل دائماً بالنجاح، وأن العقم خطأ المرأة، إضافة إلى الضغوط المتزايدة التي تفرضها ديانات عدة، مثل المذهب الكاثوليكي، التي تعتقد أن التلقيح الاصطناعي "غير مقبول أخلاقياً". في الواقع، ليست النساء الهدف الوحيد لبعض المجموعات الإنجيلية التي تعتبر عملية التلقيح الاصطناعي مرفوضة من الناحية الأخلاقية، بل إن هذه الجماعات الدينية عازمة على فرض معتقداتها على عدد أكبر من الناس.

ربما كان انتشار المعلومات المضللة الدافع وراء إصدار المحكمة العليا في ألاباما هذا الحكم غير المسبوق في شأن التلقيح الاصطناعي. ولكن بحسب الجهات المتخصصة بتقديم هذه الخدمة والنساء اللاتي خضعن سابقاً لعلاج الخصوبة على حد سواء، ثمة معلومات كثيرة يجهلها الناس عن التلقيح الاصطناعي. اللهم إلا إذا خضن هذه التجربة بأنفسهن.

"تقنية التلقيح الاصطناعي، أو تكنولوجيا المساعدة على الإنجاب، ليست علماً بحتاً قائماً على حقائق مثبتة. إنه ليس شخصاً خارج الجسد ينتظر أن يخرج إلى هذه الحياة". في تصريح أدلى به براندون إلى صحيفة "اندبندنت"، علماً أنه عالم متخصص في الأجنة في مركز الإخصاب في إلينوي، وقد فضل عدم الكشف عن هويته الحقيقية، قال "إن التلقيح الاصطناعي فرصة للحمل. نحن نحاول تكوين عائلات، ولسنا نتدخل في مشيئة الرب."

عندما قضت المحكمة العليا في ولاية ألاباما بأن الأجنة المجمدة [التي تكونت أثناء علاجات الخصوبة] تعتبر أطفالاً بموجب قانون الولاية، اعترت الشكوك متخصصي الخصوبة في مختلف أنحاء البلاد، خشية أن يكون إغلاق أبواب عياداتهم وشيكاً أيضاً.

"طبعاً شعرنا بالقلق من أن يشكل هذا القرار سابقة خطرة"، قال براندون مضيفاً أنه بالنسبة إليه، "ليس الجنين شخصاً، بل فرصة للحمل. إلى حد ما، علينا أن ننظر إلى الأجنة المجمدة وإلى هذا النوع من التكنولوجيا على أنهما احتمالات وفرص".

بالنسبة إلى نساء كثيرات يخضعن لعلاج التلقيح الاصطناعي، تكون احتمالية وفرصة إنجاب طفل الدافع وراء مواصلة هذا الإجراء الطبي الشاق. بالطبع، من المهم الإشارة إلى الطابع الفردي الخاص بكل حالة الذي تكون عليه علاجات الخصوبة، والتأكيد أن تجربة التلقيح الاصطناعي بالنسبة إلى هذه المرأة ربما تكون مختلفة تماماً عن التجربة بالنسبة إلى تلك المرأة. غالباً، ليس في المستطاع تحديد عدد الدورات العلاجية التي يتعين على المرأة المرور بها قبل أن تصبح حاملاً في نهاية المطاف. ربما تستغرق الرحلة من سنة إلى عقد من الزمن بالنسبة إلى البعض. ولا ينتفي احتمال ألا تؤتي هذه العملية ثمارها على الإطلاق، حتى بعد خوض دورات علاجية عدة.

ليندساي غونزاليس، اختصاصية في صحة الأسنان تبلغ من العمر 42 سنة وقد خضعت لدورات علاجية متعددة من التلقيح الاصطناعي استغرقت سبع سنوات كاملة. تحدثت عن تجربتها فقالت إن الجرعات اليومية كانت، يوماً بعد يوم، تستنزف طاقتها بصورة كبيرة. وأخبرت "اندبندنت": "ربما تكون حقن هرمون البروجسترون المرحلة الأبشع في العلاج، ذلك أنها عبارة عن زيت كثيف وإبرة سميكة جداً، إضافة إلى أن حقنها يستوجب ولوجها إلى العضل" [الحقن العضلي].

غالباً ما يصف الأطباء هرمون البروجسترون في صورة زيت بعد سحب البويضات للمساعدة في إعداد [بطانة الرحم] لدى النساء اللاتي يخضعن للعلاج لاستقبال الجنين [توفير فرص انغراس سليم للبويضة الملقحة]. يطلب من تلك النساء، سواء بمساعدة ذويهن أم لا، المواظبة على إجراء هذه الحقن العضلية إلى أن يحصلن على نتيجة موجبة في اختبار الحمل. ومعلوم أن المبيضين يفرزان هذا الهرمون بصورة طبيعية خلال الأسابيع الـ10 الأولى من الحمل، وأن الجسم ينتجه لتحضير بطانة الرحم لانغراس البويضة. على عكس هرمون الاستروجين، الذي يعمل على إعداد الجسم لحمل محتمل، يكون الغرض من نظيره البروجسترون مساعدة الجسم على الاحتفاظ بالحمل.

عندما تحقن النساء أنفسهن بهذا الهرمون لفترة من الزمن، ربما يواجهن تغيرات في صحتهن العقلية والنفسية، وتظهر عليهن علامات الاكتئاب والقلق وتقلب المزاج. جسدياً، ربما يكسبن كيلوغرامات إضافية أو يفقدن بعضها، أو يظهر لديهن حب الشباب، أو يعانين الغثيان، أو تساقط الشعر، أو النعاس، أو الدوخة... ولكل من هذه الأعراض وقعها الكبير على حياة المرأة.

ربما لا تتجلى حقيقة المقولة المعروفة "الجسد يحفظ الصدمات" في أي تجربة أكثر مما تتجلى في الصدمة الجسدية التي يخلفها وراءه التلقيح الاصطناعي، مع ما يشتمل عليه من حقن في الوريد أو حقن عضلية تترك الجسم في حال من الألم ومغطى بالكدمات. تيف نيكولز، علماً أنها معالجة نفسية مقيمة في نيويورك وقد رزقت بطفلها البالغ من العمر الآن عامين تقريباً من طريق التلقيح الاصطناعي، نعتت هذا الإجراء الطبي بـ"الغرب المتوحش" بسبب اختلاف وجهات النظر في شأنه والتباين في أساليبه وبروتوكولاته. وقالت نيكولز إنه على رغم أن تجربتها في هذا الشكل من المساعدة الطبية على الإنجاب كانت "ناجحة لحسن الحظ"، بيد أنها لا تستطيع إلا أن تتذكر الشعور المضني بالانتفاخ والانزعاج الذي لازمها في معظم الأوقات آنذاك.

أخبرت نيكولز "اندبندنت": "أعلم أنني لست وحدي التي تشعر بأن جسدها لا يؤدي وظائفه المطلوبة، كالشعور بالعجز. من جهتي، كان عليَّ أن أتسلح بعدد من الدروع كي أنجح في تجاوز العلاج. كان اجتياز رحلة التلقيح الاصطناعي كما لو أنك مضطرة إلى ارتداء هذا الدرع وتحاولين ألا تفكري فيه، وفي حقيقة أن هذا المجهود كله ربما يذهب سدى فعلاً".

في الواقع، ليس مستبعداً أن يذهب كل جهدك في العلاج بالتلقيح الاصطناعي أدراج الرياح. أسباب كثيرة من شأنها أن تحول دون حصول حمل على رغم الخضوع لدورة تلقيح اصطناعي علاجية. أولاً، كلفتها الباهظة، إذ تراوح كلفة دورة علاجية واحدة منها ما بين 12 ألف دولار و17 ألف دولار، على رغم أنها في بعض الحالات مغطاة بالتأمين الصحي. وفق مؤسسة "ميرسر" للاستشارات، تولت 54 في المئة من الشركات الأميركية التي تضم 20 ألف موظف أو أكثر كلفة التلقيح الاصطناعي في عام 2022. وعلى رغم أن هذا العدد آخذ في الارتفاع على ما يبدو، فإن التغطية من أرباب العمل الصغار لا ترقى إلى المستوى المرغوب، وغالباً ما يبخس حق الأسر ذات الدخل المنخفض.

في الأساس، تنطوي عملية التلقيح الاصطناعي في معظمها على صورة معينة من ألاعيب يمارسها العقل، إذ تقنع المرأة نفسها بأن المحاولة تستحق العناء في النهاية. قالت نيكولز: "كثر بين أوساط التلقيح الاصطناعي لا يشعرون بالرضا تجاه اللجوء إلى هذا الإجراء لأسباب شخصية أو دينية، مهما كانت هذه الأسباب. ولكنهم اختاروه لأنهم وضعوا تكوين الأسرة في مقدمة أولوياتهم."

مع عدم معرفة عدد الدورات من التلقيح الاصطناعي التي سيستغرقها العلاج قبل أن ينجح، غالباً ما يجد الآباء والأمهات الطموحون أنفسهم في موقف صعب عندما ينفد المال في جيبهم ويضطرون إلى اتخاذ قرار في شأن ما إذا كانوا يريدون المضي قدماً في محاولة تكوين أسرة، أو وضع حد لخسائرهم. تذكرت المعلمة إيرما فاسكيز كيف أنها كانت مجبورة على السفر إلى المكسيك من أجل شراء علاجات هرمونية بسعر أرخص لأن تأمينها الصحي لا يغطي كلف التلقيح الاصطناعي المتزايدة الذي كانت تخضع له. في مرحلة ما، لاحظت أنها وزوجها أنفقا أكثر من 70 ألف دولار فيما تقترب من السنة الرابعة في رحلة التلقيح الاصطناعي، مما دفعها إلى التفتيش عن قنوات أخرى مثل الصيدليات المكسيكية حيث اشترت ما تحتاج إليه بجزء صغير من الكلفة المطلوبة في الولايات المتحدة. وإذ عادت بالذاكرة إلى تلك الأيام، تذكرت اليأس المطلق الذي حملها مكرهة على اتخاذ تلك القرارات.

"كان العلاج واحداً من فصول الحياة التي تقولبك نوعاً ما وترسم هويتك وشخصك،" روت فاسكيز، إذ راحت تفكر في الحزن الذي اجتاحها نتيجة جولاتها العلاجية الكثيرة غير الناجحة من التلقيح الاصطناعي. وعلى رغم أنها تبنت في نهاية المطاف طفلين بعيداً من التلقيح الاصطناعي، غير أنها لاحظت أن الألم الناجم عن هذا العلاج، بدءاً بالإجهاض وصولاً إلى الانتكاسات المالية، ترك أثراً طويل الأمد في نفسها وحياتها.

وقالت فاسكيز: "في لحظات من حياتك تمر بأحداث كبيرة، إما موت أو انتقال أو طلاق أو مأساة كبيرة في خضم علاج للعقم. في البداية، كما تعلمين، تكون المرأة ساذجة إلى حد ما عند المرور بهذه العملية. لا تدرك حقاً الخسائر التي ستمنى بها لأنها لا تعرف كم من الوقت ستستغرق. ولكن مع مرور السنين والخضوع لمزيد ومزيد من العلاجات وتصعيدها إلى إجراءات طبية أكثر تعقيداً، تكون حصيلة الخسارات كبيرة. تكون الأضرار كثيرة على المستوى العاطفي، والمالي، والروحي، والجسدي، وبكل الوجوه التي يسعك أن تتخيلها".

لذا من السهل الافتراض أن حكم المحكمة العليا في ألاباما في شأن التلقيح الاصطناعي لن يؤدي إلا إلى تفاقم المخاوف التي تكابدها أصلاً نساء كثيرات يخضعن لعلاج الخصوبة. علاوة على الحقن الوريدية الأسبوعية والإبر اليومية، تفكر كثير من النساء الآن مكرهة بالانعكاسات التي سيتركها قرار الولاية على أجنتهن المجمدة.

