بعد سلسلة من الفضائح المدويّة في العامين المنصرمين، ونقاشات احتجاجيّة صاخبة عن تحوّله احتكاراً ضخماً، تتوالى تقارير غربيّة عن تدهور شعبية "فيسبوك"، خصوصاً في أوساط الشباب الأميركي. ووفق مصادر متقاطعة، تعرّضت سمعة ذلك الموقع الذي طالما صُنّف أوّلَ بين شبكات التواصل الرقمي الاجتماعي، إلى تشكيك واسع.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك الأمر، حلول "فيسبوك" في المرتبة 94 (نعم: ليس الأول ولا الثاني، بل الـ 94) بين الشركات الأميركيّة الأكثر مشاهدة بين الجمهور الإلكتروني في الولايات المتحدة. وجاء ذلك في استطلاع "آكسيوس هاريس" للشركات المئة الأكثر حضوراً لدى الجمهور الأميركي. وتبرز أهمية ذلك الاستطلاع في مناحٍ كثيرة، قد يكون أبرزها أنه يغطي الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2019، وهي الفترة التي شهدت مجموعة من المتغيّرات تتقاطع عند مشاكل الحفاظ على خصوصيّة بيانات الجمهور على الإنترنت، ومدى تأثير الأموال والسياسة، وطُرُق التعامل مع نصوص الكراهية على الشبكة، والتخبط في مواجهة استعمال الـ"سوشيال ميديا" في التجنيد الإلكتروني لتنظيمات الإرهاب الإسلاموي، إضافة إلى مشكلات التنمّر الإلكتروني، ودعارة الأطفال، والإتجار بالبشر (خصوصاً النساء)، والإدمان على الشاشات، والألعاب الإلكترونية المتصلة بالانتحار وغيرها.
وفي استطلاع "آكسيوس هاريس" نفسه، حلّت شركة "آمازون" في المرتبة الثانية، بأرقام ثبت أنها لم تتغير خلال الشهور الـ 12 الأخيرة. وفي المقابل، حلّت شركة "نتفليكس" في المرتبة الـ 24، لكن شعبيتها لم تتغيّر في تلك الفترة نفسها. ويلفت أن شركة "آبل" ومحرك البحث "غوغل" هبطا من التنافس على المرتبة الأولى إلى المرتبتين الـ 32 والـ 41 على التوالي. وعلى الرغم من ذلك، لا يقارن التدهور في صيت تلك الشركات مع الانحدار الذي طاول سمعة "فيسبوك" الذي سقط بصورة حادة بقرابة أربعين مرتبة في ذلك الاستطلاع!
ووفق تقديرات متداولة بين المواقع الشبكية المهتمة بمسار المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، يُرجّح أن المسائل التاليّة تقف وراء ذلك السقوط المريع في سمعة "فيسبوك" وتشمل أموراً كثيرة. في بدايتها، يبرز تأثير فضيحة "كامبردج آناليتكا" التي دوّت على مدار العام 2017. وتذكيراً، تضمّنت تلك الفضيحة أن شركة "كامبردج آناليتكا" تلقت أموالاً من بليونير أميركي مقرّب من الرئيس دونالد ترامب، واستعملت برنامجاً طوّره مهندس معلوماتيّة روسي كي تسبر آراء جمهور الـ "سوشيال ميديا" الأميركي، إبّان انتخابات الرئاسة في العام 2016. وثبت أنها لم تستطع ذلك إلا بعد "حصولها" على بيانات عشرات الملايين من الأفراد على موقع "فيسبوك" الذي تراوح موقفه بين التقصير في حماية تلك البيانات والتغاضي عن حصول "كامبردج آناليتكا" على تلك البيانات.
تعدّدت الأسباب والسقوط واحد!
تشمل أسباب سقوط سمعة "فيسبوك"، مجموعة من المشاكل المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2016، خصوصاً ما ثبت من تلقي "فيسبوك" أموالاً من مؤسّسات وأفراد، بهدف نشر إعلانات سياسيّة عليها. وتبيّن أن تلك الإعلانات استُعمِلَت في الترويج لما عُرِفَ لاحقاً بـ "ظاهرة الأخبار الكاذبة" التي أثّرت في آراء الجمهور الانتخابي الأميركي وميوله في التصويت. وواضح أن "الأخبار الكاذبة" ليست بعيدة من فضيحة "كامبردج آناليتكا"، لأن ما فعلته الأخيرة أعطى فكرة عن ميول الجمهور التي تولت "الأخبار الكاذبة" مخاطبتها وتحريكها واستثارتها!
يضاف إلى تلك المعطيات، وجود انتقادات من اليمين الأميركي شملت أنّ ذلك الموقع يعطي أولوية لأخبار تأتي من أوساط ليبرالية متنوّعة وغيرها. وفي السياق نفسه، تأتي مشاكل تتعلّق بانخفاض الكفاءة التقنية للموقع الذي لم يستطع حماية نفسه من اختراقات إلكترونيّة متنوعة، وتوجّس المدافعون عن الخصوصيّة الفردية من سياسة "فيسبوك" في ذلك الشأن. واستطراداً، بيّنت استطلاعات عدة وجود خشية مشابهة لدى الجمهور في شأن برامج المساعدة الصوتيّة مثل "إلكسا" وهي أداة البحث عن المعلومات بالصوت تصنعها شركة "أمازون" التي عانت أيضاً تدهوراً في سمعتها، بل يعتقد بأن يستمر ذلك التدهور في مستقبل قريب.
في شكل عام، حفلت الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2019، بمشاكل متكرّرة في شأن طريقة تعامل "فيسبوك" مع الإثنيات والأعراق والعنصرية وغيرها. وكخلاصة سريعة، يجدر القول بأن "فيسبوك" يواجه مشكلة عميقة تتعلّق بسمعته لدى الجمهور الواسع، وهي ربما تتحوّل أزمة فعليّة على الرغم من أن ذلك الموقع لم يعانِ حتى الآن من هبوط في أعداد جمهوره، لكنه ربما واجه أوضاعاً أشد تعقيداً من ذلك المعطى العددي!