سيبلغ الطلب على وحدات العناية المركّزة بسبب فيروس كورونا ذروته بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، غير أنّ المستوى الذي سيصل إليه لن يغرق هيئة "خدمات الصحة الوطنية" بحسب تعليقات أدلى بها عالِم بارز أمام أعضاء مجلس العموم.
أوضح البروفسور نيل فرغيسون من جامعة "إمبريـال كوليدج" في لندن، صاحب التقرير الصادم الذي حذّر من وقوع 250 ألف وفاة إذا لم يتحرّك السياسيون ودفع بوريس جونسون إلى إعطاء الأمر بإغلاق البلاد، أنّ الإجراءات الحالية كفيلة بالحدّ من أعداد الوفيّات في المملكة المتحدة لتصل إلى 20 ألفاً في أقصى تقدير، بل ربّما أقلّ بكثير من ذلك.
وعلى نحوٍ مُشابه، لفت فرغيسون إلى أنّ السياسيين سيُضطَّرون إلى اتخاذ قرارات حاسمة بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع بشأن رفع إجراءات الحدّ من الحركة والتواصل المجتمعي، مع ما قد يرافقها من عودة إصابات "كوفيد-19" إلى الارتفاع، أو إبقاء إجراءات الإغلاق سارية لمدة قد تصل إلى سنة كاملة.
وأضاف أنه فيما يُرجَّح ظهور موجة ثانية من الإصابات بعد رفع إجراءات الإغلاق، إلاّ أنّه من المرجح أيضاً أن تتمكن المملكة المتحدة من الحفاظ على أعدادٍ متدنّية من الحالات "حتّى أجلٍ غير مُسمى" إلى أن تُحلّ المشكلة من خلال تطوير لقاح، وذلك بفضل تكثيف أعداد فحوصات التشخيص وتتبُّع من يخالط المصابين.
واستطراداً، يشار إلى أن البروفسور فرغيسون، مدير "مركز إم آر سي لتحليل الأمراض المعدية العالمية" وعضو "مجموعة المستشارين العلميين بشأن حالات الطوارئ" التابعة لرئيس الوزراء، قد أُصيب بفيروس كورونا وأخبر "لجنة العلوم والتكنولوجيا" في مجلس العموم أنّ حالته كانت شبيهة بالإصابة بالإنفلونزا و"بدت مزعجة للغاية طوال يومين"، لكنّه يعزل نفسه الآن ووضعه يتحسُّن.
وفي شهادته التي قدّمها عبر الفيديو، أخبر فرغيسون اللجنة أنه "بفضل الاستراتيجية الراهنة، نعتقد أنّ وحدات العناية المركّزة في بعض أنحاء البلاد ستوشك على بلوغ الحدّ الأقصى لقدرتها الاستيعابية، لكن البلاد بشكل عام لن تتخطى قدرتها الاستيعابية. وستختبر بعض أنحاء البلاد ضغوطاً، لكننا واثقون أنها ستكون بحدٍّ معقول، وهذا جلّ ما يسعنا قوله حاضراً، إنّنا سنظلّ ضمن قدرتنا الاستيعابية على مستوى البلاد".
وإذ سُئل متى يتوقّع أن يبلغ الوباء ذروة انتشاره في المملكة المتحدة، أجاب البروفسور فيرغسون "إذا، ونحن نقول "إذا" لأننا على درجة متوسطة من الثقة، لكن لا يسعنا أن نشعر بثقة تامّة، أتت التدابير الحالية بالنتائج التي نتوقّعها، سيصل الطلب على وحدات العناية المركّزة إلى ذروته بعد أسبوعين ونصف إلى ثلاثة أسابيع قبل أن يبدأ بالتراجع... ويعود سبب ذلك التأخير إلى أنّ الأشخاص يمضون فترة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع بين لحظة الإصابة والحاجة إلى دخول وحدة العناية المركّزة".
وقلّل فيرغسون من أهميّة دراسة حديثة صادرة عن "جامعة أكسفورد" تشير إلى أن نصف الشعب البريطاني قد يكون أُصيب بالفعل بـ"كوفيد-19" من دون أن يلاحظ عوارضه الخفيفة. وعلّق على ذلك بالإشارة إلى أنها لا تبدو "متناسقة مع المعلومات التي جُمعت من رصد [موجة الوباء]".
في السياق ذاته، توقّعت "لجنة العلوم والتكنولوجيا" في مجلس العموم، ظهور تفاوت كبير في أعداد الإصابات بحسب المناطق الجغرافية، وأن تتلقّى لندن أسوأ الضربات في المملكة المتحدة. وقد أشار فيرغسون إلى أنّ ما يتراوح بين 5 و10 في المئة من سكان العاصمة البريطانية سيُصابون بشكلٍ ما خلال الأشهر الستة المقبلة على الأرجح، مضيفاً "عندما نصل إلى مستوى ضبط الحالات ويتقلّص عدد الإصابات ليبلغ مستوى متدنياً، من غير المرجّح أن يزيد ذلك الرقم بشكل كبير".
وفي سياق مشابه، أخبر البروفسور النواب أن تقرير "إمبريـال كوليدج" في 16 مارس (آذار) قدّر أن سياسة الإغلاق والتباعد الاجتماعي المُتّبعة حالياً تستطيع أن توقف عدد الوفيات في بريطانيا عند حدود 20 ألفاً، ولكن قد تكون حصيلة الوفيات النهائية "أقل بكثير من هذا الرقم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسط مخاوف من عودة تفشّي الإصابات بفيروس كورونا في مدينة "ووهان" الصينية التي بدأ منها الوباء مع رفع القيود، سُئل فيرغسون عن خطر "ذروة ثانية" في بريطانيا في وقت لاحق من هذا العام، فأجاب "نعتقد أنّه في ظلّ إجراءات الحكومة وضمن درجة معقولة من الثقة ولكن ليس بصورة مؤكّدة، أن تؤدي إلى انقلاب المنحنى البياني عن الإصابات، بمعنى تحوّل موجة كورونا من وباء في طور النمو إلى وباء في طريقه للانحسار".
وأضاف، "تعتمد عودة ظهور الوباء على القرارات السياسية التي ستُتّخذ بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع، وكذلك فعالية التدابير التي سنضعها بديلاً من النظام الحالي... ويرتبط الأمر بطريقة انتقالنا من الإغلاق التام الذي لا يمكن الإبقاء عليه بقية السنة بالطبع، إلى نظام آخر يعتمد بشكلٍ أفضل وأكثر كثافة على الفحوصات وتتبّع المخالطين".
وخلص فرغيسون إلى استنتاج مفاده بأنّ "الإصابات ستعود إلى الظهور، لكنّنا نأمل في أن نُبقي مستوياتها متدنّية في البلاد بشكل عام إلى أجلٍ غير مُسمّى، عبر إرساء سياسات تركّز على كبح موجات تفشّي المرض محلياً... وعلينا أن ننتظر كي نرى كيف نحقّق ذلك ومدى عمليّة الإجراءات".
في تطوّر متصل، نقل الدكتور ريتشارد هورتون، رئيس تحرير مجلة "لانست" الطبّية، إلى "لجنة العلوم والتكنولوجيا" في مجلس العموم أنّ المملكة المتحدة "فوّتت فرصة" التحضير لتفشّي الوباء حالياً خلال فبراير (شباط) وأوائل مارس.
وأضاف أنّ حدّة تفشّي فيروس كورونا في مقاطعة "هوبي" الصينية تبيّنت خلال الأسبوع الأخير من يناير (كانون الثاني)، وقد اعتبر كثيرون ممّن يعملون في "لانست" أن الأحداث في "ووهان" آنذاك كانت تمثّل "تحذيراً". وقد نشرت تلك المجلّة ثلاثة دراسات حول تفشّي "كوفيد-19" أثناء تلك الفترة، وكذلك انتقدت بُطء استجابة الحكومة للوباء.
وأضاف الدكتور هورتون "مرّت سبعة إلى ثمانية أسابيع منذ ذلك الوقت، وكان أمام المملكة المتحدة فرصة للتحضّر فعلاً في فبراير، بالاعتماد على الفحص والعزل والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ورفع قدرات وحدات العناية المُركزة على استيعاب المرضى وما إلى ذلك".
وخلص إلى أنّ بريطانيا "فوّتت هذه الفرصة. كان بإمكاننا استخدام فبراير للعمل بناءً على معطيات يناير... وعندما اطّلعت على الدلائل التي نشرتها مجموعة المستشارين العلميين بشأن حالات الطوارئ على موقعها... صُعِقْتُ بمدى الاختلاف بين التحذير المُلحّ الذي كان يصدر عن الخطوط الأمامية في الصين في يناير، والمحاكاة الباهتة بصراحة لحدّة الوباء المحتملة في ذلك التحليل. وبالنسبة لي، هذا يشير إلى أنّنا لم ندرك كلياً ما الذي كان يجري على الجبهة الأمامية".
وفي تطوّر متّصل، أعلن رئيس اللجنة غريغ كلارك أنّ اللجنة التي تضم أعضاء من الأحزاب كلها، ستقود تحقيقاً حول الدروس التي يجب تعلّمها من تفشّي وباء فيروس كورونا بعد انتهاء الأزمة.
© The Independent