ملخص
انتقدت النائبة المنتسبة لـ "التجمع الوطني" آن سيكار هذه الخطوة بشدة، وقالت "من المحتمل أن يستغل أحمد الشرع هذه الزيارة ليمسح قدميه الملطختين بدماء العلويين والدروز"، مضيفة "كيف يمكن للدبلوماسية الفرنسية أن تنحدر إلى هذا الحد من الهوان؟"
يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره السوري أحمد الشرع اليوم الأربعاء، في أول زيارة أوروبية له منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وتأتي هذه الزيارة في وقت بالغ الحساسية، حيث تواجه الحكومة السورية تصاعداً في التوترات مع إسرائيل، إضافة إلى تصاعد العنف ضد الطائفة الدرزية والذي تبعته موجات من العنف ضد العلويين، مما أسفر عن مئات الضحايا بين قتلى وجرحى.
وتحمل هذه الزيارة أبعاداً سياسية وإقليمية مهمة، إذ تراقب العواصم الدولية عن كثب تطورات الملف السوري في ظل تعقد الأوضاع الإقليمية وتصاعد حدة الانقسامات الطائفية التي تهدد استقرار المنطقة.
وأوضحت الرئاسة الفرنسية أن الدعوة تأتي "تأكيداً لالتزام فرنسا التاريخي تجاه الشعب السوري وتطلعاته إلى السلام والديمقراطية"، مشيرة إلى أن اللقاء سيتناول "سبل تحقيق الاستقرار في سوريا والمنطقة، بما في ذلك لبنان، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب".
تحذيرات استخباراتية وأمنية
في المقابل أثارت تقارير استخباراتية أميركية مخاوف في شأن خلفية الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، ووفقاً لوثيقة سرية كشفت عنها وسائل إعلام فرنسية، فقد عبّرت جهات أمنية عن قلقها من استمرار ارتباط الشرع بأوساط متشددة، على رغم تعهداته العلنية بالتخلي عن الفكر المتطرف منذ توليه السلطة.
وتفيد الوثيقة بأن الحكومة السورية الحالية لا تزال تصدر جوازات سفر لأفراد يشتبه في انتمائهم السابق لجماعات متطرفة، وهو ما وصفته الاستخبارات بأنه "يشكل تهديداً حقيقياً للأمن الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الاتحاد الأوروبي قرر في فبراير (شباط) الماضي تعليق عدد من العقوبات المفروضة على دمشق، في خطوة عدت تمهيداً لإعادة الانضمام السياسي للسلطات الجديدة بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب الأهلية.
"خطأ دبلوماسي جسيم"
وأثارت دعوة أحمد الشرع إلى زيارة باريس موجة من الغضب في الأوساط السياسية الفرنسية، فقد عبرت زعيمة المعارضة اليمينية، مارين لوبان، عن ذهولها واستنكارها عبر منشور على منصة "إكس"، واصفة الشرع بـ "المتطرف الذي يزعم أنه رئيس سوريا"، مؤكدة أن استقباله في فرنسا "يعد استفزازاً وتصرفاً غير مسؤول".
وأضافت لوبان في تصريحات لها أن "الميليشيات المتطرفة التي اجتاحت بلادنا بالهجمات الدموية لا تزال ترتكب المجازر بحق الأقليات"، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تمثل إهانة لضحايا الإرهاب، وختمت "مرة أخرى يسيء إيمانويل ماكرون إلى صورة فرنسا ويهدم صدقيتها أمام حلفائها، في وقت حساس للغاية أثناء معركتها ضد التطرف".
من جهته عدّ رئيس حزب "التجمع الوطني" جوردان بارديلا أن الدعوة تمثل "خيانة للقيم الفرنسية وذكرى ضحايا الإرهاب"، مضيفاً أن "هذه ليست زيارة دولة بل خطأ جسيم"، بينما اعتبرت النائبة في مجلس النواب عن منطقة فار، لور لافاليت، أن ماكرون "يضر بسمعة فرنسا" من خلال هذه الدعوة المثيرة للجدل.
كما انتقدت النائبة المنتسبة للتجمع الوطني، آن سيكار، هذه الخطوة بشدة، وقالت "من المحتمل أن يستغل أحمد الشرع هذه الزيارة ليمسح قدميه الملطختين بدماء العلويين والدروز". مضيفة "كيف يمكن للدبلوماسية الفرنسية أن تنحدر إلى هذا الحد من الهوان؟".
