يعترف الصوماليون من دون استثناء بأن المرأة الصومالية، لعبت أدواراً تاريخية كبيرة، ما زالت محفورة في وجدان الصوماليين، وهناك شعور بين النساء والمثقفين والأكاديميين، يزداد ترسخاً يوماً بعد يوم، بأن المرأة الصومالية ما زالت تعاني الكثير من الإجحاف وسط مجتمعها، لا سيما داخل البلاد، خلافاً للجهود المضنية التي تقوم بها، من أجل جعل الأرض الصومالية مكاناً جيداً للعيش، من خلال السعي للحد من النزاعات والمشاكل، وما أثبتته الأيام من قدرتها على الإبداع في إيجاد الحلول، لمشاكل يومية، أثبتت أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه في البلاد.
أدوار تاريخية
ويحمل الفولكلور الصومالي كماً كبيراً من الأساطير والروايات، التي تؤكد نديّة المرأة الصومالية لشقيقها الرجل، من خلال توليها العرش، بحسب أسطورة أراويلو، ولعبت أدواراً مهمة في محاربة الطغاة، وخرجت مشاركة في محاربة الاحتلال الأجنبي، لتكون حاوا تاكو مثالاً حياً تم تخليده في تمثالها بالعاصمة الصومالية مقديشو، ولم يقتصر دورها التاريخي في العصور القديمة والفترة الاستعمارية، بل لعبت أدواراً بارزة في العصر الحديث، فأصبحت تقود الطائرات الحربية، وتتقلد مناصب وزارية، وتترشح للانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية، وتنجح في حجز مقاعد لها في مجالس الشيوخ الممثلة لأعلى السلطات في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الداخل تهميش متعمد ومستمر
وعلى الرغم من التراكم التاريخي الكبير لإنجازات المرأة الصومالية، شهدت البلاد انتكاسة حقيقية، في الدور المسموح للمرأة القيام به، على مستوى الخدمة المجتمعية والمناصب العامة، مع ازدياد الضغوط عليها لتخفيض سقف توقعاتها، وخلق بيئة لا تشجعها على متابعة مساعيها لتطوير نفسها، ما أدّى بها إلى العدول عن الوصول، إلى أقصى ما هو متاح لنظيرها الرجل في المجتمع.
وقد يكون ارتداد المجتمع الصومالي إلى الحالة القبلية، الخارجة عن سلطة الدولة، منذ سقوطها سنة 1991، والصراعات الدامية التي كان القول الفصل فيها للرجل، سبباً رئيساً في تفضيله على شقيقاته، من حيث المكانة والفرص، إذ إن ظروف انعدام الأمن والسعي نحو الهيمنة القبلية، لم تكن يوماً مؤاتيه لبروز دور المرأة، بعدما غدت إمّا ضحية للصراع بين رجال القبائل، أو هدفاً سهلاً للعدو يجب تأمينه، عبر الحد من قدرتها على الحركة، والعمل والبروز في مجالات العمل العام، ما قد يعرضها لأن تكون مستهدفة، لمجرد رغبة طرف ما في جرح كرامة القبيلة التي تنتمي إليها.
نبوغ المرأة في الخارج
ووجدت المرأة الصومالية في المهاجر فرصة كبيرة للنبوغ، والتفوق على نظيرها الرجل، فأصبحت تشغل مراكز متقدمة في المجتمعات التي هاجرت إليها، على المستويات الاقتصادية والسياسية والأكاديمية، فالسيدة آمنة موغي حرسي في أوغندا والتي يسميها المحليون "أم سِمِنتي"، تعتبر مالكة لإمبراطورية عقارية في تلك البلاد، في حين أن الدكتورة الشابة سعدة مري السويدية الجنسية، نجحت في وضع البلاد من جديد على خريطة البحوث الأثرية عبر اكتشافاتها غير المسبوقة، كما لا يمكن تجاهل إلهان عمر العضوة في مجلس الشيوخ الأميركي، وغيرها من عشرات النساء، اللواتي يشغلن مقاعد في المجالس البلدية والوطنية لدول غربية عديدة، ناهيك عن قياديات مجتمعيات يلعبن أدواراً مهمة في بلدان المهجر، من خلال المنظمات التي أسسنها ويدرنها لتحسين أوضاع المهاجرين واللاجئين الصوماليين، وتعزيز دور المجتمع الصومالي في تلك البلدان.
سر نجاح المرأة في الخارج
الصحافية والكاتبة سماح مبارك والمقيمة في المملكة المتحدة، تشير إلى جانب من أسباب نجاح المرأة الصومالية في الخارج فتقول "في رأيي أن سبب نجاح المرأة الصومالية في الخارج هو قدرتها السريعة على التكيف مع أي بيئة تجد نفسها فيها، واستيعابها السريع للعوائق الحياتية اليومية والاندماج معها، في حين قلما يصبر الرجل الصومالي على تلك العوائق، ويبحث عن حلول سريعة ومختصرة أضف إلى ذلك أن العديد من النساء الصوماليات نشأن في بيوت كانت الأم هي المعيل الرئيس فيها ما عزز ثقة الفتيات الصوماليات في قدرتهنّ البدنية والذهنية للعمل والتفوق والنجاح في أي مكان وتحت أي ظرف".
في حين تعرض الناشطة الحقوقية والسياسية السويدية من أصل صومالي، دنيا أوعلي عدداً من النقاط المؤدية إلى نجاح المرأة الصومالية في الخارج، لخصتها بالقوانين المشجعة للمرأة على العمل، من حيث إجازات الأمومة ورعاية الأطفال، وإتاحة الفرص المتكافئة بين الجنسين، والتشريعات الحامية للمرأة في بيئة العمل، إضافة إلى الاختلاف الجذري بين التعامل الإعلامي الغربي مع المرأة الناجحة، على عكسه في بلادنا، ضاربة المثل في المهندسة العراقية زها حديد، التي لم تكن لتجد الاهتمام بعملها لو بقيت في وطنها الأم، بل إنّ التركيز الإعلامي الغربي عليها، ساهم إلى حد كبير في فتح آفاق واسعة لها، لتصبح تلك الإنسانة التي تتطلع إليها كل فتاة تريد تحقيق مجدها الشخصي في مجال يغلب عليه الرجال. وأضافت أوعلي مستدركة، لا أعتقد أن هناك تغييراً حقيقياً يحدث في طبيعة المرأة الصومالية المضحية في العمل داخل الوطن، عما هي عليه في الخارج، بل أعتقد أن هناك قصص نجاح أكبر تحدث في الداخل لكنها لا تصل إلى الإعلام، وبالتالي تبقى مجهولة بالنسبة إلى بقية المجتمع.