قرية تامراغت في منطقة أكادير، جنوب المغرب، تحوّلت من قرية هامشية، كان يُضطر أبناؤها إلى الهجرة باتجاه المدن للبحث عن عمل، إلى وجهة سياحية عالمية تُغري عشاق رياضة ركوب الأمواج.
تدمج قرية تامراغت بين الجبال والشاطئ، وتتميز بمناخ معتدل طيلة السنة، ما يجعل السياح يتوافدون إليها خلال فصلَيْ الصيف والشتاء.
كانت الحياة صعبة جداً
ويقول محمد، (65 سنة) أحد سكان تامراغت، "في السابق، كنا نسافر إلى الدار البيضاء للبحث عن عمل، وكانت الحياة صعبة جداً هنا، بسبب الفقر والتهميش وقطع مسافات طويلة لتلبية حاجاتنا الضرورية".
ويضيف "بعدما تحوّلت المنطقة إلى وجهة سياحية، يقصدها سياح من مختلف دول العالم، أصبح أبناؤنا يعملون في المطاعم أو بيوت الضيافة أو مدارس التدريب على ركوب الأمواج، ومن بينهم مَن نجح في إنشاء مشروعه الخاص".
وبجوار قرية تامراغت، يقع شاطئ تغازوت الذي يُعدُّ وجهة مفضلة لعشاق هذه الرياضة.
شاطئ تغازوت الثالث عالمياً
وكان موقع GRINDTV السويدي صنّف شاطئ تغازوت الأول على صعيد أفريقيا، والثالث عالمياً لممارسة رياضة "السورف"، وقد أسهم توافد مجموعة من الأبطال العالميين إلى المنطقة في خلق انتعاشة في القطاع السياحي بضواحي مدينة أكادير.
ووفق المصدر ذاته، فإن المغرب يشهد توافد 10 ملايين سائح سنوياً، نسبة كبيرة منهم يقصدون شواطئ المملكة لركوب الأمواج، خصوصاً في منطقة تغازوت، التي جاءت في المرتبة الثالثة بعد كل من شاطئ "ليكيكي" في هاواي، صاحب المرتبة الأولى، ومنتجع "بوينت سيرفر" في جزر الباربادوس، شرق بحر الكاريبي، الذي احتل المرتبة الثانية.
الحفاظ على التراث الأمازيغي
وصلت رونيا أولد من ألمانيا إلى تامراغت، في الزيارة الأولى لها إلى المغرب. وتقول "كنتُ أتخيل في البداية أنّ المغرب عبارة عن صحراء قاحلة، لكن تفاجأت حقاً بجمال المنطقة. الناس هنا يتحدثون لغات عدّة، وقد استمتعتُ كثيراً بركوب الأمواج ولقاء لاعبي السورف من مختلف دول العالم".
وتُضيف السائحة الألمانية، البالغة من العمر 23 سنة، "إلى جانب جمال الطبيعة، الأكل لذيذ جداً ويتكوّن من مواد طبيعية مثل زعتر وزيت أرغان. لقد نجحوا في الحفاظ على تراثهم الأمازيغي ومواكبة العصر...".
ويعتبر حسن، وهو مدرب في مدرسة "السورف" بقرية تامراغت، أنّ "غالبية السياح تقصد المنطقة لتعلم رياضة السورف أو ممارستها، لكنهم سرعان ما يكتشفون جمالية المنطقة ونمط عيشها الأمازيغي البسيط".
يُدرك سكان تامراغت أهمية السياحة كمورد اقتصادي ويعملون بشكل مستمر على تطويرها عبر دمج التراث الأمازيغي بتقنيات عصرية تواكب تطلّعات السياح.
مبادرة أهالي القرية
جعل بعض سكان القرية من منازلهم بيوت ضيافة لاستقبال السياح. ويقول حسن "السياحة هي المورد الوحيد للسكان، إذ لا توجد هنا معامل أو شركات، وأهالي المنطقة يدركون أهمية التعامل الجيد لجذب أكبر عدد من الزائرين".
ومن أجل تنمية المنطقة سياحياً، أشرف شباب تامراغت وبعض الجمعيات في المنطقة على إصلاح الطريق الرئيسة في القرية لتسهيل التنقل.
وكان شباب القرية قد أطلقوا مبادرة لتشييد الطريق على مواقع التواصل الاجتماعي، فلقيت دعماً من قبل السكان.
من سائحة إلى مقيمة
من سائحة سويسرية تزور المنطقة بشكل سنوي إلى مقيمة في القرية، قرّرت ميريام الاستقرار في تامراغت وإنشاء مشروعها الخاص، وهو منزل مخصص للضيافة ويضمّ مدرسة لتعلم "السورف".
تقول ميريام، البالغة من العمر 40 سنة، "في البداية زرتُ المنطقة لمدة أسبوع، لكني ارتبطتُ بها كثيراً، فجوها معتدل على مدار السنة وشعرتُ برغبة في البقاء هنا لتشييد مشروعي الخاص والإسهام في التعريف بالقرية وتقاليدها الأمازيغية، لأن قوة المنطقة في روحها الأمازيغية وجمال طبيعتها".
تاريخ تامراغت
ينظم أهالي المنطقة سنوياً مهرجانات للاحتفاء بتاريخ وتراث القرية. ويحتفل سكان تامراغت والقرى المجاورة بموسم إيموران لتخليد ذكرى الانتصار على المستعمر البرتغالي خلال النصف الأول من القرن السادس عشر.
ويقيمون حفلاً في ضريح الولي آيت إعزى أوهدي للاحتفاء بمناسبة الصلح بين القبائل، كما أنها مناسبة للتعارف بين الفتيان والفتيات من مختلف المناطق، كثيراً ما تُوّجت بحفلات الزواج.
وفي الشاطئ، تقع صخرة كبيرة الحجم تحظى برمزية خاصة لدى سكان المنطقة، حيث كانت في الماضي منفصلة عن البحر وعبارة عن قلعة لقائد برتغالي. وما زالت الصخرة تحتفظ ببعض الآثار المتبقية للقائد وتُعدُّ شاهدة على الوجود البرتغالي في المنطقة وطرد أهاليها للمستعمر.