السلام المفقود
من "العصبة" إلى "الأمم المتحدة"
في 25 أبريل (نيسان) 1945 توجه الرئيس الأميركي هاري ترومان بهذه الكلمات إلى المشاركين في مؤتمر الأمم المتحدة حول التنظيم الدولي، المعروف بمؤتمر سان فرانسيسكو، الذي تمت خلاله صياغة ميثاق الهيئة الدولية الذي ينص في مادته الأولى على الحفاظ على السلام والأمن الدوليين ودعم حقوق الإنسان. اليوم، وبعد مرور نحو 77 عاماً على إنشاء الأمم المتحدة، ما زالت الحروب والصراعات تتناثر بين الدول وداخل الدولة الواحدة، والصواريخ تتساقط شمالاً وجنوباً، وأزيز الرصاص يعلو شرقاً وغرباً، بينما يقف أصحاب "الخوذ الزرقاء" في مناطق النزاع محاولين الحد من تصاعد العنف وحماية المدنيين. فأين الأمم المتحدة من تحقيق السلام العالمي وصون حقوق الإنسان؟ وهل نجحت في تحقيق الغرض من إنشائها؟
بدايات النظام الدولي
على مدار التاريخ عرف العالم صراعات مستمرة، ولم تكن الدول العظمى والإمبراطوريات قادرة على التعاون ومنع الحروب في إطار دولي يحقق السلام بين أطرافه. وقبل تأسيس عصبة الأمم عام 1919، لم تكن هناك سابقة لأية منظمة دولية هدفها الحفاظ على السلام العالمي، لكن فكرة وجود نظام دولي لتجنب الحرب كانت قديمة جداً، إذ ترجع أصولها الأولى إلى القرن الـ16، حينما وضع عديد من المفكرين مفاهيم لضمان السلام من خلال إنشاء هيئات تمثيلية دولية، أو احترام القانون الدولي، أو التحكيم، أو إنشاء شرطة دولية.
بعد انتهاء الحروب النابليونية في القرن الـ19، نشأ "تحالف أوروبا" الذي انبثق عن مؤتمر فيينا (1814-1815) كخطوة مهمة في تطور التعاون متعدد الأطراف بهدف جعل الحكومات معتادة على عقد اجتماعات رفيعة المستوى قبل اندلاع النزاعات، ونشأت بعد ذلك أولى المنظمات الإقليمية في أوروبا، مثل اللجنة المركزية للملاحة على نهر الراين (1815) ولجنة الدانوب (1856) لتنظيم الملاحة النهرية. ومع الثورة الصناعية، ازداد التعاون بين الدول وأنشئت لأول مرة منظمات دولية مثل الاتحاد الدولي للبرق عام 1865 واتحاد البريد العالمي عام 1874.
وفي عام 1891، تأسس مكتب السلام الدولي كاتحاد للتنسيق والإشراف على تنظيم المؤتمرات الدولية، غير أن أول مؤتمر للسلام الدولي لم يعقد حتى عام 1899 في لاهاي، حيث وُقع اتفاق التسوية السلمية للمنازعات الدولية، الذي أنشأ محكمة التحكيم الدائمة. لكن هذا الاتفاق لم يكن كافياً للحيلولة دون اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي أدت إلى مقتل وإصابة ملايين الأشخاص.
جنود فرنسيون يفرغون شاحنات بالقرب من ساحة معركة فردان بشرق فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى (أ ف ب)
جنود فرنسيون يفرغون شاحنات بالقرب من ساحة معركة فردان بشرق فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى (أ ف ب)
صورة بعدسة جندي سابق للدمار في مدينة فردان الفرنسية خلال الحرب العالمية الأولى عام 1916 (أ ف ب)
صورة بعدسة جندي سابق للدمار في مدينة فردان الفرنسية خلال الحرب العالمية الأولى عام 1916 (أ ف ب)
إثر ذلك برزت الحاجة إلى منظمة دولية فاعلة للحفاظ على السلام، فاكتسبت فكرة عصبة الأمم الدعم تدريجاً، قبل أن تأتي المبادرة الأكثر تأثيراً من قبل الرئيس الأميركي وودرو ويلسون في خطاب "النقاط الـ14" الذي ألقاه في الثامن من يناير (كانون الثاني) 1918، ودعا فيه إلى تسوية سلمية على أساس الدبلوماسية المفتوحة وحرية الملاحة والتجارة الحرة ونزع السلاح، وكانت نقطته الأخيرة هي تشكيل "اتحاد عام للأمم".
تأسيس عصبة الأمم
الوثيقة التأسيسية لعصبة الأمم لم تكن معاهدة دولية بحد ذاتها، بل تم تضمينها في معاهدة فرساي التي أقرتها القوى المنتصرة في مؤتمر باريس عام 1919، التي أنهت الحرب بين ألمانيا والحلفاء. حينها ترأس وودرو ويلسون لجنة متخصصة تكونت من 18 عضواً يمثلون 13 وفداً، صاغت ميثاق العصبة الذي اعتُمد في 28 أبريل بعد مفاوضات متوترة أحياناً، نجمت عنها بنية المنظمة الجديدة بعد سلسلة من التنازلات، لتبدأ عصبة الأمم أنشطتها رسمياً في 10 يناير 1920، مع دخول معاهدة فرساي حيز التنفيذ.
