Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حزب الله" وفزاعة الحرب الأهلية: سلاح للبقاء أم ورقة ضغط؟

بند حصرية السلاح بدأ يعكس تحولاً نوعياً في الخطاب الرسمي ويضع الحزب أمام معادلة جديدة

من لاريجاني إلى باراك... تزدحم في سماء بيروت طائرات الموفدين الدوليين، ولكن أمور البلد لا تزال عالقة (ا ف ب)

ملخص

كلما اقترب النقاش من جدية وضع حد لسلاح "حزب الله" يخرج خطاب "الحرب الأهلية" من الأدراج، تلميحاً لا تصريحاً، تذكيراً بدماء الماضي لا تحريضاً مباشراً، لكنه في جوهره ابتزاز مضمر للبيئة السياسية والشعبية، ومفاده بأن "السلاح ضمانة استقرار، وأية محاولة لكسره ستفتح باب الفوضى"، ولكن المفارقة أن السلاح ذاته صار أحد أكبر أسباب الفوضى والعزلة والانهيار، ومعادلة "إما سلاحي أو الحرب" لم تعد تخيف الشارع كما في السابق.

يقف لبنان على حافة التجارب، وكأن قدره أن يظل معلقاً بين الانفجار والانفراج. بلد أنهكته الأزمات، لا يكاد يلتقط أنفاسه من كارثة حتى يزج به في اختبار جديد، من الانهيار الاقتصادي، إلى الفراغ السياسي، إلى الخطر الوجودي المحدق على حدوده الجنوبية، واليوم وبعد التصعيد في المواقف على إثر قرار الحكومة اللبنانية، بحصرية سلاح الميليشيات بيد الدولة اللبنانية.

تزدحم في سماء العاصمة بيروت طائرات الموفدين الدوليين، ولكن أمور البلد لا تزال عالقة في عنق الزجاجة. ويبدو جلياً أن الخروج إلى الحل مؤجل دائماً، بانتظار تسوية لا تأتي أو صفعة خارجية تغير المعادلات.

نعيم قاسم يهدد

وأتى التصعيد غير المسبوق للأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم في خطابه الأخير، الذي قال خلاله إنهم لن يسلموا سلاحهم، و"سنخوض معركة كربلائية إذا لزم الأمر بمواجهة المشروع الإسرائيلي - الأميركي مهما كلفنا ذلك".

وأضاف "الحكومة اللبنانية تتحمل كامل المسؤولية عن أية فتنة داخلية وعن تخليها عن واجبها في الدفاع عن أرض البلاد". وخاطب الحكومة في كلمته قائلاً "أوقفوا العدوان وأخرجوا إسرائيل من لبنان، ولكم منا كل التسهيلات خلال مناقشة الأمن الوطني والاستراتيجي".

هذا الكلام دفع برئيس الحكومة نواف سلام أن يرد ينتقد وبشدة ما ورد في خطاب قاسم، واعتبر سلام أن التصريحات تلك تمثل "تهديداً مبطناً بالحرب الأهلية وهذا مرفوض تماماً"، وقال "الحديث عن أن الحكومة تنفذ مشروعاً أميركياً إسرائيلياً هو حديث مردود، قراراتنا لبنانية، تصنع في مجلس وزرائنا ولا أحد يمليها علينا".

وشدد سلام على أن "اتفاق الطائف ينص بصورة صريحة على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بقواها الذاتية، ولا يوجد أي حزب في لبنان مخول بحمل السلاح خارج نطاق الدولة".

أجندة رئيس الجمهورية "تحقيق الأمن والاستقرار"

بدوره وخلال مقابلة إعلامية مطولة أكد رئيس الجمهورية جوزاف عون أن إيران دولة صديقة للبنان على قاعدة الاحترام المتبادل وحفظ السيادة، مشدداً على أن لبنان لا يسمح لنفسه بالتدخل في شؤون أية دولة، كما لا يقبل التدخل في شؤونه الداخلية.

وتطرق الرئيس عون إلى ملف سلاح "حزب الله"، وأعتبر أنه "شأن داخلي"، وأن المؤسسات الدستورية هي المعنية حصراً بمعالجة هذا الموضوع". وفي ما يتعلق بالمبادرة الأميركية، أوضح أن لبنان "وضع ملاحظاته على الورقة الأميركية فباتت ورقة لبنانية، أكدنا مبدأ خطوة في مقابل خطوة، وأمامي خياران، إما الموافقة على الورقة والمطالبة بموافقة إسرائيل عبر المجتمع الدولي، أو عدم الموافقة، وهو ما قد يؤدي إلى رفع وتيرة الاعتداءات وعزل لبنان اقتصادياً".

وشدد على أنه لم يتلق أي تهديد مباشر في حال رفض الورقة، لكنه كشف عن أن الجانب الأميركي أبلغه بأن لبنان سيستبعد من أجندته إذا لم يوافق على المقترح.

لبنان بلد حيوي في مفاوضات إيران

لا يختلف اثنان على أن كلام قاسم العالي النبرة و"التهديدي"، أتى كترجمة مباشرة لزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني المزدوجة لبغداد وبيروت، وانعكاس حقيقي لحالة الارتباك التي تعيشها إيران، وهي تحاول لملمة أوراقها المتناثرة في ساحات كانت يوماً تمثل امتدادات استراتيجية لها، قبل أن تمنى بنكبات متتالية قلصت من نفوذها وفاعلية أذرعها. في هذا الإطار، لا يمكن اعتبار زيارة لاريجاني الأسبوع الماضي حدثاً بروتوكولياً عابراً أو تحركاً روتينياً ضمن شبكة علاقات طهران الإقليمية، بل أتت في لحظة إيرانية حرجة، تعيد فيها طهران تموضعها الاستراتيجي في ساحات نفوذها، وتبحث عن أوراق تفاوضية تضعها على طاولة التفاهمات مع القوى الدولية، وسط ضغط اقتصادي وسياسي داخلي متصاعد.

ومن خلال تتبع دلالات الزيارة وما رافقها من لقاءات مع أجنحة سياسية وأمنية حليفة، توحي بوضوح أن لبنان بات مدرجاً بنداً حيوياً في مفاوضات إيران الكبرى، ليس فقط كورقة ضغط أو مقايضة، بل كجبهة قابلة للاشتعال أو التبريد، بحسب مصلحة طهران. هذا يعني أن الأخيرة تريد أن تظهر أن القرار الإيراني، هو أكثر مركزية في تقرير مصير الاستقرار اللبناني، وربما في رسم معالم المرحلة المقبلة داخلياً، ودور "حزب الله" وسلاحه، ومسار الحرب مع إسرائيل.

الخطر في هذا السياق، أن أي تحول في ميزان التفاهمات أو إخفاق في مسار المفاوضات قد يترجم فوراً بتصعيد على الساحة اللبنانية محكوم بالإيقاع الإيراني، في حين تسعى الدولة اللبنانية، ممثلة برئيسي الجمهورية والحكومة، إلى تأكيد مبدأ السيادة الوطنية وحصرية السلاح بيد المؤسسات الشرعية. لكن هذه المحاولات تصطدم بواقع سياسي وأمني يكبل القرار الرسمي، ويبقي لبنان في موقع هش، بين مطرقة التوازنات الداخلية وسندان الحسابات الإقليمية.

خلطة ضغط دولية

في هذا السياق، تأتي زيارتا المبعوث الأميركي إلى المنطقة توم باراك، والمبعوثة السابقة مورغان أورتاغوس. وصرح براك من قصر بعبدا، أنه "نريد حياة أفضل للبنان ودول جواره ونزع السلاح هو قرار يخص الدولة اللبنانية"، وأضاف "لا نحمل أي تهديد في شأن نزع سلاح الحزب وهناك تعاون من الجميع، لا نعمل على تخويف أحد فالنتائج الإيجابية تشمل الحزب ولبنان وإسرائيل في آن معاً، ونركز على الازدهار المستقبلي لا الترهيب"، معلناً أن "مورغان أورتاغوس عادت جزءاً من فريقنا".

تلك الزيارات تشير وبصورة واضحة إلى أن الملف اللبناني ما زال حتى الآن في قلب خريطة الاهتمام الدولي، وهي ليست زيارات مجاملة بقدر ما هي جزء من "خلطة ضغط دولية" تعاد صياغتها بين واشنطن وطهران، ويمر لبنان في شقها السياسي والاقتصادي والأمني.

وهكذا يصبح لبنان ساحة متقاطعة بين مفاوض إيراني يعرض أوراقه، ووسيط أميركي يختبر موازين القوى، وهنا تكمن الخطورة، أن يصبح الداخل اللبناني رهينة سيناريوهات خارجية، على رغم كل محاولات الدولة لفرض منطق السيادة والمؤسسات.

تغير المعادلات في بيروت

وبرأي بعض المتابعين، أن هدف زيارة علي لاريجاني كان مزدوجاً، أولاً لاستكشاف التحولات الجوهرية التي طرأت على بيروت وبغداد، واللتين كثيراً ما تغنى مسؤولون إيرانيون بالهيمنة عليهما ضمن ما سمي آنذاك بـ"محور العواصم الأربع" (بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت). وثانياً لإعادة شحن أدوات الوكالة الإيرانية في الميدان، بعد اهتزاز مواقعها وتراجع فاعليتها، وذلك من خلال البعد الأيديولوجي ذاته، الذي استثمر فيه لعقود تحت شعار "تصدير الثورة"، وبهدف تأمين الحماية للنظام الإيراني إذا ما اشتد عليه الخناق.

ولكن في بيروت، وجد لاريجاني نفسه أمام واقع مختلف، فـ"حزب الله" الذي كثيراً ما اعتبره النظام الإيراني "درة التاج" في مشروع النفوذ الإقليمي الإيراني، لأنه كان الذراع الأكثر تمدداً وتنظيماً، القادر على إدارة شبكات عابرة للحدود، الذي أمسك بقرار السلم والحرب في لبنان لعقود، سقطت عنه تلك الهالة بعد الخسائر والهزائم التي مني بها خلال حربه مع إسرائيل، عقب تدخله بـ"حرب الإسناد" في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ومن الطبيعي أن لاريجاني لمس حجم التآكل في حضور الحزب، ونفوذ طهران السياسي داخل البلاد.

التهديد بالحرب الأهلية "المحاولة الأخيرة"

في السياق، لم تأت تهديدات قاسم من فراغ، بل في سياق تصاعد الضغط على الحزب من جهات عدة، وهو الذي فشل في تحقيق نصر واضح في الجنوب، ووقع اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، أعطيت فيه تلك الأخيرة حرية العمل العسكري في الداخل اللبناني، وملاحقة أي هدف يهدد أمنها من وجهة نظرها هي، ناهيك باستمرار احتلال القوات الإسرائيلية خمس نقاط استراتيجية في جنوب لبنان، وهي حتى اللحظة لم تعط إشارة واضحة حول نيتها الانسحاب قريباً. أضف إلى ذلك، الضغوط الاقتصادية المتزايدة على بيئته الحاضنة، التي بدأت علامات التململ داخلها تظهر بوضوح، وتفاقم الخلافات وتباين الآراء داخل الصف الشيعي، لا سيما بين جمهور "حزب الله" و"حركة أمل". لذلك فإن التهديد بالحرب الأهلية جاء ضمن محاولة أخيرة لفرض معادلة داخلية، تحذر الخصوم بأن أي مس بـالحزب أو سلاحه سيقود إلى فوضى داخلية، لا إلى تسوية سياسية.

ويربط مراقبون بين زيارة لاريجاني وتهديدات قاسم، مشيرين إلى أن الزيارة الإيرانية لبيروت أعطت مفاعيلها، وواضح أن أمر العمليات سلم إلى "حزب الله"، بالتالي رفع من منسوب التهديدات، إما بقاء السلاح أو الحرب الأهلية، مما يوحي بأن هدف الزيارة كانت تنسيقية وعملياتية. ولاريجاني لم يأت للدعم المعنوي فقط، بل ليسلم رسالة عملياتية، وقت المناورة انتهى، حان وقت التصعيد السياسي وحتى الأمني إن لزم.  

موقف السلطات اللبنانية من تعنت "حزب الله"

للغوص أكثر في هذا التحليل، تحدثت "اندبندنت عربية" مع أكثر من مراقب ومحلل، ومن وجهات نظر مختلفة، للإضاءة أكثر على موقف السلطات اللبنانية من تعنت "حزب الله" وتحذير أمينه العام من حرب أهلية.

يشير الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية خالد العزي إلى أن "السؤال الذي يطرح نفسه في الداخل والخارج، ما هي الخطوات التي ستتخذها الحكومة، في التعامل مع بند حصرية السلاح الذي أقر في جلستي الخامس والسابع من أغسطس (أب) الجاري، لا سيما بعد إعلان الحزب رفضه تسليم سلاحه، وتقصد أمينه العام خلط الموقف السياسي بالمذهبي (حديثه عن كربلاء)، في محاولة لشد العصب الطائفي وفرض عقيدته على بقية المكونات. وأتى الموقف الرسمي الصادر عن البيت الأبيض، على لسان المتحدث الإعلامي بأن الخطوات النظرية قد اتخذت، ونحن ننتظر التطبيق العملي للقرار، في إشارة إلى انتظار تقرير اللجنة العسكرية الفنية المكلفة بتنظيم عملية تسليم السلاح وتحديد الجدول الزمني لذلك. في الوقت ذاته، جاءت زيارة لاريجاني، في محاولة لإفشال قرار الحكومة والضغط على القوى السياسية لتأجيل تنفيذه، سعياً إلى إلغاء مفاعيله. وهذا يظهر أن السلاح الإيراني الموجود بيد الحزب لم يسحب بعد من الحرس الثوري، وأن إيران تسعى إلى التفاوض عليه مباشرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتابع العزي أن زيارة لاريجاني إلى بيروت لم تكن ناجحة، إذ بدا أنه لا يدرك حجم التحولات التي طرأت على النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، متناسياً أن لبنان قاتل عام 1982 من دون وصاية إيرانية ودفع أثماناً باهظة دفاعاً عن القضية الفلسطينية قبل ولادة الحزب.

ويتابع المتخصص في العلاقات الدولية خالد العزي "أن زيارة كل من براك وأورتاغوس، واضحة الأهداف وهي لإبلاغ بيروت بضرورة الانتقال من مرحلة القرار النظري إلى التطبيق الفعلي، ويتضمن هذا الأمر عملية نزع سلاح الحزب من أجل سحب ذريعة التهديد الأمني التي تروج لها إسرائيل، وتنفيذ الشق الثاني من ورقة براك الذي يشمل الانسحاب من النقاط المحتلة، وترسيم الحدود، وإطلاق الأسرى، وإعادة الإعمار، وإعادة المهجرين، وتعزيز دور الجيش اللبناني على الحدود. إلا أن المهلة الزمنية تضيق، فـتقرير اللجنة العسكرية يفترض أن ينتهي في الـ31 من أغسطس، وهو الموعد نفسه لتجديد تفويض قوات ’اليونيفيل‘ في الجنوب، وكل ذلك وسط تهديدات إسرائيلية بعملية عسكرية، واحتمالات مواجهة إيرانية - إسرائيلية على الأرض اللبنانية".

ويختم بالقول "تبقى أولوية الحكومة، تحصين قراراتها بالدعم العربي والدولي، وتنفيذ القرار من دون الرضوخ لضغوط الحزب أو السماح بإفراغه من مضمونه. وفي النهاية، لن يكون أمامه سوى خيارين، إما الرضوخ لقرارات الدولة، أو الانفصال الفعلي عن الدولة والمجتمع اللبناني".

تهديد أم إعلان إفلاس؟

من المثير أن يلجأ "حزب الله"، الذي بنى شرعيته على أنه "حام للبنان"، إلى التهديد بحرب أهلية، وهذا ليس تهديداً استراتيجياً بل إشارة ضعف في العمق، فالحزب يعرف أن تفجير الداخل يعني تآكل نفوذه أكثر من خصومه، ولكنه يراهن على الخوف العام من تكرار الحرب، للضغط من أجل الخضوع السياسي، والحفاظ على نفوذه مستغلاً فائض القوة المتأتي من السلاح. أي أن الحزب لا يهدد بالحرب ليشنها فعلاً، بل لردع أي تفكير بتقليص دوره أو سلاحه، لكن هذا التهديد، إن تكرر أو طبق بصورة محدودة عبر تفجيرات أمنية أو اغتيالات، قد ينعكس عليه سلباً، ويستجلب رداً دولياً أكثر حدة، وربما عقوبات جديدة أو محكمة دولية متجددة.

يقول الإعلامي والمحلل السياسي فادي أبو دية إنه "لا يوجد تصلب بموقف الحزب، بل موقفه كان واضحاً ومبدئياً، والمبدأ يقول إنه لا يمكن نزع قوته (السلاح) أو قوة لبنان قبل إخراج الاحتلال الإسرائيلي من النقاط التي احتلها، والحصول على ضمانات حقيقية وجدية بعدم الاعتداء مجدداً على هذا البلد. وفي الشق الأول لم تخرج إسرائيل، وفي الشق الثاني فإن الأميركي الذي أرسل الورقة التي ناقشتها الحكومة، هو نفسه يقول لا ضمانات. وبالتالي المنطق يقول إن موقف الحزب سيكون رافضاً، بل يجب أن يكون موقف الدولة هو الموقف الرافض قبل الحزب، ولكن مع الأسف ونتيجة الضغوط الأميركية، وبعض من الدول العربية،  وافقت الدولة ووضعت صدرها في خط المواجهة الأول مع الحزب".

ويتابع أنه "ليس لزيارة لاريجاني أية علاقة بالتصعيد من الحزب، ومن يدقق في كلمة قاسم السابق يعرف أن موقفه هو نفسه، أي رفض تسليم السلاح ورفض إعطاء أوراق القوة إلى الإسرائيلي مهما كانت، وبالتالي إيران لا تتدخل بشؤون لبنان، كما تفعل أميركا وغيرها". ويضيف أبو دية "لا أعتقد أنه من الممكن ربط زيارة لاريجاني بهذا الموقف، وبالتالي وبكل بساطة موقف الحزب هو موقف منفتح، ولكن من باب القوة، منفتح على النقاش، عندما تتحقق سيادة حقيقة، وعلى نقاش تحقيق الوطنية، وعلى التعاون مع الدولة على رغم من كل ما فعلته الحكومة، ومنفتح على عدم انجرار البيئة إلى الشارع ومواجهة الدولة".

فزاعة الحرب الأهلية

لا يرفض "حزب الله" فقط تسليم سلاحه، بل يرفض حتى النقاش فيه، لأن السلاح لم يعد بالنسبة إليه مجرد "وسيلة مقاومة"، بل أداة نفوذ داخلي وهيمنة استراتيجية إقليمية. والموقف الرافض لتسليم السلاح مغلف دائماً بخطاب مزدوج، في العلن "السلاح لحماية لبنان من العدو الإسرائيلي"، وفي العمق هو ضمانة الحزب لبقاء معادلة تفوقه السياسي والأمني، وسط توازنات هشة في الداخل اللبناني.

يقول الكاتب والمحلل السياسي سمير سكاف "انكسرت الجرة بين الحكومة اللبنانية والحزب، لدرجة أن الأخير بدأ التحضير للتعاطي معها وكأنها حكومة إسرائيلية في بيروت. ويعمل من أجل إسقاطها وشلها سياسياً، وحتى عسكرياً، إذا لزم الأمر"، بحسب تقديراته. "فيما الحرب الكربلائية التي هدد بها قاسم، تعني أيضاً أن ما كان يعتبره الحزب مستحيلاً، قد يتحول إلى أبغض الحلال في قرار مواجهة الجيش اللبناني، إذا لزم الأمر"، من وجهة نظره.

ويعتبر الكاتب السياسي أن المواجهة بين الحزب والحكومة ستكون على مسافة صفر إن كان لجهة تنفيذ الحكومة لقرارتها الشرعية، التي من المرجح أن يسعى الحزب بالتكافل والتضامن مع حليفته حركة "أمل" بالتأكيد إلى إسقاط ميثاقيتها ودستوريتها باستقالة كل وزراء الشيعة منها، وبدفع المستقل منهم (في إشارة إلى الوزير فادي مكي) إلى الاستقالة بالترهيب، أو لجهة توجيه حزب الله ضربة استباقية مفاجئة للحكومة تسقطها أرضاً، بانتظار الانتخابات النيابية المقبلة الربيع المقبل".

في المحصلة كلما اقترب النقاش من جدية وضع حد لسلاح الحزب يخرج خطاب "الحرب الأهلية" من الأدراج، تلميحاً لا تصريحاً، تذكيراً بدماء الماضي لا تحريضاً مباشراً، لكنه في جوهره ابتزاز مضمر للبيئة السياسية والشعبية، ومفاده بأن "السلاح ضمانة استقرار، وأية محاولة لكسره ستفتح باب الفوضى"، ولكن المفارقة أن السلاح ذاته صار أحد أكبر أسباب الفوضى والعزلة والانهيار، ومعادلة "إما سلاحي أو الحرب" لم تعد تخيف الشارع كما في السابق. بل إن الطرح المتصاعد من داخل الدولة، الذي يطالب بحصرية السلاح، بدأ يعكس تحولاً نوعياً في الخطاب الرسمي، ويضع الحزب أمام معادلة جديدة، إما أن يندمج في الدولة، أو يعري نفسه كقوة انقلابية على الدولة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل