ملخص
من المقرر أن تعقد الجولة المقبلة من المفاوضات بين حركة "طالبان" الأفغانية والحكومة الباكستانية للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري في مدينة إسطنبول.
في أعقاب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة "طالبان" الأفغانية والحكومة الباكستانية في العاصمة القطرية الدوحة، بوساطة كل من قطر وتركيا، أعلن الطرفان المتنازعان بعد معارك دامية استمرت من التاسع وحتى الـ 16 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أنهما خرجا منتصرين من هذا النزاع.
وجاءت هذه المفاوضات وتوقيع الاتفاق في قطر بعد أن شن الجيش الباكستاني غارات جوية على مواقع "طالبان" في قندهار، إضافة إلى ضربات جوية على كابول وبكتيكا، إضافة إلى اشتباكات برية على طول الحدود أسفرت عن خسائر فادحة في صفوف العسكريين والمدنيين الأفغان، وتعد هذه هي المرة الأولى في تاريخ العلاقات بين أفغانستان وباكستان التي يخترق فيها سلاح الجو الباكستاني أجواء كابول ويشن هجمات على أهداف داخل العاصمة.
وعلى رغم ذلك تؤكد حركة "طالبان" أنها خرجت منتصرة في ميدان القتال ومن طاولة المفاوضات، بينما تبدي باكستان تشككها في جدية "طالبان" ووفائها بالتزاماتها، مما يجعلها غير واثقة من صمود اتفاق وقف إطلاق النار، وعلى رغم أن نص الاتفاق الموقع بين "طالبان" والحكومة الباكستانية لم ينشر بعد لكن البيان الأول الصادر عن وزارة الخارجية القطرية، استناداً إلى هذا الاتفاق، تضمن نقاطاً لافتة تستدعي التوقف والتأمل، ففي هذا البيان ذكرت باكستان بالاسم الرسمي دولة جمهورية باكستان الإسلامية، بينما بالنسبة إلى لطرف الآخر، أي "طالبان"، فجرى استخدام اسم أفغانستان فقط من دون ذكر عبارة الإمارة الإسلامية في أفغانستان التي تمثل العنوان الرسمي لحكومة "طالبان"، ولا حتى استخدام مصطلح دولة أفغانستان، ومن جهة أخرى أشار البيان إلى "خط دوراند" بين أفغانستان وباكستان بوصفه الحدود الرسمية بين البلدين.
توقيع "طالبان" على وثيقة تعتبر "خط دوراند" الافتراضي حدوداً رسمية
ويرى الخبير في القانون الدولي مالك ستيز في حديث إلى صحيفة "اندبندنت فارسية" أن "جهل وفد 'طالبان' وقلة وعيه بالعواقب القانونية لمحتوى الاتفاق سمح للحكومة الباكستانية بصياغته بما يتوافق مع مصالحها"، ويشرح قائلاً إن قبول وفد "طالبان" خلال المفاوضات بأن "خط دوراند" هو الحدود الرسمية بين أفغانستان وباكستان يدل على نجاح إسلام أباد في الحفاظ على شرعيتها السياسية والقانونية ضمن نص الاتفاق، من دون تقديم أية تنازلات لحركة "طالبان"، وذلك في وقت جرى الامتناع حتى من ذكر اسم نظام الحركة.
وأشار مسؤول رفيع في الحكومة الأفغانية السابقة، طلب عدم الكشف عن هويته، إلى أن الحكومات السابقة في أفغانستان لم تستخدم في أي من الاتفاقات أو النصوص الرسمية أو البيانات مصطلح "خط دوراند" كحدود رسمية، وظلت متمسكة بموقفها بعدم الاعتراف بهذا الخط كحدود بين أفغانستان وباكستان، وهذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها "خط دوراند" كحدود رسمية في اتفاق رسمي بين أفغانستان وباكستان.
وتعد قضية "خط دوراند" من أكثر القضايا التاريخية والسياسية إثارة للنزاع في العلاقات بين أفغانستان وباكستان، فقد مرّ أكثر من قرن على رسم هذا الخط ومع ذلك لم تعترف أي من حكومات أفغانستان به كحدود رسمية ودولية، وقد جرى رسمه عام 1893 بناء على اتفاق بين ملك أفغانستان آنذاك الأمير عبدالرحمن خان، وممثل بريطانيا في الهند السير مورتمير دوراند، وكان الهدف من هذا الاتفاق هو تحديد حدود النفوذ السياسي والإداري للطرفين وليس إقامة حدود دولية دائمة، ففي ذلك الوقت لم تكن أفغانستان تتمتع بالاستقلال الكامل واضطر الأمير عبدالرحمن خان إلى توقيع الاتفاق تحت ضغط بريطانيا، ولهذا يعتبره كثير من المؤرخين الأفغان اتفاقاً استعمارياً مفروضاً.
ومن وجهة نظر بعض القانونيين الأفغان فإن "اتفاق دوراند" لا يملك شرعية دولية، وكانت صلاحيته محدودة بـ 100 عام فقط انتهت عام 1993، وبناء على ذلك اعتقدت حكومات أفغانستان من العهد الملكي وحتى الجمهورية أن "اتفاق دوراند" لا يحمل أية شرعية قانونية.
وبعد تصاعد النزاعات الحدودية بين "طالبان" أفغانستان والحكومة الباكستانية في الأسبوع الماضي، قال رئيس أفغانستان السابق أشرف غني في بيان إن "خط دوراند" إرث استعماري أقدم من الهياكل المعاصرة لباكستان، وإن على البلدين إيجاد حل منطقي وسلمي لهذه المسألة، وكان موقف أشرف غني خلال فترة حكمه هو نفسه، وباستثنائه فلم يذكر أي مسؤول رسمي في أفغانستان خلال مقابلاته أو تصريحاته هذا الخط بوصفه حدوداً رسمية بين أفغانستان وباكستان، بل كان يشار إليه عادة بـ "خط دوراند" الافتراضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستند موقف حكومات أفغانستان إلى أن نص الاتفاق بين عبدالرحمن خان وممثل بريطانيا في الهند لم يتضمن أية إشارة إلى حدود دولية، بل تحدث فقط عن حدود النفوذ السياسي، ومن ناحية أخرى يدعي البشتون المقيمون على جانبي الحدود أن هذا الخط قسم أراضي أجدادهم إلى قسمين وعرقل حياة القبائل والأقارب في ما بينهم، ووفقاً لهذا التقسيم الحدودي يعيش جزء من قبيلة البشتون في محافظات الجنوب والشرق من أفغانستان، بينما يقيم الجزء الآخر في ولاية خيبر بختونخوا والمناطق القبلية في باكستان.
ومنذ عام 1947، أي بعد تأسيس دولة باكستان، لم تعترف أي من حكومات أفغانستان بهذا الخط كحدود رسمية، بل على العكس تعتبر إسلام أباد "خط دوراند" الحدود الرسمية والدولية بين البلدين، وتؤكد أن هذه الحدود ورثتها من الهند البريطانية ولا يمكن تغييرها بموجب القانون الدولي، وقد قبلت معظم دول العالم والهيئات الدولية عملياً وجهة نظر باكستان، حيث تظهر "خطوط دوراند" كحدود رسمية في الخرائط الرسمية، إلا أنه حتى الآن لم يوقع أي مسؤول رسمي أو ممثل عن أفغانستان على أية وثيقة تشير إلى الخط كحدود رسمية.
ويعتقد مالك ستيز أن باكستان انتصرت على "طالبان" في كل من الحرب والمفاوضات، وأن إسلام أباد، وعلى رغم انتهاكها للأجواء الأفغانية وهجماتها على العاصمة ومدن كبيرة مثل قندهار وبكتيكا من دون أية إدانة دولية، نجحت في تسجيل خط كان تعتبره حكومات أفغانستان لفترات طويلة خطاً افتراضياً كحدود رسمية في نص الاتفاق مع "طالبان"، وحصلت على توقيع عليه، ومع ذلك يؤكد ستيز أنه نظراً إلى غياب الشرعية السياسية الدولية لنظام "طالبان" فإن توقيع هذا الاتفاق لا يعتبر تمثيلاً شرعياً ورسمياً لأفغانستان.
هدنة هشة بين الطرفين
وفي الوقت ذاته تعتقد النائبة السابقة في برلمان أفغانستان شكريه باركزي أن لا باكستان ولا نظام "طالبان" في أفغانستان هما المنتصران في هذه الحرب والمفاوضات، إذ لا توجد رؤية واضحة لتحقيق السلام والاستقرار على الحدود بين البلدين، مؤكدة خلال حديثها لصحيفة "اندبندنت فارسية" أن باكستان ارتكبت جرائم حرب من خلال هجماتها على أفغانستان وقتلت مدنيين، وأن الاتفاق الموقع في الدوحة لم يحقق أي مكاسب لباكستان، مضيفة أن باكستان تعتبر الجماعات المسلحة مثل حركة "طالبان" باكستان و"داعش خراسان" أدوات لتحقيق أهدافها، ولهذا السبب لن تستمر حال الاستقرار على الحدود مع أفغانستان.
من جانبه قال وزير دفاع الباكستاني خواجه آصف أمس الإثنين لوكالة "رويترز" إن الحفاظ على الهدنة واستمرار وقف إطلاق النار مع "طالبان" أفغانستان يعتمد على قدرة الأخيرة في ضبط المقاتلين الذين يشنون هجمات من الأراضي الأفغانية على باكستان، موضحاً أنه بموجب الاتفاق الموقع في الدوحة فلا ينبغي أن تحصل أية هجمات من الأراضي الأفغانية، وأن أي انتهاك لهذا الالتزام يهدد وقف إطلاق النار.
وتتهم الحكومة الباكستانية حكومة "طالبان" بمنح ملاذ للمتمردين المعارضين للحكومة الباكستانية، في حين تنفي "طالبان" هذه الاتهامات وتتهم باكستان بنشر معلومات مضللة وتوفير ملاذ للمقاتلين المرتبطين بـ "داعش"، فيما تزيد هذه الاتهامات المتبادلة من تعقيد الوضع الهش للهدنة، مما يثير القلق من تجدد النزاعات، ومن المقرر أن تعقد الجولة المقبلة من المفاوضات للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في الـ 25 من أكتوبر الجاري في مدينة إسطنبول.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"