خدم العقيد في الجيش البريطاني آشلي بوريهام في كلٍّ من العراق وأفغانستان والبوسنة وكوسوفو خلال الأعوام السبعة والعشرين التي أمضاها في المؤسّسة العسكرية. لكن لا يوجد أي شكّ لديه في أن العمل الذي يقوم به في الوقت الراهن هو الأكثر أهميةً واستحقاقاً للجهد في حياته.
وكان بوريهام قائداً للوحدات الطبّية للمملكة المتّحدة في ثلاثة نزاعاتٍ مختلفة، بما في ذلك أفغانستان. وهو الآن مسؤولٌ عن الوحدة العسكرية في مستشفى الطوارئ الذي يضم نحو 4 ألاف سرير، وهو المرفق الطبّي الأكبر في المملكة المتّحدة الذي تم بناؤه أخيراً لاستقبال المرضى المصابين بفيروس كورونا في "مركز إكسيل" في دوكلاندز في لندن.
ويقول الضابط البريطاني: "هذه هي أكبر وظيفة عرفتها على الإطلاق. أمضيتُ سبعةً وعشرين عاماً كانت رحلة إلى هذه اللحظة. نحن نبني مستشفى للناس في أمّتنا. هؤلاء هم رفاقنا. لا يهم حقّاً سواء كانوا مدنيّين أم عسكريّين، ليس هناك فرق. أنا من لندن، ومعظم الناس هنا هم من لندن، ونحن نقوم بذلك لإنقاذ حياة سكّان العاصمة.
"إنه شعور كلّ شخص يعتبر نفسه معنياً بما يحدث، ولا يمكن أن يكون هناك أي شيء آخر. إن الكثير من العاملين هنا، وعدداً من الجنود الذين يعملون في المنشأة، هم من لندن. إن المسألة تركّز على الذهنية، وهذا هو السبب في جعل الجميع يتعاونون معاً. لدينا هدف واحد مشترك هو إنقاذ الأرواح. هذا هو الهدف الذي يتشارك فيه الجيش مع هيئة الخدمات الصحّية الوطنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُعدّ مستشفى اِن ايتش اس نايتينغيل أحد أربعة مستشفيات تقام في أنحاء المملكة المتّحدة لمساعدة هيئة الخدمات الصحّية الوطنية على التعامل مع هجوم وباء كوفيد-19. وقد تقدّم أشخاص من مجالات أخرى للعمل التطوّعي هناك، بما في ذلك أكثر من مئة شخص من طواقم طائرات شركتي "فيرجين أتلانتيك" و"إيزيجت" التي تم تدريبها على إجراء إسعافات أولية، إضافةً إلى نحو سبعمئةٍ وخمسين فرداً من المؤسّسة الخيرية St John’s Ambulance التي تضمّ منظّمات تدرّب على خدمات الطوارىء والإسعافات الأولية.
ويريد العقيد بوريهام أن يؤكّد من خلال المستشفى الميداني 256 City of London Field Hospital أن دور المتطوّعين له أهمية كبيرة في دعم هيئة الخدمات الصحّية الوطنية التي يصفها بأنها "رائعة للغاية"، وكذلك أولئك الذين هم في حاجة للعناية الطبّية. وفيما تلتزم والدته البالغة من العمر ثمانيةً وثمانين عاماً المنزل، تعمل ابنته الطالبة الجامعية على إيصال طرود الطعام والرعاية، أما زوجته فهي ممرّضة.
وكان قد تمّ إنشاء مرفق "مركز إكسيل" على يد قوة الدعم العسكرية Covid Support Force في أقلّ من أسبوع. وقامت طواقم من هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" بتجهيزه بدعمٍ من القوى العسكرية.
ويمكن قياس حجم المشروع بواقع أن أكبر مستشفى في البلاد حتى الآن وهو "سانت جورج" في توتينغ جنوب غربي لندن، لديه نحو ألفٍ و300 سرير. ويوجد مستشفيان آخران للطوارئ يتمّ النظر فيهما في"مركز بيرمنغهام الوطني للمعارض"، الذي سيضم 500 سرير، مع القدرة على زيادة نحو ألفي سرير آخر إذا لزم الأمر، وفي "مجمّع مانشستر المركزي للمؤتمرات"، وسيضمّ أيضاً 500 سرير، مع القدرة على التوسّع بنحو ألف سرير.
العقيد آشلي بوريهام، البالغ من العمر أربعةً وخمسين عاماً، كان في الأشهر الأخيرة من خدمته الفعلية، قبل أن يغادر مؤسّسة الجيش للانضمام إلى هيئة الخدمات الصحّية الوطنية، عندما أبلغ بأنه سيعمل في هذا المشروع. ويقول: "إنها وظيفتي الأخيرة في الجيش. قبل أسبوعين لم تكن لديّ أي فكرة. تلقّينا بالتحديد مكالمة هاتفية، وقلتُ وداعاً لزوجتي التي تعمل هي أيضاً على خطوط المواجهة الأمامية ض(ضد كورونا). حزمتُ حقيبة الظهر الخاصّة بي، وجئتُ إلى هنا. كنتُ قبل نحو تسعة أيام قد قابلتُ مسؤولي هيئة الخدمات الصحّية الوطنية، جلستُ معهم إلى طاولة، وقمتُ بما يجب عليّ القيام به. رسمنا خطة ونحن نتناول الشراب، وبعد ذلك بدأنا في وضع الخطة موضع التنفيذ وإنشاء المنتج. إنه المقياس".
وأضاف: "لدينا أنا وفريقي، كما جميع الأجزاء الأخرى من الجيش والخدمات الصحّية وكلّ شخصٍ هنا، المهارات والقدرة على القيام بذلك. لا يمكنني التأكيد بما فيه الكفاية على المهارات القيادية لبعض أفراد هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" هنا. لديّ الخبرة اللازمة، ربما لهذا المشروع بالذات، بمعنى أنني الشخص المناسب في الوقت المناسب".
وكان فريق الاستطلاع الأولي في مركز إكسيل مؤلّفاً من ثمانية أشخاص، وارتفع بعد ذلك إلى 200 فرد، مع نشر نحو خمسةٍ وستين شخصاً يومياً. وأشار إلى أن هيئة الخدمات الصحّية الوطنية هي التي تولّت المسؤولية. وتفاوتت مهمّة الوحدة العسكرية التي تضمّ جنوداً نظاميّين واحتياطيّين في صبّ الأرضية وتركيب الأسرّة ومدّ المشاريع الهندسية والكهربائية، وتوصيل الإمدادات الأساسية، وصولاً أخيراً إلى التخطيط الطبّي، وإنشاء قواعد بيانات المرضى وأنظمة الإدارة.
وأشار العقيد بوريهام إلى تجربة الجيش البريطاني في التعامل مع الأوبئة بالقول: "الجوانب الموازية تتمثّل في التجربة التي حصلنا عليها من خلال العمل مع شركائنا في غرب إفريقيا خلال أزمة "إيبولا"، ومقارنتها بالعمليات القتالية".
"التحدّيات هي نفسها لكن التهديدات مختلفة. إنها أكثر من ذلك، إنها نوعٌ من التهديد الخفي الذي لا يراه أحد".
أما الملازم مايكل آندروز البالغ من العمر أربعةً وعشرين عاماً، وينتمي إلى السرية A، الكتيبة الأولى في "الفوج الأنغلياني الملكي"، فكان في سيراليون في مهمّة تدريبٍ عسكرية عندما استُدعي هو وزملاؤه. ويقول: "تمّت إعادتنا قبل نحو أسبوعين. أبلغنا في البداية بأننا سنرجع لأنهم لا يريدون أن نعلق في سيراليون، ومن الواضح أنه مع إلغاء جميع الرحلات الجوية، فإنهم لم يريدوا أن نعلق في الطريق".
وأضاف: "عندما عدت، كنا جاهزين للمساعدة عند اللزوم. تمّ تنبيهنا إلى أننا قد نبدأ في تقديم المساعدة اعتباراً من يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، وقد وصلتُ إلى الموقع يوم الخميس. من الصعب ألا تجعل الأمر شخصياً... إنه شخصي لأنك تدرك تماماً أن أصدقاءك وعائلتك يمكن أن ينتهي بهم المطاف بالمجيء إلى مستشفى نايتينغيل الميداني. إنه أمرٌ شخصي لأنك تساعد في وضع الأسس لما يمثّله هذا الإنجاز المهم والرائع".
أما الرقيب مارك أندرسون البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاماً، وهو أيضاً من السرية A، الكتيبة الأولى في "الفوج الأنغلياني الملكي"، فكان قد خدم في العراق وأفغانستان ومع بعثة الأمم المتّحدة لحفظ السلام في جنوب السودان. ويرى أن "الحجم الهائل لما تمّ القيام به في مركز إكسيل والمرافق الأخرى هو ما يجعل هذه المهمة مختلفة من الناحية اللوجيستية".
ويقول أندرسون أيضاً: "كنتُ في الجيش على مدى خمسة عشر عاماً. لا أعتقد أن ما يحدث هنا يُقارن بأفغانستان والعراق. المهمّة هنا واسعة النطاق ولا أعتقد أن أي شخص قد رأى شيئاً بهذا الحجم يتحقّق من قبل. إن العدو الآن هو غير مرئي، ونحن جميعاً بحاجة إلى العمل معاً لمكافحة تفشّي المرض. أنا من منطقة إسيكس، أعيش حالياً في لندن، ووجودي هنا يشعرني كم هي غير مريحةٍ حقيقةُ حجم تفشّي المرض".
ويضيف: "عندما انضممتُ إلى الجيش لم أتوقّع حدوث أمر مماثل. لكن لدينا قدرة مرنة للغاية، والتدريب الذي نقدّمه لجنودنا هو على أعلى مستوى، للتأكّد من أننا مستعدّون لأي وضع أو حالة طوارئ وطنية نصادفها في طريقنا. نحن نعمل مع "الخدمات الصحّية الوطنية" وغيرها من الخدمات العامّة على نطاق واسع، ويساهم الجميع في الهدف الرئيسي، وقد عمل الجميع عبر بذل ما يستطيعون من الجهد لإنشاء هذا المكان، وتشغيله في أسرع وقت ممكن".
ويقول العقيد آشلي بوريهام أخيراً إن فريق العمل كان مدفوعاً بشعوره بالواجب تجاه الماضي، كما حيال الحاضر والمستقبل. "جئتُ من عائلة تخدم بلادها. فقد شارك جدّي في معركة "سوم" في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى، وما يحصل اليوم لا يختلف كثيراً، فأنا أشارك في معركة من نوعٍ آخر".
© The Independent