ملخص
يؤكد مؤيدو العملات المستقرة أن هذه التقنية قادرة على تجاوز ساعات العمل المصرفية والحدود الدولية، مقدمة تحسينات كبيرة للبنية التحتية الحالية للمدفوعات.
تشكل العملات المستقرة (Stablecoins) منافساً متنامياً وبديلاً محتملاً لـنظام المراسلة المالية العالمي (سويفت)، الذي يعد بمثابة العمود الفقري للتحويلات البنكية الدولية، من خلال تقديم مدفوعات عابرة للحدود أسرع وأرخص وأكثر شفافية مع تقليل العقبات المرتبطة ببنوك المراسلة.
ووفقاً لتقرير لـ"ماكينزي أند كو" تعمل العملات المستقرة على تحويل نظام المدفوعات العالمي، وقد تؤدي العوامل الدافعة الحالية إلى تحول جوهري في قطاع المدفوعات هذا العام، مما يستدعي من الشركات التقليدية والمبتكرة على حد سواء اتخاذ استعدادات عاجلة. وبرزت العملات المستقرة، وهي شكل من النقد الرقمي المصدر كرموز على الـ"بلوك تشين"، كبديل عالمي للبنية التحتية التقليدية للمدفوعات. وبينما تصدر غالباً بالدولار الأميركي، فقد تضاعف تداولها خلال الـ18 شهراً الماضية، لكنها لا تزال تسهل نحو 30 مليار دولار من المعاملات يومياً، أي أقل من واحد في المئة من التدفقات النقدية العالمية.
واليوم، تعالج البنية التحتية التقليدية للمدفوعات بين 5 و7 تريليونات دولار يومياً في التحويلات المالية العالمية، بما في ذلك التحويلات المؤسسية والتجارية والاستهلاكية، وفق بيانات "سويفت" وبنك التسويات الدولية.
وعلى رغم أن العملات المستقرة تواجه حالياً تحديات مثل كلفة الدخول والخروج من النظام، وعدم اليقين التنظيمي عبر الولايات القضائية المختلفة، وحلول التكنولوجيا المالية القائمة، فإن كلفتها المنخفضة وسرعتها شبه الفورية وتوافرها على مدار الساعة للمستخدمين الرقميين وذوي الثقافة المالية يجرى الدفع لاعتمادها في التحويلات المالية الدولية والمعاملات بين الشركات (B2B).
ويشير تقرير "ماكينزي أند كو" إلى أن قدرة تسوية المدفوعات على مستوى العالم بسرعة وأمان وبكلفة منخفضة أصبحت على وشك التحول، مع انتشار النقد المرمز باستخدام تقنية الـ"بلوك تشين".
ساعات العمل المصرفية
ويؤكد مؤيدو العملات المستقرة أن هذه التقنية قادرة على تجاوز ساعات العمل المصرفية والحدود الدولية، مقدمة تحسينات كبيرة للبنية التحتية الحالية للمدفوعات، تشمل السرعة والكلفة والشفافية والتوافر، وزيادة شمولية الفئات غير المخدومة جيداً من قبل النظام المصرفي. ومع ذلك، تستخدم العملات المستقرة اليوم في الغالب كوسيط، مما يتطلب سيولة كبيرة وطرق تحويل (off-ramps) لتحويل الأصول الرقمية إلى العملات التقليدية.
وتقول "ماكينزي أند كو" إن التوسع الحقيقي للعملات المستقرة يتطلب تحولاً في النموذج السائد الذي يفرض أن تستقر معظم المعاملات بالعملة المحلية.
وتشير إلى أنه إذا اختار غالبية العملاء الاحتفاظ بأموالهم بالعملات المستقرة، فقد يكون لذلك تداعيات واسعة على الطلب على الاحتياطات الأساس، وكذلك تأثيرات على نماذج تمويل الودائع والإيرادات لدى المؤسسات المالية.
وبما أن الاستخدامات الرئيسة تشمل المدفوعات العابرة للحدود والتحويلات وتسوية التداول والأسواق المالية وإدارة الخزانة والنقدية، فإن تداعيات هذا التحول ستكون عالمية.
وعن مدى تأثير العملات المستقرة على البنية التحتية الحالية للمدفوعات، ولمناقشة فوائد وأخطار الاعتماد على العملات المستقرة في المدفوعات العالمية، مع توضيح لماذا قد يكون عام 2025 نقطة تحول للتكنولوجيا، سألنا عدداً من المحللين الماليين عن إن كانت العملات المستقرة قادرة على أن تكون بديلاً محتملاً لنظام التحويلات عبر الحدود "سويفت".
لا تشكل تهديداً لـ"سويفت"
وصف عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد تشارترد للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات وضاح الطه نظام "سويفت" بـ"الرصين"، مؤكداً ضمن تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن الصين طورت نظاماً موازياً يقوم على المبدأ نفسه، أي مبدأ التحويلات الإلكترونية الآمنة، لكنه يمتاز بسرعة التنفيذ وانخفاض كلفة المعاملات مقارنة بالنظام الغربي التقليدي. وأوضح أن "الفارق بين ما يعرف بـ’سويفت الصيني‘ و’سويفت الأصلي‘ هو أن النظام الصيني أسرع وأقل كلفة، ولذا قد يشهد انتشاراً أوسع في الأقل بين دول مجموعة بريكس".
وأشار الطه إلى أن العملات المستقرة تشكل نظاماً آخر يمكن استخدامه في عمليات الدفع والتحويل، موضحاً أنها "عملات رقمية مشفرة مدعومة باحتياطات نقدية أو ذهبية، وإن لم تكن بنسبة 100 في المئة، إلا أن وجود هذا الغطاء الجزئي يمنحها قيمة واستقراراً نسبياً". وأضاف أن "الإسناد أو الاحتياط هو العنصر الأساس الذي يخلق الثقة ويقلل من التذبذب، مما يجعل العملات المستقرة أكثر قبولاً ومنطقية من الناحية القانونية والاقتصادية".
ورأى الطه أن "العملات المستقرة تحتاج إلى إقرار رسمي من البنوك المركزية وتبنٍ من جانبها"، مؤكداً أنه "لا يمكن لأية عملة أن تصبح سائدة لمجرد وجود قبول شعبي أو اتفاق بين مجموعات من الأفراد، فالقبول العام لا يكفي لتبني أية عملة، سواء كانت مستقرة أم غير مستقرة". وشدد على أن "السيطرة على عملية الإصدار ومراقبة الاحتياطات أمران أساسيان لضمان صدقية هذه العملات".
وختم الطه قائلاً إن "وجود العملات المستقرة أمر مهم ومنطقي، لكنها لا تزال في حاجة إلى تبنٍ من الجهات التنظيمية والدول لضمان الرقابة والشفافية"، مضيفاً "لا أعتقد أن العملات المستقرة تمثل حالياً تهديداً مباشراً لنظام ’سويفت‘، لكنها قد تشكل خياراً إضافياً للتحويلات المالية، لا بديلاً كاملاً عنه".
ثورة حقيقية في أنظمة الدفع
من جانبه يرى رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والدبلوماسية في المنظمة الأوروبية للسياسات ناصر زهير أن "العملات المستقرة تمثل ثورة حقيقية في أنظمة الدفع والتحويلات عبر الحدود، لأنها أسرع وأرخص وأكثر شفافية"، لكنه أشار إلى أنها "حتى الآن لا تشكل بديلاً كاملاً لـ’سويفت‘، لسبب بسيط يتمثل في السيطرة السيادية والرقابية".
وأضاف أن النظام المالي العالمي قائم على مراقبة حركة رؤوس الأموال، وأن الدول الكبرى "لن تسمح بسهولة بظهور نظام مالي خارج هذه الرقابة"، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد ظهور نموذج هجين يجمع بين العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) وبعض العملات المستقرة المنظمة، بدلاً من الاستبدال الكامل لـ"سويفت".
وختم زهير بالقول إن "’سويفت‘ لن يختفي، لكنه سيتغير شكله ووظيفته ليواكب المرحلة الرقمية الجديدة".
وقال المحلل المالي حسن الريس إن أنظمة الدفع شهدت تغيرات كبيرة عبر الزمن، سواء من حيث الأساليب أو الخصائص، بما في ذلك استخدام العملات الرقمية. وأوضح أن من الضروري التفريق بين أنظمة الدفع المحلية وأنظمة الدفع الدولية، إذ تختلف الآليات والوسائل المستخدمة في كل منهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن نظام الدفع داخل الدولة الواحدة عادة ما يُجرى باستخدام العملة المحلية، ويمكن تنفيذ التحويلات بعدة طرق مثل التحويل البنكي أو الدفع بواسطة بطاقات الائتمان أو الخصم المباشر، أما في نظام المدفوعات الدولية فلا تستخدم سوى العملات الرئيسة كالـدولار الأميركي أو اليورو، إذ تحول المبالغ من العملة المحلية إلى إحدى هاتين العملتين أثناء التحويل، ثم تعاد إلى العملة المحلية عند التسلم.
وأشار الريس إلى أن نظام المدفوعات الدولية يمر عبر عدة بنوك وسيطة قبل الوصول إلى الوجهة النهائية، ويخضع لمتابعة دقيقة لضمان الامتثال للوائح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مثلما هي الحال في نظام "سويفت".
وفي ما يتعلق بالعملات الرقمية المستقرة (Stablecoins) القائمة على تقنية الـ"بلوك تشين"، أوضح الريس أنها تتيح تحويل الأموال مباشرة من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) من دون الحاجة إلى وسطاء وبمستوى محدود جداً من التنظيم حالياً. وأكد أن الإقبال الكبير على هذه الطريقة يعود إلى كفاءتها العالية، إذ تتيح التحويلات خلال أي وقت، حتى أثناء عطلات نهاية الأسبوع والعطل الرسمية، عندما تكون الخزائن المصرفية الدولية مغلقة.
