الانقلابات
شبح الحكام الأكبر
الانقلاب العسكري الذي هز النيجر في 26 يوليو (تموز) 2023 وأربك العالم خوفاً من تداعياته، ليس مفاجئاً في القارة السمراء، ففي غضون عامين فقط شهدت أفريقيا سلسلة من الانقلابات شملت تشاد ومالي وغينيا وبوركينا فاسو والسودان وصولاً إلى النيجر، أخيراً، لتستحق هذه المنطقة لقب "حزام الانقلابات".
هذه الظاهرة التي تطيح بين ليلة وضحاها حكّاماً تربعوا على عروشهم لسنوات وتغيّر مجرى سياسات إقليمية ودولية، محكومة باعتبارات عديدة وبموازين دقيقة قادرة على تحديد مصير مدبريها ومصير دول وشعوب بأسرها.
هنا، نضع مصطلح "الانقلاب"
تحت "المجهر"
لنعرف أكثر: ما هو؟ من يقوم به؟ كيف ينفذه، ولأي أهداف؟ قبل أن نستعرض بعضاً من أبرز الانقلابات اعتباراً من القرن العشرين.
الاستيلاء على السلطة
صفة "انقلاب" هي مصطلح مذكور في معظم دساتير وقوانين الدول، ويترتب على وصف عمل ما سواء كان عنفياً أم غير عنفي بـ"الانقلاب"، أحكام قضائية قد تزج بأصحاب التمرد في السجون إلى الأبد أو تقودهم إلى المشانق.
يعرف معجم "كامبريدج" الانقلاب، بالأجنبية "coup" أو "coup d'état"، على أنه "استيلاء مفاجئ وغير قانوني على السلطة في الدولة، وغالباً عبر أساليب عنفية لا سيما من قبل مجموعة عسكرية". وهو "استخدام مفاجئ وحاسم للقوة في السياسة وخصوصاً إطاحة حكومة قائمة بعنف أو تغييرها من قبل مجموعة صغيرة"، بحسب معجم "ميريام ويبستر".
تقود الانقلاب مجموعة تنتمي إلى إحدى مؤسسات الدولة، وعادة ما تكون منتمية إلى مؤسسة عسكرية، بهدف تغيير شكل الحكم أو إطاحة القائمين عليه لأسباب مختلفة، قد تكون طمعاً بالسلطة، أو للتخلص من حاكم أو نظام فقد التأييد الشعبي، أو تحت شعار إنقاذ البلاد من الفساد والتدهور.
وعلى رغم أن معظم الانقلابات في العقود الأخيرة نفذها عسكريون، فإن التمرد ليس حكراً عليهم، بل قد يأتي حتى من قبل الحاكم نفسه لإطاحة معارضيه داخل مؤسسات الدولة، فيزيحهم عن مناصبهم ويعدل الدستور والقوانين ليمنح نفسه قدراً أكبر من الصلاحيات والنفوذ لفترة زمنية غير محددة، فيجعل نفسه "الحاكم المطلق" للدولة. نكون هنا أمام "auto-coup d'état" بحسب التعبير الفرنسي، كالذي نفذه رئيس الجمهورية الفرنسية الثانية لويس نابليون بونابرت في 2 ديسمبر (كانون الأول) 1851، وانتهى بحل الجمعية الوطنية (مجلس النواب) وإعادة تأسيس الإمبراطورية.
إذا نجح الانقلاب تشهد الدولة انتقالاً للسلطة إلى مجموعة جديدة عسكرية أو مدنية، تغير قوانين الحكم وإدارة البلاد بين ليلة وضحاها. أما إذا فشل فقد تسري حالة من الفوضى وتقييد للحريات وتشديد للرقابة وصراعات داخلية قد تصل إلى حد نشوب حرب أهلية.
سير العملية
غالباً ما تحصل الانقلابات في الدول التي تتركز فيها السلطة بأيدي جهة واحدة، إن كانت شخصاً أو مؤسسة، والتي تعتمد نظاماً ديكتاتورياً أو ديمقراطية هشة ومقنعة، إذ إن الانقلابات نادرة في الدول التي تسودها ديمقراطية راسخة، إذ تتيح هذه الأخيرة تغيير الحكام والنظام ضمن أطر دستورية واضحة ومحترمة من قبل الشعب والمسؤولين السياسيين على حد سواء.
