تعتمد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، استراتيجية الضغوط القصوى ضد إيران، التي تمثلت في عقوبات اقتصادية ثقيلة تطال النظام المصرفي والقطاع النفطي، مما قيد قدرة الدولة على تمويل وشراء مواد أساسية من الخارج، بما في ذلك الأدوية والمواد الخام الخاصة بالصناعة والمعدات الطبية. الأمر الذي يزيد من أعباء إيران في ظل الأزمة الصحية الحالية مع تفشي فيروس كورونا.
وبلغت حالات الإصابة بالفيروس في إيران 38 ألفاً و309 حالات، توفي منها 2640 شخصاً، إذ إنها البلد الأكثر تضرراً بين دول الشرق الأوسط جراء تفشي الفيروس القاتل، الذي صدر عن مدينة ووهان في الصين ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن حصيلة الفيروس الجديد في إيران ربما تكون أعلى بخمس مرات من الأرقام الرسمية. ودفعت الأزمة الصحية التي تواجهها البلاد بعض الأصوات للدعوة إلى تخفيف أو رفع العقوبات الأميركية المفروضة ضدها، لدواعٍ إنسانية.
وفي حين أن خامنئي طالما أشاد بالعقوبات الأميركية لإرغام إيران على أن تصبح "معتمدة على نفسها" ورفض أخيراً فكرة المساعدة الأميركية، لكن طالب مقدمو الرعاية الصحية الإيرانيون بالإمدادات الأساسية، بما في ذلك العباءات والقفازات والأقنعة والكحول، للمساعدة في علاج المصابين. وأجبر مزيج من العقوبات القاسية وانخفاض أسعار النفط، وانتشار فيروس كورونا إيران على مطالبة صندوق النقد الدولي بقرض طارئ قيمته 5 مليارات دولار وهو أول طلب من نوعه منذ عام 1962.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأسبوع الماضي، إلى التضامن في مكافحة الوباء والتراجع عن أنظمة العقوبات الدولية في جميع أنحاء العالم، قائلا "إنها تزيد من المخاطر الصحية لملايين الناس وتضعف الجهود العالمية لاحتواء انتشار الفيروس. ودعت ميشيل باتشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في بيان الثلاثاء الماضي، إلى تخفيف العقوبات الدولية، قائلة، "إن إعاقة الجهود الطبية في دولة واحدة تزيد من خطر الإصابة علينا جميعاً".
وأشار البيان إلى أن أكثر من 1800 إيراني، بينهم 50 طبيباً، لقوا حتفهم منذ ظهور الحالات الأولى هناك قبل خمسة أسابيع، وأن تقارير حقوق الإنسان أشارت إلى أن العقوبات أعاقت الوصول إلى "الأدوية والمعدات الطبية الأساسية، بما في ذلك أجهزة التنفس ومعدات الحماية للعاملين في مجال الرعاية الصحية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأتي الدعوات الأممية متزامنة مع ضغوط داخل الولايات المتحدة في الاتجاه ذاته، حيث وقع تسعة أعضاء من الحزب الديمقراطي في الكونغرس، بما في ذلك عضوا مجلس الشيوخ المرشح المحتمل للرئاسة بيرني ساندرز وزميلته اليزابيث وارين، وأعضاء مجلس النواب الكسندرا اوسكاريو كورتيز وإلهان عمر وايانا برسلي، المعروفون بالجناح التقدمي، خطاباً يدعو الحكومة الأميركية إلى تخفيف أو رفع العقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا وغيرها من الدول نظراً للأزمة الصحية العالمية.
وجاء في الخطاب، "أضرت العقوبات الأميركية الشاملة بقطاع الصحة العامة الإيراني من خلال الحد من قدرتها على استيراد الأجهزة الطبية والأدوية المصنعة في الغرب"، مضيفة أن "العقوبات الأميركية تجعل من الصعب على الإيرانيين العاديين الحصول على الضروريات الأساسية مثل الغذاء والإمدادات الصحية التي يحتاجون إليها من أجل البقاء". وتابع، "نحثكم على تعليق العقوبات على إيران بشكل كبير في لفتة إنسانية للشعب الإيراني لتمكينهم بشكل أفضل من محاربة الفيروس".
وبعث السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، رسالة إلي وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيفن منوشين يقول إن "مساعدة هذه الدول على إنقاذ الأرواح خلال هذه الأزمة هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به من منظور أخلاقي، وهو أيضاً الشيء الصحيح الذي يجب القيام به من منظور الأمن القومي".
وأضاف "بالسماح لعقوباتنا بالمساهمة في الألم والمعاناة الاستثنائيين نتيجة تفشي فيروس كورونا في كلا البلدين، فإننا نلعب في معاداة أميركا، التي هي في صميم سيطرة النظامين على السلطة". ووقع على الرسالة عدد من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، بما في ذلك كريس فان هولن وتيم كين وباتريك ليهي.
لكن إدارة ترمب تصر على أنها لن ترفع العقوبات، التي تهدف إلى الضغط على إيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد بدون شروط، حتى توقف الأخيرة أنشطة دعم الجماعات الإرهابية ووكلائها في الشرق الأوسط وتوقف برنامجها للصواريخ الباليستية.
ووسط هذه الضغوط، يؤيد بعض المتخصصين الأميركيين موقف إدارة ترمب. وحذر مايكل روبين، الباحث لدى معهد أميركان إنتربرايز، بقوله، إن من ينادون برفع العقوبات يجهلون تاريخ إيران الحديث والجهود الدبلوماسية. ولفت إلى جهود أوروبية خلال حقبة التسعينيات بفتح التجارة مع إيران في مقابل احترامها حقوق الانسان ونبذ الإرهاب، غير أنه في هذه الأثناء وقعت عمليات إرهابية، فعلى سبيل المثال قتل أربعة منشقين أكراد في برلين عام 1992، وأثبت القضاء تورط المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس علي أكبر رفسنجاني ووزير مخابراته وويز الخارجية في توجيه الأوامر بالعملية.
ويشير روبين إلى المبادرات الدبلوماسية، حيث عرضت وزارة الخارجية الأميركية على إيران تقديم مساعدة طبية مباشرة، وهو عرض رفضه خامنئي. ويقول إن منح الأموال لإيران يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية لأن النظام الذي وضعه خامنئي والحرس الثوري لا يسمحان لمثل هذه المساعدة بإفادة الإيرانيين العاديين. على أقل تقدير، إذا كانت الولايات المتحدة ستساعد إيران، فمن المهم أن تكون هناك آلية لتجاوز خامنئي ونظامه والحرس الثوري لأنه يمكن للنظام أن يحول المساعدات لزيادة قدرته على شن الحرب وتقويض الأنظمة الإقليمية.
ويقول كريم سادجادبور، الزميل لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن طهران ربما خسرت فرصها في الحصول على تأييد الولايات المتحدة وأوروبا لحصولها على قرض من صندوق النقد الدولي، عندما قتلت الهجمات الصاروخية التي شنها مسلحون مدعومون من إيران، جنديين أميركيين وجندياً بريطانياً بالعراق، في وقت سابق من الشهر الماضي.
يضيف سادجادبور، ففي حين أن تفشي فيروس كورونا كان يمكن أن يوفر لطهران وواشنطن فرصة للتعاون ضد عدو مشترك، فإنه أثبت أن العداوة وعدم الثقة بينهما واسعان للغاية، بشكل يتجاوز قدرة فيروس قاتل على رأبها. وتابع، كحد أدنى، يجب على إدارة ترمب أن تعلن أن الشركات والدول الأجنبية لن تواجه عقوبات على تقديم المساعدة اللازمة لإيران، بما في ذلك المعدات واللوازم الطبية، لاحتواء الفيروس، لكن كما أثبتت الولايات المتحدة، فإن جميع الموارد في العالم لا يمكن أن تحل محل القيادة الصادقة والفعالة التي تفتقر إليها طهران بشدة.