ملخص
منذ انطلاقه عام 2019 نجح بينالي القاهرة الدولي لفنون الطفل في ترسيخ مكانته كمنصة فنية وثقافية عالمية تمنح الأطفال فرصة للتعبير عن رُؤاهم وأفكارهم بلغة الفن، وتفتح أمامهم آفاقاً للتواصل عبر الحدود والثقافات. وفي دورته الثالثة التي تقام في قصر الفنون بالقاهرة يواصل البينالي هذا الدور جامعاً مواهب شابة من 19 دولة تحت شعار يتمحور حول قضية إنسانية ملحة هي تغير المناخ.
على رغم ما قد يبدو عليه فن الطفل من بساطة وعفوية، فإن المتخصصين في التربية الفنية والنقد التشكيلي يجمعون على أن له قيمة جمالية وتربوية عميقة. فالفنانة التشكيلية سرية صدقي رئيسة اللجنة العليا للبينالي ترى أن الفن الذي ينتجه الطفل لا يقل أهمية عن أي إنتاج فني ناضج، لأنه يعكس مخزوناً وجدانياً صافياً ورؤية غير ملوثة بالاعتبارات المسبقة، ويتيح لنا فرصة نادرة لرؤية العالم بعينيه. ويكتسب البينالي هذا العام بعداً إضافياً من خلال تركيزه على موضوع التغير المناخي، وهو ما يمنح الأطفال فرصة للتعبير عن إدراكهم المبكر لقضايا البيئة، وابتكار حلول وأفكار بلغة بصرية تخاطب الكبار قبل الصغار.
يقدم البينالي في دورته الثالثة منصة للأطفال لطرح تصوراتهم عن مستقبل الأرض في ظل التغيرات البيئية. وتأتي الأعمال المشاركة كنتيجة لورش عمل ومناقشات بين الأطفال ومعلميهم أو أولياء أمورهم، من دون تدخل مباشر في صياغة العمل الفني نفسه، لضمان أن يظل الإبداع نابعاً من الطفل ذاته. تنوعت الخامات المستخدمة في الأعمال المقدمة ما بين الألوان الزيتية والمائية، وأقلام الفلوماستر، وأصابع الشمع، وصولاً إلى الكولاج، والتصوير الفوتوغرافي، وفنون الميديا. ويسمح لكل مشارك بتقديم عمل فني واحد، مع تقسيم الأعمال المعروضة حسب الفئات العمرية، وتخصيص قسم خاص للأطفال ذوي القدرات الخاصة.
في هذه الدورة يستقبل البينالي 675 عملاً فنياً من أطفال يمثلون 19 دولة، عكست جميعها تنوع الرؤى والخلفيات الثقافية، وإن توحدت في انشغالها بالمناخ. ففي اللوحات والمنحوتات والصور الفوتوغرافية، تظهر الطبيعة بألوانها الزاهية حيناً، وبمظاهر الخطر حيناً آخر، كالغابات المهددة والجليد الذائب والكائنات المهددة بالانقراض. ويرى الدكتور أحمد حاتم، القوميسير العام للبينالي أن ما يميز هذه الدورة هو النضج النسبي في تعامل الأطفال مع فكرة معقدة كتغير المناخ، وقدرتهم على ربطها بسلوكيات حياتية يومية، من ترشيد استهلاك المياه والطاقة إلى إعادة التدوير.
تأسس بينالي القاهرة الدولي لفنون الطفل عام 2019 بمبادرة مشتركة بين قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية وجمعية أمسيا للتربية من طريق الفن في أفريقيا والشرق الأوسط، بهدف تشجيع الأطفال على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم عبر الفنون البصرية، وبناء جسور للتواصل الثقافي بين الأطفال من مختلف القارات. وقد حملت الدورة الأولى شعار "مكاني المفضل" وشارك فيها 943 طفلاً من 19 دولة، فيما جاءت الدورة الثانية عام 2022 تحت عنوان "صورة من بلدي"، وشهدت مشاركة أكثر من 1200 طفل من 27 دولة. ومع كل دورة، ظل البينالي وفياً لأهدافه في تعزيز الإبداع والتوعية بالقضايا البيئية ودعم مشاركة الأطفال ذوي القدرات الخاصة.
تقيم الأعمال المشاركة بناءً على مرحلتين، الأولى تعتمد على الخبرات والمعارف المرتبطة بمرحلة نمو الطفل، والثانية تعتمد على القيم التشكيلية والجمالية للعمل، بما في ذلك القيم التقنية والتعبيرية والابتكارية. وتمنح ثلاث جوائز في كل فئة عمرية، إضافة إلى جوائز خاصة من لجنة التحكيم، وجائزة كبرى تمنح لعمل واحد في كل الفئات. وتأتي هذه الدورة في لحظة عالمية حساسة، إذ تتزايد التحذيرات من آثار التغير المناخي، ويزداد الضغط على الحكومات والمجتمعاًت للتحرك. وفي هذا السياق، لا يبدو مستغرباً أن يمنح البينالي الأطفال فرصة التعبير عما يرونه ويأملونه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطفل، وإن بدا بعيداً من دوائر صنع القرار، إلا أن صوته الإبداعي قد يلمس قلوب الكبار ويدفعهم لإعادة النظر في خياراتهم. وتؤكد سرية صدقي أن هذه ليست مجرد مسابقة أو عرض فني، بل هي وثيقة بصرية عالمية تحمل ملامح جيل كامل، وستبقى شاهدة على ما كان يشغل باله في مرحلة مفصلية من تاريخ الأرض.
بينالي القاهرة الدولي لفنون الطفل يمثل مختبراً عالمياً للأفكار الصغيرة التي قد تصنع فرقاً كبيراً، ومنصة لبناء وعي بيئي وثقافي مشترك. ومن خلال جمعه لأصوات وألوان وأحلام أطفال من قارات مختلفة، فإنه يسهم في رسم خريطة بديلة لعالم قد يكون أكثر إنصافاً ووعياً بجماله وواجب حمايته.