ملخص
خلال سبتمبر الماضي نفذ المستوطنون نحو 60 عملية اعتداء، تسببت باقتلاع وتخريب وتسميم وحرق ما مجموعه 431 شجرة، منها 261 شجرة زيتون.
نفذ المستوطنون خلال العامين الماضيين أكثر من 7 آلاف اعتداء أسفرت عن مقتل 33 فلسطينياً وتدمير ما يقارب 49 ألف شجرة، معظمها من الزيتون.
داخل قسم العناية المكثفة في المستشفى الاستشاري العربي بمدينة رام لله، ترقد عفاف أبو عليا (55 سنة) بين الحياة والموت مع نزف حاد بالدماغ وكسر في الجمجمة، فالهجوم العنيف الذي شنه المستوطنون أمس على منطقة "وادي عمار" الواقعة بين قريتي ترمسعيا والمغيّر شمال رام الله، لم يقف عند ضرب المسنة بعصاً مدببة مراراً على رأسها حتى سقطت أرضاً، بل وصل الأمر إلى إطلاق الرصاص الحي صوب المزارعين الفلسطينيين وتحطيم وإحراق مركباتهم بما تحمله من معدات وأدوات، لمنعهم من جني ثمار الزيتون التي تعد مصدر رزق وحيداً لمئات العائلات، ومع حلول موسم قطف الزيتون، الذي ينطلق مع بداية الثلث الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، تتزايد اعتداءات المستوطنين في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وعلى حد وصف هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن الموسم الحالي هو "الأخطر منذ عقود"، فخلال سبتمبر (أيلول) الماضي وحده بلغت اعتداءات المستوطنين على الأشجار والمزروعات نحو 60 عملية اعتداء، تسببت باقتلاع وتخريب وتسميم وحرق ما مجموعه 431 شجرة، منها 261 شجرة زيتون، ووفقاً لبيانات الهيئة، نفذ المستوطنون خلال العامين الماضيين أكثر من 7 آلاف اعتداء أسفرت عن مقتل 33 فلسطينياً وتدمير ما يقارب 49 ألف شجرة، معظمها من الزيتون، وأفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن المؤسسة الأمنية والعسكرية ترصد تصاعداً خطراً في عنف المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية وسط مخاوف متزايدة من فقدان السيطرة على الوضع.
وبحسب معطيات وزارة الزراعة الفلسطينية، فإن عدد أشجار الزيتون في فلسطين يقدر بنحو 9 ملايين و300 ألف شجرة موزعة على 920 مليون متر مربع وتسهم في سبل العيش لما يقارب 96 ألفاً و500 أسرة، إذ تشكل صناعة زيت الزيتون نحو 25 في المئة من الدخل الزراعي للأرض الفلسطينية، وتتفاوت معدلات الإنتاج من زيت الزيتون سنوياً بين 22 و40 ألف طن في الموسم الواحد، وفي قرية الولجة شمال غربي بيت لحم جنوب الضفة الغربية، توجد أقدم شجرة زيتون في العالم، والتي يُقدّر عمرها بنحو 5500 عام، تنتج وحدها سنوياً ما يقارب 500 كيلو من ثمار الزيتون.
موسم صعب
هذا العام وصلت يد المستوطنين إلى مختلف المحافظات الفلسطينية، ودمروا حقولاً بأكملها من أشجار الزيتون، ففي قرية المغيّر لم يتمكن الأهالي من الوصول إلا لنحو ثلاثة في المئة فقط من الأراضي المزروعة بالزيتون التي تقع داخل حدود القرية، وخلال أغسطس (آب) الماضي نفذت السلطات الإسرائيلية حملة واسعة لقطع أشجار الزيتون، جرى خلالها اقتلاع نحو 10600 شجرة، كما تم الاستيلاء على مساحات واسعة لمصلحة البؤر الاستيطانية، وقطع نحو 250 شجرة زيتون معمرة في منطقة مرج سيع الواقعة بين قريتي أبو فلاح وترمسعيا القريبة من رام لله قبل أيام، وما زاد من عزل القرية وتعميق الحصار المفروض على سكانها، وضع اليد على 267 ألف متر مربع مما تبقى من أراضي القرية لأغراض عسكرية، مما ألحق أضراراً بالغة طاولت أكثر من 4 آلاف مواطن، ولم يتبق لأهالي القرية التي تبلغ مساحتها 43 مليون متر مربع، سوى أقل من مليون متر مربع وذلك بعد مصادرة المساحة المتبقّية لمصلحة الاستيطان، إذ إن وجود تسع بؤر استيطانية من جميع الجهات، تسبب في تأجيج المواجهات اليومية بين الأهالي والمستوطنين، وخلال الأشهر الماضية تعرّضت القرية لهجمات مميتة، أبرزها الهجوم الكبير الذي شنّه نحو 1600 مستوطن وأحرقوا خلاله أكثر من 40 منزلاً ومركبة، يقول رئيس مجلس قروي المغيّر أمين أبو عليا "أصبحت قريتنا منكوبة بالاستيطان، الاعتداءات تحصل بصورة يومية من قبل المستوطنين الذين يسعون بكل ما يملكونه من إرهاب وعنف إلى ترحيل السكان عن أرضهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين قريتي رنتيس في محافظة رام الله ودير بلوط في محافظة سلفيت وسط الضفة، منع المزارعون من استكمال قطف الزيتون في أراضيهم، وفي جبل قماص ببلدة بيتا جنوب نابلس شمال الضفة، يشعر الفلسطينيون أن مهمة قطف الثمار هذا العام ستكون محفوفة بالأخطار، فبعدما توجه الأهالي لقطف الزيتون في المنطقة، تفاجأوا بهجوم عشرات المستوطنين بحماية من الجيش الذي منعهم من استكمال عملية القطاف، وأمرهم بالتراجع إلى مناطق أخرى بحجة ضرورة التنسيق لدخولها، واتسع نطاق هجوم المستوطنين بعدها بساعات ليشمل حرق كثير من المركبات في بلدات بيتا وحوارة ودير شرف القريبة من نابلس، التي أسفرت عن إصابة نحو 36 مواطناً بينهم إصابتان بالأعيرة النارية، إضافة إلى احتراق وتكسير نحو 15 مركبة بينها مركبة إسعاف، وفي بلدة كفر قدوم في محافظة قلقيلية شمالاً أغلق الجيش أراضي المنطقة الشمالية من البلدة ببوابة حديدية وحرموا المزارعين من الوصول إلى أراضيهم التي تبلغ مساحتها نحو 5 ملايين متر مربع، وقرب مستوطنة "أرئيل" وسط الضفة مُنع الأهالي من الوصول إلى أكثر من 3 ملايين متر مربع من الأراضي المزروعة بالزيتون.
خلف الجدار
وبسبب الحواجز والسواتر الترابية والبوابات الحديدية يواجه المزارع الفلسطيني هذا الموسم صعوبة بالغة في الوصول إلى أرضه لجني محصول الزيتون، إذ وصل عدد الحواجز والبوابات الحديدية التي نصبها الجيش في الضفة الغربية، وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إلى 898 حاجزاً عسكرياً وبوابة، منها 18 بوابة حديدية منذ بداية العام الجاري، و146 بوابة حديدية منها بعد السابع من أكتوبر 2023، ولم يتمكن المزارعون مذاك من الوصول إلى أراضيهم خلف الجدار، حيث قامت السلطات الإسرائيلية بإلغاء جميع التصاريح والموافقات تقريباً لأسباب أمنية، مما منع المزارعين فعلياً من الوصول إلى أراضيهم، وبقيت البوابات الزراعية على طول الجدار مغلقة، ووفقاً لمعهد الأبحاث التطبيقية "أريج"، تبلغ مساحة الأراضي المعزولة خلف الجدار 771 كيلومتراً مربعاً أي 12.5 في المئة من مساحة الضفة الغربية، ويقول المزارع خليل الطقطق من محافظة سلفيت، إنه حرم من الوصول إلى أرضه خلف الجدار البالغة مساحتها 42 ألف متر مربع والمزروعة بـ450 شجرة زيتون معمرة، مما سبب له خسائر فادحة، وتقدّر مديرية الزراعة في سلفيت أن عدد الأراضي القريبة من المستوطنات في محافظة سلفيت، والواقعة خلف الجدار، التي لم يصل إليها المزارع لغاية هذا اليوم أكثر من 10.500 مليون متر مربع، مزروعة بـ100 ألف شجرة زيتون، وهي تسجل خسارة ما يقارب 200 طن من ثمار الزيتون، التي تعادل 20 في المئة من كمية المحصول العام من الزيت في محافظة سلفيت وسط الضفة الغربية.
من جانبه أشار رئيس بلدية سلواد شرق رام الله، رائد حامد، إلى أن المستوطنين الذين هاجموا المزارعين والمتطوعين الأجانب في مناطق نُصبية وباب الغرس غرب الشارع رقم (60) قبل أيام، سرقوا ثمار الزيتون والمعدات الزراعية والهواتف، وحاولوا الاستيلاء على جرار زراعي، وأكد أن الجيش أغلق الطرق الترابية المؤدية إلى الأراضي الزراعية، وحرم عشرات الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم خلال الموسم الجاري.
تهديد السلاح
ويرى الناشط الفلسطيني عوض أبو سمرة من قرية ترمسعيا شرق رام لله، الذي تعرض قبل أسابيع لهجوم من قبل مجموعة من المستوطنين أثناء العمل في أرضه، أن الخوف الذي يسيطر على بعض المزارعين الفلسطينيين وقاطفي ثمار الزيتون ينبع من كثرة السلاح المنتشر بأيدي المستوطنين الذين لا يترددون في استخدامه في أي لحظة، وبخاصة عند الاقتراب من المناطق المحاذية للمستوطنات، وفي مطلع سبتمبر الماضي، وافق وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على إضافة مدن وبلدات ومستوطنات عدة في إسرائيل والضفة الغربية، إلى قائمة المؤهلين للحصول على رخصة "سلاح ناري خاص"، وفق بيان لمكتبه، الذي أكد فيه أنه ومنذ بداية سياسة التسليح في نهاية عام 2023 أصدر نحو 230 ألف ترخيص جديد لحمل أسلحة نارية، بدوره أوضح مدير عام التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية أمير داوود، أن ما يجري "يتجاوز مجرد اعتداءات موسمية إلى هجمات ممنهجة من منظمات استيطانية تهدف إلى ترهيب المزارعين لمصادرة الأرض من أصحابها وتوسيع السيطرة الاستيطانية"، ويؤكد تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" أن إسرائيل استخدمت "جيشاً شرطياً" شبه رسمي في الضفة الغربية، يضم وحدات مشاة وشرطة حدود وميليشيات استيطانية مسلحة ومدربة من الجيش، في حين كشفت صحيفة "نيويوركر" في تقرير لها أن نسبة كبيرة من المستوطنين الذكور في مستوطنات الضفة هم جنود احتياط، يشكلون نحو 70 في المئة من القوات القتالية في بعض المناطق، وأكدت أنهم يخضعون لتدريبات متكررة مع وحدات الجيش النظامي، وكشف تقرير لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن 20 في المئة من موازنة الجيش تخصَّص لحماية المستوطنات غير القانونية.
مسألة أمنية
وقبيل موسم قطف الزيتون الذي يعد أحد أهم المواسم الاقتصادية للفلسطينيين، شنت منظمات استيطانية حملات تحريض ضد المزارعين الفلسطينيين لحرمانهم من الوصول إلى حقول الزيتون، وجرى توجيه تحركاتهم في مجموعات إلى أراضيهم لجني المحصول ضمن "مسألة أمنية خطرة" يجب تقويضها، ووفقاً لما نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية نهاية الشهر الماضي، صعّدت جهات سياسية وأمنية إسرائيلية من لهجتها تجاه موسم قطف الزيتون الفلسطيني، متهمة الفلسطينيين باستخدامه كغطاء "للتحريض وتنفيذ أعمال عنف"، كيف لا وقد بث موقع "الصوت اليهودي"، اليميني الاستيطاني نهاية سبتمبر الماضي، حلقة بودكاست تحت عنوان "كرنفال قطف الزيتون يقترب"، روّج من خلالها لفكرة أن الفلسطينيين يستغلون موسم قطف الزيتون كغطاء لمشروع إستراتيجي تديره حركة "حماس" للسيطرة على مناطق "جيم" في الضفة الغربية وليس نشاطاً زراعياً، وفي الخامس من أكتوبر الجاري علقت حركة "أم ترتسو" الإسرائيلية اليمينية المتطرفة لافتات تطالب بوقف موسم الحصاد للفلسطينيين، ونشرت عريضة عبر موقعها الرسمي ومنصاتها الرقمية، تدعو فيها قيادة الجيش الإسرائيلي إلى إعادة النظر في سياسة السماح للفلسطينيين بقطف الزيتون في المناطق القريبة من المستوطنات وطرق العبور الرئيسة، واعتبرت أن الدخول إلى هذه المناطق يشكّل "خطراً أمنياً" على السكان اليهود، وجاء في العريضة المنشورة "على غرار ما حدث في غزة قبل السابع من أكتوبر، يستغل الفلسطينيون موسم الزيتون لجمع معلومات استخباراتية وإخفاء منصات إطلاق وأسلحة أخرى، استعداداً للمذبحة التالية"، وختمتها بدعوة مستعجلة "هذه المرة دعونا نستيقظ في الوقت المناسب، أوقفوا الحصاد وامنعوا المذبحة القادمة"، مع حثّ المتابعين لها على التوقيع على العريضة، وعلى أثر ما وصفته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ"تزايد أحداث العنف خلال موسم الزيتون"، طالبت عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب "عوتسما يهوديت"، ليمور سون هار ميلخ، خلال جلسة خاصة عقدتها لجنة الأمن القومي في الكنيست الشهر الماضي بطلب منها، بمناقشة استعدادات الشرطة لموسم الزيتون، وادعت أنه يشكل "رعباً سنوياً" للمستوطنين.