ملخص
من بين أغنى 500 شخص في العالم، كان 26 منهم يعيشون في منطقة نيويورك الكبرى مطلع يوليو الجاري، وهذا عدد أقل بأربعة فحسب مقارنة بما كان عليه قبل ثماني سنوات
أثار فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة نيويورك عن الحزب الديمقراطي جولة جديدة من القلق، في شأن احتمال مغادرة الأثرياء لما يعرف بـ"التفاحة الكبيرة".
لكن المدينة لا تزال تملك فرصة قوية للحفاظ على مكانتها التاريخية كملاذ للأثرياء، حتى لو انتهى بها الأمر مع اشتراكي معلن في منصب العمدة.
فالصدمات الأخيرة، بما في ذلك الجائحة المدمرة والتغييرات المكلفة في الضرائب الفيدرالية وضرائب الولاية، لم تؤثر في الثروة العامة لنيويورك، على رغم مغادرة بعض أصحاب المليارات البارزين.
مغادرة الأثرياء
ففي عام 2022، عاش في المدينة على مدار العام أكثر من 34 ألف دافع ضرائب يجنون مليون دولار أو أكثر، وفقًا لأحدث بيانات الضرائب في الولاية، مقارنة بنحو 25 ألفاً قبل ست سنوات.
ومن بين أغنى 500 شخص في العالم، كان 26 منهم يعيشون في منطقة نيويورك الكبرى مطلع يوليو (تموز) الجاري، وهذا عدد أقل بأربعة فحسب مقارنة بما كان عليه قبل ثماني سنوات، لكن صافي ثرواتهم المجمعة ارتفع بنسبة 41 في المئة منذ ذلك الحين، ليصل إلى 469.5 مليار دولار.
خوف من التفاوت
وبحسب محللين، فقد حظي ممداني بدعم من المخاوف المتزايدة في شأن التفاوت في الدخل وكلف المعيشة المرتفعة. وهو يفضل رفع ضريبة الدخل على أصحاب الملايين في المدينة بمقدار نقطتين، لتصل إلى 5.9 في المئة، لتمويل مقترحات مثل النقل المجاني والسكن الميسور.
ودعمت النخبة المالية في المدينة في الغالب الحاكم السابق أندرو كومو، الذي كان مدعوماً من أصحاب صناديق التحوط مثل بيل أكمان ودان لوب.
وقال إد سكايلر، وهو مسؤول تنفيذي في "سيتي غروب" وكان نائباً للعمدة خلال فترة سابقة، "إذا ارتفعت الضرائب على الأثرياء، فمن المرجح أن نشهد تدهوراً في إيرادات الضرائب التي تمول البرامج التي تدعم ذوي الدخل المنخفض في نيويورك"، مضيفاً "لا أعرف ما الحد الفاصل، لكن لا أظن أننا نريد أن نكتشفه".
حاكمة نيويورك
وتعارض حاكمة ولاية نيويورك كاثي هوشول هذه الخطوة، إذ يتطلب الأمر موافقتها على أية زيادة في ضرائب المدينة، إذ قالت في مقابلة تلفزيونية "لا أريد أن نخسر مزيداً من الناس لصالح بالم بيتش، فلقد فقدنا ما يكفي".
وقال ممداني إن "المدينة بحاجة إلى إيرادات أكبر لجعلها أكثر قدرة على الاستيعاب لذوي الدخل المتوسط والمنخفض، الذين يغادرون بوتيرة أسرع من الأثرياء".
وقال النائب البالغ من العمر 33 سنة، في برنامج "ميت ذا برس" على شبكة "إن بي سي"، "ما نحتاج إليه هو مزيد من العدالة في مدينتنا وولايتنا وبلدنا"، مضيفاً "أتطلع إلى العمل مع الجميع، بما في ذلك أصحاب المليارات، من أجل بناء مدينة أكثر عدلاً للجميع".
سكان نيويورك
ارتفع عدد سكان نيويورك بنسبة واحد في المئة العام الماضي ليصل إلى 8.5 مليون نسمة، وفقاً لتقديرات مكتب الإحصاء الأميركي، لكنه لا يزال أقل بنحو 325 ألف شخص مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
وعلى رغم الهجرة العامة من نيويورك، فإن أعلى واحد في المئة من أصحاب الدخل، ممن يكسبون أكثر من 900 ألف دولار سنوياً، ظلوا يدفعون نحو 40 في المئة من ضرائب الدخل البلدية لسنوات، وهو ما يعادل تقريباً حصتهم من إجمال الدخل الخاضع للضريبة.
وقالت مسؤولة الأبحاث في مكتب الموازنة المستقل في المدينة سارة باركر، "هذا يشير إلى أنه لم يحدث تآكل حقيقي في قاعدة أصحاب الدخل الأعلى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد بقي الأثرياء في نيويورك إلى حد كبير، حتى بعد تعديل الضرائب في عهد ترمب عام 2017، الذي جعل العيش في الولايات ذات الضرائب العالية أكثر كلفة من خلال وضع سقف لخصم ضرائب الولايات والبلديات، أيضاً استمروا في البقاء على رغم زيادة ضرائب الولاية عام 2021، التي جعلت نيويورك الأعلى عبئاً ضريبياً في البلاد.
ومع ذلك، يمكن لأثرياء نيويورك توفير ما يقارب من 15 في المئة من دخلهم السنوي ببساطة من خلال الانتقال إلى ولايات مثل فلوريدا أو تكساس التي لا تفرض ضرائب على الدخل.
مكان ممتع
لكن ما الذي يبقي الأثرياء في نيويورك؟ أحد الأسباب المحتملة هو أنها لا تزال مكاناً رائعاً لتكوين الثروات، خصوصاً في "وول ستريت".
من جهته، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة "هارفارد" إدوارد غليسر "ما تفعله الكثافة السكانية هو تسهيل تدفق المعرفة، ولا توجد صناعة يمكن أن يجعلك فيها امتلاك قليل من المعلومات مليونيراً أسرع من التمويل"، مضيفاً "وفوق ذلك، نيويورك مكان ممتع لتكون فيه مليارديراً".
ومع ذلك، يشعر عدد من أثرياء نيويورك بالقلق من احتمال فوز ممداني، في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وكتب الملياردير بيل أكمان على منصة "إكس" بعد يومين من الانتخابات، "عمدة مناهض للرأسمالية سيدمر الوظائف ويدفع الشركات ودافعي الضرائب الأثرياء، الذين مكنوا المدينة من موازنة ميزانيتها، إلى المغادرة".
وأظهرت أبحاث أكاديمية حديثة، وأمثلة حية من المملكة المتحدة وأميركا اللاتينية وأماكن أخرى، أن دافعي الضرائب الأثرياء غالباً ما يغادرون عندما تصبح الضرائب مرتفعة جداً، فدراسة عام 2023 أجراها الاقتصاديان إنريكو موريتي ودانيال ويلسون وجدت أن ضرائب التركات على مستوى الولاية تدفع المليارديرات إلى الانتقال، كذلك أظهرت دراستهما عام 2017 حول العلماء البارزين الأمر نفسه، وكذلك دراسة نشرت في ديسمبر (كانون الأول) 2024 عن الأسر الثرية في سويسرا.