قبل إعلان التعبئة العامة في لبنان، كان الشاب مارك عارف يملك خمسة محلات لبيع ملابس الأطفال في مناطق متعددة من شمال لبنان.
ومع بدء أزمة الكورونا وما رافقها من إقفال شبه تام، انصب اهتمامه وتركيزه على البيع عبر الإنترنت للحد من حجم الخسارات المتلاحقة.
تقدم حالة مارك نموذجاً عن كثير من المؤسسات التجارية اللبنانية التي بدأت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الزبائن والترويج لمحلاتهم وسلعهم، وبحسب الشاب اللبناني "هذه المنصات رائجة حالياً وتمتلك سمعة براقة، وتستخدم الصورة في إثارة الرغبات.
إدارة الأزمة أونلاين
يمكن وصف عمليات البيع أونلاين في لبنان على أنها في مراحلها الأولى، فهي تحتاج إلى بعض الوقت لتصل إلى المرتجى. ويسعى التجار إلى بلوغ أكبر شريحة من الزبائن، وهناك تأكيد على تفاوت التفاعل بين المناطق والشرائح العمرية، فالمراهقون والشبان والسيدات، هم أكثر المتحمسين للطلب عبر الإنترنت لأنهم يصلون إلى أهم الماركات بأقل جهد ممكن من دون حاجة إلى الخروج للسوق.
يؤكد مارك أن كثيراً من الزبائن يطرح أسئلة عدة، ويدقق على مسألة المقاسات وجودة القطعة والمنتج وصولاً إلى حد التشكيك.
ويعزو ذلك إلى تعرض بعضهم للغش من بعض المتاجر الإلكترونية التي لا تمتلك حقيقة مؤسسات على أرض الواقع.
ويلفت إلى صعوبات يُعانيها التاجر في بادئ الأمر، ويتوقع من التاجر أن يتعامل مع زبائنه بصدقية، لأن بناء الثقة يحصل رويداً رويداً. واختبر مارك عارف التغيير بعد حوالى أربعة أشهر، حيث أصبح لديه شريحة كبيرة تطلب اللباس المعروض على المنصة الرقمية.
تساهم العلاقة الصادقة مع الزبائن إلى جذب زبائن آخرين، لذلك تتضاعف الطلبات من أبناء المناطق المتباعدة ومن أعمار مختلفة. ويحتم ذلك على المؤسسات التي تبيع أونلاين إيجاد حلول عملية للتوصيل (الدليفري)، لذلك يفترض التعاقد مع شركات محترفة، مختصة، آمنة، وتقدّم الخدمة بأسعار مناسبة.
البيع في زمن الكورونا
فرض فيروس كورونا نفسه على عملية البيع عبر الإنترنت، ففي الأيام السابقة كان التُجار يُديرون أعمالهم من قبل المؤسسات.
ويُعتبر هذا الجهد رديفاً للمجهود الأصلي الذي يعتمد على الاتصال المباشر مع الزبون، حيث يجد نفسه التاجر والزبون أمام تفاوض وعرض وطلب وجهاً لوجه.
أما مع إعلان الإقفال العام والحجر المنزلي، انتقلت الإدارة إلى المنزل. ويوضح مارك أن الطلبات ازدادت خلال الأيام القليلة الماضية، إنما باتت تقتصر على "طلب السلع الشخصية الضرورية وبكميات محدودة وقطعة واحدة"، وكأن الناس يُريدون تجاوز المرحلة بأقل أضرار ممكنة لأن غريزة البقاء على قيد الحياة تقدّمت سائر الهموم الأخرى.
لمست مؤسسات البيع أونلاين أهمية النظافة والتدقيق عليها من قبل الزبائن، لذلك يتم تعقيم هذه المنتجات قبل إرسالها، ويتم مطالبة شركة الدليفري القيام بذلك أيضاً قبل تسليمها للزبون مع الالتزام بوضع الكمامة ولبس القفازات.
ويقول مارك إنه طلب من الزبائن "التزام معايير السلامة والبقاء في المنازل"، إلا أن بعضهم يبلغونه عند الطلب أونلاين أنهم جاؤوا إلى المؤسسة ووجدوها مغلقة.
لذلك لا بد من تجديد مطالبة الناس باتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على صحتهم، لأن الوجود في الأسواق والأماكن المزدحمة يسهم في نشر الفيروس.
لم تفِ المنصة حاجة فئة من الزبائن، لأن بعض النساء يُشارفن على الولادة، ولا يمتلكن "جهاز الطفل". أدى ذلك إلى اعتماد أسلوب "حجز موعد مسبق على غرار المواعيد في عيادات الأطباء"، وفي الوقت المحدد يحضر الزبون وأحد الموظفين إلى المحل الذي تبقى أبوابه الخارجية مغلقة، ويُطالب الزبون بعدم استقدام عدد كبير من المرافقين لاتقاء الازدحام والعدوى.
تجارة الشبكة
تخضع عملية البيع أونلاين إلى نظرية الشبكة، فالمرء الذي يبدأ بصفحة على "فيسبوك" لبيع منتجاته أو الترويج لها، سرعان ما يجد نفسه خاضعاً لأدبياتها وإستراتيجيتها.
فهو يحتاج إلى التكيّف مع التحديات التي يفرضها الـ "أونلاين،" وصولاً إلى استخدام متخصصين في مجال العمل عن بُعد.
وشهد البيع عبر الإنترنت في لبنان، زيادة محدودة خلال السنوات القليلة الماضية، وتقدّر الخبيرة بالتسويق الرقمي صبا مسعود النسبة بحوالى 15 في المئة، وهي نسبة قليلة مقارنة بعدد مستخدمي الإنترنت في لبنان، فيما يبلغ بالدول المحيطة للبنان 40 في المئة من إجمالي التجارة المحلية، ونحو 80 في المئة في دول شرق آسيا، و70 في المئة في أوروبا والقارة الأميركية.
وتعتقد مسعود أن هناك سبباً ثقافياً للنسبة المحدودة للشراء أونلاين في لبنان، لأن "التسوّق بمثابة مشوار للتنزه في السوق"، ويمكنهم من القياس والتحقق من جودتها.
ولا تتأخر بالإشارة إلى أن المنتوجات التي تزدهر في البيع أونلاين هي "الملابس والأحذية المقلّدة وأسعارها منخفضة".
شروط النجاح
من جهة ثانية، تعدد صبا مسعود شروط البيع الناجح، وجود موقع إلكتروني مرتبط بمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وأن يكون متناسباً مع صدقية الموقع.
كما يجب أن تتمتع الصور بالجودة العالية، ويرافقها الشرح والكلام المفسر، وأن يكون السعر تنافسياً، والتأكيد على جودة المنتج.
وتشدد على طريقة الدفع، وأن تكون موثوقة ومسهلة لأن الزبون سيتردد كثيراً قبل وضع رقم بطاقته المصرفية في المواقع المشبوهة، وتترافق كل هذه العوامل مع التوصيل السريع والآمن.
وترى مسعود أن الأزمة الحالية قد تؤثر في الإقبال على هذا المجال الذي ما زال حجمه الاقتصادي محدوداً، إلا أنها ترفض التعميم لأن التوقع بالمستقبل ما زال مبكراً لأن أكثرية المنتجات صينية، وكذلك بسبب اختلاف أذواق الزبائن من دولة إلى أخرى، ففي الكثير من الدول العربية تطغى على عروض الأونلاين الموضة والملابس والتجميل، فيما يتسع الطلب على المواد الغذائية والطعام في دول الخليج العربي.
في المحصلة، الجلوس القسري في المنازل للناس رافقه انخفاض الإقبال على مختلف النشاطات الاقتصادية، ولا يتوقف هذا الأمر على التجارة الإلكترونية. إنما يبقى فرصة للتجار لتخفيف حجم الخسائر الناجمة عن الإقفال التام، كما تمنح الزبون فرصة للاستمرار في العيش بحياة شبه طبيعية ومتجددة وأنيقة.