من جهته، لحق حليف "التجمع الوطني"، رئيس حزب "اتحاد اليمين من أجل الجمهورية" إيريك سيوتي بالانتقادات ووصف الدعوة بأنها "خطأ جسيم"، وقال سيوتي "أدين هذا الخطأ الذي يسهم في الاعتراف الدولي بنظام مرفوض، الأقليات تضطهد والتطرف ينخر في بنية الأمة السورية ويهدد استقرار المنطقة.
كذلك انتقد رئيس حزب "نهضة فرنسا" نيكولا دوبون أنيان بشدة الرئيس الفرنسي، قائلاً إنه يركع أمام من لديهم دماء على أيدهم بينما ينسى ضحايا الإرهاب، مضيفاً "بعد أن دمر فرنسا يواصل ماكرون تدمير ما بقي لنا، وهو شرفنا".
فرنسا وسوريا: صراع المصالح والسياسة
ومنذ نهاية الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان عام 1946، شهدت العلاقات بين فرنسا وسوريا تقلبات كبيرة، مما يعكس التعقيدات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وكان الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان أحد أبرز فصول التدخل الاستعماري في المنطقة، إذ استمر من عام 1920 حتى عام 1946.
ومع حصول سوريا على استقلالها في الـ 17 من أبريل (نيسان) 1946، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات حين سعت دمشق إلى التحرر من النفوذ الفرنسي، بينما حاولت فرنسا الحفاظ على نفوذها الإقليمي في المنطقة، مما أفضى إلى علاقة متقلبة تتأرجح بين التعاون والتوتر.
وخلال الفترة التي تلت الاستقلال، وبخاصة خلال الستينيات والسبعينيات، شهدت العلاقات الثنائية نوعاً من الاستقرار النسبي وتميزت بتوقيع اتفاقات تجارية وتعزيز للتعاون التقني، ومع وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1971، دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة، فتأرجحت فرنسا بين لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية وبين تقارب إستراتيجي مع دمشق.
إلا أن هذا التوازن لم يدم طويلاً فقد غيرت الحرب الأهلية السورية عام 2011 الوضع بصورة جذرية، وخلال تلك المرحلة دانت فرنسا رسمياً "القمع الوحشي" الذي مارسه نظام الأسد وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة السورية، وفي مارس (آذار) 2012 أغلقت باريس قنصليتيها في دمشق وحلب نتيجة تصاعد العنف في البلاد.
ومع تصاعد الأزمة السورية لم يكن الموقف الفرنسي موحداً داخل الساحة السياسية بل تباينت الآراء، فبينما دانت فرنسا رسمياً قمع نظام الأسد، لم يحظَ هذا الموقف بتأييد كامل من جميع الأطراف السياسية الفرنسية، فقد أبدى طيف من حزب "التجمع الوطني" وحزب "فرنسا الأبية" دعمهما لبشار الأسد بطرق مختلفة، وبررت هذه الأطياف مواقفها بحجج عدة مثل مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومعارضة التدخلات الغربية.
وفي هذا السياق كانت مارين لوبان قد دافعت عن فكرة التقارب مع النظام السوري معتبرة أن بشار الأسد يشكل حاجزاً أمام تمدد تنظيم "داعش".
وكذلك انتقد جان لوك ميلنشون السياسة الفرنسية تجاه سوريا مطالباً بحل سياسي يضم جميع الأطراف المعنية بالأزمة، وقد أثارت هذه المواقف جدلاً واسعاً داخل الساحة السياسية الفرنسية، تماماً كما فعلت زيارات عدد من البرلمانيين الفرنسيين إلى دمشق خلال أعوام 2015 و2017 و2023، والتي وصفت بأنها مثيرة للانقسام.
ساحة جدلية حامية
وفي نهاية المطاف يظل الموقف الفرنسي تجاه سوريا معقداً ومتناقضاً، ومع هذه التطورات يبقى التساؤل قائماً حول ما إذا كانت فرنسا قادرة على إعادة تشكيل دورها في الشرق الأوسط بما يتماشى مع التغيرات في السياسة الدولية والإقليمية، فبينما يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تعزيز الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة، وتأكيد التزام بلاده تجاه الشعب السوري، يجد نفسه في مواجهة انتقادات واسعة من الأحزاب السياسية الفرنسية، إذ يعد استقبال الشرع فرصة لتجديد العلاقات مع سوريا في وقت يتسم بالتوترات الإقليمية.
ومع تصاعد الخلافات حول هذه الزيارة تبرز تساؤلات حول دور فرنسا في المنطقة ومدى قدرة السياسة الفرنسية على تحقيق المصالح الجيوسياسية في الشرق، وفي الأزمة السورية التي تبقى بمختلف أبعادها ساحة جدلية حامية.