بلغت الإصابات بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" عالمياً أكثر من مليون حالة، وتعدت الوفيات الـ50 ألفاً، وتحظى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا، بالنصيب الأكبر من الإصابات والوفيات، إضافةً إلى الصين التي تحتل المرتبة الثالثة عالمياً، بينما في المقابل، لم تتجاوز الإصابات في الدول العربية والأفريقية بضعة آلاف.
وأشادت منظمة الصحة العالمية بالإجراءات الوقائية والتوعية التي تقوم بها حكومات عِدّة في المنطقة، من بينها مصر وتونس والسعودية والإمارات، حيث لا تزال معدلات الإصابة فيها منخفضة للغاية بالمقارنة مع غيرها من الدول الغربية، وهو ما أثار حيرة كثيرين من الأطباء وخبراء الصحة بشأن عدم تفشي الفيروس في بلدان المنطقة وعددٍ كبيرٍ من الدول الأفريقية بالوتيرة ذاتها التي انتشر بها في الغرب.
اختبارات دولية
وفي محاولة لتفسير ذلك، يعتقد بعض العلماء أن الأمر ربما يتعلق بأنواع من اللقاحات التي تلقاها المواطنون في دول المنطقة وأفريقيا دون غيرهم، بحكم انتشار بعض الأمراض قبل عقود في هذه المناطق.
وأفادت مجلة "ساينس" التابعة للجمعية الأميركية للعلوم المتقدمة، الأسبوع الماضي، أن باحثين في أربعة بلدان سيبدأون في تطبيق تجارب سريرية يختبرون من خلالها ما إذا كان اللقاح المستخدم ضد السل (TB) الذي يبلغ عمره قرناً من الزمن، وهو مرض بكتيري، يمكن أن يعزّز جهاز المناعة البشري بطريقة واسعة، ما يسمح له بمحاربة فيروس كورونا وربما منع العدوى تماماً.
ويتم إجراء الدراسات على الأطباء والممرضات، الذين هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي من غيرهم، وكذلك كبار السن، الذين هم أكثر عرضة لتدهور وضعهم الصحي إذا ما أُصيبوا. وإضافةً إلى فرق الأبحاث في المملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا، بدأ فريق في هولندا أولى التجارب الأسبوع الماضي، بالتطبيق على ألف من العاملين في مجال الرعاية الصحية في ثمانية مستشفيات هولندية سيتلقون إما اللقاح الخاص بمرض السل أو دواء بديل.
واللقاح الذي سُمي على اسمي عالمي الأحياء الدقيقة الفرنسيين ألبرت كالميت وكاميل غيرين، اللّذين طوّراه في أوائل القرن العشرين، يتم حقن الأطفال به في السنة الأولى من حياتهم في معظم بلدان العالم، وهو آمن ورخيص، لكنه يمنع نحو 60 في المئة من حالات السل لدى الأطفال في المتوسط، مع وجود اختلافات كبيرة بين البلدان.
وسابقاً، اكتشف الباحثان الدنماركيان بيتر آبي وكريستين ستابل بين، أن اللقاح الخاص بالدرن (السل) يحمي من نحو 30 في المئة من العدوى المرتبطة بأمراض أخرى، ولكن منظمة الصحة العالمية قيّمت الدراسة وصنفت ثقتها في النتائج على أنها "منخفضة جداً". ومنذ ذلك الحين، بنى عددٌ كبيرٌ من الباحثين الآخرين على الدراسة الدنماركية لتوسيع نطاق فهم كيفية تعزيز اللقاح لجهاز المناعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"الصحة العالمية" تعترض
ومع ذلك، نفت منظمة الصحة العالمية على موقعها الإلكتروني، هذا الأسبوع، أن اللقاحات المضادة للالتهاب الرئوي، مثل لقاح المكورات الرئوية ولقاح المستدمية النزلية من النمط "ب"، توفر الوقاية من فيروس كورونا المستجد. وأضافت أن هذا الفيروس جديد تماماً ومختلف، ويحتاج إلى لقاح خاص به، ومن ثم يعمل الباحثون على تطوير لقاح مضاد للفيروس.
لكن على الرغم من أن هذه اللقاحات غير فعَّالة ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، قالت منظمة الصحة العالمية إنه يُوصى بشدة بالحصول على التطعيم ضد الأمراض التنفسية لحماية الصحة.
إمكانات لقاح السل
وقبل اندلاع موجة فيروس كورونا المستجد، الذي يُعتقد أنه نشأ في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019، كان الباحثون يحرزون تقدماً ثابتاً في استكشاف إمكانات لقاح السل.
وأظهرت دراستان على البالغين، واحدة منهما طُبقت على المرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و75 سنة، أن اللقاح يقلّل من التهابات الجهاز التنفسي بنحو 80 في المئة، فيما وجدت دراسات أخرى أن الأطفال الذين جرى تطعيمهم تقلّ لديهم مخاطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي بنسبة 10 إلى 40 في المئة.
وفي وقت سابق من مطلع الأسبوع الماضي، أعلن باحثون أستراليون إجراء اختبارات سريعة على البشر على نطاق واسع لمعرفة ما إذا كان اللقاح المستخدم ضد السل يمكن أن يحمي العاملين الصحيين من فيروس كورونا. وفي بيان، قال باحثون في معهد مردوخ لأبحاث الأطفال في ملبورن، القائم على التجارب المقررة، إنّه "على الرغم من تطويره أصلاً ضد مرض السل ولا يزال يُعطى لأكثر من 130 مليون طفل سنوياً لهذا الغرض، فإنّ لقاح (BCG) يعزّز مناعة البشر ويدرّبها على صد الجراثيم بكثافة أكبر".
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الباحث الرئيس نايجل كيرتس قوله "نأمل في أن نشهد انخفاضاً في انتشار وشدّة أعراض فيروس كورونا لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يتلقّون تطعيم السل".
بينما أوقف عددٌ كبيرٌ من الدول الأوروبية وأميركا وكندا اللقاح المستخدم منذ عام 1921 لانحسار مرض السل لديها، غير أنه يُستخدم كجزء من برامج التطعيم الوطنية في البلدان النامية، مثل دول الشرق الأوسط وأفريقيا، التي تنتشر فيها حالات عدّة للسل.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن السل يُعدُّ سبباً من أهم 10 أسباب للوفاة في العالم. ففي عام 2018، أُصيب 10 ملايين شخص بالسل وتوفي 1.5 مليون شخص بسبب هذا المرض، من بينهم 251 ألف شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). وعلى الصعيد العالمي، يتراجع معدل الإصابة بالسل بنحو 2 في المئة سنوياً. ويُعدُّ القضاء على هذا الوباء بحلول عام 2030 من بين الغايات التي تنصّ عليها أهداف التنمية المستدامة.
وفي مصر، أعلنت وزارة الصحة والسكان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، انخفاض الإصابة بالدرن بنسبة كبيرة، إذ وصلت إلى 13 حالة لكل 100 ألف مواطن، كما انخفضت نسبة الوفيات بسبب هذا المرض إلى 0.3 لكل 100 ألف شخص، على اعتبار أنّ الوزارة تتّبع خطة للقضاء نهائياً على الدرن بحلول عام 2030.