Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هابي بيرث داي"... يوم فاصل بين عالمين متناقضين

الفيلم المصري يعبر عن الآثار النفسية المؤلمة للفقر والحرمان ويقترب من

يكشف الفيلم عن الفجوة العميقة بين حياة طفلتين تنتميان إلى طبقتين مختلفتين اجتماعياً (مهرجان الجونة)

ملخص

يحمل الفيلم سخرية صادمة بداية من عنوانه، الذي يغري المشاهد بأنه بصدد مشاهدة عمل يرصد احتفالاً سعيداً، بينما تكمن خلفه مأساة وصرخة تحاول توصيل آلام الأطفال العاملين والفقراء للعالم. لم يحاول الفيلم تقديم معاناة جسدية مثل تعذيب الأطفال أو المجهود البدني الذي يعانيه ملايين من العمالة الصغيرة، لكنه تعمد تشريح الجانب النفسي للطفل الذي يعاني الفقر ويضطر إلى العمل ويجد نفسه يقاسي من المجتمع وفوارق الطبقات.

يقدم فيلم "هابي بيرث داي"، الذي يعد العمل الروائي الأول للمخرجة سارة جوهر، بسخرية شديدة وبداية خادعة كيف يمكن أن يتحول احتفال بسيط بعيد ميلاد طفلة إلى حدث درامي أليم، إذ تبدأ الأحداث بطفلتين (توحة ونيللي) تتحدثان عن إقامة حفل عيد ميلاد الأخيرة، وكيف يمكن أن يقام في ظل طلاق والدة نيللي من والدها وانتقالهما إلى منزل الجدة التي جسدت دورها الفنانة حنان يوسف.

تحاول توحة مساعدة نيللي في التخطيط لعيد الميلاد، وإجبار والدتها على إقامة الحفل، يتصور المشاهد في البداية أن الطفلتين المنسجمتين شقيقتان أو تجمعهما قرابة، لكن يأتي المشهد الثاني ليغير الاتجاه تماماً، حين نكتشف أن توحة طفلة خادمة في منزل جدة نيللي مهمتها أن تؤدي واجبات المنزل من نظافة وتجهيزات.

فجوة عميقة

يكشف العمل منذ اللحظات الأولى عن الفجوة العميقة بين الطفلتين، فبينما تخطط الثرية ابنة العائلة العريقة لعيد الميلاد والفستان، تكون أقصى أحلام توحة الفقيرة أن تحضر عيد الميلاد وتطفئ شمعة وتتمنى أمنية، تسير الخطوط متوازية بين معاناة نيللي مع رفض والدتها التي أدت دورها نيللي كريم أن تقيم عيد الميلاد، بينما تصر الجدة على إقامته حتى تستعيد ابنتها زوجها قبل فوات الأوان وتستغل آخر فرصة لتعود لحياتها معه.

وبينما تذهب نيللي إلى مدرستها الدولية تكشف توحة عدم قدرتها على القراءة والكتابة، لأنها فقيرة ولها كثير من الأشقاء، ولم تلحقها والدتها بالتعليم بسبب شدة الفقر. تظهر الفجوة بصورة كبرى بين الطفلتين عندما تساعد توحة والدة نيللي في شراء متطلبات عيد الميلاد فتختار بالونات تحلم بها على أنها ذوق نيللي، وتنتقي فستاناً تتمنى ارتداءه بوصفه سيلقى إعجاب نيللي، وهكذا تضرب المخرجة القلوب بعصى غليظة وقاسية بسبب حرمان توحة من كل متع الحياة بسبب الفقر، بينما ترى نيللي مرفهة وتجبرها الظروف ألا تحقد ولا تقارن نفسها بها لأنها مجرد خادمة.

تسير الأمور بشكل يحدث تعاطفاً مؤثراً مع توحة، لكن تتصاعد حدة الألم مع الطفلة البائسة عندما تقرر أسرة نيللي عدم حضور توحة عيد الميلاد، لأنها خادمة وغير لائقة اجتماعياً لطبقة أصدقاء نيللي وعائلاتهم، فتقرر الجدة أن ترسل توحة إلى عائلتها الفقيرة حتى تتخلص من الحرج المجتمعي الذي قد تسببه الطفلة أمام مجتمع الأغنياء.

 

تغادر توحة وهي تتمنى فقط أن تحضر عيد الميلاد ولو مجرد خادمة، لتساعدهم في التنظيف عقب مغادرة الضيوف لكن أمنيتها لا تتحقق. تظهر شخصية نيللي كريم التي قامت بدور أم الطفلة نيللي بشكل سلبي ومتناقض في الوقت نفسه، إذ تتعاطف دائماً مع توحة وطفولتها وترفض التمييز الطبقي ضدها في بعض المواقف، لكنها لا تستطيع الدفاع عنها عندما تصر الجدة أن تجعلها تغادر خوفاً على الشكل الاجتماعي.