وعلى رغم أن ويلسون لعب دوراً محورياً في عملية إنشاء العصبة، إلا أن بلاده ظلت خارجها، إذ لم يستطع تأمين الأغلبية اللازمة في مجلس الشيوخ الأميركي للتصديق على معاهدة فرساي. ووفقاً لموقع مجلس الشيوخ، فإن رفضه لمعاهدة سلام للمرة الأولى في التاريخ، يعود إلى خلافات وصراعات شخصية بين الرئيس الديمقراطي ويلسون والجمهوري هنري كابوت لودج الذي كان يترأس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس، إذ كان كل منهما يزدري بالآخر منذ أيام الدراسة الجامعية. وبعدما تجاهل ويلسون مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية ولم يضم أياً من أعضائه إلى الوفد المرافق له إلى مؤتمر باريس، رفض المجلس التصديق على المعاهدة في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1919.
اتخذت عصبة الأمم من مدينة جنيف السويسرية مقراً لها وتألفت من ثلاثة أجهزة رئيسة: الجمعية، والمجلس، والأمانة العامة، فضلاً عن أجهزة أخرى أنشئت بمرور الوقت.
اتخذت عصبة الأمم من مدينة جنيف السويسرية مقراً لها وتألفت من ثلاثة أجهزة رئيسة: الجمعية، والمجلس، والأمانة العامة، فضلاً عن أجهزة أخرى أنشئت بمرور الوقت.
الجمعية
تضم كل الدول الأعضاء وتمثل كل منها بصوت واحد من دون تمييز. وظائفها واسعة النطاق ويمكن أن تتعامل مع أية مسألة تمس السلام العالمي، فضلاً عن الموافقة على قبول أعضاء جدد، وتعديل ميثاق العصبة واعتماد موازنتها. قراراتها تتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء، لتكون منبراً للدول الصغيرة والمتوسطة لإسماع أصواتها بشأن القضايا العالمية. اعتمدت الجمعية مبدأ الاجتماعات المفتوحة أمام الجمهور والصحافة في سابقة من نوعها.
المجلس
تألف عام 1920 من أعضاء دائمين هم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، وأعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية لمدة ثلاث سنوات، وازداد عددهم بمرور الوقت من أربعة أعضاء إلى ستة ثم تسعة وانتهى بـ 11 عضواً عام 1936. وظائفه تشمل البحث في كل ما يمس السلام العالمي، فضلاً عن وظائف خاصة مثل صياغة خطط الحد من التسلح، والمسؤولية عن الشؤون المتعلقة بالأراضي الخاضعة للانتداب. قرارات المجلس تتخذ بالإجماع احتراماً لسيادة الدول وليكون مساحة للتوفيق والتسويات السياسية. اعتمد مبدأ الشفافية فكانت محاضر جلساته تنشر وللصحافة الحق في حضور اجتماعاته.
الأمانة
هي الجهاز الإداري لعصبة الأمم، وتتألف من موظفين مدنيين دوليين يترأسهم أمين عام يعد رئيساً لعصبة الأمم. وهي مسؤولة عن إعداد أعمال الهيئات المختلفة في العصبة، والإشراف على حسن سير الاجتماعات، ومتابعة القرارات التي تتخذها الدول الأعضاء، وجمع ونشر جميع المعاهدات الموقعة من قبل الأعضاء. تولى الأمانة العامة ثلاثة أمناء فقط، هم البريطاني السير إريك دروموند، والفرنسي جوزيف أفينول، والإيرلندي شون ليستر.
محكمة العدل الدولية الدائمة
أسستها عصبة الأمم عام 1921 في لاهاي، لتكون جهازاً قضائياً مستقلاً على رغم إدراج موازنتها في موازنة العصبة. مجلسها يضم 15 قاضياً للفصل في القضايا الخلافية على مستوى الدول بإصدار أحكام أو تقديم آراء استشارية، لكن اختصاصها القضائي الإلزامي لا ينطبق إلا على الدول التي تقبل المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة. لم تعد قائمة رسمياً عام 1946، لكن نظامها الأساسي شكل منطلقاً لإنتاج نظام متطابق تقريباً لمحكمة العدل الدولية في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945.
منظمة العمل الدولية
منظمة مستقلة عن عصبة الأمم لكن موازنتها تعتمدها الجمعية وتدرج في الموازنة العامة للعصبة. تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتطبيق القواعد الدولية المتعلقة بظروف العمل وتحديد ساعات العمل في المنشآت الصناعية. أصبحت لاحقاً أول وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة في عام 1946.
المنظمات المساعدة
هيئات فرعية أنشئت بموجب ميثاق العصبة أو بقرارات من الجمعية والمجلس، واختلف تكوينها بحسب اختصاصاتها. تسمى "منظمات" أو "لجان" أو "معاهد"، وتعد عمل الأجهزة الرئيسة وتقدم المشورة بشأن مسائل محددة. بعضها كانت منظمات فنية لتسهيل التعاون الدولي في مجالات محددة، مثل المنظمة الاقتصادية والمالية، ومنظمة الاتصالات، ومنظمة الصحة، ولعبت جميعها دوراً مهماً ومهدت الطريق لإنشاء وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها لاحقاً.
