أفاد تحليل أجرته الخدمة الدبلوماسية التابعة للاتحاد الأوروبي بأنه اكتشف وجود حملة تضليلٍ روسية تستهدف مفاقمة أزمة فيروس "كورونا" في الغرب.
وزعمت مقتطفاتٌ من هذا التقرير الجديد الصادر عن الاتحاد الأوروبي في بروكسل الذي سُرِّب إلى صحيفة "فاينانشال تايمز" ووكالة "رويترز"، أن وسائل الإعلام المموّلة من الكرملين تتطلّع إلى إثارة "ارتباك وذعر وخوف"، في أعقاب انتشار الوباء. وتقول الوثيقة المؤرّخة في السادس عشر من مارس (آذار) الحالي، إن التغطية "المربكة والخبيثة" جعلت من الصعب على الاتحاد الأوروبي تنسيق ردّه.
ويورد التقرير الأوروبي أنه تعقّب ما يزيد على ثمانين حالة من التضليل تتعلّق بوباء "Covid-19" منذ 22 يناير (كانون الثاني) الماضي. واعتبر أن الهدف الرئيس للروس هو نشر رواياتٍ "متعدّدة ومتناقضة في كثير من الأحيان"، من أجل "تقويض المجتمعات الأوروبية من الداخل".
ويشير التحليل الأوروبي إلى أن وسائل الإعلام المموّلة من الكرملين مثل محطة "روسيا اليوم" RT، دفعت عن وعي "بقصصٍ عن نهاية العالم" تتضمّن في محتواها "إلقاء اللوم على الرأسماليّين الذين يحاولون الاستفادة من الفيروس، في موازاة التأكيد على الطريقة الجيّدة التي يتعامل من خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع تفشّي المرض". ويذكر التحليل "أخباراً كاذبة" اختلقتها روسيا في إيطاليا، بؤرة التفشّي الغربي للوباء، ادّعت بأن الأنظمة الصحّية في أماكن أخرى لن تكون قادرةً على التأقلم، وأنّ الأفراد متروكون لوحدهم في مواجهة الموت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورفض الكرملين بغضب أي اتّهام لموسكو بالوقوف وراء مثل هذه الاستراتيجية. ووصف المتحدّث باسمه ديميتري بيسكوف خلال الحديث اليومي الذي يجريه مع الصحافيّين من خلال مكالمة هاتفية جماعية، تلك المزاعم بأن "لا أساس لها من الصحّة وتتجاوز المنطق السليم". وقال "إنهم لم يتوصّلوا إلى دليل واحد أو مثال على ما يتحدّثون عنه"، مضيفاً "نظراً إلى الظروف الراهنة، كان من المتوقّع أن تتراجع هواجس الغرب المرتبطة بالرهاب من روسيا، لكن من الواضح أنّ هذا لا يحصل".
صحيفة "اندبندنت" بعثت بطلب إلى الاتحاد الأوروبي في بروكسل للتعليق على محتوى التحليل، لكنها لم تتلقَّ ردّاً إلى حين نشر المقال.
وفي نظرةٍ تاريخية، يتبيّن أن وسائل إعلام مموَّلة من الكرملين كانت قد أوردت مجموعةً من الروايات الدعائية تتعلّق بفيروس "كورونا". وقد روّج بعضها في البدايات المبكّرة للمرض، لفكرة أن الفيروس هو سلاح بيولوجي أرسله الغرب. وردّد معظمها الخطّ الذي ينتهجه الرئيس بوتين بأن الغرب يتطلّع إلى "بثّ الذعر بين السكّان الروس"، من خلال ادّعاءات بأنّ موسكو قد تكون تعمل على تمويه أرقام المصابين لديها. وقد أثنى الجميع على طريقة التعامل "الثابتة" من جانب بوتين مع الأزمة.
ولا تُعدُّ الاتّهامات الموجّهة إلى الكرملين باستخدام وسائل إعلام بعيدة منها ووكلاء على وسائل التواصل الاجتماعي، لزعزعة استقرار الغرب، جديدة. وفي كثير من النواحي، هناك قاعدة أدلّة واضحة على ذلك، ولا سيما في ما يتعلّق بالنزاع الذي دام قرابة ستة أعوام في أوكرانيا. وكان يُتوقّع أن يشهد التوتّر المتفاقم بين روسيا والغرب صناعةً كاملة تتطوّر في هذا المجال حول فكرة التضليل الإعلامي.
لكن بالنسبة إلى جميع المتعاطين الجدد مع الموضوع، من غير الواضح مدى فاعلية حملة الكرملين المزعومة هذه. أو في الواقع، في حال فيروس "كورونا"، لا يُعرف ما إذا كانت لدى موسكو الإمكانات أو أنها ستخصّص موارد مركزية مهمّة لمثل هذه الجهود. فالكرملين في النهاية، يجد نفسه الآن محشوراً ما بين طبقاتٍ عدّة من أزمات تتعلّق بالاقتصاد والسياسة والصحة العامة.
آليكسي كوفاليف، الصحافي الاستقصائي المتخصّص في الاستراتيجية التي يعتمدها الكرملين مع وسائل الإعلام، شكّك في حديثٍ مع "اندبندنت" في المزاعم الواردة في التقرير الأوروبي المذكور. ورأى أن تحليل الاتحاد الأوروبي يسكنه الهوس بـ"حرب المعلومات"، ونتيجةً لذلك، يسيء فهم الوكالة المعطاة من موسكو لمَن يفعل ماذا: "فهناك وسيلة واحدة فقدت قبضتها على الواقع هي محطة روسيا اليوم، التي تردّد أشياء غبيّة، لأنه إلى أي مكان آخر يمكن للكرملين أن يذهب؟ ولديك شخصٌ آخر يقول: لا، إنه عكس ذلك، لكن شكراً لاستضافتي في هذا البرنامج لأن أي وسيلة أخرى لن تستضيفني. والنتيجة هي يا إلهي إن الكرملين يزرع الفتنة". وأنهى كوفاليف تعليقه بالقول: "ثق بي، إنّ لدى الكرملين أموراً أخرى تشغل باله".
© The Independent