بينما يراقب أصحاب القرار ومسؤولو ملف الشرق الأوسط في واشنطن، التحركات الإيرانية المتعددة والمعقدة في المنطقة، يتساءل المراقبون عن ماهيّة الخطط والاستراتيجيات الإيرانية، في وقت ينشغل فيه العالم بمواجهة وباء كورونا، وتركز إدارة الرئيس ترمب على انقاد شعبها من هذه الآفة، والعمل على عدم خسارة هذا الاقتصاد الجبار الذي بات ينزف من اجل دعم المواطن الأميركي في جميع الولايات.
وإذ تعمل أميركا على تضميد جراحها، نرى أن النظام الإيراني يحاول الاستفادة من هذا الوقت الضائع لتنفيذ عدد من الخطوات السريعة التي إذا ما جُمعت مع بعضها البعض تشكل استراتيجية مرحلية في تسجيل النقاط استعداداً لمواجهة السياسة الأميركية بعد انحسار موجة كورونا.، والسؤال الكبير هو: ماذا يحاول الإيرانيون القيام به في الشرق الأوسط من اجل إعادة التموضع؟ استعداداً للعودة الأميركية، وربما اهم من ذلك لملاقاة نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
إذا راجعنا التحركات الإيرانية المباشرة، وعبر الوكلاء في المنطقة، نرى عملية تحسين المواقع جغرافياً وعسكرياً واستخباراتياً واقتصادياً، وهذه لائحة مصغرة لما تحاول ايران فعله خلال وقت كورونا الضائع.
في اليمن تتلخص الخطوات الاستراتيجية الإيرانية بمحاولة كسب الوقت الاستراتيجي على محورين، الأول يتمثل في المراوغة لإيجاد حلول سياسية وميدانية للصراع بين الحوثيين والتحالف العربي، عبر تأخير آليات الحل تحت إشراف الأمم المتحدة، ونرى انه وخلال شهور طويلة لم تتوصل الأطراف الى أي حل عملي على الأرض، لتخفيف التوتر والانخراط في الآلية السياسية، انطلاقاً من مرفأ الحديدة وصولاً إلى الجبهات كافة. الحوثيون يعِدون بالحل السياسي، ولكن قواتهم على الأرض في شمال اليمن، تستمر في لعبة القط والفأر مع القوات العربية خصوصاً السعودية، أما خطة إيران في اليمن الجنوبي، فتتركز على تحرك الميليشيات المرتبطة بـ"الإخوان المسلمين" والمتواجدة في إطار الحكومة اليمنية المركزية وذلك عبر دفع هذه الميليشيات وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي لمواجهة دائمة تضعف الجنوبيين وتخرجهم من معادلة عزل الحوثيين. فعوضاً عن أن تكون القوى اليمنية موحدة في مواجهة الحوثيين، نرى أن الجزء "الإخواني" من القوات الحكومية ينتشر في رقع داخل اليمن الجنوبي، ويتصارع مع المجلس الانتقالي حتى في عاصمة الجنوب عدن، وبتقدير ايران هذه الخطة ستضعف خطط التحالف العربي.
في العراق تسعى السياسة الإيرانية الى الاستفادة من الوقت الضائع لكي تعزز نفوذها في الحكومة العراقية التي لم تتألف بعد، وعبر استمرار استعمال ميليشيات الحشد في طول العراق وعرضه، من اجل قمع الثورة العراقية التي انفجرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والهدف الأساسي لطهران هو ضرب الثورة وإجهاضها قبل العودة الى الشوارع مع انحسار كوورنا، بالإضافة الى اختلاق إشكالات بين بغداد وكردستان على الصعيدين المالي والاقتصادي، والهدف الأكبر مشاغلة القوات الأميركية وإبقاؤها في حالة من الحذر والتردد، كي لا تقوم بمد الجسور مع المجتمع المدني العراقي لعزل النفوذ الإيراني في العراق.
في سوريا السياسة الإيرانية تستمر في دعم بشار الأسد، وفي الوقت نفسه، تعزز قدراتها وتنشر صواريخها وتعزل المناطق الكردية بحيث لا تستفيد "قوات سوريا الديمقراطية" من انسحابها من الحدود الشمالية لتنظيم نفسها. أما في لبنان فمن الواضح أن "حزب الله" يهرول باتجاه قضم وهضم ما تبقى من مؤسسات أساسية للجمهورية اللبنانية، بعد أن سيطر على الرئاسات الثلاث، وأهداف إيران في لبنان تتلخص بتبديل في إدارة المصرف المركزي في بيروت، وتعيين قيادة جديدة لهذه المؤسسة المالية، تمهيداً لوضعها في الاستراتيجية الإيرانية لبيروت. أما الهدف الذي قد يلحق بابتلاع المصرف المركزي، فهو قيادة الجيش اللبناني حيث قد تسعى القوى المتحالفة مع "حزب الله" لإجراء تغيير في قيادة الجيش وإبعاده عن الأميركيين وتهيئة اصطفاف لبنان الى جانب سوريا والعراق، والهدف الأكثر ضرورة إجهاض عودة الحراك الشعبي الى الشوارع بعد انحسار كورونا، فاذا سيطر "حزب الله" على المؤسسات كافة، فإن أي تظاهرة سيتم ضربها وإلغاءها بواسطة المؤسسات الحكومية القانونية والمالية والسياسية.
وتستفيد ايران من الوقت الضائع حيال الخليج من اجل تعزيز تسليحها على الصعيد الإقليمي والاستمرار في الحملات الإعلامية ضد السعودية والدول الأخرى، لإضعاف همتها وعلاقتها مع الحليف الأميركي، أما يتعلق بالمواجهة الأميركية الإيرانية الذي يعد بيت القصيد هنا، فنظام الملالي يسارع خطواته من اجل إقامة توازن استراتيجي بإمكانه أن يجعل من عودة السياسة الأميركية لعزل ايران أمراً في غاية الصعوبة، ويتخيل قادة ايران انهم عبر تطوير الصواريخ الباليستية سيهددون الأمن القومي الأميركي بمجرد أن يعلنوا امتلاكهم لصواريخ قادرة على الوصول الى أوروبا وأميركا.
وعلى الرغم من تصفية قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني فإن الميليشيات المؤيدة لإيران في كل المنطقة تصعّد تهديدها للوجود الأميركي، وذلك يقود الى معرفة فهم طهران للمرحلة المقبلة، وفي الخلاصة فإن القيادة الإيرانية ترى أن الرئيس ترمب الآن منهمك بأزمة كورونا، وقد يخرج أضعف الى الانتخابات مع اقتصاد اقل قوة، مما يقلل من فرصه في معركة نوفمبر المقبل التي ينتظرها الإيرانيون للدخول في المرحلة المقبلة.