يواصل فيروس كورونا المستجدّ فرض خياراته المفاجئة التي غيّرت عدداً كبيراً من مجريات حياة العالم اليومية على نحوٍ لم يكن يتوقعه حتى العرسان المقبلين على دخول أقفصاهم الذهبية.
فبعد إقرار إجراءات منع التجمعات الجماهيرية التي فرضتها مختلف بلدان العالم للحدذ من انتشار الفيروس، اضطُّر كثيرون من المقبلين على الزواج لتأجيل موعد إتمام هذا المشروع، إلاّ أنّ آخرين منهم، قرّروا المضي في إقامة حفلات زفافهم في موعدها، ولكن بطرق حضارية مسؤولة تقي المحبين والمهنّئين شرّ العدوى التي أصابت العالم بهلع شديد.
عرس أونلاين
وعلى الرغم من عدم تسجيل اليمن أي حالة مثبتة بالوباء حتى اليوم، إلّا أنّ كثيرين من العرسان تخلّوا عن إقامة مراسم حفل زفافهم الذي جاء متزامناً مع موجة انتشار الفيروس الذي اجتاح العالم بلا هوادة وتسبّب في وفاة أكثر من 84 ألف شخص حول العالم، لكنّ عدداً منهم اكتفى بإقامة مراسم مختصرة من دون مدعوّين وتجمّعات المهنّئين على الرغم من كون الفكرة جديدة ومفاجئة للمجتمع اليمني الذي عُرف بعاداته الاجتماعية المتأصلة بإقامة الحفلات والولائم والفعاليات المختلفة التي تتم وسط تجمعات لصيقة بين أفراد المهنئين، بينما البعض شارك مهنّئيه فرحته ولكن عن بُعد من خلال الاكتفاء ببث مباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتشارك فيه العريس الفرحة مع مهنّئيه عن بُعد.
"عشان نفرح... مش عشان نقرح"
بهذه العبارة، جاءت دعوة زفاف الشاب اليمني محمد المشرة التي وجَّهها إلى ذويه ومحبيه وأصدقائه ليشاركوه فرحته في دخوله بستان الزوجية. أما بداية الحكاية، فإنّ المشرة اكتفى بإقامة حفل زفافه عبر تقنية البث المباشر في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، طالباً من أصدقائه وزملائه وأقاربه أن يشاركوه فرحة العمر ولكن بالاكتفاء بتهنئته عبر رسائل تطبيق "الواتساب" منعاً لحدوث المحظور من توافد واحتشاد يؤديان بالتأكيد إلى انتشار الوباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول المشرة في رسالته إلى الجميع والمنشورة في حسابه على "الفيسبوك"، "التضحية بيوم العمر أمر صعب، لكن أن أبني فرحتي على حساب أحزان الآخرين غير صحيح وغير إنساني، وسأتحول من عريس إلى قاتل مُحتَمل"، مشيراً إلى أنّ ما دفعه إلى إطلاق هذه الفكرة، التي قوبلت بإعجاب متابعيه، هو تحمُّل المسؤولية ومحاولة خلق نموذج واعٍ على أرض الواقع، وداعياً الآخرين إلى التحلِّي بروح المسؤولية تجاه معاناة المجتمع في ظرف خطير كهذا.
وترافقاً مع الوسْمَين اللّذين أطلقهما عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، "الزفة الفيسبوكية" و"عرس في زمن كورونا"، اختتم المشرة دعوته بلغة وصفها كثيرون من المعلّقين عليها بالحكيمة والرصينة "اللّي يحبني تكفيني تهنئتك، رسالتك، اتصالك، حوالتك المالية. تحبني الزم بيتك أنا فدالك. (افتديك) معنا ألف مناسبة بنلتقي فيها لما نكون كلنا بخير. عرسي عشان نفرح، مش عشان نقرح. وفرحتي يوم أشوف أحبابنا بخير".
ترحيب واسع
مبادرة المشرة قوبلت بإعجاب وارتياح مجتمعي واسع النطاق، وقد تلقَّى صاحبها سيلاً من التهاني على إثر بثه المباشر لوقائع حفل عرسه العائلي المحدود الذي أقامه في منزله بصنعاء وشارك مهنئوه في إعادة بثه تقديراً له. وفي لقاء متلفز للعريسين مع قناة الـ " BBC"، قال العريس إنّه لا بد من أن يكون لدى الجميع وعيٌ بخطورة انتشار كورونا، وأن يعملوا على الالتزام بالإجراءات الاحترازية وأهمها عدم التجمع والبقاء في المنزل.
وعبّرت العروس رنا، عن سعادتها الكاملة لأنّها "لا تحتمل شعور أنها تسبّبت في أذى أي من المدعوين إذا أقاما حفلاً للزفاف وحضره الجميع".
السلام نظر!
خطوات مماثلة شهدها عدد من الأعراس في مختلف مناطق البلاد، وأقام الشاب هيثم القعود، عرسه بشكل مبسّط في شكل زفة مسائية في الهواء الطلق، جمعت الأهل والأقرباء في مراسم مختصرة لم يسبقها مقيل قات وسط تجمع مكتظ بالحضور كما جرت العادة خلال المناسبات الاجتماعية المماثلة في اليمن. وفي منصة العريس، كُتبت خلفه عبارة "السلام تحية... السلام نظر"، وتعني السلام من دون مصافحة، وتولّى البعض توزيع الكمامات على الحضور بلسان حال الواقع الذي يقول "عرس وزفة وفرح... ولكن لا تنسوا... كورونا".