الصومال من الدول القليلة في العالم، التي لم يجتحها وباء كورونا المستجد كوفيد -19، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في إقليم الشرق الأوسط، رصد إصابة واحدة فقط، حتى الـ18 من مارس (آذار) الحالي.
وعلى الرغم من ذلك، يستشعر الصوماليون خطر تعرّضهم لوباء بهذه الخطورة، وهم في غمرة جهودهم لإعادة بناء دولتهم، تلك الدولة التي على ضعف مؤسساتها، وعلى مستوى فسيفساء كياناتها السياسية، أصدرت قرارات مهمة منعاً لدخول الفيروس إلى البلاد، وإن شاب تلك الإجراءات ما هو معتاد من المناكفات بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وحكومة جمهورية صوماليلاند المعلنة من طرف واحد.
وأعلنت الحكومة الفيدرالية الصومالية أنه بدءاً من الـ19 من مارس الحالي، ستوقف الرحلات الجوية كافة والتنقل عبر الحدود لمدّة أسبوعين، في حين أعلنت حكومة صوماليلاند التدابير ذاتها باستثناء شركات الطيران الإماراتية والإثيوبية، إلّا أنّ قرار الحكومة الفيدرالية هو ما تم إنفاذه، وتوقفت الرحلات كافة المتجهة إلى كل مطارات البلاد الدولية.
موقف الأطباء الصوماليين من المستجدات
وقال محمود عيو علي، طبيب الأطفال في مستشفى "إكس-ديغفير/أردوغان" في مقديشو، إنّ السلطات حاولت اتخاذ إجراءات للحد من إمكانية انتشار فيروس "كورونا"، عبر إغلاق الحدود وتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات، وإغلاق أبواب المقاهي، وفرض قيود على دور العبادة. وعلى الرغم من الجهود الحكومية، فالمخاوف لا تزال كبيرة لدى الشعب من إمكانية دخول الفيروس وظهور الوباء، نظراً إلى فشل دول متقدمة في السيطرة على انتشاره بين سكّانها.
وأضاف "تستمر أعداد الإصابات ومعها أعداد الوفيات نتيجة انهيار الجهاز التنفسي الناجم عن الالتهاب الرئوي الذي يسببه هذا الفيروس. ويسعى الأطباء الصوماليون إلى نشر الوعي بضرورة رصد العدوى التنفسية الحادة، ومراقبة أية أنماط غير عادية بعناية، علماً أن تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها حاسمة للتقليل من إمكانية انتشار الوباء، ونحن الأطباء العاملون في المرافق الصحية، يكاد لا يمكننا التعرف على المرضى المصابين بكورونا في وقت مبكر، لأن أعراضه شبيهة بكثير من أنواع العدوى التنفسية المنتشرة والمعتادة، لذا يزداد تركيزنا على توعية المجتمع الصومالي بأهمية اتخاذ تدابير الوقاية الشخصية، وأهمها مراعاة نظافة اليدين واستعمال المعقمات، والكمامات الطبية المنصوح بها".
ومع ارتفاع المخاوف لدى الصوماليين، يميل الطبيب علي إلى الاطمئنان على الوضع العام في البلاد، نظراً إلى التجاوب الحكومي السريع، إذ يقول إنّه "في الـ16 من الشهر الحالي، أعلنت وزارة الصحة الصومالية رصدها لمصاب واحد بفيروس كورونا، آتٍ من الخارج بعد إثبات إصابته عقب التحليل المخبري، ووُضع هو وثلاثة مواطنين آتين من الصين، والمشتبه في إصابتهم بالفيروس، في الحجر الصحي ضمن حرم مطار أدن عدي الدولي. ومن هناك، انطلقت الحكومة في الإجراءات الوقائية، التي وردت في خطاب رئيس وزراء البلاد، الذي أعلن سلسلة من القرارات والإجراءات، كاشفاً عن إفراد منشأة صحية خاصة باستقبال مرضى الفيروس وتخصيص مبلغ خمسة ملايين دولار للبدء بالتنفيذ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مصاعب تواجه القطاع الصحي
قلة الإمكانيات في بلد مرّ بظروف شديدة الصعوبة، أمرٌ متوقّعٌ ويثير القلق لدى كثيرين. في هذا السياق، أشارت الطبيبة زهرة محمد إسماعيل، المديرة التنفيذية لمنظمة كلكال لرعاية الأمومة، إلى تلك الصعوبات من خلال عملها ضمن منشأتَيْها الصحيَتَيْن في كل من بلدة أوربوغيس وبلدة ويطويط الريفيتين، قائلةً إنه "من الواضح تماماً افتقاد الكوادر الطبية في البلاد للمعدات والأدوات الأساسية لمواجهة فيروس كورونا المستجد، إن تحوّل إلى وباء لا قدّر الله.
فهناك نقص كبير في الكمامات والقفازات والسترات الطبية الخاصة بالتعامل مع وضع كهذا، بل حتى في حال توفرها من خلال منظمات دولية، نجد في البلاد نمطاً مترسخاً من الفساد، اعتاد ممارسوه بيع تلك المستلزمات الضرورية لحسابهم الخاص. ويمكننا رصد افتقاد المنشآت الصحية للكمامات الطبية من نوع N95، في حين نرى مواطنين عاديين يجدون السبيل لشرائها، على الرغم من أنّها مخصصة للعاملين في القطاع الطبي".
وتحدّثت إسماعيل عن جانب آخر من العجز في القطاع الطبي، موضحةً أنّ "هناك ندرة في الكادر الطبي المتخصص في إجراءات الحجر الصحي وتنفيذ الفحوص المطلوبة لرصد الحالات، كما لا نعلم بوجود عدد كاف من المنشآت الطبية المتخصصة لإجراء الفحوص الطبية لحالات الاشتباه في الإصابة، إذ من غير المنطقي إبقاء المشتبه فيهم ضمن الحيز نفسه، حيث مرضى يعانون من أمراض مزمنة أوعادية غير معدية، لأنّ هؤلاء هم الأكثر عرضة للوفاة، نتيجة لضعف حالتهم الصحية وعجز نظامهم المناعي عن حمايتهم من الانهيار التام، في حال الإصابة بالفيروس. وغياب تلك المنشآت المتخصصة، قد يؤدي إلى ارتفاع نسب الوفايات بشكل لا يمكن تجنّبه، وليس خافياً سوء أوضاع المنشآت الصحية في المدن، لكنّ الأوضاع في المناطق الريفية أكثر صعوبة، فالأرياف لا تتوفر سوى على مراكز صحية لرعاية الأمومة والطفولة في أحسن الأحوال، لذا لا يمكنني أن أعبّر كفاية عن شعوري بالقلق من كمّ التقصير الذي نراه في الاستعداد".
ماذا يمكن فعله؟
في السياق، قالت فوزية محمد حسن، مديرة مؤسسة ألفا غلف للخدمات الصحية والمقيمة في دولة الإمارات "إنه من الضروري بداية العمل على تجنيب المجتمع الصومالي كل ما من شأنه إثارة الذعر بين أفراده، كما أنه من الضروري تنفيذ برامج توعوية تراعي ظروف المجتمع، من حيث ارتفاع مستوى الأمية لدى كبار السن، وتوجيه التركيز على الوقاية والتغذية السليمة، التي تسهم في رفع المناعة لدى السكّان، إضافةً إلى التأكيد على ضرورة الدقة في نقل المعلومة إلى فئات المجتمع كافة، حتى لا يتعرّض الصوماليون لما تعانيه شعوب أخرى اليوم، من حيث السعي المحموم لتخزين المواد الغذائية والإمدادات الصحية. فليس من المنطقي فعل ما من شأنه استنفاد كل المخزونات الضئيلة أساساً في البلاد من السلع الضرورية، فذلك قد يؤدي إلى خسائر بشرية نحن في غنى عنها، كما أنّ ذلك سيزيد معاناة المواطنين ذوي القدرات المالية الضئيلة، وأولئك البسطاء هم غالبية شعبنا. ولستُ أستبعد عجز كلٍّ من الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، وكذلك المنظمات والهيئات الدولية، عن الوصول إليهم بالمساعدة الضرورية في الوقت المناسب، في حال وقع المحظور!".
وأضافت "لذا ومع الحرص على التوعية، تزداد أهميّة ممارسة الشعب الصومالي ما هو معروف عنه، من التكافل والتعاضد ومدّ يد العون لمن في المحيط. كما سيكون على المغتربين من أبناء البلاد الاستعداد للعب دور كبير في توفير الإمدادات الطبية وشحنها وإن بشكل فردي، للمساهمة في تغطية العجز المتوقع في أدوات التعقيم والكمامات والأجهزة الطبية، مع الحرص على توجيه تلك التبرعات لجهات ذات مصداقية وقدرة على تأدية الواجب بدقّة، وبعيداً من الفساد المالي والإداري.