وأضاف أن كلفة التحويلات عبر العملات المستقرة أقل بكثير من الأنظمة التقليدية، مشيراً إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في تحويل تلك العملات إلى العملات المحلية، إذ يتطلب ذلك أنظمة تكامل وتسوية واضحة وفعالة.
وختم الريس بالتنويه إلى أن العملات التقليدية تخضع لتقلبات في أسعار الصرف، مما قد يؤدي إلى مكاسب أو خسائر عند التحويل، في حين أن العملات المستقرة تكون مربوطة بالدولار الأميركي بمعدل شبه ثابت، مع تقلبات طفيفة فحسب.
النقود المرمزة
على مدار الأعوام القليلة الماضية، أنشأت البنوك المركزية والمؤسسات المالية عدة أنواع من النقود المرمزة، وتشمل: العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، وهي النسخة الرقمية الرسمية للعملة الوطنية، وتعد وسيلة دفع قانونية مدعومة من البنك المركزي للدولة وتصدر على دفتر أستاذ مركزي أو مصرح به (ليس متاحاً للعامة). وتتوافر العملات الرقمية للبنوك المركزية لاستخدام التجزئة (العامة) والجملة (للتسويات بين المؤسسات). ومن الأمثلة على ذلك، اليوان الرقمي الصيني e-CNY والدولار الرقمي EC Dollar التابع للبنك المركزي للكاريبي الشرقي DCash.
وكذلك العملات المستقرة وهي نقود مرمزة تصدرها مؤسسات خاصة على شبكات "بلوك تشين" عامة مثل "إيثريوم"، وتربط بالعملات التقليدية ومدعومة باحتياطات مدققة، على عكس العملات الرقمية للبنوك المركزية، فإن العملات المستقرة ليست وسيلة دفع قانونية رسمية، وتتلقى مستويات مختلفة من الرقابة التنظيمية، ومن الأمثلة عليها "تيثر"، و"سيركل" و"أي يو آر كوين فيرتبل".
وهناك أيضاً الودائع المرمزة الصادرة عن البنوك، وهي تمثيلات مرمزة للودائع التي يحتفظ بها العملاء في الحسابات المصرفية، مدعومة بنسبة 1:1 من الأموال المحتفظ بها لدى المؤسسة المصدرة. ولا يقصد بهذه الرموز أن تكون وسيلة دفع قانونية، لكنها تصدر عادة على شبكات "بلوك تشين" مصرح بها لتمكين المدفوعات والتسويات أثناء الوقت الفعلي داخل المؤسسات أو في ما بينها، ومن الأمثلة "جي بي مورغان كوين" (JPM Coin) الصادر عن المؤسسة المالية الأميركية العملاقة "جيه بي مورغان".
وتشترك جميع هذه الأنواع الثلاثة من النقود في القدرة على تسوية المدفوعات بصورة شبه فورية، إذ تتطلب التحقق من الأموال الموجودة والتأكد من الكيانات المرسلة والمستلمة قبل بدء المعاملة. وبفضل عمليات الامتثال الرقمي والعقود الذكية، يمكن فحص هذه المدفوعات تلقائياً لمكافحة غسل الأموال (AML) والتحقق من هوية العملاء (KYC)، وكذلك فحص الكيانات الخاضعة للعقوبات عبر خدمات التحليل على السلسلة وتنفيذ التعليمات تلقائياً.
وتمثل هذه الأنواع من النقود تحدياً مباشراً للبنية التحتية التقليدية للمدفوعات العالمية، مثل استخدام "سويفت" أو الاعتماد على البنوك المراسلة، أو التحويلات المصرفية مثل "فيد واير".
في حين يعتمد غالب هذه الشبكات التقليدية على وسطاء متعددين يعملون في مناطق زمنية مختلفة، وتُعالج المعاملات غالباً على دفعات دورية، مما قد يستغرق من يوم إلى خمسة أيام عمل لإتمام التحويل، وإضافة إلى ذلك تخضع معظم المدفوعات لفحوصات تنظيمية يدوية أو شبه آلية فحسب، مثل مكافحة غسل الأموال والتحقق من هوية العملاء، وفحص العقوبات المالية.
وبالمقارنة، تشير بيانات المعاملات المسجلة على الـ"بلوك تشين" إلى أن نحو 250 مليار دولار من العملات المستقرة، منها 155 مليار دولار عبر "تيثر" و60 مليار دولار عبر "سيركل". وتسهل هذه العملات ما بين 20 و30 مليار دولار من المدفوعات اليومية على الـ"بلوك تشين"، مقسمة بين التحويلات المالية الدولية وتسويات المعاملات. لذلك، وعلى رغم الدعاية الكبيرة، فإن العملات المستقرة تعالج أقل من واحد في المئة من حجم التحويلات المالية العالمية اليومية.