"أحتفظ بأجنة مجمدة ولسنا واثقين كيف سنتصرف بها. لست متأكدة من أنني أعرف تماماً مصير كل الأجنة المحفوظة بالتبريد. أحد لا يرغب في أن يمر بتجربة التلقيح الاصطناعي، لذا من القسوة أن نفاقم القلق والخوف لدى هؤلاء"، أوضحت نيكولز.

ولحسن الحظ، ليست النساء اللاتي يخضعن لعلاج مثل التلقيح الاصطناعي متروكات لوحدهن تماماً. من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مثل مجموعات دعم التلقيح الاصطناعي على "فيسبوك" أو صفحات "تيك توك" و"إنستغرام" المخصصة لمشاركة المعلومات. الوصول إلى مجتمع عبر الإنترنت يجعل رحلة التلقيح الاصطناعي أقل عزلة كثيراً بالنسبة إلى بعض النساء قيد العلاج، خصوصاً اللاتي لا يحظين بأشخاص داعمين. إن تواصل المرأة مع نساء أخريات يخضن العملية نفسها لهو مصدر ارتياح كبير بالنسبة إليها، لا سيما في فترة تعج بهرمونات تزعزع الاستقرار النفسي والعقلي، ومشوبة بالتغيرات الجسدية.

أشارت فاسكيز إلى أنها احتاجت إلى مساعدة كثر خلال علاج التلقيح الاصطناعي، وروت كيف احتشد أصدقاؤها وعائلتها وزملاؤها حولها ومدوا لها يد المساعدة خلال الأوقات الصعبة. حتى إن أختها تحديداً تبرعت ببويضاتها من أجل التلقيح الاصطناعي، مما أعطى الشقيقتين فرصة نادرة لخوض تجربة الحقن والتغيرات الهرمونية معاً. وأضافت أنه لولا وقوف جماعتها إلى جانبها لكانت تجربتها اختلفت إلى حد كبير.

عندما أعلنت المحكمة العليا في ألاباما حكمها غير المسبوق في شأن التلقيح الاصطناعي، سرعان ما اعتبره الجمهور هجوماً آخر على استقلالية المرأة وحريتها في التصرف بجسدها كما تشاء. بعد كل شيء، استشهد القضاة بالكلام المناهض للإجهاض الذي أضيف إلى دستور الولاية الأميركية في عام 2018، والذي جعل من سياسة الولاية التي تقضي بـ"ضمان حماية حقوق الطفل الذي لم يولد بعد"، المعيار الأساس في قرارها الذي اتخذته في شأن الأجنة المجمدة.

أما باولا، التي تعيش في ولاية نيوجيرسي، فقد تذكرت أن الحكم أصابها بصدمة ولكنها لم تكن مدهوشة تماماً من اتخاذ قرار على هذه الشاكلة في حقبتنا الراهنة ما بعد قضية "رو". "منذ إلغاء قانون الإجهاض ’رو ضد وايد‘ كنت متخوفة جداً مما سيكون عليه مستقبل التلقيح الاصطناعي". وقالت لصحيفة "اندبندنت": "إن التلقيح الاصطناعي أداة علمية موجودة في المتناول منذ سنوات عدة، لذا عندما رأيت الحكم في ألاباما، شعرت كما لو أن الماضي قد انقلب. عند التفكير في قرار ولاية ألاباما، أجد أنني إذا لم يكن لديَّ أجنة مجمدة، لما كان عليَّ المرور بهذا أبداً. كانت تلك الطريقة الوحيدة التي تسمح لي بالحمل، أي تجميد الأجنة والقدرة على زرعها عندما أكون مستعدة لاستقبالها.

ومع ذلك، تعتقد نيكولز أن الحكم ببساطة سلط الضوء على "نفاق" المشرعين المناهضين للإجهاض. في العادة، غالبية الأميركيين الذين يدعمون التشريعات المؤيدة لحق النساء في اختيار الإجهاض (نسبة هائلة تبلغ 69 في المئة، وفق استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" عام 2023) يقرون بأن لا علاقة للسياسة في ما ترتئي المرأة أن تفعله بجسدها، بما في ذلك التلقيح الاصطناعي. ولكن نيكولز أشارت إلى أنه من "السذاجة" افتراض أنهم لن يسعوا ضد التلقيح الاصطناعي بعد ذلك. كشف الحكم الصادر في ولاية ألاباما كيف أن المدافعين عن الحياة لا يعتزمون وقف الإجهاض فحسب، بل السيطرة على النساء والإنجاب بالكامل. وبطبيعة الحال، لن تتوقف مساعي المشرعين المحافظين عند الإجهاض، في الحقيقة، لم يكن الهجوم على علاج التلقيح الاصطناعي سوى أضرار جانبية.

