خرج من حي سيدي مومن معظم المتورطين في التفجيرات الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء بالمغرب في 16 مايو (أيار) 2003، وأسفرت عن مقتل 45 شخصاً من بينهم 11 انتحارياً.
"نحمي انفسنا من المخدرات"
هذا ما دفع السلطات المغربية إلى دعم المبادرات الثقافية في الحي، لحماية الشباب من الانضمام إلى الجماعات المتطرفة والمتشددة، ويعيش خليل البالغ من العمر 19 سنة في حي سيدي مومن، في ضواحي مدينة الدار البيضاء، يتدرب على رقص الـ "هيب هوب" في المركز الثقافي نجوم سيدي مومن.
وعن تجربته في المركز، يقول خليل "ساعدنا المركز في أن نحمي أنفسنا من المخدرات والجريمة، ومن التطرف، فهنا نكتسب شخصية قوية لنواجه إغراءات الجماعات المتشددة". ويُعد المركز الثقافي، نجوم سيدي مومن، المتنفس الوحيد لشباب المنطقة، حيث يتدربون على الرقص أو الموسيقى، ويتعلمون اللغات الأجنبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"حماية الشباب من التشدد والتعصب"
ويطمح خليل في أن يصبح راقصاً محترفاً، ويضيف في هذا السياق، "في حي سيدي مومن تنتشر الجريمة والتطرف، والمركز يُمكّننا من تعلم مهارات جديدة".
ويعتبر رضى واعراب، مدرب في المركز الثقافي نجوم سيدي مومن، أن الهدف الأسمى للمركز هو حماية الشباب من التشدد والتعصب، مشيراً إلى أن مبادرة المدرسة الإيجابية للـ "هيب هوب" جاءت لتحقيق هذا الهدف.
وكانت تفجيرات عام 2003 بمدينة الدار البيضاء، أول صدمة إرهابية يتعرض لها المغرب، فقد خرج 14 شاباً من حي سيدي مومن، وكانت أعمارهم تتراوح بين 20 و24 سنة، ليستهدفوا تلك الليلة أماكن عدة بأحزمة ناسفة. وقتلوا حارساً بالسكين في مطعم إسباني، ثم اقتحموا المكان الذي كان يوجد فيه زبائن مغاربة وأجانب، وفجروا أنفسهم، ما أسفر عن سقوط 20 قتيلاً. وفي فندق فرح، فجر انتحاري نفسه وقتل حارساً وحامل أمتعة، من دون أن يتمكن من التسلل داخل الفندق.
وكانوا قد استهدفوا مقبرة يهودية، حيث فجر فيها انتحاري نفسه، ومواقع أخرى. وكانت حصيلة الضحايا ثقيلة بسقوط 31 قتيلاً و12 من المهاجمين، بينما اعتقل اثنان من المهاجمين قبل أن يقوموا بهجماتهم، وجرح ما يزيد على 100 شخص.
إثبات الذات بالرقص
وتقول سهيلة، شابة في العشرينات من عمرها تتدرب في المركز الثقافي نجوم سيدي مومن، "هذه المبادرة أتاحت لنا الفرصة لإثبات ذواتنا بواسطة الرقص، وهذا شيء مهم جداً بالنسبة لنا، خصوصاً نحن أبناء الطبقة الشعبية".
ويُشير أنس مؤسس مبادرة المدرسة الإيجابية للـ "هيب" في المركز إلى أن الهدف الأساسي من المبادرة هو تقريب الثقافة من الأحياء التي تنعدم فيها المبادرات الثقافية أو الفنية، ويُضيف أنس "نعمل على أن تُصبح للشاب هواية معينة يلتزم بها، تملأ وقت فراغه وتحميه من تعاطي المخدرات أو التطرف، ونعمل على تعليمهم مهارات إيجابية".
البطالة في حي سيدي مومن
من جهتها، ترى نسرين بوبكدي، شابة تعيش في حي سيدي مومن، أن المركز الثقافي غير قادر على محاربة التطرف والجريمة بسبب الكثافة السكانية في المنطقة، وتضيف الشابة البالغة من العمر 26 سنة، "سيدي مومن يحتاج إلى تنمية اجتماعية واقتصادية، تُمكّن أبناء المنطقة من إيجاد فرص عمل للاندماج في سوق الشغل، فالبطالة من أسباب انتشار الجريمة والتطرف في الحي".
وتعتبر نسرين أن فكرة المركز الثقافي جيدة لأنه يمكن بعض الشباب من ممارسة هوايتهم، مشيرة إلى أن سكان الحي في حاجة إلى مبادرات أخرى تخرجهم من عزلتهم.
تجدر الإشارة إلى أن السلطات المغربية شيدت عام 2015 مركزاً للتكوين المهني متعدد التخصصات بحي سيدي مومن، ليستفيد الشباب المنحدرون من أسر فقيرة والمنقطعون من التكوين بهدف إدماجهم في سوق العمل. وكانت أحداث 16 مايو (أيار) قد عجلت بإطلاق عملية إعادة الهيكلة وتوفير السكن اللائق التي استفاد منها سكان أحياء الصفيح، لا سيما "السكويلة" و"طوما"، حيث خرج معظم المتورطين في تلك الهجمات الدامية.
وصم الإرهاب يلاحق أبناء الحي
عيسى ولد في الحي الصفيحي "سكويلة"، الذي خرج منه معظم المتورطين في الأحداث الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء، ويعتبر أنه على الرغم من استفادة أهالي المنطقة من السكن، بيد أنهم حافظوا على نمط العيش العشوائي السابق، مضيفاً "الدولة حاربت التطرف، وهذا جيد جداً، لكن حي سيدي مومن ما زال نائياً ومعظم الشبان عاطل من العمل". وعاش إبراهيم كرو، وهو ناشط مدني وصحافي مغربي، من أبناء حي سيدي مومن، عاش تفاصيل الأحداث الإرهابية، ويُعرب عن استيائه لواقع المنطقة. ويقول في هذا الصدد "خلال تلك المرحلة، كان الشبان يتوجه إلى التطرف، وحالياً معظمهم يُدمنون على المخدرات، كما أن جميع أنواع المخدرات توجد في المنطقة ما يتسبب في انتشار الجريمة".
ويعتبر كرو أن الشبان يهربون من واقعهم عبر تعاطي المخدرات، مضيفاً "لم نلمس أي تغيير باستثناء أن الحي تحول إلى مجموعة من الكتل الإسمنتية، والطرق مهترئة، ودور الصفيح لا تزال كما كانت باستثناء بعض الأحياء الصفيحية". ويُضيف الناشط الحقوقي المغربي أن حي سيدي مومن يضم شريحة كبيرة من الشبان، معظمهم من حاملي الشهادات الذين يعانون من البطالة، معتبراً أنّ وصمة عار أحداث 16 مايو لا تزال تلاحق أهالي المنطقة.