لماذا فشلت عصبة الأمم؟
الكساد الاقتصادي العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي، دفع الدول إلى مزيد من العدوانية تجاه بعضها بعضاً، فاستولت الديكتاتوريات الفاشية على السلطة في ألمانيا وإيطاليا واليابان. هذه الدول التي كانت عازمة على بناء إمبراطوريات جديدة تحدت عصبة الأمم، فاحتلت اليابان منطقة منشوريا في الصين عام 1932، وعندما اعترضت العصبة ودعمت بكين من دون أن تتمكن من فعل أي شيء آخر، انسحبت اليابان من المنظمة. ألمانيا بدورها كانت تشعر بالظلم من اتفاق فرساي، فانسحبت من العصبة عام 1932. أما إيطاليا فغزت الحبشة عام 1935، وعلى رغم إدانة العصبة رسمياً لهذه الخطوة، إلا أن فرنسا وبريطانيا أبرمتا اتفاقاً سرياً مع روما لمنحها الحبشة.
وفيما كان من المستحيل إيقاف ألمانيا بعد عام 1935، تجاهلت بريطانيا وفرنسا الأكثر نفوذاً في العصبة دور هذه المنظمة، وحاولتا بدلاً من ذلك التهدئة عبر استرضاء هتلر. غير أن مساعيهما باءت بالفشل واندلعت الحرب العالمية الثانية، لتدمر الأزمات المتتالية سلطة عصبة الأمم.
خلال الحرب العالمية الثانية وعلى رغم حدة الصراع لم توقف العصبة أنشطتها، فظلت الأمانة في جنيف، بينما عمل بعض الموظفين من مكاتب في لندن وواشنطن وفي حرم جامعة برينستون في الولايات المتحدة. وعندما ظهر ميثاق منظمة الأمم المتحدة في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1945 كانت عصبة الأمم لا تزال نشطة، فتعايشت المنظمتان حتى أبريل 1946، حين وافقت 35 دولة في جنيف رسمياً على حل العصبة.
لماذا فشلت عصبة الأمم؟
الكساد الاقتصادي العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي، دفع الدول إلى مزيد من العدوانية تجاه بعضها بعضاً، فاستولت الديكتاتوريات الفاشية على السلطة في ألمانيا وإيطاليا واليابان. هذه الدول التي كانت عازمة على بناء إمبراطوريات جديدة تحدت عصبة الأمم، فاحتلت اليابان منطقة منشوريا في الصين عام 1932، وعندما اعترضت العصبة ودعمت بكين من دون أن تتمكن من فعل أي شيء آخر، انسحبت اليابان من المنظمة. ألمانيا بدورها كانت تشعر بالظلم من اتفاق فرساي، فانسحبت من العصبة عام 1932. أما إيطاليا فغزت الحبشة عام 1935، وعلى رغم إدانة العصبة رسمياً لهذه الخطوة، إلا أن فرنسا وبريطانيا أبرمتا اتفاقاً سرياً مع روما لمنحها الحبشة.
وفيما كان من المستحيل إيقاف ألمانيا بعد عام 1935، تجاهلت بريطانيا وفرنسا الأكثر نفوذاً في العصبة دور هذه المنظمة، وحاولتا بدلاً من ذلك التهدئة عبر استرضاء هتلر. غير أن مساعيهما باءت بالفشل واندلعت الحرب العالمية الثانية، لتدمر الأزمات المتتالية سلطة عصبة الأمم.
خلال الحرب العالمية الثانية وعلى رغم حدة الصراع لم توقف العصبة أنشطتها، فظلت الأمانة في جنيف، بينما عمل بعض الموظفين من مكاتب في لندن وواشنطن وفي حرم جامعة برينستون في الولايات المتحدة. وعندما ظهر ميثاق منظمة الأمم المتحدة في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1945 كانت عصبة الأمم لا تزال نشطة، فتعايشت المنظمتان حتى أبريل 1946، حين وافقت 35 دولة في جنيف رسمياً على حل العصبة.
الأمم المتحدة تبصر النور
1941
على متن السفينة "إتش أم أس برنس أوف ويلز"، وقع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، في 14 أغسطس (آب) 1941، ما يعرف بـ"ميثاق الأطلسي"، الذي تضمن مجموعة مبادئ مشتركة للتعاون الدولي في "حفظ السلام والأمن"، والذي شكل النواة الأولى لتأسيس منظمة "الأمم المتحدة".
1942
في الأول من يناير 1942، اجتمع ممثلون عن 26 دولة حليفة ضد دول المحور في واشنطن متعهدين بدعم "ميثاق الأطلسي" من خلال التوقيع على "إعلان الأمم المتحدة"، وهو أول استخدام رسمي لمصطلح "الأمم المتحدة" الذي اقترحه روزفلت، ليضعوا بذلك حجر الأساس الأول للمنظمة العالمية.
1943
من 18 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 1943، عُقد مؤتمر موسكو بمشاركة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين، وأسفر عن إعلان مشترك أكد ضرورة إنشاء منظمة دولية عامة في أقرب وقت وفق مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول.
وفي نوفمبر التقى روزفلت وتشرشل ورئيس وزراء الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين في مؤتمر طهران، حيث اقترح الرئيس الأميركي على ستالين أن تضم المنظمة الدولية جمعية لكل الدول الأعضاء ولجنة تنفيذية من 10 أعضاء، على أن تقوم الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفياتي والصين بفرض السلام بصفتها "رجال الشرطة الأربعة".
