Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين وأميركا… مواجهة مفتوحة في الاقتصاد والتكنولوجيا والنفوذ

بكين تفوز في الحرب التجارية التي أشعلتها واشنطن.. ومحللون يرون أنها معركة طويلة لحرب باردة قد تستمر أعواماً

تمتلك الصين اليوم نحو 70 في المئة من إنتاج العالم من المعادن النادرة (أ ف ب)

 

ملخص

العالم اليوم يعيش عصراً جديداً من تسليح الاقتصاد، إذ تسعى الصين إلى السيطرة على التقنيات والقطاعات الحيوية، فيما تستخدم الولايات المتحدة العقوبات لحماية تفوقها.

تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تصعيداً غير مسبوق في المواجهة الاقتصادية، مع تبادل القيود التجارية والعقوبات والرسوم الجمركية في سباق محموم للهيمنة على التكنولوجيا والموارد الاستراتيجية.

وبينما كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يسعى إلى "صفقة كبرى" مع نظيره الصيني شي جينبينغ، تكشف التطورات الأخيرة أن الصين باتت الرابح الأكبر في حرب التجارة التي بدأتها واشنطن نفسها.

ما الذي أشعل جولة التصعيد الجديدة؟

في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي أعلنت وزارة التجارة الأميركية تشديد القيود على تصدير أشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق إلى الشركات الصينية المدرجة على القائمة السوداء، في محاولة لعرقلة التقدم التكنولوجي الصيني.

وردت بكين بسرعة عبر فرض تراخيص تصدير جديدة على المعادن النادرة التي تهيمن على إنتاجها عالمياً، وهو ما اعتبرته واشنطن سلاحاً اقتصادياً خطراً يهدد الصناعات الاستراتيجية الغربية.

وكتب المسؤول الأميركي السابق دين بول أن "الصين أصبحت تمتلك القدرة على منع أي دولة في العالم من المشاركة في الاقتصاد الحديث، بفضل سيطرتها على المواد الحيوية لصناعات مثل الإلكترونيات والدفاع والطاقة".

أما ترمب فهاجم القرار الصيني واصفاً إياه بـ"العار الأخلاقي"، ملوحاً بعقوبات وجمارك جديدة قد تؤدي إلى حظر تجاري فعلي بين أكبر اقتصادين في العالم.

هل تنجح القمم الدبلوماسية في احتواء التوتر؟

وسط هذا التصعيد، يحاول الجانبان الإعداد لقمة بين ترمب وشي كانت مقررة في كوريا الجنوبية، وعلى رغم تبادل الرسائل الودية، فإن نغمة الخطاب تكشف مزيجاً من المجاملة والمواجهة.

يصرح ترمب بأنه يريد اتفاقاً "جميلاً وكبيراً"، لكنه في الواقع يواجه حقائق جيوسياسية معقدة تتجاوز حدود الدبلوماسية.

فالعالم اليوم يعيش عصراً جديداً من تسليح الاقتصاد، إذ تسعى الصين إلى السيطرة على التقنيات والقطاعات الحيوية، فيما تستخدم الولايات المتحدة العقوبات لحماية تفوقها.

غير أن بكين تعلمت الدرس وأصبحت تستخدم الأدوات نفسها بفاعلية أكبر، مما يجعل الحرب الاقتصادية ساحة مفتوحة بين قوتين لا تنويان التراجع.

لماذا يستبعد المتخصصون "الصفقة الكبرى"؟

يقول المتخصصون إن التاريخ لا يشجع على التفاؤل بصفقات كبرى بين القوى العظمى، فمحاولات التفاهم بين بريطانيا وألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى فشلت، كذلك انتهت مرحلة الانفراج بين واشنطن وموسكو في السبعينيات إلى جولة جديدة من الحرب الباردة.

المنافسة بين أميركا والصين ليست خلافاً عابراً، بل صراعاً عميقاً على النفوذ الاقتصادي والعسكري والجغرافي، وحتى لو انعقدت قمم دبلوماسية وأبرمت اتفاقات جزئية، فإنها لن تغير المسار التصادمي للعلاقة بين البلدين.

كيف تحولت سياسة الاحتواء إلى حرب اقتصادية؟

بدأت ملامح التحول في الولاية الأولى لترمب، الذي اتخذ موقفاً متشدداً تجاه بكين عبر فرض رسوم جمركية مرتفعة وتقييد استثماراتها في قطاعات التكنولوجيا، واستمر النهج ذاته خلال فترة الرئيس جو بايدن، مع توسيع العقوبات وتطبيق قيود تصدير شاملة عام 2022 على الرقائق العالية التقنية.

