Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد عقدين من عملها... هل فقدت "يونامي" وظيفتها في العراق؟

يتهم مراقبون البعثة الأممية بعدم الوقوف على الحياد بين الفرقاء والسكوت عن دور الميليشيات

تقتضي مهمة "يونامي" مساعدة الحكومة في تحقيق أولويات التنمية الوطنية والالتزامات الإنمائية الدولية  (صفحة البعثة على الفيسبوك)

ملخص

هل يتمكن السوداني من غلق أبواب "يونامي" في بغداد؟

عملت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) كفرقة إطفاء حرائق في بغداد منذ تشكيلها بعيد إعلان احتلال العراق، وهي بعثة سياسية خاصة، أسست بموجب قرار مجلس الأمن الدولي، وكانت طرفاً فاعلاً مراقباً لكل ما شهدته البلاد طوال الـ20 عاماً الماضية، تقتضي مهمتها مساعدة الحكومة في تحقيق أولويات التنمية الوطنية والالتزامات الإنمائية الدولية، ومن ثم رفع التقارير الدورية التي تقدم كـ"إحاطات" لمجلس الأمن الدولي عبر الأمين العام. ويرأس "يونامي" مبعوث خاص يسميه الأمين العام، وكان أول المعينين في هذا المنصب البرازيلي سيرجو فييرا دي ميلو، وهو دبلوماسي سامٍ للأمم المتحدة في العراق، لكن سرعان ما اغتيل مع 22 موظفاً في تفجير مقر البعثة في بغداد في الـ19 من أغسطس (آب) 2003 أي بعد أشهر على تسلمه مهمته، واتهم تنظيم "القاعدة" بالوقوف وراء الحادثة، ليتولى بعده الأخضر الإبراهيمي رئاسة البعثة، ليكون أول وآخر عربي ينال هذا المنصب.

مهمة عسيرة

وكانت مهمة البعثة الأممية في العراق عسيرة، لضمان ألا تكون طرفاً في النزاع، وهي مكونة من 700 موظف بحسب آخر تعداد، يتقاضون رواتبهم من المنظمة الدولية. وكان الاحتلال مسوغاً قانونياً لوجودها، وفق ميثاق وشرعة الأمم المتحدة التي تفرض واجب الإشراف وتسيير أمور البلدان التي تحتل، لإبقاء وجودها الوطني وضمان حقوق مواطنيها، وتسيير الحياة اليومية ومراقبة ما يجري فيها وإحاطة العالم بذلك. ويقوم موظفو البعثة أيضاً بعمل حثيث للتدخل للحؤول دون اندلاع النزاعات بين مختلف الأطراف في البلد، وتقديم إحاطات دورية كل ثلاثة أشهر لمجلس الأمن عن الحالة العراقية، وإصدار بيانات أممية تصف ما تتعرض له البلاد لا سيما في الأوضاع الملتهبة التي شهدها العراق في ظل ست حكومات متعاقبة.

الخروج من المأزق 

وكانت البعثة الأممية تعمل بدأب لمساعدة الشعب العراقي على الخروج من مأزقه الإنساني والسياسي، ولجم الصراع المتفجر بين القوى المحلية التي تتقاتل على المال والسلطة والحكم وفرض ديكتاتورية الغالبية السياسية، في ظل ممانعة الأطراف الأخرى قبول منطق فرض الحكم الجديد، الذي عمل على تغيير الأوضاع بعد سقوط النظام السابق، بقوة السلاح وفرض منطق الدولة الجديدة التي أرادها الأميركيون "ديمقراطية"، وأرادها الإيرانيون "شيعية"، وأرادها الأكراد "فيدرالية"، في حين تخلف السنة عن ركب المشاركة أولاً حتى قبلوا أخيراً، بينما كانت الأمم المتحدة تريدها على "نمط دستوري" ساهمت في انبثاقه عبر السعي لتطبيق شرعة حقوق الإنسان.

الحكومة المتخلية

 

لكن مطالبة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أخيراً البعثة الأممية بإنهاء عملها وعدم التجديد لها لانتفاء الحاجة إلى خدماتها، من خلال مطالبة رسمية بعث بها ممثل العراق لدى الأمم المتحدة، إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريش باسم رئيس الوزراء العراقي وجاء فيها أنه "يطلب فيها من بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق إنهاء مهمتها في العراق بحلول الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 2025 وتسليم جميع القضايا إلى مؤسسات الحكومة العراقية".
وفي حين قد يكون مستغرباً الطلب أن يسدل الستار على وجود الأمم المتحدة في العراق بعد 20 عاماً من الرقابة الدولية على بلد معرض في أي ساعة إلى اندلاع حرب، لكن يبدو أن التطمينات التي تلقاها السوداني، وفق مراقبين عراقيين، من واشنطن خلال زيارته الأخيرة جعلته يتجرأ على المطالبة بوقف عمل البعثة الأممية وإنهاء مهمة رئيستها جنين أنطوانيت هينيس بلاسخارت، التي كانت الحاضرة الدائمة في مشهد الأحداث العراقية لست سنوات مضت، بعدما تولت مهمتها كمبعوثة سامية في أغسطس 2018 لتسجل أطول مدة في تاريخ المنصب السامي في بلاد الرافدين.