وأمام مصلحتها ورغبتها في الشكل الاجتماعي الأنيق تشارك نيللي كريم في استبعاد توحة وتخذلها. تنجح توحة في الهرب من والدتها (حنان مطاوع) وتحضر عيد الميلاد، وهنا تنزعج أسرة نيللي بشدة وتقرر حبسها بالمنزل حتى انتهاء الحفل، وتبرز الطبقية عندما تواجه براءة الطفلة الخادمة توحش التمييز الطبقي، وهي لا تفهم أسباب منعها من الحضور، وتصطدم في جحود لا تفهم مبرراته.

استطاع الفيلم أن يقدم تجربة مميزة ونجح في طرح قضية عمالة الأطفال بأسلوب بسيط وعاطفي وصل بقوة وعمق من دون ضجيج أو عبارات رنانة، إذ استخدمت المخرجة الرمزية في طرح الفروق الطبقية، فبينما نيللي تعرف يوم عيد ميلادها وتحتفل به كل عام، لا تعرف توحة اليوم الذي ولدت فيه ولا أهمية أن يتم الاحتفال بذلك اليوم، وحتى عندما تسأل والدتها لا تصل لمعلومة، فالأم الأرملة الكادحة لا تتذكر تلك الأشياء التي لا تشغل بالها أمام البحث عن قوت اليوم الذي يثقل كاهلها، وأجادت الطفلة ضحى رمضان التي قامت بدور توحة الشخصية البريئة الحالمة للخادمة الصغيرة وأوجعت القلوب في معظم مشاهدها.

يحمل الفيلم سخرية صادمة بداية من عنوانه، الذي يغري المشاهد بأنه بصدد مشاهدة عمل يرصد احتفالاً سعيداً، بينما تكمن خلفه مأساة وصرخة تحاول توصيل آلام الأطفال العاملين والفقراء للعالم. لم يحاول الفيلم تقديم معاناة جسدية مثل تعذيب الأطفال أو المجهود البدني الذي يعانيه ملايين من العمالة الصغيرة، لكنه تعمد تشريح الجانب النفسي للطفل الذي يعاني الفقر ويضطر إلى العمل ويجد نفسه يقاسي من المجتمع وفوارق الطبقات.

سخرية صادمة

نجح الفيلم وصناعه في تأكيد أن الحكاية البسيطة يمكن أن تحدث أثراً بالغاً لا يقل أهمية عن تقديم الموضوع كملف سياسي أو اجتماعي مباشر، والأجمل أن المأساة ظهرت كحالة شعورية وتجربة إنسانية ناعمة ومؤلمة بعيداً من الشعارات.

قدمت المخرجة عالمين مختلفين بدأته بعالم الطبقة المتوسطة والثرية، ثم تطرقت إلى فئات الفقر الشديد، فظهرت حنان مطاوع في دور الأم الفقيرة التي تصطاد سمكاً بطريقة بدائية، وتبيعه عبر الأسواق والشوارع، لتعول أولادها بعدما فقدت زوجها أثناء عملية صيد غرقاً بالحيرة، وأسهبت سارة جوهر في تقديم الواقعية بشكل فاجأ الجميع فأبرزت عوالم صيد السمك بطرق بدائية في بعض المحافظات المصرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الجرأة التي سيطرت على صناع الفيلم كانت العامل الأبرز في خروج العمل بهذه الحرية والتأثير، وكان منتجه أحمد الدسوقي متحمساً لتقديم عمل عن المهمشين، وفي حديثه مع "اندبندنت عربية" كشف رحلة اختيار البطلة الأساسية محور الأحداث، وهي الطفلة ضحى التي تعمل في الحقيقة بائعة ليمون بإحدى الإشارات، إذ كانوا يبحثون عن طفلة تصلح للدور أثناء التحضير للفيلم، وبعد إجراء 300 اختبار نجحت إحدى المشاركات في فريق الفيلم في إيجادها بالصدفة، لتجسد الشخصية، أما محمد دياب الذي شارك في كتابة السيناريو والحوار مع المخرجة فقد طرق بقوة على مواطن ضعف إنسانية وغير مستهلكة ليصنع حالاً مميزة ومؤلمة في الوقت نفسه.

وتعد تجربة الفيلم إعادة إحياء للسينما الواقعية التي تميز بها جيل من المخرجين مثل داوود عبدالسيد وصلاح أبو سيف ومحمد خان، وتركز تلك المدرسة من السينما على منح الصوت لمن لا صوت لهم، والاقتراب بصدق من المهمشين أصحاب القضايا المسكوت عنها. وعلى رغم بعض الملاحظات على إيقاع الأحداث وتكرار بعض العبارات بطرق مختلفة فإن الفيلم يعتبر من أقوى الأعمال وأكثرها صدقاً في ما يخص السينما الواقعية المعبرة عن القضايا الإنسانية المعاصرة.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما