Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بلوغ الفتيات في مخيمات النزوح بغزة... قصص تروي معاناتهن

يواجهن ظروفاً صعبة تنعدم فيها الخصوصية

تعاني البالغات حديثاً انعدام الخصوصية في خيم الإيواء (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

العيش في الخيمة صعب وقاس، ويزداد ألماً عندما تدخل الفتيات حديثاً مرحلة البلوغ. في هذا التقرير رصدت "اندبندنت عربية" قصصاً لفتيات خضن تجربة البلوغ داخل مخيمات النزوح.

بينما كانت القاصر سلمى ترتب الخيمة التي تعيش فيها، استهدفت سلسلة غارات إسرائيلية قطاع غزة، سمعت الفتاة صوت تطاير الشظايا، وعلى الفور شعرت بخوف شديد وارتمت في حضن أمها، كانت ترجف وتنزف دماً غزيراً.

ظنت أم سلمى أن ابنتها أصيبت جراء القصف ونقلتها للمستشفى، بعد الفحوص تبين أنها تحيض للمرة الأولى، ونتيجة الخوف من الغارات العنيفة تعرضت لنزف شديد، عندما تلقت الأم الخبر لطمت وجهها وقالت "بلوغ في الخيمة".

بلوغ من دون تثقيف

في الحرب، أمر الجيش الإسرائيلي عائلة سلمى بالنزوح نحو المناطق الإنسانية، وبالفعل استجابت الأسرة وغادرت معها سلمى غرفتها المستقلة، وعاش جميع أفراد العائلة في خيمة واحدة، وبعد أيام من النزوح، نسفت الطائرات المقاتلة المربع السكني الذي تعيش فيه الفتاة وحولت بيتها إلى كومة أنقاض.

 

بصوت خائف تأتأت سلمى "ما الأمر؟"، كانت الأم مشغولة بالبحث عن فوط صحية نسائية، وتجاهلت الإجابة عن سؤال البالغة حديثاً، كانت والدة سلمى حائرة وتفكر بعمق، في طريقة تجاوز هذه المرحلة الصعبة بخاصة داخل الخيمة.

تقول أم سلمى "ابنتي لا تعلم أي شيء عن الدورة الشهرية، ومن الصعب أن أثقفها عن مرحلة البلوغ داخل الخيمة".

تشعر الأم بخيبة كبيرة، لأن سلمى بدأت مرحلة البلوغ في الخيمة، وتضيف "تجربتها الأولى مع الحيض في ظل الحرب والعيش داخل الخيام كانت كابوساً، وتتمنى أحياناً لو كانت ولدت شاباً بدلاً من فتاة، لأن ذلك كان سيريحها من عبء الحيض في ظل ظروف مريرة تعاني فيها الويلات".

شعرت سلمى أنها كبرت، وسألت أمها كثيراً عن مرحلة البلوغ، لكن الإجابات كانت صادمة، تؤكد الفتاة أن لا خصوصية داخل الخيمة، ولا راحة نفسية وجسدية، والبلوغ وحده أصعب ما في الحرب.

تراقب سلمى تحركاتها، وتشعر بأن الجميع يراقبونها، تشعر بالخجل طوال الوقت، ويزداد هذا الشعور عندما يدخل أشقاؤها الذكور داخل الخيمة، إذ لا يوجد فواصل بينهم، وتظل جالسة في زاوية بمفردها، وتوضح أن تجربة البلوغ في الحرب وسط الخيام ومع انعدام الخصوصية وارتفاع أسعار الفوط الصحية يزيدها اكتئاباً وقلقاً.

توعية ولكن لا فوط صحية

وفقاً لبيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان فإن السيدات في غزة بحاجة إلى 10.3 مليون فوطة صحية شهرياً، وبعد أربعة أشهر على الحصار الشامل على القطاع باتت لوازم النظافة الشخصية والدورة الشهرية شبه معدومة، وإذا توفرت فإن كلفتها تبلغ نحو 12 ضعفاً، مما يجعلها بعيدة المنال بالنسبة إلى معظم الأسر.

فجأة صرخت بتول من شدة ألم بطنها، وعندما ذهبت إلى الحمام العام الذي تتشاركه مع جميع النازحين الذكور والإناث في المخيم الذي تعيش فيه، وجدت دماً يسيل منها، اعتزلت الفتاة الجميع وأخبرت أمها فقط بذلك.

كانت بتول أكثر جرأة، إذ حدثتها أمها عن مرحلة البلوغ والفترة الحساسة، وعلمتها كيف تتعامل معها، وأخبرتها عن التغييرات الجسدية، لكن ليس بسهولة تعايش الفتاة مع تغيرات البالغات، تأثرت في البداية نفسياً، بخاصة مع عجزها عن ممارسة النظافة الشخصية وتغيير الفوط بانتظام.

تقول "الفوط الصحية النسائية مرتفعة الثمن ولا أقوى على شرائها، كنت أخجل أن أمشي أمام عائلتي في الخيمة خشية تسرب الدم، لأنني كنت أمزق بعض الملابس المهترئة وأستخدمها كفوط بديلة".

والدة بتول تعتقد أن دخول ابنتها مرحلة البلوغ جاء في الوقت الخطأ لأنها تعيش في خيمة مع جميع أفراد الأسرة تنعدم معها الخصوصية، إذ لا تستطيع أن تغير ملابسها وحدها ولا تنظف نفسها إلا بوجود أحد يحرس باب الخيمة، تداركت الأم وقالت "هذه المرحلة لا هرب منها كالموت، ولكن كنت أتمنى أن تعيش ابنتي مراحل البلوغ في منزلها وليس في الخيمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا راحة في مخيمات النازحين

تفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن 170 ألف طفلة على وجه البلوغ في غزة، ويتوقع أن يعانين انعدام الخصوصية في ظل غياب شبه تام للرعاية الطبية، وهؤلاء سينضممن لأكثر من 700 ألف امرأة وفتاة، يعشن من دون فوط صحية أو مياه أو مراحيض في مخيمات النازحين.

كانت منتهى تتمنى أن تكون تجربتها الأولى مع الدورة الشهرية والبلوغ في منزلها وليس في مخيم نزوح، تقول "وضعت أمي فاصلاً من القماش بيني وبين أشقائي عند النوم لتمنحني الاستقلالية والخصوصية"، وتضيف "نحن عائلة محافظة، والدورة الشهرية تعني مرحلة البلوغ وأنني مهيأة للزواج، ومن هنا تبدأ المحاذير، ويتوجب ارتداء الحجاب، البلوغ داخل الخيمة التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة يعد حرباً على البالغات حديثاً"، وتوضح منتهى أنها تكبر وهي لا تشعر بالراحة "هذا ذنبي لأنني ولدت في غزة، داخل الخيمة تعلمت كيفية العناية بجسدي خلال الدورة الشهرية، وأهمية تغيير الفوط الصحية بانتظام، كل هذه الأمور تمت وسط انعدام الخصوصية". وتستذكر أنها، عندما خاضت دورتها الشهرية الأولى في حياتها، اضطرت إلى دفن ملابسها الداخلية الملطخة بالدماء في حفرة لعدم توافر مياه لغسلها من دون أن يعلم أحد.

تصف الأمهات والفتيات البلوغ في خيام النزوح بالحرب، إذ تغير الأسر أماكنها ونمط حياتها باستمرار، مما يفقد البالغين والبالغات خصوصية التأقلم مع هذه المرحلة الصعبة.

صدمات نفسية وظروف صعبة

تشعر بنان بحالة من التوهان في مرحلة البلوغ، وتحتاج إلى من يقف إلى جانبها، لكنها اليوم المعيلة الأولى لأسرتها بعد سقوط أمها ضحية في الحرب، تقول "أدرك أنني في مرحلة حساسة وأحتاج إلى من يقف إلى جانبي، أشعر بحرج عند ذهابي إلى حمام عام، وأطلب من صديقتي مرافقتي، لأن باب الحمام مغطى بقطعة قماش"، وتضيف بنان "في بعض الأحيان لا تتوافر مياه للاغتسال، كما أضطر، عندما أريد تبديل ملابسي داخل الخيمة، إلى التحايل على المساحة الضيقة، وأطلب من أخي الصغير مراقبة المكان، في أوقات المرض والحيض أفقد الراحة، إذ لا ماء ساخنة، ولا تتوفر أدوات نظافة، ولا مكان للجلوس أو التمدد، فالمساحات ضيقة داخل مخيمات الإيواء".

في السياق، تقول اختصاصية صحة المرأة وفاء أبو حشيش "دخول سن المراهقة في مخيمات النزوح أدى إلى صدمات نفسية عند الفتيات، فترة الحرب أحدثت نقلة نوعية في حياة الفتيات البالغات اللاتي لم يكن معتادات عليها، ووجدت الفتيات أنفسهن مضطرات إلى التعامل مع واقعهن المرير تبعاً للظروف المتاحة"، وتضيف "غالبية الفتيات يفتقرن للمعلومات عن مرحلة البلوغ نظراً إلى انشغال الأمهات بتفاصيل الحرب، مما يجعل البالغات حديثاً عرضة للتحرش أو الاعتداء الجنسي أو الاستغلال، خصوصاً في طوابير الحمامات في المخيمات"، ‎وتوضح أنه في مرحلة البلوغ تواجه الطفلة تغيرات جسدية لا تفهمها، "وفي الوقت نفسه تتعرض لمشاهد الحرب وأصوات الانفجارات وفقدان الأحبة، مما يولد حالة من القلق المزدوج وضعف الثقة بالنفس، فتبدأ بالشعور بأنها مختلفة عن غيرها، خصوصاً إذا لم تكن هناك توعية أو دعم نفسي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير