ملخص
مارلين لم تمر مروراً عادياً على هذه الحياة الدنيا، حتى وإن كانت كل صفحة في "شقراء" تحاول إقناعنا بأن ذلك المرور العادي كان جل ما تحلم وضنت الأقدار به عليها. وكانت تلك على أية حال الحبكة الرئيسة في الكتاب.
في هذا العام 2025 يكون قد مر ربع قرن على صدور واحد من الكتب الأكثر شهرة في تاريخ الأدب المتعلق بالسينما، وتحديداً بنجوم السينما. قد يبدو مرور كل هذه الفترة أغرب من الخيال لكن ذلكم هو الواقع، إذ إن الكاتبة الأميركية جويس كارول أوتس تبدو لنا اليوم وكأنها لم تكتب إلا في الأمس القريب.
لكن الأعوام مرت بسرعة والرواية تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية ثم قبل ثلاثة أعوام من الآن إلى فيلم سينمائي أثار من الصخب أضعاف ما أثارته الرواية حين صدرت. فالفيلم شيء والرواية شيء آخر حتى وإن كان موضوع الرواية عالم السينما نفسه. بل أكثر من ذلك، عالم النجوم السينمائيين وذلك من خلال من يمكن دائماً وصفها بـ"نجمة النجوم" في حق هذه المرة لا على سبيل الاستعارة الكاذبة.
رواية "شقراء" هي رواية سيرة خيالية تتحدث عن حياة مارلين مونرو كما بتنا نعرف منذ زمن طويل. رواية لجويس كارول أوتس، صدرت عام 2000، لتقدم بقلم واحدة من كبار روائيات الولايات المتحدة الأميركية رؤية سنقول منذ الآن وباعتراف الكاتبة نفسها أنها خيالية لحياة مارلين مونرو. ذلك أن أوتس تؤكد مراراً وتكراراً وفي كل حديث يتناول "شقراء" أنها رواية تنتمي من دون لف ودوران إلى العمل الخيالي وبشكل لا بد من تحديده منذ الآن، إلى الهمين الأساسيين اللذين دائماً ما استحوذا على أدب الكاتبة: هم القضية النسوية من ناحية، ومن الناحية الأخرى هم التمعن في الشرور الأميركية، بمعنى أنها لا ينبغي اعتبارها مجرد سيرة للنجمة الراحلة قبل أكثر من نصف قرن اليوم بل صورة لتعامل أوتس مع ذينك الهمين.
ويقيناً أنها نجحت في ذلك نجاحاً جعلها تعد هذا الكتاب كتابها المفضل. ولعل خير دليل على ذلك أن "شقراء" قد وصلت عام 2001 إلى القائمة النهائية لجائزة بوليتزر الروائية بعدما كانت عام صدورها، 2000، قد وصلت إلى الترشيح للجائزة الوطنية للكتاب (2000). كما أدرجها كثير من المطبوعات الأدبية الأكثر جدية ضمن أفضل كتب جويس كارول أوتس وحتى قبل أن تعلن هذه الأخيرة ذلك.
سيرة أو لا سيرة
إذاً تعد أوتس رواية "شقراء" أحد الكتابين اللذين سيذكران بها. وفي مطلق الأحوال تعد رواية "شقراء" التي يزيد عدد صفحاتها في الإنجليزية على 700 صفحة، من أطول أعمال أوتس الروائية. وفي مقابلة لها، قالت "كنت أنوي أن تكون رواية قصيرة، نحو 175 صفحة، وأختم آخر كلماتها باسم (مارلين مونرو). لكن مع مرور الوقت، انغمست في عالمها لدرجة أنني لم أستطع التوقف عند هذا الحد. وكانت النتيجة النهائية هذا الكتاب".
فماذا عن هذا الكتاب؟ هو في شكله الظاهر حكاية مارلين مونرو، لكنه في شكله الجوهري قصة نورما جين مورتنسون تلك المراهقة التي أتت من اللامكان لتفقد طفولتها باكراً لكنها على طول صفحات كتاب أوتس تواصل البحث عنها رافضة ذلك القناع الذي اشتغل عليه نظام النجوم طويلاً وربما بغير وعي منها، هي التي لم تتحدث في أية صفحة من صفحات الرواية عن مارلين بصيغة الراوي بل بصيغة الغائب حيث لا تتورع بين فصل وآخر عن مساءلة "الآخرين" بمن فيهم قراء الرواية، عما إذا كانوا يعرفون من هي مارلين حقاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكنها لا هي ولا جويس كارول أوتس تخبراننا عما إذا كانت نورما قد تعرفت إلى مارلين حقاً. فهي كانت كالغريبة بالنسبة إليها، على رغم أنها ظلت في هوليوود وخارجها، ولأعوام قد تكون قصيرة في سيرة حياة نورما لكنها بالغة الطول في تاريخ هوليوود وتاريخ السينما بل حتى تاريخ الأجيال التي عاشت، وفي العالم كله تقريباً، من حول العقدين الخمسيني والستيني من القرن الـ20، زمن السينما ونجومها بامتياز، حيث ظلت الشغل الشاغل لعشرات الملايين في أربع زوايا الأرض.
خارج العادية
فنورما/ مارلين لم تمر مروراً عادياً على هذه الحياة الدنيا، حتى وإن كانت كل صفحة في "شقراء" تحاول إقناعنا بأن ذلك المرور العادي كان جل ما تحلم وضنت الأقدار به عليها. وكانت تلك على أية حال الحبكة الرئيسة في الكتاب. الحبكة التي من حولها تحرك قلم أوتس، من دون أن يهتم أكثر مما ينبغي لا بالأفلام العديدة، ومن بينها تحف وعلامات في تاريخ السينما، ولا بالرجال الذين مروا في حياة مارلين ناسين غالباً أنها تفضل أن تكون نورما على أن تكون مارلين، ومنهم من يسميه الكتاب فقط "الرياضي السابق" (جو دوماجيو)، ومن يتناسى أنه أكبر كاتب مسرحي أميركي في زمنه فيطلق عليه لقب "الكاتب الشهير" (آرثر ميلر)، وصولاً بالطبع إلى سيد البيت الأبيض جون كينيدي وأخوه وزير العدل في زمنه روبرت كينيدي. علماً أن الكتاب لا يبدو واسع الاهتمام حتى بكل تلك الاتهامات التي طاولت الأخوين بأنهما بشكل أو بآخر وراء انتحارها إن لم يكونا وراء مقتلها.
ففي نهاية الأمر لم تكن كل هذه "الصغائر" ما يهم كتاب أوتس هذا. كانت الطفلة خلف الحكاية هي كل ما يهمها. ومن هنا لم يكن مبالغة منها، أن تمضي الفصول والصفحات وهي تغوص في أعماق بطلتها لكن أيضاً وخصوصاً في أعماق أميركا ونسائها وشريريها والطفولة المذبوحة على مذبح حلمها الذي يتحول مع ضحايا له من طينة نورما جين إلى كابوس حقيقي. وما "شقراء" سوى حكاية ذلك الكابوس في نهاية المطاف.
تاريخ لأميركا؟
مهما يكن من أمر، فلا مفر هنا من عودة وباختصار إلى الكتاب نفسه لمجرد أنه قابل لأن يوصف بأنه "تاريخ لأميركا من وجهة ما" أو هذا ما أرادت له جويس كارول أوتس أن يكون و"بالتواطؤ" الضمني مع صاحبة العلاقة نفسها ولو بعد عقود من رحيل هذه الأخيرة. وفي هذا السياق نذكر بأن المسودة الأولى للكتاب كانت، في الأصل، أطول من النسخة التي نشرت أخيراً. إذ وكما تقول الكاتبة "تم اختصار بعض الأقسام بينما اضطررت إلى إزالة أقسام أخرى من الكتاب. ستنشر هذه الأقسام بشكل منفصل".
وعلى رغم تغيير كثير من الأسماء البارزة، تستخدم أوتس أحياناً أحرفاً أولية مألوفة، مثل "ك"، وهو اسم أحد نجوم فيلم "البعض يفضلونها ساخنة" (يفترض أنه توني كورتيس)، والأكثر إثارة للجدل، "R.F"، قائد القناص الذي أرسل للقضاء على مونرو (أشارت كثير من نظريات المؤامرة إلى أن روبرت ف. كينيدي، المدعي العام للولايات المتحدة وشقيق الرئيس جون ف. كينيدي، كان متورطاً في وفاة مونرو، بعد علاقاتها المزعومة مع كل من الأخوين).
بيد أن الرواية تكتفي بالإشارة فقط إلى علاقتها بالرئيس. وفي السياق نفسه لا مناص من الإشارة إلى أن أوتس أمضت أوقاتاً طويلة بعد صدور الرواية وهي تحاول إقناع مستمعيها بأن روايتها "ليست وثيقة تاريخية". ومع ذلك "فهي تسلط الضوء على مصدر العذاب العاطفي الطويل الذي عاشته بطلتها، وهو ما لا تفعله إلا قلة من السير الذاتية الواقعية"، بحسب كثير من المعلقين على "شقراء".
على حافة الأوسكار
ويبقى أن نذكر أخيراً أن الرواية قد حولت باكراً ومنذ عام 2001 إلى مسلسل قصير عرض على قناة "سي بي أس" يحمل الاسم نفسه، وكان من ميزاته أنه تبع الرواية حرفاً بحرف. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن "المخرج كان غالباً ما يقرأ المشهد في الرواية قبل تصويره مباشرة". وقد انحرف المسلسل القصير عن الرواية بتجاهله الفكرة (التي تناقشها أوتس على أية حال) حول احتمال اغتيال مونرو. ولكن بشكل أكثر من ذلك إنصافاً لجهود جويس كارول أوتس ظهر بعد ذلك بعقدين فيلم مقتبس من الرواية ببعد سينمائي هذه المرة، عن سيناريو وإخراج لأندرو دومينيك، ومن بطولة الممثلة الكوبية الإسبانية آنا دي أرماس بدور مونرو، على "نتفليكس" (أواخر صيف 2022). وقد حصلت دي أرماس على ترشيح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن أدائها في الفيلم كما نعرف.