في مجتمع يُخفي كثيراً من تفاصيل حياته اليومية، أصبحت المعاناة اليومية لحياة اليمنيين تترجمها، وتتزاحم عليها العدسات والريشات.
ففي داخل مخيمات النزوح التي تتناثر في أرجاء محافظة مأرب اليمنية، يوجد آلاف من النازحين ترافقهم كثيرٌ من تفاصيل الحياة المثقلة بالمعاناة، لترسمها فتيات في العشرينيات من العمر وأمهات، يتزعمهن فنان تشكيلي.
يرسمن تفاصيل الحياة في النزوح، وآلة الموت (الألغام)، التي زرعتها ميليشيات الحوثي في مناطق واسعة من اليمن، وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين، وأخريات يجسّدن الحياة والمشكلات الاجتماعية.
مأساة الألغام
بريشة هاوية، رسمت الفتاة النازحة زينب العزاني، اليمن الكبير الحزين الذي تمزّقه الميليشيات شمالاً وجنوباً على هيئة طفل فقدَ قدمه بلغم، وهي رسمة تكشف حال الآلاف من المدنيين اليمنيين المبتورين بفعل الألغام.
ورسمت العزاني شخصاً آخر يمشي مستنداً إلى عكاز بعدما فقدَ قدمه بلغم، ليزرع وردة في المكان، الذي بترت فيه قدمه ويبتسم، ويلتفت فيرى اليمن مستقراً ومزدهراً.
ولوحة أخرى لطفل يهرب وخلفه منزله يشتعل بالحرائق بعد تساقط القذائف عليه، ممسكاً بدُميته، وهو يغطي عينيها، وهو واقع جسّدته الميليشيات في كل المدن اليمنية.
تقول زينب، "بدأت الرسم بالإنمي والطبيعة الصامتة، نمّيت موهبتي بالألوان. بدأت أرسم الواقع، وأوجّه رسالة إلى العالم على ما نعيشه نحن اليوم، وجدت أنّ الرسم اليوم إحدى وسائل الإعلام القوية، إذ يوصّل رسالة أكثر من الكلام".
وتشكو زينب من "ارتفاع أسعار المواد الخام التي تستخدمها في الرسم، إذ تأتي بها من خارج اليمن".
وتقول بسملة فيصل، البالغة من العمر 18 عاماً، وتشارك بعددٍ من اللوحات في المعرض الأول للسيدات بمأرب، "رسوماتي تسلّط الضوء على الحياة العامة للإنسان، أو عن التفاصيل الشخصية أو الحياة النفسية والحياة الاجتماعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إمكانات ضعيفة
ورسمت بسملة كل الجنسيات في لوحة واحدة، بعدما انتشر فيروس كورونا حول العالم، وظهرت حالات من التنمّر تجاه البعض، موصلة رسالة "أن أي امرأة بأي جنسية جميلة".
وتضيف بسملة، "في لوحة (الفيل) رسمتُ عن احتفالات الألوان التي تقام في بعض الدول الآسيوية أو مثلاً في الهند، التي يتدخل فيها بعض الحيوانات مثل الفيل".
أم بسملة، وهي والدة إحدى الفتيات وأحد داعمي المرسم الحرّ الذي يضم عشرات الفتيات، قالت، "نعاني الإمكانات الضعيفة وعدم توفّر المواد الخام. عانيت مع ابنتي خلال شهرين".
وأضافت، "الألوان والفرش غير متوفرة، جميع المواد يأتي من خارج البلاد، وأحياناً اللوحة تتأجّل أسبوعاً وأسبوعين حتى تأتي حاجاتنا من الخارج".
وتصف أم بسملة المعرض بأنه "إنجاز كبير رغم المعاناة التي عانتها"، بينما تبدي "استياءها من دور الجهات الحكومية"، قائلة إنهم "غير مهتمين، وحينما زاروا المعرض انبهروا بالرسومات، وكانوا من قبل يرفضون زيارة المعرض".
وتقول سارة ياسين، طالبة جامعية تتقن فن البورتريه، "رسمتُ شخصيات أحبها. كان أول بورتريه للقائد الفلسطيني أحمد ياسين"، مضيفة، "أحب فلسطين والقضية وكل الصادقين، ولذلك أجسّدهم في رسوماتي. الصورة الثانية كانت للقائد الليبي عمر المختار فقد كان بمثابة منقذ للشعب الليبي من الاحتلال الإيطالي، أمّا البورتريه الثالث فكان لأحد أبرز قيادات الجيش اليمني اللواء الركن عبده ربه الشدادي، الذي قتل في مواجهات مع الميليشيات الحوثية".
أمّا بقية رسوماتها فكانت لنجوم رياضيين وإعلاميين مثل ميسي وأحمد الشقيري، وصورة أخرى لطائرة مقاتلة تحلق في الجو تلقى بمكعبات من الحب والورد.
ويجتذب الفن، لا سيما الرسم، أعداداً متزايدة من الفتيات والشباب باليمن في محاولة منهم لرسم واقع بلاد تغرق بالمآسي جراء سيطرة الميليشيات الحوثية على مناطق واسعة.