أظهرت وثائق مالية، ومحاورات مع مصادر بصناعة النفط، اطلعت عليها "رويترز"، أن ربع منصات الحفر النفطي في إيران أصبح معطلاً عن العمل بفعل العقوبات الأميركية الخانقة، الأمر الذي ينطوي على ضربة للقطاع في الأجل الطويل. ومن المحتمل أن يضر تراجع نشاط الحفر بقدرة إيران، عضو منظمة أوبك، على إنتاج النفط من الحقول الأقدم، الذي يستلزم مواصلة الضخ للحفاظ على مستوى الضغط والإنتاج.
وسيجعل ذلك من الصعب على إيران زيادة الإنتاج إلى مستواه قبل العقوبات، إذا خفت حدة التوتر مع الولايات المتحدة. وتهدف العقوبات الأميركية إلى الحد من طموحات إيران النووية ونفوذها الإقليمي. وقد أرغمت هذه العقوبات إيران على خفض إنتاجها النفطي بمقدار النصف منذ أوائل 2018، ليقل عن مليوني برميل يومياً، وذلك لأن المصافي في مختلف أنحاء العالم توقفت عن شراء نفطها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الركود
وأدى الهبوط الشديد في الإنتاج والصادرات إلى اشتداد الركود في البلاد، وأعاق مصدر الدخل الرئيس. كما تسبب تراجع النشاط في الاستغناء عن أعداد كبيرة من العاملين بقطاع النفط الإيراني.
ومن شأن الانخفاض الشديد في أسعار النفط حتى الآن خلال العام الحالي، لأسباب منها أثر انتشار فيروس "كورونا" في الطلب العالمي، أن يفاقم أوجاع الاقتصاد الوطني الذي يعاني أيضاً كون إيران من أكبر مراكز انتشار المرض خارج الصين. وبعض منصات الحفر الإيرانية معطلة لتعذر إصلاحها. إذ إن العقوبات زادت من صعوبة وتكلفة شراء قطع الغيار واستيرادها.
وقال محسن مهاندوست، المدير بالجمعية الإيرانية لمهندسي البترول، إن إيران تعتمد بالكامل على قطع الغيار المستوردة لمنصات الحفر. وأضاف أنه لم ير على مدار عشر سنوات قطعة غيار واحدة غير مستوردة من الخارج، وأن أغلب هذه الواردات مصدره الولايات المتحدة أو أوروبا. وقال مهاندوست في مقابلة، "ما زلنا معتمدين على الدول الأخرى. الأمر أشبه بتعلم تشغيل التلفزيون بجهاز التحكم من بعد، من دون أي فكرة عن كيفية صناعة التلفزيون". وأوضح أن العقوبات أدت إلى ارتفاع تكلفة قطع الغيار إلى خمسة أمثالها الأمر الذي جعل إصلاح منصات الحفر غير ذي جدوى.
مصدران كشفا أيضاً أن إيران اشترت عشرات من منصات الحفر الصينية الجديدة والمستعملة خلال العقد الأخير، غير أن الأجزاء الأساسية فيها لا تزال أميركية. وقال رجل الأعمال رضا بني مهد، الذي يعمل في طهران في مجال مشروعات الطاقة إن منصات الحفر الصينية كانت ملائمة للحاجات الإيرانية، خلال السنوات التي ظلت ترزح فيها تحت العقوبات، لكنها "افتقرت لخاصية القدرة على العمل لفترة طويلة التي تمتاز بها المنصات الأميركية والأوروبية". وامتنع متحدث باسم مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني عن التعليق على أثر العقوبات الأميركية في صناعة النفط في البلاد.
كما امتنع البيت الأبيض عن التعليق، وأحال الأسئلة إلى وزارة الخارجية التي لم ترد على طلب "رويترز".
إغلاق الصنبور
وأظهر اطلاع "رويترز" على معلومات من مصدرين بصناعة النفط والمواقع الإلكترونية لشركات الحفر والنتائج المالية ربع السنوية، أن ما لا يقل عن 40 منصة من حوالى 160 منصة حفر في إيران، لا تزال معطلة عن العمل أو قيد الإصلاح. وتتولى الشركة الوطنية الإيرانية للحفر التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية تشغيل ما يقل قليلاً عن نصف المنصات الإيرانية. وقال مصدر مطلع على عمليات شركة الحفر إن الشركة لديها 73 منصة نفطية برية وبحرية غير أن 17 منها لا تدر دخلاً، كما أن ستاً منها تعمل بشكل جزئي فقط. وفي المقابل كان عدد المنصات المعطلة عن العمل خمساً في 2017 وأربعاً في 2016. ولم ترد أي من الشركتين على طلبات "رويترز" للتعليق. وتملك ثاني أكبر شركة حفر إيرانية، حفر الشمال، وهي شركة خاصة 12 منصة، وثلاثاً منها لا تعمل. ولم ترد الشركة على طلب للتعقيب. أما المنصات الباقية وعددها 75 منصة، فتملكها شركات صغيرة. ولم تستطع "رويترز" التحقق من وضع كل المنصات المملوكة للقطاع الخاص غير أن مصدَرين بالصناعة قالا إن 20 من هذه المنصات معطلة عن العمل. وتملك إيران منصات أكثر عدداً مما لدى السعودية التي أوضحت بيانات أوبك أن لديها 125 منصة.
غير أن مسؤولاً نفطياً قال للوكالة الإيرانية للأنباء في 2019 إن حوالى 85 في المئة من المنصات التي تملكها إيران تحتاج لصيانة وإصلاح.
ويشير ذلك إلى أن عدد المنصات العاطلة سيواصل الارتفاع على الأرجح. وقال المسؤول رضا مصطفوي طبطبائي، "بمسار الأحداث هذا ستصبح كل منصات الحفر الإيرانية قديمة وغير صالحة في غضون السنوات الخمس المقبلة أو نحو ذلك".
استغناءات
وشرعت شركات الحفر الإيرانية أيضاً في الاستغناء عن أعداد كبيرة من العاملين.
وانخفض عدد العاملين في الشركة الوطنية للحفر إلى 2800 في 2019 من أصل 9300 في 2017، بحسب ما أظهر التقرير الفصلي للشركة. ويمثل ذلك تحولاً كبيراً عن الطفرة التي شهدتها الصناعة بعد توصل الحكومة الإيرانية لاتفاق مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والذي أدى إلى وقف العمل بالعقوبات النفطية والمالية في 2016. وزاد عدد المنصات من 130 إلى 157 منصة عقب هذا الاتفاق. وأعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض العقوبات في 2018، لإرغام إيران على قبول قيود أشد صرامة على نشاطها النووي وتقييد برنامجها الصاروخي، وإنهاء دعمها لقوات تعمل لحسابها في الشرق الأوسط.