نشرت هارفارد بزنس ريفيو تقريرا حول رد فعل الشركات الصينية على انتشار فيروس كورونا وكيفية الاستفادة من الدروس المستخلصة من تلك الممارسات للشركات والأعمال في العالم. ويشير التقرير في بدايته إلى حقيقة أن الصين لديها نظام سياسي وإداري مختلف عن بقية العالم، وأن مدى ونطاق انتشار وباء فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) يختلف من بلد إلى آخر. مع ذلك، واستنادا إلى أرقام ومعلومات جمعها معدو التقرير الخمسة من بداية انتشار الفيروس حتى قبل أسبوعين، استخلصوا مجموعة من الدروس التي يمكن أن تفيد الشركات والأعمال بشكل عام.
بعد النظر وتغيير السياسات
تفرض الأزمات مثل أزمة وباء كورونا تصرفات استثنائية، وهناك نمط تقليدي للأعمال في حال الأزمات يبدأ بالاستكشاف والتخمين ثم التخطيط للتعامل مع الأزمة ثم استراتيجية للعمل مع التعافي من الأزمة، ولما بعد التعافي وأخيرا استخلاص الدروس للمستقبل. وفي تلك الحالات يكون التصرف على مستوى الإدارة العليا والرئيس التنفيذي كي لا يضيع الوقت في اتخاذ القرار.
من الأمثلة على بعد النظر وتغيير الخطط بسرعة شركة ماستر مونغ للنودلز سريع التحضير والمشروبات التي بدأت في متابعة تطورات الوباء منذ بدايته بشكل يومي وتعديل خططها على هذا الأساس. ولأنها توقعت إقبال المستهلكين على التسوق بكثافة وتخزين المؤن عدّلت بسرعة طريقة مبيعاتها التي تعتمد على البيع في المحلات والتوريد لسلاسل المتاجر الكبرى إلى التجارة الالكترونية والبيع عبر الانترنت والتوريد للمحلات الصغيرة. تابعت الشركة باستمرار خطط إعادة فنح المحلات وبسرعة غيرت في سلاسل التوريد الخاصة بها. وهكذا بعد أسابيع قليلة من بدء انتشار الفيروس كانت تورد لنصف محلاتها وبلغت معدلات التوريد 60 في المئة من المحلات التي عادت للعمل، وهي نسبة تعادل ثلاثة أضعاف منافسيها.
تعديل طرق الإدارة بما يسمح للجميع بالابداع
تتطلب سرعة التصرف في أوقات الأزمات أن يكون رد الفعل عبر تسلسل القيادة في الشركة من الأعلى للأسفل، أي من رئاسة الشركة للعاملين. لكن التكيف مع التغيرات المفاجئة كما في تطورات وباء كورونا يتطلب تطوير تسلسل عكسي من القاعدة للقمة كي يسمح للجميعب المساهو في ابتكار الحلول.
ومن الأمثلة على ذلك شركة هوازيو التي تدير 6 آلاف فندق في 400 مدينة في الصين. مع بداية انتشار الفيروس شكلت فريق عمل يلتقي يوميا لمتابعة التطورات لتقرر رئاسة الشركة التوجيهات للقاعدة. في المقابل طورت الشركة منصة معلومات داخلية عبارة عن تطبيقة اسمه "هواتونغ" يضمن توفر المعلومات للعاملين والشركاء بما يسمح لهم بتكييف التوجيهات المركزية لتناسب الواقع في منطقتهم وبما يتماشى مع معدلات تفشي الفيروس والاجراءات الصحية والادارية المحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حماية العاملين ووضوح التعليمات
في الكوارث والأزمات ومع تغير الأوضاع بسرعة وتدفق المعلومات المختلفة يحتاج العاملون لتوجيهات واضحة قد تتوفر أو تأتي متناقضة أو أبطأ من معدل سرعة العمل. وتزيد المعلومات والنصائح في الإعلام من حال الاضطراب. وفي تلك الأوقات يحتاج الموظفون للعمل بطريقة مختلفة لكن ذلك لن يكون ممكنا ما لم تتوفر لهم معلومات وتوجيهات واضحة وبشكل مستمر.
مثال على ذلك شركة انتاج أدوات وأجهزة المطبخ الكبرى سبور التي وضعت للعاملين فيها توجيهات محددة تحد من الاختلاط في مطاعم الشركة وخطط للطوارئ، وقامت بعمل فحوص للعاملين وأسرهم مع بداية ظهور الوباء ووفرت معدات وقاية كافية. وهكذا كانت الشركة جاهزة لاستئناف العمل بسرعة مع بدء التعافي من الوباء في الصين وفي الأسبوع الثاني من شباط (فبراير) عادت خطوط الإنتاج للعمل.
الاحتفاظ بالعاملين أو تحويلهم لمهام أخرى
قد لا تستطيع الأعمال المتضررة بشدة مثل المطاعم والفنادق في أزمة مثل أزمة كورونا الاحتفاظ بكل العاملين فيها ليقوموا بوظائفهم المعتادة، فإما تعيد تكليفهم بمهام أخرى أو تعيرهم لأعمال أخرى.
قام 40 مطعما وفندقا ودار سينما بخفض العمالة لمواجهة تراجع الطلب، لكنهم أعاروا العمالة الفائضة لشركة تسوق الكتروني جديدة هي "هيما" تملكها مجموعة علي بابا التي احتاجت لتوظيف المزيد من عمال التوصيل مع زيادة التسوق عبر الانترنت. كما استعارت شركات تسوق الكتروني أخرى موظفي أعمال تضررت بشدة.
التكيف مع طرق البيع
أدى انتشار كورونا إلى صعوبة ومحدودية البيع في المحال وبالشكل الشخصي المباشر في المناطق المصابة. تكيفت الشركات مع ذلك بالتحول إلى البيع عبر الانترنت ودخلت مجال التسوق الالكتروني. فشركة مثل لين كنغجوان لمستحضرات التجميل اضطرت لإغلاق 40 في المئة من المحال بما فيها كل منافذها في مدينة ووهان. فاستعانت الشركة بأكثر من 100 من بائعيها في تلك المحال للعمل كمروجين عبر الانترنت مستخدمين مواقع مثل وي تشات للتفاعل مع الزبائن وتنشيط البيع الالكتروني. ونتيجة ذلك التكيف السريع حققت مبيعات الشركة في ووهان زيادة بنسبة 200 في المئة عن مبيعات الفترة نفسها عام 2019.
استخدام مواقع التواصل لتنسيق العمل
مع الأزمة والعمل عن بعد لجأت الشركات لمواقع التواصل عبر الانترنت للتنسيق بين العاملين والشركاء، خاصة على وي تشات. حتى أن اكبر شركة للملابس الداخلية، كوزمو ليدي، طورت برنامجا لزيادة المبيعات عبر وي تشات وجعلت العاملين يقومون بالترويج بين معارفهم على الموقع وحددت مستهدفات مبيعات للجميع بما فيهم رئيس الشركة والرئيس التنفيذي لحفز العالمين على البيع الالكتروني.
الاستعداد للتعافي بأسرع من المتوقع
بدأ التعافي الأولي من الوباء بعد 6 أسابيع من بدء انتشار الفيروس، ومن الأدلة على ذلك عودة الزحام بنسبة 73 في المئة من مستواه العام الماضي بعدما كان انخفض إلى نسبة 62 من معدلات زحام 2019 ويعني ذلك عودة حركة الناس والبضائع. ارتفع استهلاك الفحم من نسبة 43 في المئة من ساتهلاك 2019 في ذروة انتشار الفيروس إلى 75 في المئة من استهلاك العام الماضي ما يعني أن بعض المصانع عادت للانتاج. وإذا أخذنا في الاعتبار الوقت اللازم للشركات الكبرى لإعداد خطط العمل وبدء تنفيذها، فالأفضل أن تبدأ التخطيط لمرحلة التعافي في وقت مواجهتها للأزمة. هذا ما فعلته شركة سياحة وسفر كبرى كانت على وشك الانهيار، لكنها ركزت على الاستعداد للمدى البعيد. وبدلا من تخفيض العمالة، شجعت موظفيها على استغلال الوقت في تحديث أنظمة الشركة وتطوير المهارات وتصميم منتجات سياحية جديدة استعدادا لمرحلة التعافي.
توقع تعافي القطاعات المختلفة بسرعات متباينة
يتطلب تباين سرعة التعافي في القطاعات المختلفة التعامل بشكل مختلف مع ما يخص كل قطاع. في الأسبوعين الأولين للوباء انخفض كل الأسهم في الأسواق الصينية. لكن قطاعات مثل المستلزمات الطبية والخدمات والبرمجيات استعادت عافيتها خلال أيام حتى أنها ارتفعت عن مستوياتها قبل الأزمة. وارتفعت أغلب القطاعات الأهرى ببطء لتعود إلى مستوياتها السابقة خلال أسابيع. أما القطاعات المتضررة بشدة كالنقل والتجزئة والطاقة فتتعافى ببطء ولا تزال أسهم شركاتها دون مستوياتها قبل أزمة كورونا. لذا كان على الشركات تعديل تعاملها مع كل قطاعحسب درجة وسرعة تعافيه. ولجأت شركة مشروبات وأغذية عالمية كبرى تمثل الصين ثاني أكبر أسواقها إلى تعديل خطط منتجاتها للصين بالتركيز على المنتجات ذات العلاقة بالقطاع الصحي والمنتجات المستوردة واعتمدت قنوات البيع الالكتروني.
البحث عن الفرصة في الأزمة
رغم أن الأزمة أضرت بكل القطاعات إلا أن هناك طلب ظهر في مجالات محددة مثل التجارة الالكترونية وخدمات الاجتماعات عن بعد ومنتجات التعقيم والتأمين الصحي وغيرها. لذا عرضت كواشو، وهي منصة فيديو تبلغ قيمتها السوقية 28 مليار دولار، خدمة تعليم الكتروني للتعويض عن إغلاق المدارس والجامعات. وتعاونت هي ومواقع فيديو أخرى مع وزارة التعليم على تطوير فصول سحابية تعليمية للطلاب. كما قامت سلسلة مطاعم كبرى بتطوير وجبات نصف مطهية لىستفادة من زيادة الطبخ المنزلي في ظل العزل بسبب الوباء.
التكيف مع جغرافيا التعافي
يعني انتشار المرض والسياسات الصحية المرتبطة بذلك تعافيا مختلفا في المدى والسرعة حسب المنطقة وأحيانا بما يتناسب وجغرافيا نشاط الشركة الأصلي، وهذا يتطلب مرونة للتعامل مع طور التعافي والعودة للعمل. وعملت شركة منتجات ألبان كبرى (يبلغ حجم أعمالها 10 مليار دولار) بتطوير خطط انتاج وتوزيع متباينة حسب التعافي في المناطق والمدن المختلفة، وحسب سلسلة التوريد الخاصة بها وكثافة فرق المبيعات. فمثى حولت التوريد من من المناطق المتضررة إلى مصانع في مناطق أخرى وعدّلت الميزانيات وخطط التسويق باستمرار لتواكب سرعة التعافي واحتياجات المستهلكين في المناطق المختلفة.
الابتكار لتلبية احتياجات جديدة
بالاضافة إلى المرونة في تكييف منتجات الشركات، توفر الاحتياجات الصاعدة للمستهليكن فرصا للابتكار. وحين تهدد الأزمات كثيرا من الشركات تلجأ لاجراءات دفاعية، لكن جرأة بعض الشركات الصينية جعلتها تبتكر منتجات للاستفادة من الفرص الجديدة الصاعدة. فمثلا قطاع التأمين محافظ بطبعه، لكن مع أزمة الفيروس أضافت شركة آنت فاينانشيال لمنتجاتها تغطية تأمينية مجانية ضد فيروس كورونا. وبالاضافة إلى تلبية حاجة زبائن الشركة، زاد ذلك من ترويجها والحفاظ على ولاء عملائها لتحقق زيادة في عائدات التأمين الصحي في فبراير بنسبة 30 في المئة.
مراقبة عادات الاستهلاك الجديدة
تبقى بعض التغييرات في أنماط الانتاج والاستهلاك بعد الأزمات، وستشهد كثير من القطاعات في الصين وغيرها حقائق جديدة. ويحسب لأزمة فيروس سارس أنه كان وراء سرعة تبني التجارة الالكترونية في الصين. وإذا كان من الصعب توقع ما سيبقى وما سيختفي، فإن هناك مؤشرات على أن توجهات من قبيل التعليم عبر الانترنت والتحولات في الخدمات الصحية والعمل عن بعد تبدو باقية.
وتخطط بعض الشركات الصينية بالفعل للاستفادة من هذه التغيرات، وبدأت شركة كبرى للحلويات توسع وجودها الرقمي حتى أنها ألغت الدعاية التقليدية في عيد الحب لتحول ميزانيتها للتسويق الرقمي وبرامج مبيعات على وي تشات والشراكة مع مواقع تسوق الكتروني للاستفادة من تغير سلوك المستهلكين خلال الأزمة.