Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نهب مخطوطات وتدمير مواقع أثرية... الإرهاب يهدد ذاكرة دول الساحل

أتلف المتشددون 4 آلاف وثيقة وأحرقوا 9 أضرحة وعدداً من المساجد العتيقة أشهرها "جينغاري بير"

عودة الاضطرابات إلى منطقة الساحل تهدد المخطوطات والآثار التي ستكون عرضة مرة أخرى لبطش الجماعات الإرهابية (مواقع التواصل)

ملخص

أعاد تسليم السلطات في مالي مخطوطات تخص مدينة "تمبكتو" الواقعة في شمال البلاد، في الـ11 من أغسطس الجاري، لأذهان المتابعين وسكان دول الساحل خصوصاً، صور الدمار والبطش الذي تعرضت له المنطقة من طرف المجموعات الإرهابية التي انتقلت من الاعتداء على المدنيين وسرقة المواشي والممتلكات إلى تدمير وحرق التراث العالمي وذاكرة شعوب المنطقة.

لم تسلم المخطوطات والآثار والتراث الثقافي والعلمي والديني من بطش الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، إذ تعرضت المخطوطات والمكتبات القديمة للحرق، فيما كانت الآثار على اختلافها عرضة للتدمير والتشويه والنبش، مما يكشف عن خطورة ظاهرة الإرهاب على الإنسان والإنسانية.

عودة بعد 13 سنة

وأعاد تسليم السلطات في مالي مخطوطات تخص مدينة تمبكتو الواقعة في شمال البلاد، في 11 أغسطس (آب) الجاري، لأذهان المتابعين وسكان دول الساحل خصوصاً، صور الدمار والبطش الذي تعرضت له المنطقة من طرف المجموعات الإرهابية التي انتقلت من الاعتداء على المدنيين وسرقة المواشي والممتلكات إلى تدمير وحرق التراث العالمي وذاكرة شعوب المنطقة.
ومن بوابة "معهد أحمد بابا" للدراسات والبحوث الإسلامية في تمبكتو، دخلت أول شاحنة وعلى متنها 200 صندوق من المخطوطات نقلت جواً من العاصمة باماكو لإعادتها للمدينة بعد 13 سنة، أي منذ عام 2012، حين تحولت في ظروف استثنائية إلى باماكو، على يد أمناء المكتبات والجمعيات والسكان، لإنقاذها من التدمير الذي لحق بالمدينة في ذلك العام بسبب الاقتتال بين الحكومة والجماعات الإرهابية.


الإرهاب يبطش والعلم يقاوم

وأضرم الإرهابيون النار في مكتبة تحوي آلاف المخطوطات التاريخية التي لا تقدر بثمن، كما جرى تهريب وسرقة بعضها وبيعها بمبالغ كبيرة لتمويل نشاطهم، في حادثة وصفت في وقتها بـ"الكارثة المدمرة" للتراث العالمي. وكانت السلطات قدرت الخسائر بأقل من خمسة في المئة، وهي النسبة التي تقول تقديرات المعنيين إنها أعلى بكثير، لا سيما بعد أن امتدت يد الإرهابيين إلى مكتبات أخرى في المنطقة، إذ إن المخطوطات التي عاشت قروناً في "تمبكتو" وكانت مخفية في حقائب خشبية مدفونة في صناديق تحت الرمال وفي الكهوف، وزعها السكان بعد انتهاء الاستعمار الفرنسي لمالي عام 1960، بين 60 إلى 80 مكتبة خاصة.
وفي حين تتحدث الأرقام المحلية عن أن مدينة تمبكتو تضم 500 ألف مخطوط، أشارت تقارير بعثة الأمم المتحدة في مالي إلى أن الإرهابيين أتلفوا نحو 4 آلاف مخطوطة أثناء احتلالهم للمدينة. وأضافت أن حراس مكتبة "أحمد بابا" التي تحوي على الكمية الأكبر من "الكنز" الذي يعود تاريخه للقرن الـ13، تمكنوا من إنقاذ المخطوطات عن طريق نقلها في أكياس للرز على عربات تجرها الحمير.
وكانت غالبية المخطوطات مكتوبة باللغة العربية، وقليل منها باللغات الأفريقية مثل "السونغاي" و"التاماشيك" و"البامبارا"، وهي تشمل مجموعة متنوعة من المواضيع، مثل علم الفلك والشعر والموسيقى والطب وحقوق المرأة، وترجع أقدم مخطوطة إلى عام 1204.

ليست المخطوطات وحدها بل الأضرحة والمساجد أيضاً

وليست المخطوطات وحدها المتضررة من بطش الجماعات الإرهابية في الساحل، بل تعدى الأمر ذلك ليصل إلى الأضرحة والمساجد، إذ تشير معلومات صادرة عن أمناء المكتبات إلى تدمير تسعة أضرحة، وحرق عدد من المساجد العتيقة، وأشهرها مسجد "جينغاري بير" الذي بناه الملك منسا موسى ملك إمبراطورية مالي في عام 1327، وصنفته "اليونسكو" في عام 1992 ضمن قائمة التراث العالمي.
وتذكر المصادر التاريخية أن المسجد جرى بناؤه على يد المهندس المعماري والشاعر الأندلسي أبو إسحاق الساحلي الذي استقدمه السلطان الفقيه المعروف بـ"ملك الذهب" منسا موسى، بعد عودته من الحج، فشكل ذلك بداية لدخول الفن المعماري الأندلسي إلى منطقة الصحراء الأفريقية.
وتعتبر تمبكتو مدينة تاريخية في دولة مالي، وتلقب بـ"مدينة الأولياء" و"جوهرة الصحراء"، وهي مركز يرمز إلى الإشعاع الثقافي للحضارة الإسلامية في منطقة غرب أفريقيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المحكمة الدولية تتحرك؟

وبعد حادثة تدمير الأضرحة الأثرية ولخطورة الواقعة على التراث الإنساني، رفعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو"، دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، وقالت إن "تدمير تراث ثقافي للبشرية يعد جريمة حرب بموجب معاهدة لاهاي الموقعة في 1954".
وتسلمت المحكمة الجنائية الدولية في الـ26 من سبتمبر (أيلول) 2015، عنصراً من تنظيم "القاعدة" متهماً بمهاجمته مساجد وآثار في تمبكتو، وقالت إن "الهجمات المتعمدة ضد الآثار والمباني التاريخية الدينية هي جرائم خطرة، ومثل هذه الأفعال تؤثر في الإنسانية جمعاء، وسنستمر في القيام بدورنا لتسليط الضوء على خطورة جرائم الحرب هذه".

انتصار الذاكرة

في السياق، قال أحد أعيان منطقة تمبكتو، أسلم كيتا، إنه في عام 2012، وأثناء سيطرة جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة على شمال مالي، نقلت آلاف المخطوطات سراً إلى العاصمة باماكو حفاظاً عليها من الحرق والنهب، حينها خاطر مثقفون وأهالي محليون بأرواحهم، متنقلين ليلاً عبر الصحراء محملين بصناديق من الوثائق التي تضم معارف في الفقه والرياضيات والطب والفلك والأدب، مضيفاً أنه "بعد سنوات من القلق، عاد جزء من هذه الكنوز التي تقدر بنحو 5.5 طن من الوثائق، لتجد مكانها الطبيعي في مكتبات تمبكتو ومراكزها البحثية، وسط أجواء من الفرح والاعتزاز الشعبي". وشدد كيتا على أن هذا الحدث جاء ليمثل لحظة فارقة في مسيرة استعادة الهوية الثقافية الأفريقية، ويعيد الاعتبار لمدينة كثيراً ما وصفت بـ"أثينا الصحراء"، مبرزاً أن "هذه العودة لا تقاس بوزن الأوراق ولا بعدد الصناديق، بل بما تحمله من معنى حضاري عميق، ومن انتصار الذاكرة على الإرهاب، ورسالة بأن محاولات محو التاريخ تواجه بالتمسك به".


الرقمنة والأمن ضروريان

إلى ذلك، اعتبر أستاذ التاريخ عبدالحفيظ مزياني أن "تدمير مخطوطات تمبكتو جريمة ضد كل أفريقيا وتراثها الثقافي المهم عالمياً، وهو اعتداء يضاف إلى تحطيم حركة طالبان الأفغانية لتماثيل بوذا في باميان في عام 2001"، مبرزاً أن هذه الاعتداءات "تكشف عن حقيقة نوايا الجماعات الإرهابية التي لم تسلم منها الأحجار، وبالتالي مواجهة هذه الأفكار المتطرفة تستدعي تجند الجميع لإنقاذ الإنسانية". وأضاف أن "رقمنة هذه المخطوطات أصبح ضرورياً ومستعجلاً، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل، وذلك لضمان حمايتها من الأخطار المستقبلية، وإتاحتها للباحثين في أنحاء العالم". وتابع مزياني أن "عودة الاضطرابات للمنطقة تهدد المخطوطات والآثار التي ستكون عرضة مرة أخرى لبطش الجماعات الإرهابية التي تكشف كل التقارير الدولية عن أن اعتداءاتها تصاعدت وتوسعت مساحات سيطرتها"، مشيراً إلى ضرورة إيجاد حلول مستعجلة لحماية تراث مالي من الضياع. وأوضح أن "انتشار شبكات الجريمة المنظمة التي تنشط إلى جانب التنظيمات المسلحة والإرهابية في المنطقة ستجد ضالتها في سرقة هذا التراث من مخطوطات وأحجار أثرية، وبيعها بأثمان غالية لأهميتها كما حدث في عدة مناطق من العالم"، وحذر من أن "استمرار التوترات الأمنية في شمال مالي يضع ذاكرة الأفارقة أمام مفترق الطرق".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير