ملخص
ومع تفاقم أزمة المناخ، تشير بيانات الانبعاثات إلى أن عدداً قليلاً من الدول مسؤول عن نسبة كبيرة من غازات الاحتباس الحراري العالمية، ففي عام 2024 برزت الصين والولايات المتحدة والهند كأكبر ثلاث دول مصدرة للانبعاثات، إذ أسهمت مجتمعة بأكثر من نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.
ضمن قمة الأمم المتحدة للمناخ في نيويورك وعبر خاصية الفيديو أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ في سبتمبر (أيلول) الماضي عن أول خطة للبلاد تحدد أهداف محددة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهو ما أثار كثيراً من الردود بين مشجع ومؤيد وآخر ناقد ومشكك، فاعتبر بعضهم هذا التعهد جديراً بالملاحظة، إذ يمثل المرة الأولى التي تحدد فيها الصين أهدافاً محددة لخفض الانبعاثات، فيما صرح المؤيدون بأن الصين لن تقصر في الوفاء بالتزاماتها، بل قد تقدم أكثر مما ينبغي.
ومن خلال هذا الخطاب تعهدت الصين للمرة الأولى ليس فقط بوقف زيادة انبعاثات الكربون، بل وخفضها بنسبة تراوح ما بين 7 و10 في المئة بحلول عام 2035، وهي الخطوة التي من شأنها تنشيط الجهود العالمية لخفض الانبعاثات، حتى مع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس لتغير المناخ، إذ قال الرئيس شي إن "الانتقال إلى الأخضر والمنخفض الكربون هو اتجاه عصرنا"، لكن هل فعلاً الصين ستفي بوعودها؟
آراء متناقضة
أندرياس سيبر المدير المساعد للسياسات والحملات في منظمة "350.org"، وهي منظمة بيئية دولية غير حكومية كان من المشككين في الخطة فقال في بيان له إن "هدف الصين المناخي الجديد مخيب للآمال، ولكنه يحدث تحولاً جذرياً في آن واحد"، وتابع "إن خفض الانبعاثات بنسبة 7-10 في المئة بحلول عام 2035 من مستويات الذروة لا يفي بحاجات العالم، ومع ذلك فهو يرسي دعائم أكبر مصدر للانبعاثات على مسار تحدد فيه التكنولوجيا النظيفة الريادة الاقتصادية".
وكذلك صرحت المديرة المساعدة للدبلوماسية والحوكمة المناخية في مركز أبحاث E3G، كيسي براون، بأن "هدف الصين لعام 2035 أقل بكثير مما هو مطلوب، فهو لا يتماشى مع نزع الكربون الاقتصادي الصيني، ولا مع هدفها الخاص بالحياد الكربوني لعام 2060"، كذلك أشار آخرون إلى أن الصين دأبت منذ زمن على وضع أهداف غير طموحة، ثم تجاوزها بصورة كبيرة. وقال أحد المعنيين بدبلوماسية المناخ، "ما نتوقعه من الصين هو التقصير في الوعود والإسراف في الأداء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما كان تصريح الباحثة في مركز تشاتام هاوس للأبحاث بيرنيس لي، إيجابياً ومتفائلاً فقالت إن "عالم الأعمال والحكومات الأخرى ستستلهم إشاراتها من الاتجاه الواضح الذي تتخذه الصين، وليس من النقاط الدقيقة في خططها"، وتابعت "هناك أهداف للأمم المتحدة وهناك واقع، الواقع هو أن الصين استثمرت 625 مليار دولار في الطاقة النظيفة العام الماضي، أي ما يعادل 31 في المئة من الإجمال العالمي، إذ إن طفرة الطاقة النظيفة التي تشهدها تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي وتحل محل الفحم محلياً، لذا أراهن أن الدول الأخرى ستقرأ المؤشرات وتدرك التزام الصين التام، وستطمئن في سعيها إلى التخلي عن الوقود الأحفوري".
الدول المسؤولة عن الانبعاثات
ومع تفاقم أزمة المناخ تشير بيانات الانبعاثات إلى أن عدداً قليلاً من الدول مسؤول عن نسبة كبيرة من غازات الاحتباس الحراري العالمية، ففي عام 2024 برزت الصين والولايات المتحدة والهند كأكبر ثلاث دول مصدرة للانبعاثات، إذ أسهمت مجتمعة بأكثر من نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.
وبناءً على آخر تحديث صدر في سبتمبر 2025 يقدم تقرير EDGAR تقديراً مستقلاً لانبعاثات غازات الدفيئة لجميع دول العالم، وذلك استناداً إلى منهجية قوية ومتسقة مستمدة من أحدث إرشادات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) وأحدث بيانات الأنشطة، كذلك يقدم سلسلة زمنية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري حتى عام 2024، بما في ذلك الانبعاثات من جميع القطاعات البشرية واستخدام الأراضي وتغيير استخدام الأراضي والغابات.
وعليه كانت الصين والولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي وروسيا وإندونيسيا أكبر الدول المصدرة للغازات الدفيئة في العالم عام 2024، إذ تمثل معاً 51.4 في المئة من سكان العالم و62.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و64.2 في المئة من استهلاك الوقود الأحفوري العالمي و61.8 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، ومن بين أكبر الدول المصدرة للغازات زادت الصين والهند وروسيا وإندونيسيا من انبعاثاتها عام 2024 مقارنة بعام 2023.
الخطوات النظيفة
على رغم زخم التصريحات المتناقضة فإن الصين تواصل إصلاح أساليب إنتاج واستهلاك الطاقة، فعلى مدى العقد الماضي عززت قدرتها على توفيرها بتوجيه من استراتيجيتها الجديدة لأمن الطاقة، وحققت إنجازات تاريخية في تطوير الطاقة الخضراء المنخفضة الكربون.
وقامت بكين بخطوات لتسريع تطوير الطاقة النظيفة، ففي عام 2023 بلغت حصة استهلاك الطاقة النظيفة 26.4 في المئة من إجمال استخدام الطاقة في الصين، وذلك بزيادة قدرها 10.9 في المئة على عام 2013، وفي الفترة نفسها انخفضت حصة استهلاك الفحم بنسبة 12.1 في المئة، وفي عام 2023 بلغ إجمال القدرة المركبة لتوليد الطاقة 2920 غيغاواط، منها 1700 غيغاواط من الطاقة النظيفة، أي بنسبة 58.2 في المئة، وفي العام نفسه بلغ إنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة نحو 3800 تيراواط/ساعة، وهو ما يمثل 39.7 في المئة من إجمال إنتاج الكهرباء في البلاد، وذلك بزيادة قدرها نحو 15 في المئة على عام 2013.
وخلال العقد الماضي مثلت الكهرباء المولدة من الطاقة النظيفة أكثر من 50 في المئة من الزيادة في إجمال استهلاك الكهرباء، مما يمثل حصة متزايدة من الطاقة الخضراء في مزيج الطاقة بالصين، وهو ما أشار إليه الرئيس الصيني في المؤتمر فقال إن "الصين ستزيد من استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية لتشغيل أكثر من 30 في المئة من نظام الطاقة لديها على مدى العقد المقبل"، وتعهد بجعل مركبات الطاقة الجديدة هي السائدة في مبيعات المركبات الجديدة.
وفي هذا السياق قال مستشار المناخ السابق في البيت الأبيض في عهد كلينتون، المحاضر في الجامعة الأميركية بواشنطن بول بليدسو "يعد التزام الصين الجديد مؤشراً جيداً إلى أن اقتصادها في مجال الطاقة النظيفة بدأ يساعدها على خفض الانبعاثات، لكنه لا يتحرك بالسرعة الكافية، إذ يمكن للصين تحقيق هذه الأهداف في وقت أقرب بكثير بحلول نهاية هذا العقد".