1944
في منتصف 1944 التقى ممثلو الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفياتي والصين في دومبارتون أوكس بواشنطن لصياغة ميثاق منظمة دولية لما بعد الحرب على أساس مبدأ الأمن الجماعي، وأوصوا بجمعية عامة للدول الأعضاء ومجلس أمن يتألف من "الأربعة الكبار" زائد ستة أعضاء تختارهم الجمعية.
1945
من 4 إلى 11 فبراير (شباط) 1945 عقد مؤتمر يالطا بمشاركة روزفلت وتشرشل وستالين، إذ توافقوا مبدئياً على إجراءات التصويت وحق النقض للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. كما قرروا تنظيم "مؤتمر الأمم المتحدة حول المنظمة العالمية المقترحة" في الولايات المتحدة في 25 أبريل من العام نفسه، وحددوا الدول التي ستتم دعوتها.
بالفعل عقد مؤتمر سان فرانسيسكو من 25 أبريل إلى 26 يونيو (حزيران)، فيما كانت الدول تتوق إلى السلام إثر الخراب الذي أنتجته الحرب العالمية الثانية. شارك فيه ممثلو 50 دولة، عملوا خلال شهرين على مقترحات دومبارتون أوكس ويالطا في ضوء التعديلات التي اقترحتها الحكومات المختلفة، ليشهد المؤتمر في يومه الأخير توقيع ميثاق الأمم المتحدة، بما فيه النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
1945
في 24 أكتوبر 1945 ظهرت منظمة الأمم المتحدة إلى الوجود رسمياً، بعد أن صادقت معظم الدول على ميثاقها.
واعتباراً من 20 أبريل 1946، لم تعد عصبة الأمم موجودة، بعد أن سلمت جميع أصولها إلى الأمم المتحدة مثل مقرها في جنيف "قصر الأمم".
الخلاف حول حق النقض
خلال مؤتمر سان فرانسيسكو، نشبت خلافات حول آلية التصويت في مجلس الأمن المقترح، فقد طرحت بعض الدول التصور القائل إن مجلس الأمن الذي يتمتع فيه الأعضاء الخمسة الدائمون (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين) بحق النقض من شأنه أن يحول الأمم المتحدة إلى منظمة إمبريالية يكون فيها هؤلاء الخمسة من يدير العالم. واعتبر كثيرون أن حق النقض نفسه يقوض الشرعية الديمقراطية للمنظمة ومبدأ المساواة في السيادة، وهي ممارسة لا يمكن الدفاع عنها على أساس أي مبدأ من مبادئ الحكم العادل.
ولأن حق النقض كان نتيجة مناقشات مستفيضة خلال مفاوضات تشكيل الأمم المتحدة في دومبارتون أوكس وفي يالطا بين القوى الكبرى، مزق السيناتور توم كونالي عضو الوفد الأميركي نسخة من الميثاق خلال إحدى خطاباته في سان فرانسيسكو، محذراً الدول الأخرى من أنهم سيكونون مذنبين إذا عارضوا هذا الإجراء وسيتحملون مسؤولية إفشال المؤتمر. وهكذا أوضحت الدول الكبرى أنه لن تكون هناك "أمم متحدة" إذا لم يتم منحها حق النقض.
إثر ذلك طالبت الوفود المشاركة في مؤتمر سان فرانسيسكو بتقييد قرارات مجلس الأمن بموافقة أغلبية الثلثين، لكن الأعضاء الدائمين رفضوا ذلك، واشترطوا أن تشمل موافقة الثلثين عدم اعتراض أي من الدول الخمس على القرارات، بما يضمن لها حق النقض.
كان المنطق عند تأسيس المنظمة الدولية يقوم على فكرة الكل ضد واحد، بمعنى أن الدول ستتدخل معاً بشكل تلقائي للإنقاذ إذا كان هناك عدوان، ما لم تكن الدولة المعتدية بالطبع قوة عظمى، فمن غير المنطقي أن تسعى الدول الكبرى إلى جعل الأمور أسوأ، لأن مهاجمة الصين أو الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي، من شأنه أن يشعل حرباً عالمية ثالثة. ولا يزال هذا المبدأ ينطبق اليوم على القوى النووية بشكل عام.
الأمم المتحدة ليست دولة عليا فوق الدول ولا حكومة حكومات، بل منظمة تعتمد على الإرادة السياسية للدول الأعضاء لوضع قراراتها موضع التنفيذ.
مجلس الوصاية
أنشئ لتوفير الإشراف الدولي على 11 إقليماً خاضعاً لوصاية الدول المستعمرة وللتأكد من اتخاذ الخطوات المناسبة تهييئاً لاستقلال هذه الأقاليم.
استقلت جميع هذه الأقاليم بحلول 1994، وعلق مجلس الوصاية عمله في الأول من نوفمبر من العام نفسه.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي
يخضع لسلطة الجمعية العامة التي تنتخب 54 عضواً فيه لفترات متداخلة مدة كل منها ثلاث سنوات.
يناقش التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في العالم ويصدر توصيات بشأن السياسات المتعلقة بها.
يتولى مسؤولية نحو 70 في المئة من الموارد البشرية والمالية لمنظومة الأمم المتحدة، من بينها 14 وكالة متخصصة و9 لجان "فنية" وخمس لجان إقليمية.
الجمعية العامة
هي الهيئة التداولية الرئيسة للأمم المتحدة، تضم ممثلين لجميع الدول الأعضاء وعددهم اليوم 193 دولة، لكل منها صوت واحد.
قراراتها العامة تقر بغالبية بسيطة، والقرارات المهمة، أي المتعلقة بالسلام والأمن وقبول أعضاء جدد ومسائل الموازنة بغالبية الثلثين.
تتخذ قرارات قبول عضوية الدول فيها وطردها بناء على توصية مجلس الأمن.
الأمانة العامة
يترأسها أمين عام تعينه الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن، وتضم آلاف الموظفين العاملين في جميع أنحاء العالم.
تنفذ الأمانة الأعمال اليومية للمنظمة، وتخدم الأجهزة الرئيسة للأمم المتحدة.
مجلس الأمن
يتحمل المسؤولية الأساسية عن صون السلم والأمن الدوليين، ويتكون من 15 عضواً، خمسة منهم دائمون (الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة) و10 تنتخبهم الجمعية العامة لسنتين.
قرارات المجلس ملزمة لجميع دول الأمم المتحدة، وتتخذ بغالبية تسعة أصوات شرط عدم استخدام أي من الأعضاء الدائمين لحق النقض.
يجوز للمجلس كملاذ أخير أن يأذن باستخدام القوة العسكرية من قبل تحالف من الدول الأعضاء لحماية السلم الدولي.
يقدم المجلس توصيات إلى الجمعية العامة لتعيين أمين عام جديد وقبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة.
محكمة العدل الدولية
هي الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، وتتألف من 15 قاضياً تنتخبهم الجمعية العامة ومجلس الأمن لتسع سنوات، على أن يكون كل منهم من دولة مختلفة.
تتولى تسوية المنازعات القانونية بين الدول وتبدي آراءها الاستشارية بشأن المسائل المحالة إليها من قبل هيئات المنظمة.
ولايتها القضائية لا تشمل الأفراد والشركات والمنظمات، إنما تنظر فقط في النزاعات التي تعرضها عليها الدول بشكل طوعي.
المحكمة الجنائية الدولية
هي هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة لكن تبنت الجمعية العامة معاهدتها التأسيسية في مؤتمر روما 1998.
تسعى إلى محاسبة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان.
تضم حالياً 123 دولة، لكنها لم تتمكن من الحصول على دعم القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا، التي ترى أنها جهاز يقوض السيادة الوطنية.
مصالح الكبار وصراعاتهم
المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن مقصد المنظمة هو "حفظ السلم والأمن الدولي". هو هدف سام تكثر العقبات أمام تحقيقه فيما يستمر سفك الدماء حول العالم، مما يطرح تساؤلات عن دور الأمم المتحدة وجدواها.
(أ ف ب)
(أ ف ب)
يعيد المراقبون عجز الأمم المتحدة عن منع اندلاع الحروب والصراعات إلى أسباب عدة، تراوح بين غياب استراتيجية مثل "نظام الإنذار المبكر" للوقاية من نشوب الصراعات، إلى سلطات الدول الكبرى وتضارب المصالح في ما بينها ونفوذها الكبير في المنظمة.
في حديث لـ"اندبندنت عربية"، يشير بجراك زينك وينثر المحاضر في جامعة آلبورغ في الدنمارك، إلى فرض الدول الكبرى سيطرتها على الأمم المتحدة وتأثيرها في الأعضاء الآخرين، مما يخلق بيئة تساهم في إخفاق المنظمة بمنع الصراعات. ويوضح أنه بشكل عام تفرض القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، قيمها وأيديولوجياتها الليبرالية على الأمم المتحدة، مما يثير نزاعات مع القوى الصاعدة والمتنافسة ويؤدي في كثير من الأحيان إلى إعاقة عمل المنظمة.
حلبة مجلس الأمن
يشكل مجلس الأمن الدولي الذي حمله ميثاق الأمم المتحدة المسؤولية الأساسية عن حفظ الأمن والسلم الدوليين، المثال الأوضح لسيطرة القوى الكبرى على المنظمة الأممية والحد من قدرتها على تحقيق السلام، لا سيما عندما تكون إحدى دوله الدائمة العضوية طرفاً في النزاع، مثل ما يحصل حالياً في حرب روسيا على أوكرانيا.
يرى ديفيد مالون الدبلوماسي الكندي السابق ورئيس جامعة الأمم المتحدة في طوكيو، أن العالم يمر بأكبر تراكم للإخفاقات الأمنية الدولية الخطرة في الذاكرة الحديثة، مما يمثل تحدياً لقدرة مجلس الأمن على معالجتها بفعالية، فالأزمات في ليبيا وسوريا وأوكرانيا على التوالي، تسببت في تآكل مقلق لعلاقات القوى العظمى مما أدى إلى تعقيد عملية صنع القرار في المجلس في عدد من بؤر التوتر.
وبحسب وينثر، حين يتعلق الأمر بقرارات مجلس الأمن التي تستهدف الصراعات، يسير الأمر عموماً على الشكل التالي: يعمل دبلوماسيون من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على إعداد نص القرار، ثم يعرضونه على نظرائهم الصينيين والروس لمعرفة إذا ما كانوا سيستخدمون حق النقض ضده، وغالباً ما تملي هذه المفاوضات غير الرسمية مضمون القرارات أو تمنعها من الخروج للنور. كخطوة ثانية يعرض نص القرار على بقية أعضاء المجلس، أحياناً عبر القنوات غير الرسمية أولاً، وأحياناً مباشرة من خلال وضع القضية على جدول أعمال اجتماع المجلس. وهكذا تفرض القوى الكبرى سيطرتها من خلال البيانات العامة والقرارات والتصويت وحق النقض، وبقدر مماثل من خلال الضغط الدبلوماسي غير الرسمي على الدول الأخرى، أو ما يسمى بـ"حق النقض الصامت".
الإخفاقات المتتالية لمجلس الأمن دفعت أطرافاً عدة إلى توجيه سهام الانتقاد له. ومن بينها بيان صادر في مارس (آذار) 2022 عن "مجموعة الأربع"، التي تضم البرازيل وألمانيا والهند واليابان، يؤكد فشل المجلس في الوفاء بمسؤولياته في حفظ الأمن والسلام الدوليين بسبب استخدام الفيتو من قبل الدول الدائمة العضوية. وبناء عليه يطالب كثيرون بإعادة هيكلة مجلس الأمن، ومنهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2022، تأييده لتوسيع المجلس سواء بالنسبة إلى المقاعد الدائمة أو غير الدائمة "لكي تصبح هذه المؤسسة أكثر شمولاً حتى تتمكن من الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات عالم اليوم"، داعياً إلى "الامتناع عن استخدام حق النقض، إلا في حالات نادرة وغير عادية".
غير أن طرح توسيع مجلس الأمن يثير سجالاً بين مؤيديه ومعارضيه. فالأوائل يعتقدون أن من شأن ذلك أن يزيد من شرعيته وكفاءته، لاسيما إذا ضم في أعضائه الدائمين دولاً من الجنوب حيث تنتشر معظم بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفق وينثر. في المقابل يرى بعضهم أن توسيع المجلس سيسبب مزيداً من المتاعب وسيجعله شبيهاً بالجمعية العامة فتضعف فعاليته وكفاءته، وفق ما يقول إليوت أبرامز المسؤول الأميركي السابق وزميل مجلس العلاقات الخارجية الأميركية. ويوضح أبرامز أن إيطاليا ستعترض طبعاً إذا منحت ألمانيا مقعداً دائماً، وكذلك ستفعل الأرجنتين بوجه البرازيل ونيجيريا بوجه جنوب أفريقيا، فيما سترفض الصين وجود اليابان كعضو دائم. أما الولايات المتحدة فينبغي عليها أيضاً أن تسأل نفسها إذا ما كانت حقاً تريد منح مقعد دائم لدولة من منطقة الكاريبي، بحسب أبرامز.
وهكذا يبدو جلياً أن إصلاح مجلس الأمن عملية معقدة لن تصل إلى خواتيم سعيدة بسهولة، بل ستقتضي مفاوضات وجلسات محادثات طويلة تتخللها وعود وتنازلات وضمانات، ورضا الدول الخمس الكبرى قبل كل شيء.
حلبة مجلس الأمن
يشكل مجلس الأمن الدولي الذي حمله ميثاق الأمم المتحدة المسؤولية الأساسية عن حفظ الأمن والسلم الدوليين، المثال الأوضح لسيطرة القوى الكبرى على المنظمة الأممية والحد من قدرتها على تحقيق السلام، لا سيما عندما تكون إحدى دوله الدائمة العضوية طرفاً في النزاع، مثل ما يحصل حالياً في حرب روسيا على أوكرانيا.
يرى ديفيد مالون الدبلوماسي الكندي السابق ورئيس جامعة الأمم المتحدة في طوكيو، أن العالم يمر بأكبر تراكم للإخفاقات الأمنية الدولية الخطرة في الذاكرة الحديثة، مما يمثل تحدياً لقدرة مجلس الأمن على معالجتها بفعالية، فالأزمات في ليبيا وسوريا وأوكرانيا على التوالي، تسببت في تآكل مقلق لعلاقات القوى العظمى مما أدى إلى تعقيد عملية صنع القرار في المجلس في عدد من بؤر التوتر.
وبحسب وينثر، حين يتعلق الأمر بقرارات مجلس الأمن التي تستهدف الصراعات، يسير الأمر عموماً على الشكل التالي: يعمل دبلوماسيون من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على إعداد نص القرار، ثم يعرضونه على نظرائهم الصينيين والروس لمعرفة إذا ما كانوا سيستخدمون حق النقض ضده، وغالباً ما تملي هذه المفاوضات غير الرسمية مضمون القرارات أو تمنعها من الخروج للنور. كخطوة ثانية يعرض نص القرار على بقية أعضاء المجلس، أحياناً عبر القنوات غير الرسمية أولاً، وأحياناً مباشرة من خلال وضع القضية على جدول أعمال اجتماع المجلس. وهكذا تفرض القوى الكبرى سيطرتها من خلال البيانات العامة والقرارات والتصويت وحق النقض، وبقدر مماثل من خلال الضغط الدبلوماسي غير الرسمي على الدول الأخرى، أو ما يسمى بـ"حق النقض الصامت".
الإخفاقات المتتالية لمجلس الأمن دفعت أطرافاً عدة إلى توجيه سهام الانتقاد له. ومن بينها بيان صادر في مارس (آذار) 2022 عن "مجموعة الأربع"، التي تضم البرازيل وألمانيا والهند واليابان، يؤكد فشل المجلس في الوفاء بمسؤولياته في حفظ الأمن والسلام الدوليين بسبب استخدام الفيتو من قبل الدول الدائمة العضوية. وبناء عليه يطالب كثيرون بإعادة هيكلة مجلس الأمن، ومنهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2022، تأييده لتوسيع المجلس سواء بالنسبة إلى المقاعد الدائمة أو غير الدائمة "لكي تصبح هذه المؤسسة أكثر شمولاً حتى تتمكن من الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات عالم اليوم"، داعياً إلى "الامتناع عن استخدام حق النقض، إلا في حالات نادرة وغير عادية".
غير أن طرح توسيع مجلس الأمن يثير سجالاً بين مؤيديه ومعارضيه. فالأوائل يعتقدون أن من شأن ذلك أن يزيد من شرعيته وكفاءته، لاسيما إذا ضم في أعضائه الدائمين دولاً من الجنوب حيث تنتشر معظم بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفق وينثر. في المقابل يرى بعضهم أن توسيع المجلس سيسبب مزيداً من المتاعب وسيجعله شبيهاً بالجمعية العامة فتضعف فعاليته وكفاءته، وفق ما يقول إليوت أبرامز المسؤول الأميركي السابق وزميل مجلس العلاقات الخارجية الأميركية. ويوضح أبرامز أن إيطاليا ستعترض طبعاً إذا منحت ألمانيا مقعداً دائماً، وكذلك ستفعل الأرجنتين بوجه البرازيل ونيجيريا بوجه جنوب أفريقيا، فيما سترفض الصين وجود اليابان كعضو دائم. أما الولايات المتحدة فينبغي عليها أيضاً أن تسأل نفسها إذا ما كانت حقاً تريد منح مقعد دائم لدولة من منطقة الكاريبي، بحسب أبرامز.
وهكذا يبدو جلياً أن إصلاح مجلس الأمن عملية معقدة لن تصل إلى خواتيم سعيدة بسهولة، بل ستقتضي مفاوضات وجلسات محادثات طويلة تتخللها وعود وتنازلات وضمانات، ورضا الدول الخمس الكبرى قبل كل شيء.
النفوذ لأصحاب المال
كما في كل شيء على الأرض اليوم، للمال سطوته القوية في الأمم المتحدة، إذ يشكل الدعم المالي والهيكلي (مثل أفراد قوات حفظ السلام) أداة مهمة في يد القوى الكبرى لفرض سيطرتها ورغباتها على المنظمة الأممية.
قرارات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بسحب تمويل عدد من وكالات الأمم المتحدة، مثل صندوق السكان ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، والانسحاب من منظمة الصحة العالمية، شكلت صفعة للمنظمة الدولية، لكنها أثارت في الوقت نفسه قلقاً داخل واشنطن حيث حذر سياسيون ومفكرون من استفادة دول منافسة، مثل الصين وروسيا لتوسيع نفوذها في المنظمة عبر ملء الفراغ الذي أحدثه تقليص الدور الأميركي. فبالأرقام تعتبر الولايات المتحدة أكبر ممول للأمم المتحدة، إذ تساهم بنسبة 22 في المئة من موازنتها التشغيلية، وتمول 28 في المئة من مهمات حفظ السلام التي تكلف نحو ثمانية مليارات دولار سنوياً.
وبالفعل فإنه بعد تقليص المساهمات الأميركية، برزت الصين كواحدة من الدول التي عززت التزاماتها تجاه الأمم المتحدة. في عام 2020 دفعت الصين 14 في المئة من موازنة حفظ السلام، مما جعلها ثاني أكبر مساهم بعد الولايات المتحدة، علماً أنه منذ عام 2013 زادت مساهمات الصين في عمليات حفظ السلام ثلاثة أضعاف تقريباً، وباتت توفر أكبر عدد من الأفراد بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وإلى جانب مهمات حفظ السلام، تركزت مساهمات الصين إلى حد كبير في وكالات التنمية، وتحديداً برنامج الأغذية العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة الاستئماني للسلام والتنمية. إضافة إلى ذلك يشغل الصينيون مناصب قيادية في وكالات الأمم المتحدة، فمنذ أبريل 2020 كان سبعة من كبار قادة الأمم المتحدة مواطنين صينيين، مقارنة بـ26 أميركياً. وفي ضوء هذه الوقائع باشر بايدن منذ توليه الرئاسة الأميركية في يناير 2021 باستئناف تمويل بعض الوكالات، موقفاً عملية خروج الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية.
أربعة جنود من ساحل العاج كانوا ضمن بعثة الأمم المتحدة في مالي "مينوسما" (أ ف ب)
أربعة جنود من ساحل العاج كانوا ضمن بعثة الأمم المتحدة في مالي "مينوسما" (أ ف ب)
جنود في الجيش السريلانكي خلال استعراض قبيل مغادرة بلادهم للمشاركة في مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان في 30 يناير 2022 (أ ف ب)
جنود في الجيش السريلانكي خلال استعراض قبيل مغادرة بلادهم للمشاركة في مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان في 30 يناير 2022 (أ ف ب)
الخوذ الزرقاء
هي واحدة من أبرز أدوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، نراها منتشرة في مختلف بقاع الأرض. وفي حين قادت الأمم المتحدة عدداً من بعثات حفظ السلام بنجاح، فإنها فشلت في التدخل في الوقت المناسب لمنع الإبادة الجماعية في رواندا والبوسنة على سبيل المثال.
يشير المراقبون إلى مجموعة من العناصر التي غالباً ما تقوض عمل قوات حفظ السلام الأممية، فهي تخضع لقيود صارمة ومهماتها محدودة وتدخلها يتطلب موافقة الحكومة المضيفة والأطراف الأخرى في الصراع، مما يعيق تحركها السريع. يمنع على هذه القوات استخدام القوة إلا للدفاع عن النفس أو المساعدة في إجلاء الأجانب من مناطق الصراع، كما أنها لم تخضع للتدريب على التفاوض مع مرتكبي أعمال العنف ضد المدنيين.
وتقول سيفيرين أوتيسير مؤلفة كتاب "الخطوط الأمامية للسلام" ورئيسة قسم العلوم السياسية في كلية برنارد بجامعة كولومبيا في نيويورك لـ"اندبندنت عربية"، إن قوات حفظ السلام الأممية غالباً ما تفشل في تحقيق الأغراض الأساسية لإنشائها. ففي كثير من عمليات الانتشار ينتهي أمر القوات بالمشاهدة بلا حول ولا قوة بينما الحرب تحتدم. وفي حالات أخرى ينظم أفرادها الانتخابات ويعلنون النصر، لكن من دون إصلاح الأسباب الجذرية التي أدت بهم إلى منطقة الصراع، مما يجعل من المرجح للغاية أن يشتعل القتال مرة أخرى في غضون وقت قصير. وتشير أوتيسير إلى أن هذا الفشل يعود في جزء منه إلى نقص الموارد، بينما يصعب لوم الأمم المتحدة على ذلك لأنها تعتمد بدورها على مساهمات أعضائها.
ومع ذلك تعتبر أوتيسير أن المشكلة الأكبر تكمن في سوء فهم أساسي حول ما يصنع السلام المستدام، إذ تقوم استراتيجية الأمم المتحدة عادة على عقد الصفقات من أعلى إلى أسفل، فتبرم الحلول مع النخب وتركز على إجراء الانتخابات، فيما يتم تجاهل الاستراتيجيات المبنية من القاعدة إلى القمة، التي تعتمد على المعرفة المحلية والسماح للشعب نفسه بتحديد أفضل السبل لتعزيز السلام داخل بلده.
منذ عام 1948، نشرت 71 بعثة لحفظ السلام في العالم
توجد حالياً 12 بعثة عاملة، نصفها في القارة الأفريقية
أكثر من 4 آلاف شخص قتلوا في عمليات حفظ السلام
تساهم الدول في تمويل العمليات ونشر قواتها،
وتتصدر بنغلاديش ورواندا والهند الدول المساهمة بالأفراد،
في حين أن الولايات المتحدة والصين واليابان هي الدول الأكثر تمويلاً
مستقبل الأمم المتحدة
نظراً إلى صعوبة بناء هيكل مؤسسي بديل تجتمع فيه دول العالم لحل قضاياها، ما زالت الأمم المتحدة ذات أهمية قصوى لأن الدبلوماسية الصامتة أو غير الرسمية عبر محادثات الدبلوماسيين داخل أروقة الهيئة الدولية، تسمح للقوى الكبرى باستشعار مواقف بعضها لتصبح على دراية بالخطوط الحمراء المحتملة وفق وينثر، الذي يشير إلى أن كواليس الأمم المتحدة في نيويورك لطالما شهدت محادثات صعبة أسفرت مراراً عن تفادي الأزمات.
ومع ذلك فإن مستقبل الأمم المتحدة يواجه تحديات، إذ ينظر كثيرون إليها على أنها غير فعالة على رغم بعثات السلام والبرامج الناجحة التي نفذتها المنظمة ولا تزال. لذا يعتقد وينثر أن الأمم المتحدة بحاجة إلى توصيل نجاحاتها بشكل أفضل، ويرى أنه ربما يتحتم عليها الابتعاد قليلاً عن القيم الليبرالية والتركيز أكثر على مسائل التنمية الاقتصادية والأمن الدولي، لأنه ليس الجميع يريدون إعادة هيكلة مجتمعاتهم وقيمهم وفق رؤى الأوروبيين والأميركيين، فيما يرغب الجميع في التنمية والأمن والتضامن عند ظهور الأزمات.
قد تبدو الحقيقة مؤلمة في أن المنظمة الدولية تعمل بكفاءة وسرعة عندما تريد الدول الأعضاء ذلك، لا سيما الدول الكبرى، ولا تعمل عندما لا تتوافق الدول الأعضاء. ومع ذلك لا يزال قادة المنظمة يثمنون عديداً من القيم والمبادئ والمزايا التي أسستها المنظمة الدولية منذ نشأتها، التي أسهمت في ارتقاء الإنسان على مختلف ثقافاته، التي جنبت الأرض مزيداً من الويلات والمآسي ولو أنها لم تحقق السلام التام.