ويبقى تنفيذ الانقلاب مهمة صعبة وغير مضمونة، فهو يتطلب تخطيطاً سرياً مسبقاً، وتنظيماً دقيقاً، ومعلومات استخباراتية، وتنفيذاً مفاجئاً وسريعاً لشل أية قدرة للسلطة القائمة على المقاومة، من دون القول صراحة إن ما يحصل هو انقلاب. وبشكل عام يقوم الانقلاب على الخطوات التالية:
تحديد الهدف والأولويات
بمن سيطيح الانقلاب، من أولاً ومن ثانياً.
فرز وتصنيف القوى النافذة
حلفاء:
أشخاص لا يمكن الاستغناء عنهم لإنجاح التمرد وينبغي كسب ولائهم بأي ثمن.
أعداء:
يتمتعون بولاء مطلق للحاكم القائم.
براغماتيون:
لا يتبعون لأي جهة ويتوقع أن يبقوا على الحياد في انتظار اتضاح المنتصر.
تجميد حركة الأعداء وتعطيل وسائل النقل والاتصال
- احتجاز المسؤولين السياسيين المستهدفين:
رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء والنواب والقادة العسكريون والمسؤولون النافذون. - الاستيلاء الخاطف على مقار السلطة:
الرئاسة والحكومة والمجالس التمثيلية ومباني السلطة الأساسية. - السيطرة على دور الإذاعة والتلفزيون.
- السيطرة على المطارات والسكك الحديدية والمواصلات البرية والبحرية.
- قطع الاتصالات وخدمات الإنترنت.
تشريع الاستيلاء على السلطة
إقناع المسؤولين السياسيين والجماهير بأن الانقلاب قد نجح والخروج في خطاب متلفز يعلن إطاحة النظام القديم وقيام سلطة جديدة.
- إعادة الهدوء والنظام إلى البلاد وفق القواعد الجديدة.
ليس ثورة ولا عملية عسكرية
يختلف الانقلاب عن العمليات العسكرية حتى ولو كان انقلاباً عسكرياً، فخلاله يسعى المتمردون إلى تحييد المدنيين وتجنب أي إراقة للدماء، ويكتفون باستخدام القوة بالقدر والوقت والمكان المناسبين مع التزام الخطة الموضوعة أساساً للتمرد من دون هامش كبير للتعديلات، إذ إن مصير الانقلابيين يقف على قدرتهم على حسم الأمور بسرعة وحزم.
أما في العملية العسكرية الحربية فقد تطول المواجهة وتشهد معارك قاسية تسفك فيها الدماء وتتبدل فيها الخطط، وفقاً للتطورات الميدانية وانقلاب موازين القوى بين الحين والآخر.
كما يختلف الانقلاب عن الثورة فهو تنفذه نخب تهدف إلى الاستيلاء على السلطة ومراكز صنع القرار بأقل ضرر وأسرع ما يمكن ومن دون مشاركة جماهيرية، وتعلن على أثره قيام سلطة جديدة بشكل فوري.
أما الثورة فتقوم بها جماهير غفيرة تهدف إلى إسقاط النظام أو إطاحة القوى الحاكمة سعياً إلى تغيير جذري في بنية الدولة السياسية والاجتماعية حتى لو تطلب ذلك مواجهة طويلة أو دموية، من دون أن يكون لديها بالضرورة تصور واضح للنظام المقبل أو قادة يتولون فوراً إدارة البلاد. والعلاقة بين الثورة والانقلاب قد تكون سببية في كثير من الأحيان، فالانقلاب قد يحدث في ضوء ثورة شعبية ضد النظام القائم، كما أن الثورة قد تحدث ضد انقلاب لا تعترف بشرعيته.
وصفة النجاح
ليس كل انقلاب مصيره النجاح، فانقلابات كثيرة على مر التاريخ فشلت وقاسى منفذوها الأمرين إثر ذلك، بما في ذلك في السنوات الأخيرة مع فشل غالبيتها، فما سر تلك التي تنجح؟
الباحث في الانقلابات نونيهال سينغ يعتبر أن "لعبة التنسيق" هي الأساس في تحديد مصير حركة التمرد. ويشرح في كتابه "الاستيلاء على السلطة: المنطق الاستراتيجي للانقلابات العسكرية" (Seizing Power: The Strategic Logic of Military Coups)، أن النخب الحزبية والسياسية والعسكرية والاقتصادية (رجال الأعمال) النافذة في البلاد، هي من تدير دفة الحكم والحكام في الدولة، وعادة هي من تقود الانقلابات أو تملك الكلمة الفصل في ما يتعلق ببقاء أو رحيل الحاكم. وإذا ما عمل هؤلاء بالتنسيق والتعاون معاً، فبإمكانهم إطاحة الزعيم عن عرشه، لذا على مخططي الانقلاب أن يحظوا بدعم كاف من هؤلاء النخب عبر إقناعهم بأن الجميع سينضم إلى حركة التمرد.
وعند الإعداد لانقلاب، يشير سينغ إلى بعض النقاط المهمة لنجاحه، منها السرية والمعلومات الاستخباراتية والدقة والتكتيك. وخلال التنفيذ، يؤكد الخبير ضرورة أن يخلق المتمردون جواً من الثقة بأنهم نجحوا في خطتهم والحاكم ساقط حكماً، كي يدعمهم كل مسؤول متردد أو خائف من دفع الثمن عند نشوء سلطة جديدة. فبحسب سينغ، خلال عمليات الانقلاب تتجه النخب والجهات النافذة إلى دعم الطرف الذي تعتقد أنه سينتصر وسيسانده الجميع، حتى ولو اختلفت مبادئه ومشاريعه عن قناعاتهم، إذ يخشى هؤلاء ألا يتمكنوا عن اللحاق بالركب إذا وقفوا على الحياد أو ساندوا الطرف الخاسر. من هنا، تبرز أهمية السيطرة على وسائل الإعلام الرسمية وبث خطاب يؤكد انتصار الحكام الجدد وهزيمة القدامى لكسب ولاء المترددين، لكن في عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تصبح السيطرة على وسائل الإعلام والأخبار أكثر صعوبة، ويبرز دور الحملات والتضليل الإعلامي في كسب المعركة.
انقلابات من القرن الـ20
الانقلابات في العالمين القديم والحديث ما زالت ذات تأثير في مجرى سياسات محلية وإقليمية ودولية في معظم القارات، وغالباً ما تختلف النتائج في حال نجح أو فشل الانقلاب. إليكم بعضاً من أبرز الانقلابات اعتباراً من القرن الـ20.
سلسلة سوريا
منذ استقلال سوريا وتخلصها من الانتداب الفرنسي عام 1946، شهدت الجمهورية سلسلة انقلابات عسكرية لا سيما ما بين 1949 و1954. الانقلاب الأول في البلاد نفذه قائد الجيش حسني الزعيم فجر 30 مارس (آذار) 1949 مطيحاً الرئيس شكري القوتلي إثر تنامي استياء العسكريين من السلطة السياسية عقب هزيمة العرب في حرب فلسطين.
لم يكن قد مضى على حكم الزعيم سوى 137 يوماً، حتى أطيح به وخسر حياته إثر انقلاب عسكري قاده العقيد سامي الحناوي في 14 أغسطس (آب) بعد تصاعد استياء العسكريين والسياسيين من الرئيس.
في 19 ديسمبر من العام نفسه، نفذ العقيد أديب الشيشكلي تمرداً عسكرياً أزاح خلاله الحناوي عن قيادة الجيش ونصب العقيد فوزي سلو مديراً لوزارة الدفاع والعقيد أنور بنود رئيساً للأركان العامة فيما اكتفى هو بمنصب نائب رئيس الأركان العامة وأبقى الرئيس هاشم الأتاسي على رأس الجمهورية، مبرراً تحركاته بالحاجة "لإنقاذ نظام سوريا الجمهوري واستقلالها، ومنعها من الوقوع تحت النفوذ البريطاني، أو النفوذ الملكي، أي منع مشروع الهلال الخصيب". مرة جديدة، وفي 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1951، قاد الشيشكلي انقلاباً ثانياً واعتقل رئيس الوزراء معروف الدواليبي ورئيس مجلس النواب وبعض الوزراء والنواب، ما دفع الرئيس هاشم الأتاسي إلى تقديم استقالته، فعيّن الشيشكلي العقيد فوزي سلو رئيساً قبل أن يتولى هو الرئاسة في أغسطس 1953. عقب ذلك، شهدت دمشق انقلابات ومحاولات انقلابية عدة وعهوداً مدنية وعسكرية بما فيها الاتحاد مع مصر تحت زعامة جمال عبدالناصر ما بين 1958 و1961، وصولاً إلى انقلاب الفريق حافظ الأسد عام 1970، لتبدأ منذ ذلك الحين حقبة آل الأسد في حكم سوريا.
إطاحة الملكية في مصر
عند منتصف ليل الـ23 من يوليو 1952، نفذت مجموعة من الضباط الشباب في الجيش المصري أطلقوا على أنفسهم اسم "الضباط الأحرار"، انقلاباً بقيادة اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبدالناصر. سيطروا سريعاً على المرافق الحيوية في البلاد من دون إراقة للدماء، وأسفرت حركتهم عن إطاحة الملك فاروق الأول الذي نفي إلى إيطاليا، وإلغاء الملكية الدستورية وإقامة الجمهورية المصرية. أصبح هذا الانقلاب يعرف بـ"ثورة 23 يوليو"، وشهدت مصر على أثره تأميم قناة السويس وإنهاء الاستعمار في عهد عبدالناصر.
الحرب الأهلية الإسبانية
بعد فوز "الجبهة الشعبية" اليسارية في انتخابات فبراير (شباط) 1936 في إسبانيا وتصاعد العنف في البلاد وسط محاولة انقلابية فاشلة نفذها اليمين لإطاحة الحكومة، أبعد اليساريون الجنرالات المناهضين لهم من مراكز القوة، بمن في ذلك الجنرالان فرانسيسكو فرانكو الذي نقل إلى جزر الكناري وإميليو مولا الذي نقل إلى بامبلونا.
على رغم ذلك، واصل عدد من العسكريين التخطيط لإطاحة الحكومة، وعلى رأسهم الجنرالان مولا وخوسي سانخورخو اللذان نجحا بضم عدد من الزملاء إلى مشروعهم. وبعدما تردد فرانكو أولاً في الانضمام إلى التمرد، عاد وسار فيه عقب اغتيال السياسي المحافظ خوسيه كالفو سوتيلو. بدأ الانقلاب في الـ17 من يوليو في مليلية وانضم إليه فرانكو في اليوم التالي حين أعلن من لاس بالماس حال التمرد في جميع أنحاء جزر الكناري قبل أن ينتقل إلى الأراضي المغربية الواقعة تحت السيطرة الإسبانية ليتولى قيادة القوات الموجودة فيها ويعلن نفسه لاحقاً زعيماً للمتمردين بعد مقتل سانخورخو.
نجح الانقلاب جزئياً مع سيطرة المتمردين على ثلث أراضي الجمهورية فقط فيما حافظت الحكومة على سلطتها في معظم البلاد مما أدى إلى انقسام الجيش واندلاع حرب أهلية مريرة استمرت ثلاثة أعوام. لكن في النهاية، خرج فرانكو منتصراً بدعم من الفاشيين والملكيين والكنيسة الكاثوليكية وعدد من الإقطاعيين، ليحكم إسبانيا بشكل ديكتاتوري حتى وفاته عام 1975.
صعود القذافي
لم يكن عمر الضابط معمر القذافي سوى 27 سنة عندما قرر تنفيذ انقلاب لإسقاط الملكية الليبية. ففي الأول من سبتمبر (أيلول) 1969، وفي ظل غياب الملك محمد إدريس السنوسي عن البلاد لتلقي العلاج في الخارج، قاد القذافي مجموعة من الضباط في الجيش الليبي أطلقوا على أنفسهم "حركة الضباط الوحدويين الأحرار" وزحفوا نحو العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي حيث حاصروا القصر الملكي والمقار الرسمية، واعتقلوا عدداً من المسؤولين وقطعوا الاتصالات في الدولة وأعلنوا في بيان عبر الإذاعة إنهاء الملكية وقيام الجمهورية الليبية. هكذا وفي غضون ساعتين لم تهدر خلالها نقطة دم، أصبحت لليبيا قيادة جديدة، بعدما اعتقد الليبيون والقادة العسكريون بأن مجموعة من كبار الضباط نفذت انقلاباً من دون مقاومة وتولت السلطة، فسارع ولي العهد الأمير حسن إلى التنازل عن الحكم فيما اعترفت دول خارجية عدة بشرعية السلطات الجديدة. ولم يظهر الحاكم الجديد للبلاد سوى بعد نحو أسبوع، حين خرج القذافي معلناً أنه ومجموعة من الضباط اليافعين مسؤولون عن التمرد. ومنذ ذلك الحين، حكم القذافي ليبيا بقبضة من حديد بعدما ألغى الدستور وشلّ الحياة السياسية في البلاد طوال فترة حكمه التي استمرت أكثر من 42 عاماً وانتهت بثورة شعبية وضعت حداً لحياته في أكتوبر (تشرين الأول) 2011.
صدام ينتزع السلطة
عام 1979 وضع العراق على سكة أودته إلى صراعات دموية بدءاً بالحرب مع إيران على مدى ثماني سنوات، فغزو الكويت ثم الغزو الأميركي، وكل ذلك تحت قيادة رجل واحد هو صدام حسين. فبعدما وصل حزب "البعث" إلى السلطة عقب نجاح انقلاب 17 يوليو 1968، راح دور صدام يكبر إثر تعيينه نائباً للرئيس العراقي أحمد حسن البكر، فرسّخ نفوذه في البلاد وأحكم قبضته على الحزب والأجهزة الأمنية. وفي الذكرى الـ11 للانقلاب الذي أوصل "البعث" إلى السلطة، تفاجأ العراقيون باستقالة الرئيس البكر وإعلان صدام حسين نفسه رئيساً للجمهورية ورئيساً لمجلس قيادة الثورة وقائداً عاماً للقوات المسلحة. على رغم معاناته الصحية، فإن رحيل البكر جاء رغماً عنه، إذ يحكى أن صدام أجبره على الاستقالة بقوة السلاح بسبب رفضه مشروع الوحدة مع سوريا. وما إن تولى السلطة، حتى راح صدام يصفّي معارضيه في الحزب وخارجه بالتوازي مع إحكام أواصر نفوذه عبر سن القوانين والتشريعات.
انقلاب عيدي أمين
العلاقات الوثيقة التي كانت تجمع الرئيس الأوغندي ميلتون أوبوتي وقائد الجيش عيدي أمين لم تكن أقوى من مغريات السلطة. ففي مطلع 1971 وقبيل مغادرته إلى قمة الكومنولث في سنغافورة، زُعم أن أوبوتي أصدر قراراً باعتقال أمين بتهمة اختلاس أموال الجيش بعدما تدهورت العلاقات بينهما. وصل الأمر إلى مسامع أمين فتحرك سريعاً وقبيل عودة الرئيس للبلاد، طوّق الجيش منزل أوبوتي ومواقع استراتيجية في كمبالا وأغلق مطار عنتيبي الدولي وسيّر دبابات ودوريات في شوارع البلاد، فاندلعت اشتباكات عنيفة مع موالي الرئيس في عدد من المناطق. لكن بسبب الشرذمة في صفوف داعمي أوبوتي، تمكن الجيش سريعاً من شل مقاومتهم وأعلن عصراً عبر الإذاعة السيطرة على البلاد بأكملها. إثر ذلك، حكم أمين الذي لقّب نفسه بـ"آخر ملوك اسكتلندا"، أوغندا على مدى ثمانية أعوام شهدت خلالها البلاد قمعاً دموياً للمعارضة سقط على إثره آلاف القتلى.
انقلاب بينوشيه في تشيلي
انقلاب أوغستو بينوشيه في تشيلي عام 1973 كان مفصلياً في تاريخ البلاد، إذ أنهى التجربة الديمقراطية الفريدة حينها في أميركا اللاتينية. فبعد تصاعد التوتر بين المعارضة المسيطرة على الكونغرس والرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي، قاد بينوشيه في الـ11 من سبتمبر 1973 انقلاباً عسكرياً مدعوماً من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي). وبعدما رفض أليندي الاستقالة، هاجم سلاح الجو القصر الرئاسي بالصواريخ والقنابل، مما دفع الرئيس إلى الانتحار بإطلاق النار على نفسه قبل أن يصل إليه الجنود. أعلن الجيش الأحكام العسكرية وفرض حظر تجول وشن حملة اعتقالات واسعة قبل أن يعلن بينوشيه نفسه رئيساً للبلاد في منصب تولاه لمدة 17 عاماً.
صعود عمر البشير
عمر البشير الذي حكم السودان 30 عاماً بالحديد والنار، تولى السلطة إثر انقلاب عسكري نفذه عام 1989 وأطاح خلاله الحكومة المدنية التي كان يرأسها الصادق المهدي. ونجح البشير في تحقيق انقلابه بمساندة "الجبهة القومية الإسلامية" بقيادة حسن الترابي، لكنه عاد واختلف معه بعد نحو 10 سنوات، ليصبح الترابي من أشد معارضيه. وشهد عهد البشير فصولاً دموية لا سيما في حرب دارفور والحرب الأهلية جنوباً التي أدت إلى انفصال جنوب السودان وإعلان استقلاله عام 2011. البشير الملاحق والمطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، أطيح من السلطة عام 2019 بانقلاب عسكري نفذه ضده الجيش على وقع احتجاجات شعبية حاشدة ضد النظام.
محاولات انقلابية فاشلة
محاولات انقلابية كثيرة في العالم كان مصيرها الفشل وأدت إلى ملاحقة منفذيها أو نفيهم أو سجنهم أو حتى قتلهم. وفي ما يلي بعضها على سبيل المثال:
اليابان 1945
ليلة 14 - 15 أغسطس، وسعياً لمنع الإمبراطور هيروهيتو من الاستسلام للحلفاء عقب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، نفذت مجموعة من الضباط محاولة انقلابية بقيادة الرائد هاتاناكا وحاصروا القصر الإمبراطوري لمنع سيده من إعلان الاستسلام، لكنهم فشلوا في حشد الدعم العسكري الكافي لعمليتهم. وعندما اتضح لهاتاناكا أن الأمر قد انتهى، أطلق رصاصة في رأسه منتحراً.
إثيوبيا 1960
فيما كان الإمبراطور هيلا سيلاسي في زيارة رسمية للبرازيل، قاد الأخوان غرامي نيوي والعميد منغيستو نيوي عملية انقلابية للإطاحة به في 13 ديسمبر، فسيطروا على العاصمة واعتقلوا عدداً من الوزراء والمسؤولين رهائن. لكن مع عودة سيلاسي إلى البلاد والرفض الشعبي للانقلاب، أعاد الإمبراطور السيطرة على الوضع بحلول 17 ديسمبر، فيما قُتل وفرّ عدد من المتمردين.
الاتحاد السوفياتي 1991
الأزمات المتعددة للاتحاد السوفياتي، دفعت رئيسه ميخائيل غورباتشوف إلى وضع مشروع إصلاحي يقضي بتفكيك الاتحاد إلى مجموعة دول مستقلة. لم يرق هذا المشروع للجنة الدولة لحالة الطوارئ التي شنت في 19 أغسطس عملية انقلابية أعلنت خلالها توليها السلطة وإزاحة غورباتشوف الذي كان في إجازة بالقرم، وحاصرت "البيت الأبيض" (مقر الرئاسة) في موسكو. إثر ذلك، سارع رئيس روسيا الاتحادية بوريس يلتسين إلى التصدي لما وصفه بـ"الانقلاب غير الدستوري" وخرج أنصاره بكثافة إلى وسط موسكو حيث حاصروا القوات المسلحة والبرلمان. وتحت وطأة الضغط الشعبي، أصدر البرلمان الروسي قراراً بإعادة غورباتشوف من منزله الريفي ليتولى السلطة وأمرت وزارة الدفاع قواتها بالعودة إلى ثكناتها. انتهى الأمر باعتقال أعضاء لجنة الدولة لحالة الطوارئ وانتحار وزير الداخلية بوريس بوغو، فيما أسهمت هذه المحاولة الانقلابية بإضعاف الاتحاد السوفياتي أكثر وصولاً إلى تفككه.
العراق 1996
بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية وعدد من الضباط، قامت "حركة الوفاق الوطني العراقي" بالإعداد لانقلاب على الرئيس صدام حسين في مطلع يناير. لكن بفعل العملاء المزدوجين الذين شاركوا في العملية، تمكّن صدام من إحباطها وأوقف عشرات الضباط والمتآمرين عليه وحاكمهم وأعدم نحو 30 منهم.
تركيا 2016
مساء 15 يوليو، قادت مجموعة ضباط في القوات الجوية والبرية في الجيش التركي عملية انقلابية للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، فبثوا بياناً بعد سيطرتهم على قناة "تي آر تي" الرسمية أعلنوا فيه حظر التجوال وإغلاق المطارات وإنشاء "مجلس السلم" الحاكم. توجهت قوات عسكرية إلى منتجع في مارماريس حيث كان أردوغان لإلقاء القبض عليه، لكنه فر قبيل وصولهم. وتمكن الرئيس من إحباط العملية بعدما دعا الشعب إلى النزول إلى الشارع والتصدي للانقلاب. فشلت المحاولة بحلول صباح اليوم التالي مع وصول أردوغان إلى إسطنبول، وأسفرت عن مقتل 265 شخصاً فيما شنت السلطات حملة اعتقالات ومحاكمات واسعة طالت نحو 292 ألف شخص، وفُصل نحو 150 ألف موظف مدني من أعمالهم أو أوقفوا وطُرد نحو 20 ألفاً من الجيش.