في المقابل، ردت الصين بإجراءات مضادة، منها فرض قيود على المعادن النادرة التي تعتمد عليها الصناعات الأميركية، مما أربك سلاسل التوريد ورفع الكلف، ومع تفاقم الأضرار الاقتصادية انتقل ترمب من المواجهة إلى التفاوض والبحث عن صفقات موقتة تشمل ملفات متعددة من "تيك توك" إلى الرسوم التجارية.

هل تمسك الصين فعلاً بخناق الاقتصاد العالمي؟

يرى المتخصصون أن الصين تدرك أن القوة الاقتصادية هي أساس النفوذ العالمي، ولهذا سعت إلى تعزيز مكانتها كمصنع للعالم عبر مبادرة "صنع في الصين 2025"، التي تستهدف التفوق في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والصناعات المتقدمة.

وفي وقت حاولت فيه واشنطن الحد من طموحاتها، نجحت بكين في تطوير استراتيجية "الخنق" الخاصة بها، عبر استغلال هيمنتها على سوق المعادن النادرة، إذ تمتلك الصين اليوم نحو 70 في المئة من إنتاج العالم من هذه العناصر، وقرابة 90 في المئة من عمليات التكرير والمعالجة، مما يجعلها قادرة على تعطيل صناعات كاملة في الولايات المتحدة وأوروبا.

كذلك فإن القواعد الجديدة التي أصدرتها بكين تلزم الشركات الأجنبية بالحصول على تصاريح لتصدير أو استخدام أي منتج يحوي المعادن النادرة الصينية، حتى بنسب صغيرة، وهو ما يمنحها سلطة غير مسبوقة على سلاسل التوريد العالمية، ويجعلها تتحكم في تدفق المعلومات الصناعية الحساسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت تشتعل فيه الجبهة الاقتصادية، تتصاعد الأخطار العسكرية في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، إذ تنفذ القوات الصينية تدريبات تحاكي فرض حصار على الجزيرة، فيما تكثف الطائرات الصينية طلعاتها المزعجة لإرهاق الدفاعات الجوية التايوانية، واتهمت بكين بشن هجمات إلكترونية وتخريبية على البنية التحتية التايوانية.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الجاري اصطدمت سفينة صينية بسفينة فيليبينية قرب جزيرة ثيتو، مما أثار مخاوف من أن تؤدي هذه الاحتكاكات إلى مواجهة عسكرية أوسع قد تجر الولايات المتحدة للدفاع عن حلفائها بموجب المعاهدات الأمنية.

في المقابل، استعرض الرئيس شي أسلحة استراتيجية جديدة، من صواريخ مضادة للسفن إلى مسيرات بحرية وغواصات نووية، في رسالة واضحة بأن الصين مستعدة لأي سيناريو في غرب المحيط الهادئ.

كيف تسعى بكين إلى إعادة تشكيل النظام الدولي؟

إلى جانب تصعيدها العسكري تعمل الصين على توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي عالمياً، فقد أطلقت برامج مساعدات واستثمارات للدول النامية مستفيدة من تراجع الدور الأميركي، وتسعى إلى تحديد معايير عالمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وأعلن شي مبادرة "الحوكمة العالمية" كمشروع بديل لقيادة الغرب النظام الدولي.

تهدف هذه التحركات إلى زيادة اعتماد العالم على الصين وتقليص النفوذ الأميركي، ضمن رؤية شاملة لهيمنة اقتصادية وتقنية طويلة المدى.

هل يدرك ترمب حقيقة الصراع؟

وبحسب المتخصصين، فإن الرئيس الصيني شي جينبينغ يرى العلاقة مع الولايات المتحدة صفرية ومعادية بطبيعتها، إذ يصر على أن الصين تخوض "مسيرة طويلة جديدة" نحو التفوق العالمي، محذراً خصومها بأنهم "سيحطمون رؤوسهم على جدار فولاذي عظيم".

وعلى رغم بعض الجهود الأميركية لتعزيز الإنتاج المحلي من المعادن النادرة وتسريع الابتكار في الذكاء الاصطناعي، فإن واشنطن لا تزال تعاني تناقضات داخلية (نزاعات تجارية مع الحلفاء، وتردد في دعم تايوان، وغموض حول مدى استعدادها لمواجهة الصين في آسيا).

ويضيف المتخصصون أن العلاقات بين واشنطن وبكين تسير في مسار تصادمي طويل الأمد، فالصفقات الموقتة والقمم الدبلوماسية قد تخفف التوتر موقتاً، لكنها لن توقف السباق نحو الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية.

وإذا واصل ترمب الرهان على العلاقات الشخصية لحل هذه التناقضات العميقة، فإن النتيجة ستكون صدمات مؤلمة له ولأميركا على حد سواء.

اقرأ المزيد