تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في السودان صوراً لشباب سودانيين يقومون بحفر وتجهيز أماكن للدفن في إحدى مقابر العاصمة الخرطوم، في إطار مبادرة تهدف إلى الاستعداد لما سيحصده فيروس كورونا من وفيات، في ظل تزايد أعداد المصابين بهذا الوباء.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإن هذه المبادرة الشبابية تأتي في إطار الاستعدادات لمواجهة وباء كورونا خصوصاً بعد حدوث وفيات مفاجئة، حيث تم تجهيز 100 قبر جديد، في حين دعا هؤلاء الشباب أقرانهم في المناطق والمدن السودانية الأخرى إلى أن يحذوا حذوهم والقيام بمثل هذا العمل التطوعي من خلال تجهيز وحفر القبور، خصوصاً أن شهر رمضان على الأبواب، ما يخفف العناء عن ذوي المتوفين بسبب ارتفاع درجة الحرارة في هذه الأيام.
ولاقت هذه المبادرة تفاعلاً كبيراً من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من مختلف الفئات والشرائح، كونه عملاً إنسانياً يستحق الدعم والمؤازرة. وأشاد هؤلاء بروح التفاني والتكاتف والإنسانية وتوجيه الطاقات وشحذ الهمم نحو كل ما يؤدي إلى مساعدة الآخر في لحظات المحن وأوقات الشدة. ووضع ناشطون آخرون المبادرة، ضمن إطار التوعية بمخاطر كورونا ولفت الأنظار إلى أعداد الوفيات المتزايدة جراء الوباء القاتل، ما يستوجب الالتزام والتقيّد بالتعليمات والإجراءات الاحترازية الصادرة عن السلطات المختصة في البلاد خصوصاً من ناحية التجاوب مع قرار الحظر الكامل حتى تزول هذه الجائحة بسلام وبأقل الخسائر البشرية.
قدرات شبابية
وتعليقاً على هذه المبادرة، قال الناشط الاجتماعي بدر الدين جمعة إن "جائحة كورونا أظهرت القدرات الفائقة للشباب السوداني من مختلف الأعمار ووعيهم التام وتحملهم المسؤولية تجاه ما يحدق بالبلاد من مخاطر بسبب تفشي فيروس كورونا، فهبوا لتوعية المجتمع من خلال أفكار عدة تصب جميعها في خانة درء هذا الوباء والحيلولة دون انتشاره، في ظل الإمكانيات الشحيحة في قطاعنا الصحي"، لافتاً إلى أن المبادرات المجتمعية بشكل عام، بخاصة تلك التي تأتي في حالة الشدة ليست مستغربة عن المجتمع السوداني الذي تشيع فيه ثقافة التكاتف والتآزر، لكن ظهور هذا الفيروس المستجد الذي عُرف بمدى خطورته خصوصاً أنه ينتقل بالعدوى عبر رذاذ العطاس والسعال، زاد همة وعزيمة الشباب السوداني في العمل الطوعي من خلال مبادرات فردية ومجتمعية توعوية لمجابهة هذه الجائحة والمساعدة في تقليل أخطارها ومنع انتشارها في البلاد".
وزاد أن "مسألة حفر القبور وتجهيزها تُعدّ من الأعمال الشاقة والتي تتطلب لياقة وهمة، وهي فكرة رائعة خصوصاً أن شهر رمضان على الأبواب وحالات الإصابة في تصاعد مخيف، وبالتالي يكون هؤلاء الشباب قد خففوا كثيراً من المتاعب والصعاب عن أهالي المتوفين بهذا الوباء، فتتم مراسم الدفن بسرعة وسهولة، بعيداً من التجمعات والمخالطة عن قرب، وفي الوقت ذاته هي رسالة للمجتمع بأن يلتزم قرارات الوقاية من هذا الفيروس ويظل جالساً مع أسرته في منزله طيلة فترة الحظر حتى تمر هذه الأزمة بأخف الأضرار".
وتابع جمعة "الوضع في السودان يحتاج إلى تكاتف لتوعية الناس من مخاطر هذا الوباء، فلا زالت هناك سلوكيات خاطئة واستهانة بهذا الخطر القاتل، ومجالات التوعية كثيرة وكل عمل من هذا القبيل سيكون له أثر إيجابي في الحد من انتشار هذا الفيروس، فالأفكار التوعوية كثيرة ولا تحتاج كلها إلى مال بقدر ما تتطلب عزيمة وهمّة، حتى ولو بكلمات بسيطة تحض على الوعي إلى أهمية تطبيق النصائح الصحية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مبادرات عدة
كذلك، تأتي هذه المبادرة ضمن مبادرات أخرى أطلقها شباب ومنظمات من المجتمع المدني السوداني، خلال الأيام الماضية والتي قد تؤسس لواقع جديد يمكّن الناس من التعايش مع أي أوضاع مشابهة في المستقبل، مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي في بث رسائل توعوية حول كيفية الوقاية من هذا الفيروس عبر تصاميم وفيديوهات، فضلاً عن استلهام روح الثورة السودانية في التصدي لهذا الوباء من خلال الأهازيج والأناشيد الثورية التي ترددها مجموعات شبابية عند توزيع المطبوعات التوعوية والمعقِمات والكمامات مجاناً للمواطنين في الشوارع والطرقات العامة. كما تحولت دور الأحزاب والأندية الاجتماعية في مختلف مناطق ومدن البلاد وغيرها من الهيئات والمؤسسات إلى حاضنات لهذه المبادرات التي تصب جميعها في اتجاه التصدي للوباء بشتى الوسائل والسبل.
