على الرغم من أن فيروس "كوفيد 19" المعروف باسم "كورونا" المستجد أصبح ذعر العالم وألزم الناس منازلها وأخلى الشوارع ومراكز الأعمال والترفيه، إلا أنّ الجلوس في البيوت واجتماع العائلة أعاد بعض العادات التي سرقها الإيقاع السريع للحياة العصرية. ولأنه مترافق مع أزمة اقتصادية في لبنان، اضطرت العائلات إلى حصر المصاريف قدر الإمكان. عاد الطعام المنزلي، ونزلت الألعاب الجماعية عن الرفوف، ونشطت المناقشات العائلية.
سيدات يخبرن "اندبندنت عربية" كيف يمر الزمن "بتوقيت كورونا" في المنازل، بعدما توقفن هنّ وأزواجهنّ وأخوتهنّ عن العمل، أو بدأوا بالعمل من المنازل، بينما توقف الأطفال عن الذهاب إلى المدرسة.
الرقص أمام النافذة
تقول رانيا توما إنها لم تبدأ العمل من البيت بعد، لكنها تستغل الوقت في الأعمال المنزلية من ترتيب وطبخ وغسيل. وعمل زوجها مع طفليهما نارام ونينار على تعزيل غرفتهما، حيث فرِح الطفلان أنهما عثرا على قصص قديمة للأطفال وبعض الألعاب التي سيقدماها إلى ابن عمهما إذ تناسب عمره.
يمر الوقت ببطء بحسب رانيا، التي تتابع الأخبار وتطمئن على عائلتها الكبيرة التي يزورها زوجها إلى كبار السن ويتولى جلب الأغراض وتعقيمها قبل إدخالها المنزل، بخاصة أن زوجته تعاني من مشكلة في الجهاز التنفسي والمناعي فهي لا تخرج إلى عتبة المنزل.
تمضي رانيا وقتها نهاراً بمتابعة أخبار وسائل التواصل والتواصل مع الأهل والأصدقاء، والاستماع إلى الموسيقى.
أما في الليل فتجتمع العائلة وتشاهد مسرحيات مضحكة للفنان المسرحي اللبناني جورج خباز أو أفلاماً على تطبيق نتفليكس، كما يلعب الجميع ألعاباً اجتماعية مثل "أونو" ومونوبولي.
تقول رانيا التي تعمل موظفة في شركة تأمين إن الملل جعلها ترقص أمام النافذة المشمسة صباحاً أثناء شرب القهوة، ما منحها "إحساساً رائعاً كأنه نوع من الشفاء" على حد تعبيرها. وتخبر أن زوجها يمارس الرياضة في المنزل أيضاً. وأنها باتت تسمع مشاكل الجيران أحياناً، كما لاحظت أن أحد الجيران يعقم المبنى ومداخل الشقق.
كذلك تعقّم رانيا منزلها دائماً، إضافة إلى تعقيم كل ما يدخل إليه، بدءاً من ثياب زوجها التي يرتديها أثناء التسوّق وصولاً إلى الأغراض، علماً أن الأحذية تُترك خارجاً أمام الباب.
وتعقّم رانيا الخضار أيضاً بالخلّ والملح الخشن والماء لساعة من الزمن، ثم تنشفها جيداً وتضعها في الثلاجة. كما ترش رذاذ الكينا في المنزل بشكل دوري.
الملل يولّد الابتكار
من جهة أخرى، تعتبر جوسلين بو راشد هذا الفيروس "تحدّياً كبيراً"، وهي "فرحة لأن الأمهات الآن في بيوتهنّ يطبخن الأكل النظيف، وترتبن وينظّفن ويغسلن". وتوضح جوسلين أنها "بيتوتية" أي أنها تحب المكوث في البيت على الرغم من أنّها موظفة، وهي الآن لم تعد تشعر بالذنب كونها كانت تضطر إلى أن تترك أولادها وحدهم في المنزل، حيث يسخنون الأكل المطبوخ مسبقاً، ويدرسون وحدهم، كما تضطر إلى الاستعانة بعاملة لتنظيف البيت إذ لا تملك الوقت للقيام بذلك بمفردها. وتضيف أنّها تشعر أن "البيت فرح" بوجودهم كعائلة، فكل يوم أصبحوا يتناولون 3 وجبات معاً، ولديهم الوقت للصلاة قبل الأكل، وتعلمت صنع بعض الطبخات القديمة حتى أنها صنعت لبنة منزلية وكأنها تشمّ رائحة جدّتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول جوسلين إن الأولاد ضجروا حتى من الألعاب الإلكترونية، وبدأوا يلعبون ألعاب أيام زمان، "علمناهم ألعابنا من المونوبولي، والحية والسلم، والريسك، والسكرابل، كما أننا نغني كثيراً ونضحك، وأصبحنا نتنبه لأشياء معينة في طباع بعضنا بعضاً". وتخبر أن "العراك يومي ولكنه مقبول"، وأنها لطالما كانت تطلب من أولادها أن يشكروا الله على النعمة التي يملكونها. وتؤكد "نستطيع اكتشاف مواهب الأطفال عند الضجر لأنهم يبدعون ويبتكرون حينها ويشغّلون عقولهم أكثر. والآن بدأ يشعر ابنها كريس بنعمة المدرسة بعدما كان يشكو منها دائماً. أما ابنتها كلييونا فصورت مقطع فيديو طريف عن تمضية الوقت في المنزل.
تعتبر جوسلين أن "المرحلة صعبة ولكن ذلك يسري على الكرة الأرضية كلّها، ما جعل الناس يتقرّبون من بعضهم بعضاً أكثر على الرغم من عدم الزيارات والمسافة إلا أن الاقتراب الروحاني صار أكبر، فالكل يطمئن على ناسه وأصحابه، وصار الناس يخافون على بعضهم". وتضيف "أصبح للقرش قيمة ونعمل له ألف حساب، ونطلب من الله أن يعطينا خبزنا كفاف يومنا".
العراك مضحك درءاً للضغينة
تخبر هلا فرسان عن وضع عائلتها وكيف يتعامل أفرادها مع الحجر المنزلي، فتقول إن أختها الكبيرة معلمة مدرسة وتعطي دروساً عبر سكايب، وزوجها يهتم بطفلتهما ماريا (سنتان) التي "تخرب المنزل". وعندما تنتهي من التدريس يبدأ الزوج بعمله وتستلم الأم الطفلة "النشيطة جداً".
أما شقيقة هلا الثانية، واسمها رانيا فتعمل في الترجمة، ووضعت برنامجاً يومياً لابنها في البيت، يُعدّل بحسب الطقس، بدءاً من نزهة في الحقل القريب، إعادة دروسه المدرسية، ومساعدتها في تحضير الطعام، لكن فترة بعد الظهر لا تمرّ بسلام لأن الملل يبدأ بالتفاقم. وتعمل رانيا أحياناً على ترجمة بعض الأوراق فيهتم زوجها بابنهما. وتقول هلا مازحةً إن زوج أختها "مصدر أسرع من الوكالات في ما يخصّ سعر صرف الدولار وأخبار كورونا، حتى أن مجموعة الواتساب الخاصة بالعائلة لا تهدأ بسببه".
وتكشف هلا إن أمها تعاني بسبب الأزمة من ضجر شديد لأنها كانت معتادة على استضافة أحفادها، والذهاب إلى الكنيسة، و"الصبحيات"، والآن باتت محاصرة في المنزل وتغيّر عليها توقيت الطبخ والتنظيف بوجود العائلة طوال الوقت. لكن والدها لم يتغيّر عليه شيء، لأنه كان تعوّد المكوث في المنزل منذ توقف عمله، فهو يستيقظ ويستمع إلى الأخبار، ويمضي وقته في الحديقة، واكتشف أخيراً ميله نحو هواية النحت على الخشب، يجتمع بالعائلة أثناء الغذاء والعشاء وفي السهرة، وهو ضاق ذرعاً بأخبار كورونا. شقيقها طوني توقف عن الجامعة والعمل، وهو يراقب التعقيم في المنزل، لديه كلبة يهتم بها، ويطبخ طعامه، ويشاهد نتفليكس. شقيقتها غنوى أخصائية نطق تحضّر التمارين لزبائنها الذين ينفذونها في منازلهم، وتبقى مشغولة على الهاتف طوال الوقت مع أهالي الطلاب الذين يعانون من صعوبات في النطق للتنسيق بخصوص التمارين. تأخذ استراحة أثناء الوجبات وفي وقت القهوة بعض الظهر.
أما هلا التي كانت تعمل في الإعداد والصحافة، فإن عملها الجديد البعيد عن الإعلام لا شيء كثيراً فيه لتعمل عليه من المنزل لأن المدارس والجامعات والشركات مقفلة، لذا تعرض خدماتها على بقية أفراد الأسرة كي لا تغرق بأخبار كورونا. وهي تهتم بتعقيم المنزل و"ضمان الجودة"، وتعمل على صدّ الجيران بلطافة من الزيارات، كما تقضي وقتها في القراءة ومشاهدة الأفلام. وتلفت إلى أن "الشجارات المنزلية تتحوّل إلى ضحك منعاً لاثارة الضغينة".
الوضع احتاج لعلاج نفسي
في سياق متصل، تشعر نانسي لحود بضيق كبير لدرجة استعانت بأخصائي نفسي، واضطررت لأخذ دواء أعصاب وليس فقط بسبب كورونا إنما للوضع الاقتصادي وقلة العمل. وتقول "ما زلنا ندفع كل ما علينا من دون أن نقبض المال". وقررت نانسي أن تغيّر الحال فأصبحت تلعب مع زوجها وأولادها مونوبولي، سكاربل وريسك، و"إنسان، حيوان، شيء"، الحية والسلم والألعاب التي "كنا نلعبها عندما كنا أطفالاً". تخبر أنهم يحاولون الاستفادة من وجود زوجها الذي يعمل دوامين عادةً للاهتمام بالأولاد وتمضية الوقت معهم. ويسأل الأولاد لماذا هم في البيت، وتخبرهم عن الوباء المتفشي، والطريف أن أطفالها أخبروها أنهم سمعوا أحد الأطباء يقول إن الأطفال لا يتأثرون بكورونا، لكنهم حين عرفوا أنهم قد ينقلون المرض لأهلهم، خاف ابنها وعمره 8 سنوات على جدّه لدرجة أنه لم ينم لثلاثة أيام ولم يعد يطلب الخروج. وطلبت منه ألا يخاف "لأننا لا نخرج إلى مكان". أما بالنسبة إلى التسوّق فتقول إنه "كابوس آخر، بسبب التعقيم الدائم لكل ما يُلمس مع الخوف كل ثانية من التقاط الفيروس".