حصيلة ملتبسة

ملاحظات كثيرة تجمعت حول البعثة الأممية في العراق كحصيلة سلوكها السياسي فيه، وهي التي تتخذ من مكتب صغير مقيد الحركة في بغداد قرب السفارة الأميركية، مقراً لها داخل المنطقة الخضراء، إضافة إلى مكتب كبير لموظفيها في أربيل، وهي تعمل في بلد من أعقد بلدان العالم اتخذت المنظمة الدولية عشرات القرارات ضده، وشملته بعقوبات لم تسرِ على بلد آخر منذ غزو الكويت، وكبدته غرامات وتعويضات غير مسبوقة في تاريخ المنظمة الدولية كان آخرها وضع كل إيراداته النفطية تحت البند السابع والمراقبة الدولية، حتى إنه لا يتمكن من الإنفاق على أي عقد تبرمه الحكومة، من دون تقديم طلب مسبق للبنك الدولي في نيويورك، مع شرح مفصل للعقد المطلوب ومبررات التعاقد، ليؤذَن له بالحصول على المبلغ المراد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


شرعنة الاحتلال

"لم يقدم المبعوثون الأمميون حلولاً جدية للأزمة العراقية"، هذا ما خلص إليه المتخصص الأممي مؤيد الونداوي الذي عمل في مكتب الأمم المتحدة في العاصمة الأردنية عمان، وأضاف "لقد عملت الأمم المتحدة في العراق على شرعنة الاحتلال وحققت أهدافه واستغلت حاجة الولايات المتحدة وقتها، حين غزت العراق من دون تأييد، لغطاء دولي مع شركائها المحليين الذين مشوا في مسيرة سياسية مليئة بالفساد، لم تعترف بها المنظمة الدولية ولم تدع إلى محاسبة المسؤولين عن ظواهر الفساد أو حتى تشخيص الجماعات التي ترتكب العنف والجريمة، بل ذهبت المبعوثة الأممية بلاسخارت إلى التفاهم مع قادة الميليشيات وزيارتهم، وإهمال ملفات خطرة مثل ملف المغيبين منذ عام 2003، فيما دان مجلس الأمن تنظيم "داعش" وسلوكه الإجرامي، من دون إدانة مماثلة للذين اختطفوا عراقيين وغيبوهم. والغريب أن يونامي اهتمت بإجراء زيارات مكوكية للمرجع السيستاني، من دون المراجع الأخرى التي تمثل بقية الطوائف، وهذا أمر لافت، فلم تزر المرجع السني الكبير عبدالملك السعدي إلا مرة واحدة من قبل المبعوث ستيفان دي مستورا، مع الإشارة إلى أن موظفي الأمم المتحدة في العراق يعملون خارج العرف الأممي الذي يحدد مدة الخدمة بثلاث إلى أربع سنوات، فأحد مترجمي البعثة ضرب رقماً قياسياً في مدة عمله وصل إلى 20 سنة، من دون مبرر أو الخضوع للوائح المنظمة الدولية".

بلاسخارت والجماعات المسلحة

وعن دور بلاسخارت في العراق، وهي وزيرة سابقة للدفاع في بلدها هولندا، يقول الونداوي إنه "على رغم أن تقارير السيدة بلاسخارت كاشفة للأوضاع في العراق، وأكدت أن مستقبل العراق غير واضح، فإنها تمادت في الاتصال بالجماعات المسلحة. ولم تتحدث البعثة عن الميليشيات العراقية في سوريا". وأضاف أن "بلاسخارت أقرب إلى معرفة طبيعة الميليشيات المتقاتلة في البلاد التي أنتجت منطقاً جديداً في الدولة العراقية نحو اللادولة بتغليب النموذج الإيراني، وتدرك حجم المشاركة غير الممثلة للمجتمع العراقي بنسبة تقل عن 20 في المئة، وهناك 80 في المئة غير راضين عما يحدث من دون مساعدة الأمم المتحدة التي تراقب العملية السياسية والانتخابات في نظام انقلب من الديكتاتورية إلى الديمقراطية في ليلة وضحاها".

غياب عربي

وتابع المتحدث ذاته أن "الملاحظة المهمة الغائبة عن عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق هي أنه لم تتول أي شخصية عربية مرموقة بعد الأخضر الإبراهيمي منصب رئاسة البعثة، الذي هو أقرب من دون شك إلى فهم الواقع العراقي، ولم تهتم الجامعة العربية أصلاً أن يكون لها حضور داخل البعثة بخلاف دول غربية حرصت أن يكون لها حضور قوي ومؤثر في مسار البعثة، بل حتى العراقيين لم يوظفوا في البعثة عدا حضور السيد حسين الهنداوي ولكن بجوازه الفرنسي، وعين فيما بعد مستشاراً للبعثة، ثم رئيساً للمفوضية العليا لانتخابات ثم مساعداً للأمين العام للجامعة العربية".

مرحلة التقييم

لكن الباحث مازن صاحب يذهب بعيداً في القول إن "هناك تقدير موقف بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة لتقييم أعمال بعثة يونامي، لا سيما بعد تقرير صحافي معروف عن شبهات الفساد في أعمالها. أما من الجانب الإداري المعروف، فستكون غالب الفعاليات تحت سلطة إدارية لوكالة للتنمية التابعة للأمم المتحدة UNDP، كما كانت أساساً قبل تشكيل بعثة يونامي، لكن الفارق الوحيد هو أن البعثة ستقدم تقريرها كل ستة أشهر حتى انتهاء أعمالها، بعدها من المرجح أن تناط بالجهة التي ستشرف إدارياً، مهمة إصدار التقرير عن واقع العراق. لذلك سنسمع عن نجاحات جديدة في أعمال الأمم المتحدة في العراق، لكن الحقيقة الغائبة هي أن هذه البعثة كانت شاهد الزور على انتخابات لا تمثل العراقيين". ويضيف الباحث أن "هناك من يرجح أن تطلب الأمم المتحدة التريث في قرار وقف عمل البعثة بمسوغ الأوضاع غير المستقرة والانتخابات المبكرة، التي ستكون تحدياً جديداً للواقع العراقي المتخم بالمشكلات".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات