رأى جرّاح متخصّص في معالجة الأذيات، كان قد عمل في مناطق بعض أخطر الحروب حول العالم، أن العمل في الخطوط الأمامية لمكافحة أزمة فيروس كورونا، هي "تجربة مكثّفة" ولا تقلّ سوءاً عن "رؤية أطفالٍ يتعرضون للتفجير في مدينة حلب السورية".
وينحدر الدكتور ديفيد نوت جرّاح أذيات وأوعية دموية، من مدينة كارمارثين في مقاطعة ويلز البريطانية، وهو مشهور على مستوى العالم. وقد عمل جرّاحاً استشارياً في مستشفيي تشيلسي وويستمنستر اللندنيّ لثلاثةٍ وعشرين عاماً.
تحدّث الدكتور نوت الذي يتوجّه سنوياً مع وكالات الإغاثة الدولية إلى مناطق مزّقتها الحروب لتقديم خدماته هناك، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "ذا صنداي تايمز" البريطانية، عن تجربته في العمل على إنقاذ مرضى كوفيد- 19 الذين وضعوا على أجهزة التنفّس الصناعي في مستشفى سانت ماري في بادينغتون.
ووصف الطبيب الجرّاح الوباء بأنه "العدوّ الأكثر إثارة للرعب" الذي واجهه على الإطلاق. وحذّر من معاناة موظّفي "خدمة الصحّة الوطنية" ( إن إتش إس) هم أيضاً من اضطراب ما بعد الصدمة، لأن مكافحة الفيروس "تدمّر صاحبها عاطفيّاً". واعتبر أن الممرّضين هم "الأبطال الحقيقيّون" في هذه المواجهة، وأنه هو مجرّد "ترسٍ صغير للغاية في هذه الآلة المدهشة".
وقال إن بقاء "الممرّضين وهم يرتدون أقنعةً على وجوههم إلى جانب المصابين بالعدوى الذين يعانون من داءٍ خطير للغاية، لمدة 13 ساعةً في اليوم، هو أمر يسبّب الكثير من الانزعاج... لم يسبق لي أن رأيت أناساً يعملون بهذه الجدّية، فهم يستميتون من أجل أن يتمكّن كلّ مصاب من التغلب على مرضه". بيد أنه اعترف "لكن في بعض الأحيان يفوز المرض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار الدكتور نوت إلى أن فيروس كوفيد -19 يؤثر في المصابين على نحو مختلف من شخص إلى آخر، لكنه لا يرحم أحداً، ولا تزال كيفية فتكه بضحاياه لغزاً. وقال "هناك كثير من الأشخاص داخل الوحدة التي أعمل فيها، من فئة الشباب، في العشرينات والثلاثينات والأربعينات والخمسينات من العمر. أما لماذا يعاني البعض من أعراضٍ خفيفة، فيما يواجه آخرون مشكلاتٍ كبيرة ولا يلبث وضعهم أن يتدهور فعلاً بسرعة كبيرة، على الرغم من أنهم ليسوا ممن يشكو من أمراض سابقة، وهم لائقون تماماً من الناحية الجسدية، ويتمتّعون بصحّةٍ جيّدة، فهذا مازال لغزاً محيراً لا يفهمه أحد".
واعتبر أن المشكلة الرئيسة تكمن تحديداً لدى المرضى المسنّين، في أن التنفّس يصبح نشاطاً يتطلب "جهداً" كبيراً ما يجعلهم متعبين للغاية بحيث "لا يمكنهم استنشاق الهواء".
وقرر الطبيب الويلزي، الذي يدير مؤسّسة "ديفيد نوت فاونديشن" المعنية بتدربب الأطبّاء العاملين في مناطق الحروب والكوارث الطبيعية، إبقاء زوجته وابنتيه الصغيرتين في مساحةٍ معيشية منفصلة عنه داخل البيت، لتقليل خطر إصابتهن بالعدوى، لأنهن "سيكنّ فريسةً سهلة لأي شيءٍ يمكن أن أحمله معي لدى عودتي إلى البيت".
وشبّه الدكتور نوت ابتعاده عن أفراد أسرته بما كان يحصل خلال الحرب العالمية الثانية "عندما كان أولئك الذين يتمّ إجلاؤهم يُبعدون عن عائلاتهم". وأكّد أنه "لم يتصوّر أبداً" أنه سيتعيّن على الأطبّاء في المملكة المتّحدة اتّخاذ قراراتٍ في شأن من يعالجوا في المستشفيات هنا كما كان يفعل هو في مناطق الحرب، وتحديد "أيّ من المرضى يمكن أن يعيشوا، ومن منهم لا جدوى من محاولة إنقاذه".
وأعرب جرّاح الأوعية الدموية عن أمله في أن تؤدّي الأزمة الراهنة إلى "إعادة ضبط العقول حتى يدرك الناس أن الجنس البشري هو عائلة واحدة كبيرة... نأتي إلى هذا الكوكب مرّة واحدة فقط، فنحن جميعاً معاً أمام الأزمة، ويمكن لأي شخص بيننا أن يسقط في أي لحظة".
© The Independent