وبرز من بين المبادرات التي لاقت إشادة شعبية ورسمية، قيام مجموعة من الصيادلة بجهود فردية وطوعية بتصنيع وتوزيع معقم الأيدي مجاناً على عامة الناس، وذلك لمحاربة جشع بعض التجار الذين حاولوا استغلال هذه المحنة بخلق أزمة في معظم الأدوات الصحية المستخدمة في التعقيم. وتسعى هذه المبادرة إلى توفير كميات كبيرة من المعقِمات لخفض انتشار عدوى هذا الفيروس بين الناس، وذلك عبر تركيب محاليل معقِمة وتعبئتها في عبوات صغيرة لتوزيعها على المواطنين وعلى المستشفيات وأماكن التجمعات العامة لسد النقص الكبير في أدوات التعقيم بالصيدليات والأسواق.
وبدأت هذه المبادرة بمجموعة صغيرة من الصيادلة، لكن سرعان ما انضمت إليها أعداد كبيرة من زملائهم في المهنة، ما أعطاها صدى كبيراً في الشارع السوداني الذي يدرك أهمية التضامن والتكاتف من أجل تعزيز الجهود الحكومية ودعمها بمبادرات مجتمعية في مختلف المجالات تهدف إلى التصدي لأي انتشار محتمل للفيروس في بلد بالكاد تكفي فيه المستشفيات لتحمّل المرضى والمراجعين العاديين.
"كمامتك علينا"
ولم تقتصر المبادرات على العاملين في الحقل الطبي، إذ تجوب الشوارع سيارات مكشوفة يصوّر منها شبان، مشاهد توعوية كوميدية تحمل رسائل مبسّطة لتعريف الناس بالممارسات والسلوكيات والإرشادات الصحيحة التي يجب اتباعها من أجل تفادي الإصابة بفيروس كورونا.
كما أنشأت مجموعة من الشباب السوداني عقب الإعلان عن حالات وفاة بهذا الفيروس وتصاعد أسعار الكمامات الموصى باستخدامها، صفحة على "فيسبوك" باسم "كمامتك علينا" لتوزيع الكمامات مجاناً بمجهودهم الشخصي وتبرعات من بعض أصدقائهم وأقاربهم الميسورين.
كما تناولت مواقع التواصل الاجتماعي اختراعات لتصنيع مغاسل أيادٍ وماكينات تعقيم إلكترونية وغيرها من الأجهزة التي تكرس لثقافة التعامل مع الفيروسات والأجسام المعدية بطريقة إبداعية لافتة.
تزايد الإصابات
ويشهد الوضع الصحي في السودان تأزماً بسبب تصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا، حيث أعلنت وزارة الصحة السودانية تسجيل 33 حالة إصابة جديدة بالفيروس من ضمنها حالة وفاة واحدة، علماً أن 31 حالة من الحالات الجديدة سُجلت في ولاية الخرطوم، بينما سُجلت حالتان في ولاية الجزيرة توفيت إحداهما.
ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الصحة الثلاثاء، فإن العدد الكلي لحالات الإصابة بالوباء منذ بداية ظهوره في الصين نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ارتفع إلى 140 حالة متضمنةً 13 وفاة. ولفت البيان إلى أن المصابين يتلقون الرعاية الطبية اللازمة، مشدداً على أهمية التزام المواطنين بتطبيق واتباع الإرشادات الوقائية والتبليغ الفوري عن حالات الاشتباه حتى يتحقق الهدف من القرار.
ونوه البيان بأن طرق انتشار المرض تفاوتت ما بين المخالطة والقدوم من الخارج، في حين لم تثبت المخالطة والسفر لعدد من حالات الإصابة المسجلة.
ودخلت العاصمة الخرطوم ابتداء من يوم السبت 18 أبريل (نيسان) الحالي، مرحلة حظر شامل لمدة 21 يوماً تطبيقاً لقرار اللجنة العليا للطوارئ الصحية ومجلس الوزراء. ويهدف الحظر وفق وزير الصحة السوداني الدكتور أكرم علي التوم إلى تقليل فرص انتشار فيروس كورونا الذي بدأت الإصابة به بالتزايد، ما يتطلب مزيداً من الاحتراز والتشدد في الإجراءات.