صحيح أن كثيرات مررن بتحديات جسدية وعاطفية نتيجة التلقيح الاصطناعي، غير أن العلاج نفسه قد بدل حياة كثر بحياة أفضل، إذ منحهم الفرصة لتكوين أسرة. بالنسبة إلى ليندسي، كل ما أرادته وزوجها أن يصبحا والدين، والآن "تغيرت حياتهما تماماً" برفقة ولديهما التوأم. وصحيح أن إيرما تبنت في النهاية طفلين من دون مساعدة علاجات الخصوبة، غير أنها أشارت إلى أن خضوعها للتلقيح الاصطناعي أعطاها درساً عن "الصمود"، في تجربة لم تكن لتختبرها لولا ذلك.

عموماً، ما زالت علاجات التلقيح الاصطناعي في ألاباما مجهولة المصير. نعم، يعكف المشرعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حالياً على تمرير مشاريع قوانين من شأنها أن تتحدى حكم المحكمة العليا في الولاية والذي ينص على أن الأجنة المجمدة تعتبر أطفالاً من الناحية القانونية. ولكن مع ذلك، لا يقلل هذا التحرك من شدة الخوف والقلق اللذين يعتريان عيادات الخصوبة والأسر المتمسكة بأمل إنجاب الأطفال في مختلف أنحاء البلاد. ولا تواجه النساء وحدهن تحديات خاصة باستقلاليتهن الجسدية، بل أيضاً تبدو الاستقلالية الذاتية للوالدين مهددة، بما في ذلك الأزواج من جنسين مختلفين والمثليين جنسياً، فضلاً عن الأمهات العازبات. لم تكن قضية "رو ضد وايد" سوى غيض من فيض ما سينشأ لاحقاً، ويشير البعض إلى أنه صار واضحاً أكثر من أي وقت مضى أن ما نحن إزاءه هنا جزء من حركة شاملة أكبر ترمي إلى تجريد الناس من حرياتهم التي أخذوها بشق الأنفس.

"أعتقد أن كثيراً من النساء، أو الأشخاص ذوي الأرحام، اللاتي يخضن هذا العلاج، يكابد الأمرين إنما بصمت. إنها خطوة نختار أن نمشيها بمحض إرادتنا، إنما في الوقت نفسه، نعاني في سبيل تحقيق هدف نأمل في أن يكون مرضياً ومفعماً بالإيجابية... ولكنه يبقى صعباً"، قالت باولا.

"ربما يرى بعض الناس أنه ليس علينا أن نعاني، لأننا اقد خترنا بأنفسنا هذا التحدي. وعندما صدر الحكم الأخير، تبدت وجهة النظر هذه بوضوح أكثر"، أضافت باولا.

فتح التلقيح الاصطناعي الباب أمام كثير من الناس كي يصيروا آباءً وأمهات. وعلى المشرعين أن يبذلوا جهدهم كي يستفيد أكبر عدد ممكن من هذا العلاج، وذلك عبر تسهيل الحصول على علاجات الهرمونات أو توفير التغطية التأمينية لهذا الإجراء الطبي، بدلاً من تقييده، أو إصدار قرار يقضي بعدم مشروعيته. الحق يقال، ملايين من الأطفال يأتون إلى هذه الدنيا بفضل التلقيح الاصطناعي، حتى في ظل الاحتمالات غير المؤكدة. والأجدر بنا ألا نحمل الأشخاص الذين يعانون مشكلات في الخصوبة على تكبد مشقات وعقبات أكثر من أجل إنجاب طفل، بل لا بد أن يحصلوا ببساطة على الدعم الذي يحتاجون إليه.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة