مع ضعف الاقتصاد الإيراني، لم تعد طهران اليوم ذات كفاءة، فالاستجابة في هذا البلد لتفشي فيروس كورونا بعيدة كل البعد عن سياساته الفعالة ضد الأوبئة السابقة، فعلى الرغم من حصولها على بعض المساعدة من منظمة الصحة العالمية والصين وأوروبا لمكافحة الفيروس القاتل، فإن إحجام إيران عن السعي للحصول على مساعدة تقنية حيوية من المجتمع الدولي وتقاريرها غير الموثوقة بشأن حجم تفشي المرض في مدنها، قد يكون نابعاً من رغبة القيادة الإيرانية في إبراز صورة من الكفاءة والسيطرة، لا سيما في ظل سعيها إلى استعادة سمعتها المتراجعة بعد إسقاطها الطائرة المدنية الأوكرانية في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وربما غذَّت العقوبات الأميركية والعزلة والاقتصاد المضطرب سوء إدارة طهران للأزمة، بما في ذلك تصدير معدات طبية إلى الصين في أواخر الشهر الماضي، والمعارضة المحيرة لقيود السفر والحجر الصحي بينما كان المرض على عتبة البلاد، ما يجعل طهران أكثر يأساً من أي وقت مضى.
ومع تجاوز العدد الإجمالي لحالات الإصابة بفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم 100 ألف حالة، أعلن النظام الإيراني ارتفاعاً حاداً في عدد الحالات المصابة بالمرض، وهدّد باستخدام قواته المسلحة لمنع المسافرين من التنقل بين المدن.
دعم أوروبي
وبحسب معهد الولايات المتحدة للسلام، تعهدت فرنسا وألمانيا وبريطانيا بمبلغ 5.6 مليون دولار كمساعدات مالية لمساعدة الحكومة الإيرانية في مكافحة كورونا، كما أعلنت الدول الثلاث تسليم المعدات الطبية من خلال منظمة الصحة العالمية وغيرها من وكالات الأمم المتحدة.
متحدثٌ باسم وزارة الصحة الإيرانية، قال في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون الرسمي يوم الجمعة، إن السلطات أكدت وقوع 4747 حالة إصابة بالفيروس بارتفاع 1234 عن اليوم السابق، ورغم أنه لم يوضح بالتفصيل التهديد باستخدام القوة، فقد أقر المتحدث بوجود الفيروس في جميع المحافظات البالغ عددها 31 مقاطعة.
وقد يهدف التهديد إلى منع الناس من استخدام المدارس والجامعات المغلقة كذريعة للذهاب إلى بحر قزوين وغيرها من أماكن العطلات في الفترة السابقة للعام الفارسي الجديد، الذي يصادف 21 مارس (آذار).
ونشرت وكالات الأنباء شبه الرسمية في إيران صوراً لخطوط المرور الطويلة للأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى الساحل من طهران يوم الجمعة الماضي، على الرغم من أن السلطات أبلغت الناس في وقت سابق بالبقاء في مدنهم.
كانت نقاط التفتيش على الطرق في مقاطعتي مازندران وجيلان تشغلها قوات الحرس الثوري الإسلامي، وربما كان هذا التدخل الأكثر وضوحاً من قبل الدولة، كما بدا أن هناك فحصاً لأولئك الذين يدخلون أو يغادرون مدينة "قم" المقدسة.
وبالفعل أُلغيت صلاة الجمعة ومباريات كرة القدم، لكن ثقة الجمهور في قدرة السلطات الإيرانية على التعامل مع الفيروس قوضتها الاستجابة الأولية البطيئة للحكومة في التعامل مع تفشي المرض، وسرية الدولة بشأن وفاة المئات بسبب كورونا.
في اثنتين من بواعث القلق المتزايد، أخبر كريستوف هاملمان، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، كبار الدبلوماسيين الأجانب في طهران أن هناك حاجة ماسة للتمويل من أجل "الارتقاء السريع" للمكونات المختبرية والسريرية.
وأفادت التقارير أن 21 شخصاً لقوا حتفهم في إيران نتيجة الإصابة بالفيروس، وقال كيانوش جهانبور، المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون يوم السبت الماضي، إن أكثر من 16 ألف شخص يخضعون حالياً للفحوصات، فيما أكد إصابة 1669 شخصاً بالمرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مجموعة ضغط
وفي مواجهة الدعم الأوروبي، حثت مجموعة الضغط المعادية لطهران والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، شركات الأدوية الكبرى على "إنهاء أعمالها في إيران"، مع التركيز على الشركات التي لديها تراخيص خاصة، وغالباً ما يتم ذلك في ظل تعريف محدد "إعفاء إنساني"، لممارسة التجارة مع إيران.
وتواصل جماعة الضغط، التي تُعرف باسم "متحدون ضد النووي الإيراني -United Against Iran Nuclear ، حملتها التي تستهدف التجارة مع إيران بما فيها الطبية.
وتم استثناء التجارة الطبية والإنسانية من العقوبات المشددة ضد طهران من خلال تراخيص خاصة صادرة عن وزارة الخزانة، لكن يتعين على الشركات التقدم بطلب للحصول على التراخيص ثم القيام بالتجارة، وهو أمر تسعى جماعة "متحدون ضد إيران النووية"، والمعروفة اختصاراً باسم UANI، إلى عرقلته.
جوشوا سيلبيربرج، المتحدث الرسمي باسم هذه الجماعة، نفى محاولة وقف المساعدات الطبية لإيران، مؤكداً التاريخ الطويل للجماعة في التعبير عن التأييد والتضامن مع الشعب الإيراني، مشيداً بوضع الصيغة النهائية لترتيب التجارة الإنسانية السويسرية، وهو اتفاق رتبته الحكومتان الأميركية والسويسرية.
ويضيف أنه يهدف إلى إقناع "النظام في طهران بالكف عن سعيه للحصول على أسلحة نووية، مع السعي إلى عدم معاقبة الشعب الإيراني"، ومع ذلك، فإن جهود جماعة الضغط التي يقودها امتدت إلى أبعد من العقوبات لتشمل الضغط على الشركات التي تتاجر بشكل قانوني مع إيران، وغالباً ما تكون بموجب الإعفاءات الإنسانية لوزارة الخزانة للعقوبات، بما في ذلك المهن الطبية ذات الصلة التي من المفترض أن تساعد في مكافحة أزمة الصحة العامة الهائلة مثل تفشي فيروس كورونا.
وتوفر جماعة الضغط قاعدة بيانات على الإنترنت للشركات التي تعتقد أنها تمارس نشاطاً تجارياً داخل أو مع إيران، وهي استراتيجية "الاسم والعار" لزيادة العزلة الاقتصادية لطهران، واستهدفت تلك الحملة العديد من الشركات الطبية التي لديها تراخيص وزارة الخزانة لممارسة التجارة مع إيران.
وهناك تسع شركات للأدوية والتكنولوجيا الحيوية والأجهزة الطبية، جميعها حاصل على تراخيص خاصة، ومدرج في سجل أعمال مجموعة الضغط. وتشمل الشركات التي حثتها الجماعة على "إنهاء أعمالها في إيران" Bayer وMerck وPfizer وGenzyme وAirSep وMedrad وBecton وDickinson & Company وEli Lilly وAbbott Laboratories.
وتفيد التقارير على نطاق واسع أن القنوات القانونية للتجارة الإنسانية فشلت في توفير تدفق كافٍ من الأدوية والسلع الإنسانية الأخرى لإيران.
جون بولتون، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترمب، عمل ولا يزال في منصب استشاري كبير في جماعة الضغط تلك، إلى جانب بولتون، أرسلت الإدارة الأميركية وزير الخارجية مايك بومبيو مرتين إلى المؤتمر السنوي لـUANI، الذي عُقد خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحرص خلاله بومبيو على تعزيز استراتيجية "الضغط الأقصى" التي تتبعها الإدارة الأميركية تجاه إيران.
قلق متزايد من النووي الإيراني
وأصدر، رافاييل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، تقريرين جديدين يزيدان من القلق من إخفاء إيران معدات وأنشطة نووية.
وإيران إحدى الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتتطلب اتفاقيات الضمانات بموجب تلك المعاهدة أن تبلغ طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن المواد النووية وأن تتيح لمفتشي الوكالة إمكانية التحقق منها.
ويمثل تخلف طهران المتعمد عن الإعلان عن مثل هذه المواد النووية انتهاكاً واضحاً لاتفاقيات الضمانات التي تقضي بها معاهدة عدم الانتشار، وقد حث غروسي النظام الإيراني على التعامل الفوري مع الوكالة والامتثال التام لمطالبها.
وتنظر الإدارة الأميركية بقلق كبير للتقارير الأخيرة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعتقد أن إيران لا تزال تكذب بشأن برنامجها السابق للأسلحة النووية وتتهمها بإخفاء أرشيفاً واسعاً من السجلات عن تلك الجهود عندما أبرمت الصفقة النووية، كما أن إدارة ترمب اتهمت طهران بالكذب بشأن إسقاطها طائرة مدنية وتعتيمها لأخبار عن مدى تفشي فيروس كورونا في المدن الإيرانية، وترى أنه بالنظر إلى برنامج الأسلحة النووية السري السابق وملاحظة الازدواج بشكل مخيف، تمثل أي مواد أو أنشطة نووية غير معلنة في إيران اليوم مسألة خطيرة جداً.
وفي بيان صحافي، أكدت الخارجية الأميركية التزام إدارة ترمب بحرمان إيران من أي سبيل يمكنها من الحصول على سلاح نووي، وحثت طهران على أن تثبت بشكل يمكن التحقق منه أنها تخلت عن كل طموحاتها النووية بشكل دائم، وربطت استناد أي اتفاق جديد يعالج المخاوف النووية في إيران بإمكانية التحقق بشأنه بشكل قوي وفعال.