مع توالي تسجيل حالات جديدة لإصابات مؤكدة بفيروس كورونا في ليبيا، والتي وصل عددها إلى 17 حالة، أغلبها في مصراته وبعضها في طرابلس العاصمة، توالت النداءات الدولية المطالبة بالاستجابة إلى الحاجات الإنسانية العاجلة، التي تتطلبها مواجهة هذا الوباء العالمي، من قبل أطراف النزاع الليبي، يتقدمها فتح صمامات النفط المقفلة منذ أشهر وتسييل المرتبات للعاملين في القطاع الحكومي على وجه السرعة.
وتزامنت غالبية هذه النداءات، التي صدرت من الاتحاد الأوروبي والبعثة الأممية وسفارة الولايات المتحدة في ليبيا وجامعة الدول العربية، مع حلول الذكرى السنوية الأولى للعملية العسكرية في طرابلس، التي أطلقها الجيش الوطني الليبي، لانتزاع العاصمة من يد حكومة الوفاق في 4 أبريل (نيسان) 2019.
وباء كورونا
أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لحرب طرابلس، حث فيه أطراف النزاع الليبي على إيقاف القتال للتفرغ لمواجهة فيروس كورونا، الذي وصفه بالعدو الأول لليبيين والبشرية كلها في هذا الوقت الحرج.
وعبر الاتحاد عن استعداده لتقديم المساعدة لليبيا في المعركة ضد فيروس كورونا، قائلاً "عليكم فقط النظر عبر البحر لمشاهدة ما يحدث في بلداننا، لدينا أكثر الأنظمة الصحية تقدماً، ونحن من بين أغنى الدول على وجه الأرض ولا نقاتل بعضنا البعض، ومع ذلك ما زلنا نكافح ضد هذا الوباء، ولم يعد هناك وقت لنضيعه".
وحذر البيان أنه "بعد تسع سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، يواجه الليبيون الآن خطراً آخر يهدد بأخذ بلادهم إلى الهاوية"، مشيراً إلى أن "الهدنة الإنسانية التي طالب بها المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه مؤخراً لم تتم الاستجابة لها"، مؤكداً أن الهدنة هي "الطريقة الوحيدة التي تسمح باحتواء فيروس كورونا".
عودة النفط بتوزيع عادل
وشدد اتحاد القارة العجوز على "إعادة إنتاج وتصدير النفط، لتغطية الحاجات الضخمة التي تتطلبها الخطط والإجراءات لمواجهة فيروس كورونا"، داعياً إلى "ضمان التوزيع العادل بين جميع المناطق الليبية، ولصالح جميع الليبيين".
وتابع أنه "يتعين على جميع الأطراف الليبية الانخراط بشكل بناء في المحادثات، التي تسيرها بعثة الأمم، من أجل الاتفاق على تنفيذ تدابير اقتصادية ومالية عاجلة، بما في ذلك مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي وفرعه في الشرق"، قائلاً إنه "أمر حاسم في مواجهة أزمة فيروس كورونا".
التفرغ للوباء
من جانبها، جددت سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا دعوتها الأطراف الليبية إلى "وقف القتال وتركيز طاقاتهم على مجابهة فيروس كورونا الفتاك".
ودعت الأطراف الليبية إلى "التخلي بشكل عاجل عن القضايا التي تفرّق بينهم، وتركيز طاقاتهم كاملة على تعزيز صحة جميع الليبيين ومجابهة هذا الفيروس القاتل".
وشددت السفارة في إيجازها الذي نشرته على موقعها الرسمي على أهمية "أن تتوحد المؤسسات الاقتصادية والتكنوقراطية المعنية بسرعة، بروح من التماسك الوطني، وأن تتخذ جميع التدابير المالية المناسبة".
وأكدت السفارة الأميركية استعدادها لدعم جميع الأطراف الليبية (في هذا الجهد)، مشيرة إلى أن "حالة الطوارئ الصحية هذه تتجاوز السياسة والشخصيات، ويجب السماح لجميع المسؤولين عن مجابهة الوباء، سواء من حيث رعاية المرضى وضمان توافر الموارد المالية وتنفيذ سياسات إبطاء انتشار المرض، القيام بعملهم".
قتال في جبهة أخرى
وفي الاتجاه نفسه المندد بالحرب، والمطالب بوقفها بشكل فوري في ظل الظروف الجديدة، التي فرضها الفيروس، ذهب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بدعوته في بيان له، إلى "وقف القتال في عموم ليبيا"، مطالباً "بتوحيد الجهود للقتال في الجبهة الجديدة ضد فيروس كورونا وما يمثله من مخاطر".
وعبر أبو الغيط عن أسفه الشديد "إزاء استمرار المعارك بين طرفي الصراع، ما أفضى إلى تعثر جهود السلام التي كانت ترعاها البعثة الأممية في ليبيا".
أضرار اقتصادية جسيمة
في المقابل، كشفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن الحجم الكبير للأضرار الاقتصادية التي خلفتها الحرب في البلاد، التي وصفتها بوصف نادر ولافت حيث قالت إنها "حرب دولية بالوكالة".
وأعلنت البعثة، السبت، أن "ليبيا مثقلة بديون تصل قيمتها إلى مئات المليارات المحلية والخارجية، وذلك بسبب القتال الدائر في العاصمة الليبية طرابلس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت البعثة، في بيان، أنه "في حين أن ليبيا بلد غني بالموارد الطبيعية، إلا أنه الآن مثقل بالديون بما يزيد على 100 مليار دينار ليبي كديون محلية، ومليار دولار إضافية في الحدود الائتمانية لاستيراد الوقود المحلي و169 مليار دينار ليبي كالتزامات تعاقدية مستحقة".
وأضافت "أسفر الحصار النفطي الذي فرض في 17 يناير (كانون الثاني) عن خسائر مالية تتجاوز 4 مليارات دولار حتى الآن".
وقالت "لقد حال وجود مصرفين مركزيين منفصلين، دون القيام بأي إصلاح عقلاني للسياسة النقدية أو المالية، وأسهم بدلاً من ذلك في أزمة مصرفية محلية، من شأنها أن تفضي إلى خسارة مالية غير مسبوقة، إذا تركت من دون معالجة".
ويعيش المواطن الليبي ظروفاً صعبة في هذه الفترة، نتيجة انقطاع الرواتب للشهر الرابع، بسبب المناكفات السياسية في البلاد المتعلقة بالصراع حول النفط وإدارته وتوزيع موارده. وزادت حدة هذه المعاناة مع الإجراءات المشددة التي اتخذتها السلطات في شرق البلاد وغربها لمواجهة فيروس كورونا، وما تبع ذلك من غلاء في الأسعار وتهافت على المواد الاستهلاكية وتخزينها في البيوت خوفاً مما هو آت.
ثورة جياع؟
ويقول الصحافي الليبي فاتح الخشمي، "هناك حاجات إنسانية عاجلة في هذه الفترة للمواطن الليبي. وإن لم تتخذ إجراءات عاجلة لحل هذه المشكلات فأعتقد أننا مقبلون على كارثة إنسانية حقيقية، قد تفضي إلى ثورة جياع".
ويضيف الخشمي لـ "اندبندنت عربية"، "أنا أؤيد بشدة الأصوات الدولية التي نادت بتجنيب قوت الليبيين وأجورهم التي يعتاشون منها، مغبة الصراع الحاصل وعلى المصرف المركزي في طرابلس أن يسيلها على عجل، ويجب التفاوض لحل أزمة النفط قبل أن تحدث الكارثة الإنسانية في البلاد".